أقلام ثقافية

واشتعل الرأس شيبا.. تأملات في فلسفة البياض والسواد

حرائق الزمن تتجلى في رأس الإنسان، الاشتعال بالبياض، ليكسو الشعر حلة .. ليست هي بالضرورة إيذانا بالنهايات الحتمية بل هي بداية الحكمة والغوص بعيدا في أعماق الذات واستكناه أغوار الحقيقة التي قد تكون في مرحلة ما لا ترها لأن عينيك عليهما غبش نقص التجربة ونحن نعلم أن مع كل حريق في الغابة تتجدد الغابة فالرماد يتحول إلى سماد فتنبعث الحياة من جديد كذلك الحرائق في غابة الحياة تتحول الخسائر إلى مكاسب ومغانم ..

الشيب في المفهوم الإسلامي هو نور فعن عمر بن  الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة) رواه ابن حبان، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لا تنتفوا الشيب، فإنه نورٌ يوم القيامة، ومن شاب شيبة في الإسلام، كُتب له بها حسنة، وحُطّ عنه بها خطيئة، ورُفِع له بها درجة) رواه ابن حبان وحسنه الألباني.

ماذا تحفل فلسفة النور، إلا الحقيقة الساطعة؟ فإنسان النور إنسان متبصر عميق الفكر، صافي الوجدان ينشد الحقيقة، وعقل النور بل الأنوار، عقل متفتح على ثقافات العالم، يأخذ منها ما صفا ويترك ما كدر، عقل يلتقط كل ما هوجميل من بساتين الإنسانية الخضراء ..

اشتعل الرأس شيبا، هو لحظة حمل مشعل الحكمة والعلم والمعرفة وتجاوز تجارب الشباب الناقصة، هو النظر إلى مرآة الذات نظرة عميقة حكيمة لا تركز على الشكلانية المادية التي تعتري الجسد بل تغوص في كنه الذات المتوارية عبر أزمنة الخيبات والانكسارات ..

وماذا عن فلسفة السواد؟ فاشتعال الرأس سوادا، هو بداية الشباب والخوض مغامرات البدايات وما يعتريها من نقص وقوة وغرور وسمو وانحدار، يغيب العقل أحيانا وتثور العاطفة وما أكثر اللحظات التي يغرق فيها إنسان السواد في بحر لجي، تقذفه أمواج التجربة إلى شواطئ مجهولة !.

فبين اشتعال الرأس سوادا والاشتعال بياضا مسافة من التجربة والخبرة والاستعداد وترك البدايات الناقصة والتخلي عن جموح عواطف الشباب العاصفة .

فأبشر يامن شاب شعره فهو نورك المشع وسط ظلمات ذلك اليوم الرهيب...

***

الكاتب والباحث في التنمية البشرية:

شدري معمر علي

 

في المثقف اليوم