أقلام ثقافية

تكريم باحثة عراقية وابنتها في جامعة بطرسبورغ

هذا حدث ثقافي فريد فعلا من نوعه وطريف ومدهش ايضا، ومفرح طبعا بالنسبة لي لأنه يرتبط بعراقنا الحبيب (وما أندر ذلك في عصرنا المكفهر و المتجهم والمتشابك)، اذ اطلعت الان على خبر يقول، ان الكليّة الشرقية (حسب الترجمة الحرفية وكليّة الاستشراق في بعض المصادر، وكلاهما صحيح) بجامعة بطرسبورغ العريقة والعتيدة في روسيا قد قامت بتكريم التدريّسية (الاستاذة المساعدة) في تلك الكليّة الدكتورة يافعة يوسف جميل وابنتها، التدريّسية (الاستاذة المساعدة) هناك ايضا الدكتورة آماليا موكروشينا، وذلك لنشرهما المشترك عام 2019 كتابا باللغة الروسية صدر ضمن منشورات تلك الجامعة نفسها عنوانه - (وصف المخطوطات العربية)، وهو كتاب مهم جدا يحاول تعريف الطلبة الروس في جامعة بطرسبورغ بتاريخ هذه المخطوطات النادرة ومصطلحاتها ومواضيعها المتنوعة وكيفية الاطلاع عليها والتعامل معها .

ان المخطوطات العربية في مدينة بطرسبورغ تعد ثروة لا تقدر بثمن، وأذكر عندما زرنا جامعة بطرسبورغ بايفاد رسمي من جامعة بغداد قبل سنوات قد اطلعنا عندها على تلك المخطوطات، ولازلت مندهشا لحد الآن من الاجواء المحيطة بتلك المخطوطات من اجل الحفاظ عليها، اذ انها كانت معروضة في قاعات احد قصور القياصرة الفخمة، ومحفوظة في خزانات زجاجية معدّة لهذا الغرض، ويغطّونها بغطاء سميك خاص وداكن اللون من القماش يحميها من ضياء الشمس او المصابيح الكهربائية، وعندما كنّا نقترب من تلك الخزانات الزجاجية كانوا يرفعون الاغطية عنها ليعرضوها لنا، ثم يعيدون الغطاء رأسا، ولم يكن ممكنا ابدا لمسها باليد، بل كنّا نتأمّلها وهي في تلك الخزانات الزجاجية الخاصة، وكانت المخطوطات بحالة رائعة وكأنّها مخطوطة الان بالوانها الزاهية . تذكرت كل هذه الاجواء وانا اقرأ خبر التكريم للعراقية الاستاذة المساعدة في جامعة بطرسبورغ الدكتورة يافعة يوسف جميل وابنتها (العراقية حسب الام و الروسية حسب الاب) الاستاذة المساعدة في نفس تلك الجامعة الدكتورة آماليا موكروشينا، وربطت هذا الحدث الثقافي الفريد بعراقنا طبعا، ولكن ربّ من يقول، ان يافعة وابنتها هما في الوقت الحاضر جزء لا يتجزأ من حركة الاستشراق الروسية البحتة، اذ ان يافعة التحقت للدراسة بجامعة بطرسبورغ في اوائل السبعينيات من القرن الماضي، اي انها في ربوع هذه الجامعة العريقة حوالي نصف قرن تقريبا، وهي رحلة ابتدأت من الدراسة للحصول على البكالوريوس والماجستير والدكتوراه ثم الانتقال الى صفوف العمل في التدريس في نفس تلك الجامعة، وصولا الى درجة استاذة مساعدة، وبالتالي، فانها ابنة جامعة بطرسبورغ بكل معنى الكلمة، ولكننا نقول لهؤلاء، ان يافعة كانت وستبقى عراقية قلبا وقالبا (ومن سابع ظهر!!!)، وان كل هذه المسيرة العلمية الرائعة والمدهشة قد أكّدت عراقيتها، وليس عبثا، ان كتبها المنهجية العديدة التي نشرتها في روسيا حول تدريس اللغة العربية للروس قد تحولت الى مصادر دائمية في هذا المجال العلمي (المهم جدا لنا نحن العرب)، وان  بحوثها العلمية الكثيرة ترتبط باللهجة العراقية قبل كل شئ، وان هذه البحوث اصبحت في الوقت الحاضر مرجعا متميّزا ويعترف به الجميع في حركة الاستشراق الروسية بشكل عام، وليس هذا بالشئ اليسير وسط الاجواء العلمية المتطورة في روسيا، ولعل ابرز عمل قدمته د. يافعة يوسف جميل هو تربيتها لابنتها آماليا، والتي اصبحت - بفضل هذه الاهتمام الكبير من قبل والدتها- تدريسيّة في نفس جامعتها، والفرق الوحيد الان بينهما، ان يافعة – استاذة مساعدة في قسم الفيلولوجيا العربية بالكليّة، وابنتها آماليا – استاذة مساعدة في قسم نظرية التطور الاجتماعي لبلدان آسيا وافريقيا في نفس الكليّة ايضا، وهذه ظاهرة فريدة جدا، ويمكن للوالدة وابنتها ان يفخرا بذلك الواقع، ويمكن لنا ايضا ان نفخر بهذه الظاهرة النادرة حقا .

ختاما لهذه السطور، اريد ان اعلق على صورة رأيتها حول هذا التكريم، الذي قام به المجلس العلمي لجامعة بطرسبورغ (وهو أعلى مؤسسة علمية في تلك الجامعة)، اذ وجدت في تلك الصورة الام وهي تقف على يسار مندوبة المجلس العلمي للجامعة المذكورة وابنتها على اليمين، وهما يمسكان الشهادة الفخرية لهذا التكريم الفخري، والذي لا يقدر بثمن بالنسبة لهما، وبالنسبة لنا جميعا، في هذا الزمن الصعب، فشكرا يافعة وشكرا آماليا وشكرا للمجلس العلمي لجامعة بطرسبورغ، الذي قام بتكريم عملهما العلمي الرائد....

***

أ.د. ضياء نافع

في المثقف اليوم