أقلام ثقافية

ما المقصود بقصيدة النثر؟ (3)

دائما في إطار ما يمكن تسميته بالنبش في أصل مصطلح "الشعر النثري"، في الأدب الفرنسي، اليوم أسافر بكم إلى القرن التاسع عشر دائما، قرن الرومنسية بامتياز، وقرن اتسم أكثر من سابقيه بنقاشات ومناظرات بين النثر والشعر، وهو ما أدى بدون شك إلى هذه التوليفة الهجينة، نتيجة، ربما لعناد جعل كل طرف يعتقد أنه على حق. أسافر بكم عند شاعر آخر عاش قبل ألويسيوس الذي خصصت له مقالتين، ويتعلق الأمر هذه المرة بشاعر لا يقل أهمية عنه: موريس دو كّيران Maurice De Guérin (1810-1839)، والذي توفي هو الآخر في ريعان شبابه متأثرا بمرض السل.

يتحدث الباحثون عنه بصفته أول من أبدع في الشعر النثري معتمدين في ذلك على كتاب صدر بعد وفاته، يتضمن قصيدتين شعريتين نثريتين:

باخوسية (la bacchante )، من باخوس  Bacchus، إله الخمر والمجون عند الرومان. لكن بعد الاطلاع على بعض المقاطع يفهم على أن الأمر يتعلق ب: Nymphe، ما يمكن ترجمته، كما هو الأمر بالنسبة لحورية البحر، بحورية الماء العذب والغاب في الأسطورة الإغريقية.

ثم القصيدة الثانية المعنونة ب: القنطور أو السنتور (le centaure (، وهو كائن خرافي في الثقافة الهيلينية دائما، نصفه إنسان والنصف الآخر حصان. إلا أن القصيدة الثانية هي التي أثارت أكثر اهتمام الباحثين واعتبروها أصل الشعر النثري. فنقرا مثلا ب littérature audio، ملخصا لهذه المجموعة: " يروي القنطور ماكاري، بعد أن أصبح شيخا قصة حياته لرجل. فيستحضر أجواء السلام في طفولته ، وحماس شبابه. ونلمس بأن الشاعر يعيره حركات حياته السرية، لأنه بالنسبة إليه فإن هذا العرق الأسطوري يمثل الرابط بين الإنسان والعالم عندما كانت الطبيعة البشرية والطبيعة الحقة تشكلان مزيجا متناغما". نص يعبر عن توجهه الرومنسي الذي كان سائدا حيث كانت تعتبر الطبيعة ملاذا للإنسان بعد ما خاب أمله مع ما سمي بالثورة الصناعية التي كانت نتيجة لأفكار الكلاسيكية" التنويرية".

ثم نجد باحثا آخر يتطرق إليه وهو جرمان تراميي (GermainTramier).

يقول هذا الباحث متحدثا عنه: "في يوليوز 1832، تخلى كّيران عن البيت "vers"(الشعر الراضخ لقواعده) ، ليغوص في النثر. بطبيعة الحال لم تكن تجربته الأولى، فقد سبق له أن كتب أول محاولة لا تحترم هذا التوزيع :

« Bal, promenade et rêverie à Smyrne ».

إلا أن هذه المرة كان التحويل بارزا ولافتا للنظر، وقد أصبح النثر هو عنصره".

ويتابع الباحث:

" في أول صفحة من يومياته "الكتاب الأخضر"( cahier vert)، يُظهر الشاعر كل ما يتعلق ببرنامجه الشعري، والأسلوبي، والموضوعي (التيمة) : وهكذا سوف نجد لدى الشاعر تيمة الربيع والبدائي والكوني".

وقد أكد الباحث على أن" البيت" (الشعر الموزون) لم يكن بالنسبة إليه سوى انشغال للحظة معينة، قد نعتبرها نزوة سرعان ما انطفأت مع قصيدتيه la bacchante، و le centaure ، اللتان يمكن اعتبارهما بمثابة مختبر للكتابة بالنسبة للشاعر.

وفي الأخير يعتبر الباحث أن" الكتاب الأخضر"، وهو عبارة عن يوميات، تدل على اهتمام الشاعر بالبحث في عالم اشكال الشعر، وهو عبارة كذلك عن تساؤلات متلهفة حينا، وحينا متضامنة ومتشبثة بما كان الشاعر يسميه، إبداع.

وأخيرا،لابد من الإشارة إلى أن تأثيره كان واضحا على الرمزيين، و رامبو ومالارمي وحتى بعض السرياليين. إلا انه ظل على ما اعتقد مجهولا وغير معروف، ما عدا عند بعض الباحثين الفرنسيين وربما بعض الفرنكوفيين، خاصة من كندا. وبطبيعة الحال، يظل غير معروف لدينا نحن العرب أيضا.

***

محمد العرجوني

......................

* اعتمدت على موقع littérature audio وعلى منشور الباحث Germain Tramier بموقع: sitaudis . وعلى ويكيبيديا فيما يتعلق بالمعلومات الشخصية.

في المثقف اليوم