أقلام ثقافية

أين تتواجد بوابة السعادة بمغرب الدولة الاجتماعية؟

سألني أحد المعارف قائلا: أين تتواجد بوابة السعادة بمغرب الدولة الاجتماعية؟ وقفت عاجزا عن الإجابة وعن اختيار تلك الطريق المنهجية السالكة لتمكينه من ولوج فضاء السعادة بالإقناع. لكن اعتبرت منذ اللحظة الأولى أن نظرته للحياة اختزالية ولا تحمل تعدد البوابات وطرق امتلاك معرفة السعادة التي تماثل قصة (حي بن يقظان) في تفكيره ووجدانه الروحي. بقي السائل رصينا في سؤاله، وينتظر مني الإجابة القطعية لخلوده ضمن بيت السعادة. حين شغلت آليات الاستدلال، وقفت أن منطق التماسك لا يستوجب السقوط في الإجابات المحاكاة، اكتشفت أن درس التنافر الفلسفي لا يبيح لي التأثير الفج في المشاعر واختيارات الخلاص.

حقيقة لا يمكن تناول سؤال السعادة في المنعرجات القاتلة، والابتعاد عن توصيف مضاعفات هم الحياة المتراكم. لا يمكن البحث عن أجوبة متناسقة لأسئلة بعيدة عن وظيفة اختيار الإنسان الطوعي في حمل الأمانة. لكن نبهني التلفاز في فرحة المغاربة بنتائج المنتخب في مونديال قطر 2022، فكان جوابي بسؤال استنكاري مضاد يبحث حتى هو عن منطقة التماس التكاملي بين الفوز في لعبة عالمية وعودة الفرح إلى عموم الشعب بلا منغصات الغلاء الفاحش. كان السؤال ماكرا مكر إخوة يوسف عليه السلام، فرغم أن تبخرت القناعة الكلية بالمنتخب الوطني، لأن المنجز والوصول إلى نصف النهاية أقل بكثير من المأمول في حلم نيل كأس العالم.

هنا تنفست الفرج من ثقل سؤال عجز الفلاسفة الكبار عن بناء مدينة فاضلة له. ارتبك ووجدت سائلي في حيرة من أمره، هل يمكن أن يعتبر منجزات المنتخب من بوابات السعادة الكلية للشعب؟ أم أن الفوز المتقطع من المنومات التمويهية، والفجوات كبرى بالدولة غير الاجتماعية؟ حقيقة أحسست بربح رهان حرب سفسطائية دون القيام بهندسة زمانها ومكانها، ودون التفكير وفق آليات المنهج التاريخي الاجتماعي والبنيوي. 

 لن أجسد أي جواب لسؤال: أين تتواجد بوابة السعادة، بنظرة ضيقة تقوم على الاستدلال الصوري بالسبب، والبرهاني بالعلة. ولن أحمل وصفة جواب مريح وشافي لمستجوبي، فقد تيقنت بالمنطق بأنه أتلف الخطى والتفكير في منجز الفريق الوطني المغربي بين باب للسعادة وبين بوابات لازالت مقفلة وحصينة بأقفال الإلهاء. هنا تراجعت وراء ولم أقدر عن تفكيك تلك الأسباب المتعددة لعدم الثقة في الحاضر ولا في المستقبل.

لم أمهل وظيفة اشتغال ذهنه بسرعة الطريق السيار، فناولته بمترادفات من قاموس التنمية الذاتية المستهلك بكثرة، وضرورة اقتلاع الأفعال السلبية من كل مسارات الحياة، واعتبار التهديدات فرصا لاقتناص حلول عقلانية للمشاكل. قلت له: ادخل الظلام حتى تجد النور، فتم فعل مصدر السعادة. فكلما اشتد عذاب الذات، زادت قيمة السلامة نيلا من معمودية النار. فالحل في تكسير أيدي الإحباط، في ألا يقف عاجزا عن الإجابة التي يبحث القبض عليها من لعبة البدايات الفلسفية، فقد انتهت سياسة الولاء المطلق للمشاعر والخيال وحتى الواقع، وبات هم الحياة يشكل العمى الاجتماعي في عدم الوصول إلى بوابة السعادة والرفاه الاجتماعي.

بحق كان سؤال مستجوبي فلسفيا بامتياز، وعشت إشكالات السائل والمسؤول في المعرفة الأرسطية والأفلاطونية، وفي البحث عن المخبوءات المنطقية وليس على تمويه الواقع وصناعة تعبئة مضاعفة للفرح الجماعي. فالتجارب علمتنا ألا نثق في موج البحار، ولا في ثلج الجبل، ولا في نار الغابة، فبعد الفرح الجماعي والذي انزوى بالقلة والتقليل عند احتلال الصف الرابع للمنتخب مكرها بالإمكانيات الذاتية وغياب مفهوم الوضوح في انتكاسة الفشل والهزيمة. ستتم عملية الافتراس لتلك السعادة والمتعة اللحظية من ارتعاش علاقة جنسية عاشقة تؤول بنهاية سؤال وجواب.

فالسعادة بمغرب اليوم والغد، تماثل آلة البيانو حين يصير طاولة أكل، بعد أن يفقد قيمة العزف النغمي، أوحين يصبح غير صالح بنهاية عمره الافتراضي. فحتى ولو كانت هذه النظرة خاطئة، وتحمل تماس الاستمرار في سياسة تدوير مفهوم السعادة من أجل تجويد قيمة الحياة ومعالجة الفوارق الاجتماعية، فالسعادة المطلقة قرينة بالتزجية والهروب من الواقع الشعبي المربك، وقد تكون بمضادات البحث عن سلطة السعادة المفقودة. بحق كان السؤال عن السعادة مقفلا من البداية، وبقي عالقا. لكن مستجوبي سألني ثانية إذا دخلت الظلمة فمتى سأجد بوابة النور؟ بقيت صامتا، وتعلمت أني كنت سفسطائيا.

***

محسن الأكرمين

في المثقف اليوم