أقلام ثقافية

القهوة كالحُب قليل منه لا يروي وكثير منه لا يشبع

قد لا يتصور الكثير من عشاق القهوة بأن شرابهم المفضل -الذي صنف بأنه مشروب الكتّاب والمدرسين والمعلمين، والشعراء وأهل الأدب والفن والمطالعين للكتب -  كان مثارَ جدلٍ فقهيٍ كبيرٍ استمر ردحًا طويلا من الزمن، بين فريقَيْن حول حليَّتها و تحريمها، اعتبر أحدهما أنها شرابٌ حلالٌ لا غبار عليه، ينما حكم فريقٌ ثان على شربها بالتحريم، نظرًا لتشابهها مع بعض المشروبات المحرمة للأضرارها الكثيرة والخطيرة على الصحة، الأضرار التي فنذه الشاعر إبراهيم ابن المبلط " 1583م" وجودها بقوله: 

أرى قهوة البّن في عصرنا

على شربها النّاس قد أجمعوا

وصارت لشـرابها عـــــــــادة

وليست تضـرّ ولا تنفــــــــــــعُ

الشهادة التي تنفي أي موجب لتحريم شرب القهوة، الإنتفاء الذي رجح كفة المؤيدين لإحتسائها، الذين سبق وانتفضوا ضد معارضة ومنع شربها، في فتنة التي اندلعت في مصر سنة 1534م،والتي انتهت بإحالة أمر القهوة إلى قاضي القضاة محمد بن إلياس الحنفي، الذي اختبر مدى تأثيرها على جماعات، فلم يلاحظ شيئًا، فأقرها على حالها، الذي أثبت بالشيخ محمد البكري الصديقي أن في معاقرتها تنفيسا لما يصيب النفوس من الهم والغم والكدر، ودفع به إلى دعوة كل من بصدره هم أو غم أو كدر إلى شربها  بقوله:

أقولُ لمن ضاقَ بالهمّ صدرُه

وأصبحَ من كثر التشاغل في فكرِ

عليك بشرب الصالحين فإنه

شرابٌ طهورٌ سامي الذكرِ والقدرِ

فمطبوخ قشرالبن قد شاعَ ذكرُه

عليك به تنجُومن الهمّ في الصدرِ.

وذلك لقدرة نكهة القهوة المتميزة ومذاقها الرائع ورائحتها النفاذة على التغلغل في نفوسِ شاربيها وإشعارهم بالرضا والراحة والإسترخاء، الذي يصعب على مدمنيها الشعور به من دونها، 

كما تحكيه القصة الطريفة لاكتشافها التي وردت في كتاب "القهوة القوة المحركة للتاريخ" للكاتب "ستوارث لي آلن"، والتي مفادها أن بدايات استخدام القهوة تعود إلى الراعي الإثيوبي الذي لاحظ تراقص معزاته بصورة هستيرية، كلما تناولت ثمرة معينة، والتي دفعه الفضول إلى تجريبها على نفس، فشعر بنفس النشاط والحيوية، فقدمها لمتصوّفٍ فساعدته على قيام الليل، وانتشرت  بين الناس وكأنها الحب كما قال محمود درويش بقوله: "القهوة كالحُب قليل منه لا يروي وكثير منه لا يشبع"، نفس القول الذي أكدته الكاتبة التركية إليف شافاق بقولها أن القهوة: مثل الحب، كلما صبرت عليها أكثر، ازداد طعمها حلاوة"، وعظم الاستمتاع بها بكل أشكالها، من القهوة السوداءBlack Coffee" أو "إسبريسو Espresso" أو "كابتشينو Cappuccino" أو "لاتيه ماكياتو" أو "أميركانوAmericano" أو اللاتيه Latte"أو" الكافي موكاCoffee Mocha" أو"دوبيو Doppio

ما دفع بمهتم بآداب شربها ، لنصح معاقريها بعدم التسرع في احتسائها،، سواء كانت معصورة من حبوب الأرابيكا (Arabica) التي تتربع كل عروش القهوة، أو من حبوب  الروبوستا (Robusta) وحتى إذا كانت من حبوب ليبركا (liberica)  أو اكسيلس ا (excelsa  الأقل شهرة، لأنها أخت الوقت، فلا تُشرب على عجلٍ،وإنما تُحتَسى على مهل، وفي الأجواء الهادئة الرائع البعيدة عن الضغوط، ومع صديق أو ضيف، كما قيل:"فنجان قهوة في جو هادئ ورائع هو الفعل الأكمل، وفنجان قهوة مع ضيف أو صديق هو الفعل الأسلم" 

وفي الختام:طاب يومكم قرائي الأفاضل، وطاب مذاق قهوتهم، وزكيت رائحتها .

**

حميد طولست

 

في المثقف اليوم