أقلام ثقافية

القواعد الثلاثة والعشرون لمن بلغ السبعين من العمر

حينما واجه الإنسان تحدي العيش في العراء فكر ببناء منزل يحميه من غوائل الوحوش والضواري، وحينما واجه الإنسان تحدي الجوع والعطش فكر باستصلاح الأرض وزراعتها وحفر الآبار وحمايتها، وحينما واجه الإنسان تحدي المسافات فكر بترويض الحيوانات واستخدامها في المواصلات . وحينما واجه الإنسان تحدي البحار فكر بصناعة السفن الشراعية، وحينما واجه الإنسان تحدي المرض فكر بالبحث عن الدواء وهكذا كان العلم هو الحليف الأول للإنسان على هذه الكوكب ومازال .

(أما أنا وبعد أن بلغت السبعين من العمر أكتب هذه النصيحة لمن هم في سني أو في طريقهم الى الشيخوخة المتأخرة، ولا أستثني نفسي منها، ولأحبائي الذين يقاربون عمري واكبر مني سنّاً وتجاربهم في هذه الدنيا الزائلة)(1).

1-  تقاعد ولا ترهق نفسك في اعمال تؤذي بدنك وترهق تفكيرك وعقلك مثل بيع السكائر والخضروات والمواد الغذائية ... الخ .

2- أعد توجيه اهتمامك ومسؤوليتك اللذين وجهتهما خلال السنوات الأولى من حياتك لمن حولك، وابدأ في توجيها وترتيبها لنفسك حصرا، لأنك دفعت ما فيه الكفاية للأخرين واليوم أدفع لنفسك فقط.

3 - قل للعالم كله: لم يبق لي من نفسي إلا سنين أقل كثيراً مما مضتْ، وإني لن أحمل هموم العالم.. سوف أبتعد عن تتبع الأخبار المقلقة والمخيفة، التي تبثها قناة الحدث والجزيرة والشرقية، كأخبار الحرب الروسية - الأوكرانية، وصراعات الساحة العراقية على السلطة والنفوذ، وحرب اليمن وفلسطين وليبيا وسوريا،ولم يعد العالم من مسؤوليتي ولا اهتمامي، فهو ورائي الآن ولن ألتفت إليه .

4- أطلب من أبنائك وعشيرتك الأقربون ألا يزعجوك بالأخبار السيئة ولا مشاكلهم.. وأن يحلوها بأنفسهم دون إقحامك فيها.

5- تجنب الدخول في جدال مع أحد فكلٌّ بعقله راضٍ ومقتنع.. فإذا قالوا لك أن المخلص سوف يظهر غداً، قل: لهم أهلا وسهلا بالقادم من عمق التاريخ العربي - الإسلامي .

6- تصدق على من هم أقل منك يسراً.. أو لمن أردت يوماً أن تقول له: شكرا، لقد جاء الوقت لردّ جميلك  .

7- اترك وَهْم أنك كبير قومك وذو خبرة وأنك مسؤول عن تصحيح أخطاء الآخرين وإنك المرشد .. وتذكر أن المتبقي لك في الحياة لا يكفي لتقاسمَه غيرك.. فراحة بالك اليوم أهم كثيراً من تصحيح أخطاء الآخرين .

8  - ركز فقط على الجانب المشرق في طبائع الناس.. وقلل من انتقادهم وأَكْثِر من الثناء عليهم لو بدر منهم ما يروقك .. فهذا سوف يعدل من مزاجهم ويحسن من المزاج المحيط بك.

9 - احذر من التصابي ولكن أهتم بمظهرك ولا تترك الأناقة  الملبسية، فأناقتك اليوم بمظهرك و في عقلك وسلوكك.. ولكن في هذه السن حري بأن يكون جوهرك أهم من مظهرك .

10 - لا تدخل في منافسة مع أحد.. تذكر أنك متقاعد والتقاعد هو أن تتفرغ لحياتك أنت وحدك.. لذلك اهتم بصحتك وترتيب محيطك وإعداد خطتك لسفرٍ مريح وأجواء جديدة تعيشها .

11 - لا تقطع علاقاتك بالآخرين وانتخب اصدقاءك المثقفين الواعين لكي لا تنهي حياتك بالوحدة القاتلة والاعتكاف المرير.

12 - لا تمنح الأولوية للأشخاص الذين يرونك خياراً ثانيا وثانويا، وكن انت في صدارة أهليك وأصدقائك ومعارفك مبعثا للتفاؤل ونشر المحبة والالتئام والحنوّ .

13- اجعل غايتك أن تكون مبتهجاً الى حدّ أقصى  واجهد بكل ما يجعلك تشعر بالسعادة، فانت وحدك مسؤول لتجلب السعادة والفرح في الحياة لنفسك، طالما العمر يمضي سريعا، فالأولاد والأحفاد جزء مهم ورئيسي  من رونق حياتنا ولكنهم ليسوا كل حياتنا.

-14استبدل الحزن والحسرة على ما فات بالنسيان واللامبالاة، وتصرّف بإيجابية، وتحرّرْ من خيفة وهلع الشيخوخة والهرم ؛ وتجوّل في حيّز حدائق الحياة  الوردية مهما صغرت واعزفْ عن أماكنها المعتمة والسوداء وإن كبرت وتفاقمت .

15- لا تكثر من استخدام الموبايل أو مواقع التواصل الاجتماعي لأنها ليست الحياة الحقيقية وكل ما عشته سابقاً هو الحياة التي علمتك النجاح والفشل، والخطأ والصواب .

16- لا تشغل نفس بلبس السواد والبكاء على الماضي البعيد كما يفعل بعض المغفلين، لأن الماضي قد مضى وعلينا بالمستقبل، فليس هناك خلود لفكرة معينة سواء كانت فكرة دينية أو اجتماعية فكل شيء يخضع لقانون التطور التاريخي .

17- لا تجامل رجال الدين كثيراً لأنهم يعدونك بالنار، والله يعدك بجنات تجري من تحتها الأنهار خالداً فيها .

18- لا تتشبث كثيراً بالعادات والتقاليد المجتمعية المتطرفة، وكما قال المفكر والفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو (يولد الانسان حرا ولكننا محاطون بالقيود في كل مكان) وقد يكون من التقاليد ما يعطل الانسان من التفكير السليم بل يضر في صحته ومزاجه وعلاقاته مع الاخرين.. وهذا لا يعني ان كل التقاليد سيئة بل هناك ما يدعى بالعرف وهو من الصفات الحميدة مثل الشجاعة والكرم.

19- لا تخف من الموت، لأنه حقٌّ على الجميع، فقد كان هتلر يهابُ طبيب الأسنان ويخافُ الأماكن المرتفعة، وكانَ كلٌّ من نابليون بونابارت وموسوليني يخاف القطط، تلك المخلوقات الظريفةِ من وجهة نظري. وهذا إن دلَّ على شيءٍ فإنما يدلُّ على أن الخوف عاملٌ مشتركٌ بين بني البشر.

20- فكر قليلًا هل أنت مستعد لكي تقابل الله عز وجل  أم لا؟ الأشياء التي تفعلها سوف تنفعك أم لا؟ إذا كانت الإجابة لا أنهض وقم بترك كل شيء، اركض  مسرعًا إلى الله ليغفر لك كل شيء، أدعو الله كثيرًا ، لأن الدنيا فانية وأنت تركض فيها لغرض الحصول على المال! والسعادة، تركض وتنسي أنها فانية لا ينفعك مال! ولا سعادة ولا حبيب ولا أي شخص من علي هذا الكوكب.

21- عدم الإساءةُ إلى الأصدقاء والمعارف، وما بات ينعتُ به البعض من مسمّيات صار موضة العصر لدى ضعاف النفوس المريضة، وممن ينادون بضرورة العمل على احترام الصداقة، إلا أنهم في قرارة أنفسهم من أشدّ الناس إيلامًا وخبثًا لأصدقائهم، ما يعني الإساءة لهم وتسخيرهم للقيام بأعمال لا تليق بهم.

22- توقّع المصائب يمكن ان يقودك لأخذ الاحتياطات . فمثلا، حين تتصور ان ولدك سيُّقتل في تظاهرات الشارع العراقي لأنه لم يحصل على فرصة عمل، عليك أن تسلحه بالمعرفة والوعي المجتمعي بعدم التعرض للقوات الأمنية وممتلكات الدولة والخاصة أو الأخرين.

23- حينما اشتريت بيتاً مطلع شبابك او سيارة او تلفون حديث، كنت تعتقد انه رائع، ولكن خلال وقت قصير جاذبية الحاجة ستتآكل ويتضاءل رونقها ولم نعد نجد فيها أي إثارة او اهتمام، لكن تصوّر خسارة شيء ما هو طريقة لتجديد تقديرنا له.

وانت على فراش الموات سوف تبقى قلقلاً على أبنائك وأحفادك لأن هناك حرب نووية مفتوحة لكل الاحتمالات، وحرب اقتصادية ثم حرب مقدسة دينية تلعب الكنيسة الروسية دور الإعلان عن التعبئة، وتأجيج الصراع القديم الذي استمر ثلاثة قرون، وهناك حرب غير معلنة في منطقتنا العربية والشرق المتوسط؟ وحروب بالوكالة وحروب اهلية مع ازدياد أعداد الهجرة غير الشرعية.

وتعاني مناطق شاسعة في العالم  من ظاهرة التصحر والجفاف، مما أدي الي رزح حوالي 800 / مليون أنسان للعيش تحت خط الفقر نتيجة الشح المائي والغذائي وآثار التغيرات المناخية والحروب.

وللآسف الشديد أن الانسان في الدول المتقدمة يتجه الى الإلحاد والزواج المثلي بدلا من أن يتضرع الى الله سبحانه وتعالى أن ينقذ البشرية من الورطة التي تحدث الأن من تهديد بحرب نووية مدمرة، سوف تحرق الجميع دون استثناء .

وهناك من يتوعدك بعذاب القبر: وهو العذاب الذي يسلطه الله على المخالفين والعصاة في قبورهم بعد وفاتهم إلى يوم القيامة، وهو ما يسمى بعذاب البرزخ وهو بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة، وقد ذُّكر في الأحاديث، وقيل أنه ذُّكر في القرآن، وما نسمعه من رجال الدين عند أقامه المآتم على موتانا، وما نسمعه من القنوات الفضائيات الدينية.

***

شاكر عبد موسى / العراق

كاتب وأعلامي

…………….

(1) جواد غلوم/ عندما تصل عتبة الشيخوخة / صحيفة المثقف الصادرة في أستراليا العدد 5859 في 20 أيلول 2022.

في المثقف اليوم