أقلام ثقافية

الكتابة وصراع الأغلبية والمعارضة

نشَر كاتبٌ مقالا فتلقى اتصالا من أحد أصدقائه:

- ما كان عليك أن تكتب ذاك المقال يا أخي؟

- لماذا"

- لأن المعارضة ستستفيد منه وتوظفه في معركتها ضد الأغلبية.

- صدقت.

بعد أسبوع نشر الكاتب مقالا ثانيا، فاتصل به صديق آخر:

- كان من الأفضل ألا تنشر ما نشرته يا صديقي؟

- لماذا؟

- لأن الأغلبية ستجد فيه مدحا لها ولمنجزاتها. وطبعا ستوظفه في مواجهتها للمعارضة.

-  صدقت.

بعدها صار الكاتب يحسب ألف حساب قبل أن يخط حرفا واحدا، وكفّ عن الكتابة ما دام كل موضوع يُرخي بظلاله على مصلحة المعارضة أو مصلحة الأغلبية.

لم أعش هذه الحكاية، ولم أسمع بشخص عاشها، لكنها ممكنة الوقوع كلما وُجد كاتبٌ يبحث عن إرضاء الآخرين ويُريد لكلماته ألا يستغلها عمرو في حربه مع زيد أو زيد في حربه مع عمرو.

من أجل ذلك ينأى الكثير من الكتاب بأنفسهم عن الانتماء إلى هذا الفصيل أو ذاك..هذا الحزب أو ذاك..هذه الحركة أو تلك؛ بحثا منهم عن الحرية والاستقلال في التفكير والكتابة.

في الواقع لا يمكن لأي كتابة أن تنفك عن مصلحة جهة ما، إذ لا بد أن يجد المكتوبُ هوى أو نفورا في نفوس أشخاص داخل بعض الهيئات والمؤسسات أو خارجها.

ما العمل إذاً أمام هذا الانتفاع بالمكتوب، انتفاع الأغلبية أو المعارضة؟

العمل ألا يحسب الكاتب حسابا إلا لما يُمليه عليه ضميرُه.

العملُ أن يفكر الكاتب في القضايا والموضوعات التي يود الكتابة عنها، وأن يهتم بتجويد كتابته ويحرص - ما أمكنه ذاك - على الموضوعية والصدق، لا أن يفكر في تقاطع ما يكتبه مع مصلحة هذا الطرف أو ذاك.

العملُ أيضا أن تنشغل الأغلبية والمعارضة بقضايا الناس وهمومهم، وأن يبذل الطرفان مجهوداتهما لإصلاح البلاد ونفع العباد.

أما لعبة القط والفأر بين الطرفين فأقصى ما تؤدي إليه هو محاولة كل طرفٍ تشويه الآخر و"شَيْطنتَه" والتشكيك في نيته، وليس في ذلك ما يدل على ممارسة للسياسة بمعناها النبيل وقصدها الأصيل.

أما أنت أيها الكاتب المستقل فحَسْبُك النظرُ إلى الواقع المعيش، وانتقاد ما يبدو لك من قبيح، والإشادة بما تراه من حَسَن دونما نظر إلى شخص المسيء أو المحسن، ودونما نظر إلى موقعه ومصالحه، ودونما ابتغاء للتقرب منه أو الهجوم عليه. هكذا تستطيع أن تبقى "خارج القفص". وبالله التوفيق.

***

أبو الخير الناصري

في المثقف اليوم