أقلام ثقافية

ملاك على الأرض

ملاك أبيض، فوق رأسه أكليل شوك، وهو يحوم حول الملكوت باجنحته المرفرفة، يروم الوصول إلى العالم السفلي باحثًا عن مزيد من اكاليل شوك تتوج رؤوس الأتقياء.

هل سيلتقى بأمثال إنانا أو ارشكيغال أو دوموزي المسكين؟ هل سيرى هناك العدل والمساواة و.. كأنه في بلاد سومر أو بلاد اوركاجينا او في بابل وهو يحضن حمورابي!؟؟ ام سيلتقي وكما ليليث وبازوزو، أو ربما سيلتقي بأتباع المسيح الذين يحملون تيجان الشوك على رؤوسهم، وهم يضيئون في عتمة العالم السفلي - الأرض!!

هبط الملاك ورأى من كل الأجناس، لكن من يحملون تاج الشوك الذي لا يؤذي أحد غيرهم نادرون، ألأنهم أتقياء صادقون ..؟ أم إنهم كانوا ينثرونه على من لا يتحمله.

تمشى الملاك الأبيض بهيئة إنسان وسط العالم الأرضي، عله يلتقي برجل صالح يتحدث اليه، هذا ما تكهنه الملاك، فحين عثر عليه سأله: أأنت السامري الصالح الجديد؟

وإذ بالرجل يجاوبه، كلٌ منا سامري صالح، ومنذ ولادتنا ولدت معنا طيبته وحسنه، لكننا المسؤولون عن التخلى عنها أو التمسك بها. الضعف هو أصل الشرور، الضعف أمام الشهوات او الرغبات السلبية كالكره والانتقام و.. الأمر لا يقتصر على مرحلة عمرية كالمراهقة مثلا، بل هو شيء نابع من دواخلنا ومن قناعاتنا ومن مستوى التفكير ومدى سطحيته او تعمقه.

فرد الملاك وهو مندمج مع حديثه، ولماذا يجب علينا ان نسامح؟

قال الرجل، ولماذا علينا أن نكره او نحقد او ننتقم؟

اذا كنا نشعر بالاستياء وعدم الرضى من تصرف أحدهم معنا، فهل من المنطق ان نفعل الشئ مثله؟ لماذا ننتقد السوء أو نبغض من احدهم او نكره و نحن ننزعج من ذلك؟ فنحن حينما نفعل مثله أصبحنا متساويين!! بينما عندما نسامحه فهذا يعني اننا غلبنا عليه وانتصرنا على الشر، بل ايضًا اثبتنا الفرق بين السيئ و الجيد.

قال الملاك، حسنا هذا منطقي نوعا ما، ما رأيك، هل على الإنسان الطيب ان لا يغضب ويكره بل يساعد الاخرين ولا يلقى المثل منهم، بل يلقى العكس تماما؟؟

فعل الخير والطيبة لا يعتبر خيراً وطيبةً ان كنا ننتظر المقابل منه، أكان من الإنسان او من الله، فهنا يصبح عملك مرفق بغاية المقابل، فكيف تقول لنفسك انا طيب او أساعد الاخرين ان كنت تنتظر ان تحصل شيء من هذا الفعل!!؟

قال الملاك في سره، وكأنه هو الملاك! أيعقل في هذا العالم الأرضي المليء بالسموم والسواد لا تزال هناك بعض من هذه الأفعال، فهذا رائع.

ودع الملاك الرجل، وهو في قرار نفسه سيعود قريبًا باحثًا عن أشخاص آخرين ليستفسر منهم حول حياة الأرض.

صعد إلى السماء عائدا يحمل الفرح، فلا يزال هناك الطيبة في هذه الحياة، فرغم كل السيئين فهناك الاتقياء دائما يتواجدون ليخففوا من اسوداد هذا العالم الأرضي، إنهم أشباه مانولي بطل رواية المسيح يصلب من جديد.

***

مريم نزار حنا

في المثقف اليوم