أقلام ثقافية

بين شيخوخة الروح والجسد

لماذا يحزن المرء ويصيبه اليأس والجزع ويتغير سلوكه ومزاجه عندما يضع أقدامه على أعتاب الشيخوخة وهو يدرك تماما انها المحطة الحتمية في حياته ولابد ان يحط رحاله فيها مهما بذل من العناية والحرص في المأكل والمشرب والمسكن، لماذا يفقد حماسه وتلفه العزلة ويقضي أيامه يطلق الآهات على سنواته التي مضت ولا يفكر سوى بقطاره الاخير الذي سوف يقله الى عالم اللاّعودة،

اسئلة تجاوزت قلقها واختصرت اجابتها الممثلة الامريكية (بيت ديفيس 1908 ــ 1989 ) في عبارتها الشهيرة (بعمر الشيخوخة لا يوجد مكان للجبناء )، للأسف قلة هم الذين يتجاوزون قلق الشيخوخة ويستمتعون بحياتهم ويدركون انهم بتقدم العمر يصبحون اكثر حكمة وان حلم الحياة الأبدية مجرد وهم وبالتالي عليهم ان لا يدفنوا انفسهم في ظلام اليأس والانكفاء والعزلة بل عليهم ان يجعلوا من الشيخوخة مرحلة جديدة لكسب المزيد من البهجة من خلال الانشغال باهتمامات تجلب اليهم السعادة وتبعث في نفوسهم الأمل بدوام الحيوية دون الالتفات الى دخان سنواتهم المنطفئة .

 في مرحلة مبكرة من حياتي قرأت كتاب (غبار الأيام) لمؤلفه الكاتب اللبناني توفيق يوسف عواد الذي ضم مجموعة من الخواطر وفي واحدة منها يحكي عن قصة محكوم بالإعدام عندما تم اقتياده من مكان احتجازه الى ساحة مكشوفة نصبت فيها منصة الاعدام وكان الجو ممطرا طلب منهم مظلة تقيه رذاذ المطر، قد يبدو هذا الطلب غريبا للبعض لكن الرجل اراد ان يقول ان على الانسان ان يستمتع بالصفاء في كل ما اتيح له من فرصة ولآخر الدقائق في حياته وان لا يكدر صفوها حتى قطرات المطر .

 ان كما كبيرا من التراث الأدبي تناول محطة الشيخوخة بعضه وصف همومها مثل الجراح في الظهر وأخر وصف بياض شعرها بأرشيف الماضي ولكن ما لفت نظري من طرافة في التصوير والدقة في الاستعارة لمرحلة الشيخوخة هو قول الكاتب (العقاد) حيث وصف كيف تقدمت به السن (لقد كنت أصعد الدرج ثلاثا ثلاثا، وصعدته اثنتين إثنتين، وها أنذا أصعده واحدة واحدة .. كنت أصعده وبياض شعري يتوارى في سواده، واليوم أصعده وسواد شعري يتوارى في بياضه .

***

ثامر الحاج امين

في المثقف اليوم