أقلام ثقافية

القراءة العميقة والقراءة الرخوة

مشكلة بعض الكتاب أنهم لا يقرأون إلا الكتب السهلة كالروايات والقصص والدواوين، لم يؤثثوا عقولهم بقراءات فكرية عميقة، لم يغوصوا في كتب التراث، ويتدبروا في المصنفات الدينية والتاريخية والفلسفية وفي سير العظماء، لهذا لا نستغرب ان تكون احكامهم في مسائل الدين و الهوية أحكاما لا تستند إلى منطق ولا إلى دليل فهي تعكس عقولهم المضطربة و أفكارهم المشوشة فليقتدوا بالعلامة محمود شاكر الذي أبحر في أعماق التراث قراءة وتدبرا وتعمق في علوم الدين ليخرج لنا دررا فكرية و ادبية ثمرة هذا السفر الشاق والماتع في طريق القراءة العميقة المتبصرة.

قال العلامة محمود شاكر في كتابه " المتنبي: رسالة في الطريق إلى ثقافتنا ": " ثم انْفتَح لي بابٌ آخر من النَّظَر، قلت لنفسي: "الشِّعر" كلامٌ صادِرٌ عن قلبِ إنسانٍ مُبينٍ عن نفسه. فكلُّ " كلامٍ " صادِرٍ عن إنسانٍ يريدُ الإِبانَة عن نفسه، خَليقٌ أنْ أُجْرِيَ عليه ما أَجْريتُه على "الشِّعر" من هذا "التذَوُّق".. فأَخذتُ أُهْبَتي لتطبيقِ هذا "التذَوُّق" على كلِّ كلامٍ، ما كان هذا الكلامُ. فأقدَمتُ إِقْدامَ الشَّبابِ الجَريء على قراءةِ كلِّ ما يقَع تحت يدي من كُتُب أسلافنا: من تفسيرٍ لكِتاب الله، إلى علوم القرآن على اختلافها، إلى دَواوين حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وشُروحِها، إلى ما تَفَرَّع عليه من كُتُب مصطلح الحديث وكُتُب الرِّجال والجرح والتَّعديل، إلى كُتُب الفقهاء في الفقه، إلى كُتُب أصول الفقه وأصول الدِّين، وكًتُب المِلَل والنِّحَل، ثم كُتُب الأدَب وكُتُب البلاغَة، وكُتُب النَّحْو وكُتُب اللُّغَة، وكُتُب التَّاريخ، وما شِئتَ بعد ذلك من أبواب العِلم، وعَمَدتُ في رحلتي هذه إلى الأَقْدَمِ فالأَقْدَم، كلّ إِرْث آبائي وأَجْدادي، كنت أَقْرؤه على أنَّه إِبانَةٌ منهم عن خَبايا أنفسهِم بلُغَتهِم، على اخْتِلاف أنظارهِم وأفكارهِم ومناهجهِم. وشيئًا فشيئًا انْفتَح لي الباب على مِصْراعيه، فرأيتُ عَجَبًا من العَجَب وعَثرتُ يومئِذٍ على فَيْضٍ غَزير من مُساجَلات صامِتَة خَفِيَّة كالهَمْس، ومُساجَلاتٍ ناطقةٍ جَهيرَة الصَّوت غيرَ أنَّ جميعَها إِبانَةٌ صادِقَةٌ عن هذه الأنفس والعقول".

أيها المشتغل بالكتابة والتأليف اقرأ قراءة عميقة وليست قراءة الكسالى المتسلين، القراءة الرخوة التي لا تهذب أسلوبك ولا لغتك..

***

الكاتب والباحث في التنمية البشرية:

شدري معمر علي

في المثقف اليوم