أقلام ثقافية

قراءة انطباعية في رواية (جويريّة) للأديبة د. زينب المرشدي

لايخفى على القارئ الكريم أن العتبة الأولى عند تصفحنا لأي عمل أدبي كان أو غير أدبي هو العنوان.

والعنوان في هذه الرواية مثيرٌ للغاية فهو ملفتٌ كونه (جَذاَّب): (جويريّة). هذا الاسم هو تصغير محبب جداً لدى بيوتاتنا الجنوبية لذا نجد الجدات وهنَ يقمنَ بتصغير محببٕ لأسماء أحفادهن، جويرية مصغر لوردة الجوري أو كما تعرف بالورد الدمشقي أو المحمدي وهي تضوع بعطرها كما يضوع المسك وبطلتنا بعطرها.

كما الغلاف جميل متناسق تتوسطهُ صورة حالمة لفتاة بفستانها الأزرق الفضفاض وهي تنساب بسحر تداعب الأرض وهي تفترش الخضرة وكأنّها مقبلة على الحياة، بعنفوان وأمل كبيرين.

وهذا ما يدفع القارئ للغوص في محتوى الرواية التي أصدرتها الأديبة الدكتورة زينب المرشدي في عام ٢٠٢٢ م ب١٦٤ صفحة من القطع المتوسط بواقع ٣١ فصلاً شيقاً، عن دار السرد للطباعة والنشر يتضح له جلياً دون أدنى شك أن الولوج في الرواية بدافع انساني بحت.

(جويرية كانت تلك الفتاة صاحبة القصة الحقيقية التي سمحت لي أن أنقلها وأتصرف دون ذكر سمها

فكانت ذلك الصوت المدوي:

(شجاع ذلك الذي يتبنى الأطفال لأنه محروم من نعمة الذرية كنت قد قلتها سابقاً وأعيدها ماذا لو عالجنا المحرومين بالمحرومين).

الشفيرة ؟4380 جويرية

الكابوس المتكرر، الذي عانت منه البطلة هل ياترى يدخل هذا من باب الاستبصار لكشف المستقبل؟ قديكون كذلك.

كيف ستكون حياة بطلة الرواية في المستقبل، ما هي الصعوبات التي قد تنتظر جويرية في تحقيق ما تصبو اليه.

(تلك الهدية الغامضة المحملة بالهموم والعواصف والأمطار في أكثر الأوقات مدعات للسكينة والطمأنينة وقت الفجر وقبيل موعد أذان الفجر، حيث بدأ الليل يرفع أستاره السود ليحل نور الله محلّها)

وهي في داخلها هاجس عمل الخير وفعل الإنسانية بأرادة وعطف ومشاعر أمومة. (كان يمدّ لسانه باحثاً عن مصدر طعام نظر إلي بعينيه البريئتين ومد يديه الناعمتين لتمسكان بإصبعي، كأنه يبحث عن مصدر الأمان)

وها هو الكابوس يتكرر لكنها أتسمت بصلابة غير معهودة عند غيرها، ورقة قلب الأنثى وهي التي أعتادت على الحنو والعطف والشفقة.

ميزان القدر.

أجتمع لدى بطلتنا الضمير الحي، وقوة الشخصية، بالاضافة الى طبيعة عملها كباحثة اجتماعية فضلاً على الانسانية المفرطة التي يحملها قلبها المفعم بحب الخير

(كان جل اهتمامي وتركيزي هو معرفة الوضع الاجتماعي لكل طفل في المدرسة، ثم التركيز على الأيتام منهم، والإهتمام بسلوكياتهم وتصرفاتهم)

فكان التركيز على مشاكل الأيتام يأخذ جل تفكيرها وهي تتعامل مع مشاكلهم بعمق وروية

(راجعت ملفها المدرسي فعلمت أن أمها متوفية منذ أربع سنوات، وأن لها أختاً شقيقة وأخاً غير شقيق، وأن أباها متزوج من امرأة أخرى)

شتان مابين أن تكون مثقل بالمثالية الصماء وما بين أن تكون أنساناٌ يسعى أن يعيش بسلام، بأمان وكذلك يسعى أن يكون المجتمع أكثر جمالاٌ وأماناً وأن يشاطر الآخرين معاناتهم، حزنهم.

(ماما جويرية

فالتمعت عيناي وأبتسمت بذهول وفتحت

ذراعي فضمني بقوة وذهب راكضاً)

عاشت البطلة بين صراعات على المستوى الشخصي وما بين حياتها العائلية المتمثلة بعلاقتها بزوجها الذي تحب، والمجتمع المحيط بها من أم وأخوة، وبين نزعتها نحو الخير والانسانية، لتقول لنا ان الخير والإنسانية يثمر دائما وأبداٌ وظهر هذا جلياٌ بحب من حولها وأكتمل في بيت أكبر

فقد كان لثقافة الراوية وقدرتها البارعة في صنع حوارات أتسمت بالفطنة وجمال المفردة وهي تدعو لإيجاد حلول لمشكلة أزلية ألا وهي مشكلة المشردين والأيتام والخوض في معاناتهم وطرق ايوائهم وأجاد الحلول الناجعة لمعاناتهم ليكونوا أفراداً صالحين في المجتمع.

أتمنى كل الموفقية للمبدعة ولمزيد من الألق والابداع في مسيرتها الأدبية

***

كامل فرحان حسوني

 

في المثقف اليوم