أقلام ثقافية

رقة المرأة وقوة الرجل

ختمنا حديثنا السابق بالقول: إن أصل الحكاية وسر السعادة أن يعشق رجل ذو حسابات دقيقة تحكمه الحقائق والمنطق في ميادين العمل - وهو في الوقت ذاته مبدع مبتكر أو فيلسوف في ميادين الحب- إمراة فطرية تعشق الجمال والإبداع والتواصل، وحينها يتناغم التعبير كما تمازجت النفوس إبتداءً، وتتلاشى الحيرة، ولا يسأل أحدهما السؤال الأصعب عند معظم الأزواج المتحابين: أين الحب؟!.

علّك يا شهرزاد راضية الآن ولا تتهمينني بالاجحاف!، وكيف لي أن أكون مجحفا في حق المرأة وهي أيقونة السعادة ورمز الجمال الى قيام الساعة؟.

شهرزاد: راضية الى حد ما لكنني لن أعلّق على قولك: إن المرأة تفقد بعضا من رقتها أن كانت ممن يستخدمون الفص الأيسر، تكفيني عبارة (أيقونة السعادة ورمز الجمال)، وبما أنك تتحدث عن الرقة، فدعني أعيد عليك سؤالا سابقا: مابال الرقة لا تجتمع في قلوب الرجال إلا في لحظة النظر الى الجمال؟.

شهريار: كأنك تريدين القول: إن "قلب المرأة رقيق على الدوام".. حسنا بمعيار المقارنة فإن قلب المرأة أكثر رقة عموما، وذلك متعلق بطبيعتها الخَلقية وميولها الى الجمال والتواصل، وأجد أن الله تعالى قد أودع فيها هذه الصفة لتتحمل أعباء الأمومة والتربية بشكل عجيب، وتلك هموم لا يطيقها الرجل، لكن المسؤوليات خارج المنزل تجبرها على بعض القساوة لتحفظ نفسها وتكونَ قادرة على المنافسة والنجاح، وكما أسلفنا: فان لاستخدام الفص الأيسر من المخ أثر كبير على تلك الرقة، ولك أن تقارني بين رقة قلب إمراة لا تنافس إلا صديقاتها في حسن تربية الأولاد وتعليمهم، او إعداد أكلة شهية والتحضير لحفل نجاح ولدها، او الإستعداد لخطبة إبنتها، وجل سعادتها في أمسية حانية تقضيها مع أفراد أسرتها أو جاراتها، وبين إمراة أخرى تنافس الرجال في المصانع، واختراع المكائن وتطويرها، وتلبس الزي العسكري وتساند الخطوط الأمامية في معركة حاسمة .

وكما ذكرنا مرار، فإن للحتمية البيئية آثر واضح في بناء التصورات الذهنية للرجال، والقائد العسكري أكثر صلابة وأشد بأسا من الطبيب البيطري في مزرعة غنّاء، فكيف لايكون لتلك الحتمية القاسية أثر سلبي على رقة قلب المرأة ؟!.

تلك القساوة جعلت الرجل مقتنعا بأن القوة هي أساس النجاح، وأن الضعف يعود به الى آخر السباق، والقوة التي أتحدث عنها لا تخلو من الإنسانية والرحمة والمحبة، بل هي تعبير عملي عنها، وفيما تتضرع النساء الى رب السماء ليرحم شهيدا في معركة ويشفي جريحا يحمله الرجل على كتفيه وهو يواجه الموت في كل لحظة على وقع القنابل المدوية، ونيران البنادق المجلجلة حتى يصل به الى الخطوط الخلفية حيث النساء (ملائكة الرحمة) يعالجْنَ الجرحى ويذرفن الدموع بدون توقف .

ولقد أنصف ليو روسكين الرجال حين قال: (الضعيف هو القاسي فلايمكن انتظار الرقة سوى من شخص قوي).

 تلك القوة ياشهرزاد تعبير حي عن رقة مخفية بين ضلوع الرجال لا يحركها إلا جمال المرأة وأنوثتها، فهي ضياء السكينة المتدفق الى قلب ينبض بقوة على مدار الساعة، وفي تلك اللحظات الحانيات تتسامى قوته الى عواطف رقراقة تسيل لها  دمعة المرأة، ويبتهج بها قلبها، وتبتسم لدفئها قسمات وجهها المتعب من طول الإنتظار لعودة المنافس الشديد الذي صار بين لحظة وآخرى أعذب من نسمة باردة في ليلة صيفية لاهبة.

شهرزاد: وما بال تلك القوة في ميادين التنافس لم تزد من رقة قلب المراة، إنْ كانت القوة مصدرا للرقة؟!.

شهريار: حسنا لك الحق في هذا الإعتراض، لكن ألا ترين أن رقة المرأة مستدامة بحبها للتواصل والجمال والمشاعر النبيلة؟، إنها تفتقد لهذه المعاني في سوح العمل والتنافس، هي لا تجد متنفسا لطبيعتها حينما تواجه صعوبات العمل، وهي في حذر دائم، تكابر على ميولها الفطرية حتى تعود الى مجالس التعاطف والتواصل مع منافساتها في ميادين الرقة والجمال، بينما الرجل يحقق ذاته في تلك الميادين ولايجد حرجا في خوض التحديات، ولا يركن الى السكينة إلا بعد يوم شاق وطويل، وليس فيما أقول إنتقاص من المرأة بل هو تميّز ظاهر في مساحات واسعة من الحياة، ولعلنا ندرك بعضا من ذلك التميز إن امعنا النظر في المعلمة والطبيبة النسائية والناشطات في مجال حقوق المراة والطفل، وصولا الى الموظفات في المنظمات الدولية الساعية الى تحقيق السلام في هذا العالم. 

ولنا أن نقول: إنْ كانت القوة مصدر المحبة والرقة في قلب الرجل، فان الرقة والمحبة في قلب المراة مصدر قوتها وتميّزها، وبينما يعبر آدم عن مشاعره  بإظهار قوته والوصول الى أهدافه، تستلهم حواء عزيمتها وتشحذ الهمم في نفوس من حولها عبر سيل من المشاعر النبيلة. 

***

بقلم: عمار عبد الكريم البغدادي

في المثقف اليوم