أقلام ثقافية

من هَمّ حلم الحياة ...

حين كان الكاتب الروائي  يخطط للبطل بأن يعيش في مستنقع زوبعة من مآسي أمواج هَمّ الحياة، وصف البطل وضعه الحياتي وسط بؤرة التوتر النفسي بأن (الرياح تأتي بما لا تشتهيه السفن). لحظة وأنا أتابع الأحداث المتلاحقة بالسرعة والتأني، أحسست أن البطل انتفض من صميم دلالة اسمه الافتراضي على الكاتب، ولم يَعُدْ يَقْدر على تحريك مسارات حياته مثل كراكيز ملاهي المواسم، لم تعد القدرة عند البطل في إرضاء (الكومبارس) المحتشد، وتوزيع الابتسامات الماكرة والطيعة، ولا حتى القيام أمام حضور قاعة العرض بنهاية تصفيقات باهتة وأخذ صورة يتيمة.

اقتنعت بالتمام النفسي، التعاطف مع البطل وبدون خلفيات سلبية ضد كتابة الكاتب المتحكمة في مسار مأساة وملهاة الشخصيات الرئيسية والثانوية. حينها وقفت عند أسئلة تصدر من شدة حنقه وتكتسي مطالب احترام  الذات وتصورات الحياة الاختيارية بالحرية لا بالعنف الفيزيائي الرمزي المتبادل. عندها  تساءل البطل ووجه استفساراته نحو الكاتب: لما تلق بي من مأزق لآخر دون أن تجد لي حلولا إيجابية أرتاح بها من كيد الحياة ؟ لماذا تعتبرني مسيرا في كتاباتك لا مخيرا؟ لما لا تحترم قدراتي العقلية، ومنطق التفكير عندي تجاه الخير والشر؟ لما تحاول الفتك بي قتلا في نهاية الرواية بالموت المأساوي؟ لما تصنع بوجودي لحظات من بكاء جماعية؟ لما تسترزق من تلك التصفيقات المدوية عن الألم والوجع؟ لما تبحث عن نهايات تغوص في دموع المظلومية، ولا تبدي رقصة الثائر المتحرر؟

يخاطب البطل الكاتب بحنق: أنا من اليوم لن ألعب أدوار البطولة الموجهة منك بمحو ذاتي وتفكيري وكيان وجودي، فرغم أني من جيل الافتراض والخيال فإني سأحمل قبسا من نور الصدق والخير، ويمكن أن أتحتمل معارضة أعراض الكذب والشر في كتاباتك. يتحرك البطل على الركح وهو يردد: أنا من ترمي به عنوة في حضن مصانع تدوير الأحداث المعفنة وهَمّ الحياة، ولا تنصفني عدلا إلا بالموت عند نهاية الفصل الأخير. أحسست أن البطل رمى بقلم الكاتب الأسود وخاطبه (أسدي أنا باغي نعيش، باغي شوية ديال الحرية). لما لا تغير دلالة العنوان (تأتي الرياح بما تشتهيه السفن) وتحيد النفي، وأتحرر منك !! ويمكن أن أعيش مطمئنا على مستقبل حياتي !! ودون خوف من غرق من الموت، والذي بات يراود كوابيس حلمي الليلي المتكرر كلما رأيتك تحمل ذاك القلم الأسود وممحاة البياض .

حين انتهى البطل من ثورته الفزعة ولأول مرة في وجه الكاتب، حين خمد أسفه الزائد والمفرط من إحساسات ظلم الكاتب. وجدت بأن الحق بجانبه وله الصدق الأكبر في تعرية المستور. تيقنت أن تفكير الكتابة قد تدنى من غضب ذَبِر السلبية والخوف، ومن خبايا مستقبل المريخ.

لأول مرة أرى أن البطل ينتفض على صانع أحداثه وهم حياته، وأصفق له وبدون توقف وهو في  الركح وحيدا. لأول مرة أرى البطل يطالب برؤية ايجابية. يرغب الثقة في الغد والمستقبل وبدون تحكم من الكاتب المستبد. لأول مرة أصفق على البطل لا على الكاتب، وأعترف له أنه كان يريد الحرية. لأول مرة وددت أن أحصل على نسخة من رواية (عندما يعود الرجال) والموقعة من البطل الافتراضي لا من الكاتب.

***

محسن الأكرمين

في المثقف اليوم