أقلام ثقافية

فوائد قتل المشاعر...

هل المشاعر دائماً صديقة؟

هل يمكن دوماً الوثوق بها؟

لا، ليست دائمة صديقة

ولا يمكن دوماً الوثوق بها.

أحد أهم معوقات تطور الشعوب والأفراد هي المشاعر، هي أن نرغب أو لا نرغب، أن نحب وأن نكره، فالشعوب التي نهضت من هزائمها لم تفكر طويلاً بمشاعر الهزيمة، لم تتحسر، لم تنظر لمن انتصر على أنه إله على الأرض، بل لغت الشعور وتوجهت بكل قوتها فقط للإنتاج والعمل. وكذلك بالنسبة للإفراد، فكل من يتذمر من عمله هو انسان غارق في الشعور السلبي تجاه الآخرين والذي يعتقد أنه إيجابي تجاه نفسه، وهو غالباً ما يكون الأقل إنتاجاً في العمل.

أحد أهم عوالم تدمير الأسرة هو هذا الإغراق في الشعور، فحين يخون الزوج زوجته تبدأ الزوجة بتدمير الزوج ثم الأولاد وربما ذاتها لأنها لم تستطع احتواء ذلك الطوفان الهائج من المشاعر ونسيت أمامه أن هذا الرجل هو أب أولادها، وانه رغم خطأه يبقى زوجها، وأن بقاء الأسرة أهم من مشاعرها الغاضبة. وحين يخون الزوج زوجته لأنه بحاجه لنزوة عاطفية تُخرجه من روتين زواجه الطويل أو القصير الأمد، فهو أيضاً غارق بمشاعر قد تُدمر أسرته وتزرع بذور الحقد بنفس أولاده.

وحين تعظم معاناة أي إنسان لدرجة ألا يرى معاناة غيره، فسبب ذلك هي مشاعره التي لا تقبل بقدر الله تعالى له. لو أن كل منا يريد أن يفعل ويحصل فقط على ما يحب فكيف ستكون الحياة؟ حين يتم قياس الأشياء بمقياس المشاعر فكيف سيكون الوجود؟

وهناك فائدة مهمة لقتل المشاعر وذلك حين لا يجد الإنسان حل لمشكلة ما يعاني منها، تستنزف كل طاقته ولكنها لا تزول، ربما هي ابتلاء وربما هي اختبار، ما يجعل المشكلة شديدة الصعوبة عدا تفاصيلها الواقعية هو الشعور تجاه المشكلة والغرق بها، أحياناً كثيرة يكون الحل وببساطة بأن لا يشعر الإنسان، أن يقبل وجود تلك المشكلة حين لا تنفع الحلول، فالجزء الأصعب من أي مشكلة هو مشاعرنا تجاهها.

نعتقد أن الحياة مؤسسة على المشاعر، بينما الحقيقة هي أن الحياة أبعد ما تكون عن المشاعر، لأن لوجود كله قائم على دورة علمية منطقية لا مكان للشعور بها، حتى التعاليم السماوية قامت على جزأين الأول هو الالتزام بما أمر به الله تعالى دون جدال ودون أدنى التفات إلى ما نهوى أو ما لا نهوى. والجزء الثاني منه هو ذلك الشعور العميق بمحبة الالتزام بتعاليم رب العالمين محبةً له ورغبةً بإرضائه. فمن التزم لأن الدين فرض عليه ذلك له أجره، ومن التزم حباً لله فله مكانه أخرى في الوجود الدنيوي وفي الآخرة. وكذلك من التزم بما يفرضه عليه المجتمع من حقوق أو واجبات دون أن يلتفت لما يحب أو يكره فسوف تستقيم أموره وأمور من حوله. المشاعر تُشبه حديقة متعددة الفواكه منها لذيذ الطعم ومنها المر ومنها الحامض، ونحن فقط من نختار من أي منها نتذوق، ومن كانت حديقته ممتلئة بالمرارة فليغادرها ويعيش العالم الواقعي بتجرد ودون تحسر يزيد من مرارته وألمه.

***

د. سناء ابو شرار

 

في المثقف اليوم