أقلام ثقافية

لا فِرَاقَ يَا عِراقَ‬‬

إيهٍ يا عِراق...

 قَالَ قائلٌ بِخطابٍ ناصحٍ، وبتَودّدٍ مُخلَصٍ، ورُبَما بإشفاق ياعِراق؛

" أمَا كانَ أولى لكَ ياصاحُ يومئذٍ هجرَ العراق، وللفتنِ إستباق، وإنَّكَ أنبأتَنا أنَّ مآلَ العراقِ كهفٌ لخفافيش ليلٍ وسُرّاق، وقاعُهُ لبَولِها والبُزاق ".

 كلّا ياجليسُ كلّا!، فلا طاقةَ لحوصَلَتي أن تقذفَ تربةَ العراقِ بيمينِ الطلاق! كلّا ولا ناقةَ لبوصَلتي أن تَحذِفَ رتبةَ العراقِ بكمينِ الفراق! كلّا، رُغمَ أنَّ الحياةَ في دروبِ العراق ما بينَ عَدوِ سُعاةٍ وشَدوِ رُعاةٍ وبَدوِ فَلاةٍ باتت جَحِيماً لا تُطاقُ.

 وإيهٍ يا عِراق...

أمَا وإنَّكَ لتَعلَمُ مابيني وبينكَ من تلاقٍ ووفاق، يَا نبضَاً بينَ ثنايا العناق وحنايا التَّراقِ، وتعلمُ ما بيني وبين ضفائرَ نخلِكَ من شَبْكٍ بوثاق ياعِرَاق:

 فلَئِنْ أنتَ تَألَّقْتَ بِسُمُوٍّ فسَأَتَوَلَّهُ بِكَنَفِكَ، وَأتَرَفَّهُ في رُبُوعِكَ ياعِرَاق

ولَئِنْ أنتَ تَخَنَّقتَ فسَأتَأَوَّهُ بِدَنَفِكَ، وأتَأوَّهُ عندَ يُنبُوعِكَ ياعِرَاق

وَلئن مَالوا فقالوا: "الوطنُ هو حيثما يكونُ المرءُ بخيرٍ" ومُتَفَكِّهاً مع جلّاسهِ بإنفاق، فسيسيلُ ما لديَّ من قيلِ قلمٍ بإحتناقٍ، وسيَميلُ بإتّساق على صحابٍ ورفاق ياعراق؛

"كلّا، ولا إنحرافَ لطروقي عن عروقِ العِراق، حتّى تَبلُغَ منّيَ الرُّوحُ مَبلغَ التَّراقِ!

وإيهٍ ياعِراق...

عَقدَان بِمُرِّ الضُّرِّ قد مَرَّا، وأَنتَ مُحتَنِقٌ فكرةً وتأصيلاً بوجُومٍ مُرٍّ، وبإرهاقٍ ياعِراق.

عَقدَان بِضُرِّ المُرِّ قد ضَرَّا، وأنتَ مُختَنِقٌ بكرةً وأصيلاً بِسَمُومِ صَّرِّ، وبإنغلاقٍ ياعِراق...

فَلا بَيانَاً مِن ثَنَايَاكَ تَفرِزُ، ولا تِبيَانَاً بالأشوَاق يَتَعبَّقُ ياعِراق

ولا بَنَاناً مِن خَلايَاكَ يَبرِزُ، ولا بُنيَانَاً في الآفاقِ يَتَحَلَّقُ ياعِراق

ولا حَنَاناً مِن حَنَايَاكَ تَغمِزُ، ولا جِنَاناً بهِ الأحدَاقُ تَتفَلَّقُ ياعِراق.

بَغدَاديُّ وأبنُ بغدادَ أنا ياعِراق، وصِنفُ دَمِي راق، وهوَ ليَ راقٍ، وبِيَ بَاقٍ، ولغيركَ مِنَ الأمصارِ عاقٌّ ياعراق، فلا ولن يَستَوطنَ في أرجائها والآفَاقِ ياعِراق، فبغدادُ هيَ مَنبَعُهُ، وهيَ مُستَودَعُهُ، وهيَ لهُ التِّرياقُ ياعِراق. وماهَاجَرَ مِنها، ولن يهجُرَها ولو شُحَّت قطراتُهُ في أوردةِ التَّراقِ ياعِراق. بيدَ أنّهُ فيمَا هَهُنا هَمْساً إليكَ سيشكُو ببَثّهِ وحُزنِهِ من الأعمَاق ياعِراق، رُغمَ أنَّكَ بِعجَاجَةٍ صَفرَاءَ مُختَنِقٌ، وبِمجَاجَةٍ سودَاءَ مُحتَنِقٌ وكادَ أن يَضربَ صدرَكَ الإغلَاقُ ياعِراق...

هاهُما عَقدان قد مَرَّا...وعَينايَ لا تُطيقَانِ إنطلاقاً في "شارعِ الرشيد" رَغمَ التَّواقِ لدُرُوبِهِ والأشواق ياعِراق.

كيفَ ذاكا، ولمَ ذاكا ياعراق! ولمَ أضحَتْ دُرُوبُكَ دُرُوباً بالغَوغاءَ حَالِكةً، وفي الضَّوضاءَ دالِكةً، وبالجُهَلاءِ سالِكةً، حتَّى على شُجَيراتٍ فيها منزوعةَ الأورَاقِ ياعِراق، وأينَما تَوَلِّيَ مقلتايَ بنظرةٍ فَثَمَّةَ قُبَيصَةٌ مِن نذالةٍ برذالةٍ تَتَسَيَّدُ الدّروبَ والمِيادينَ بلا استحقَاق ياعِراق، فَتَرتَعشُ سَاعَتئذٍ مقلتايَ مِن سَوءَةِ المِيدانِ ومن نهيقِ الأبواق، فَتَتَقَهقَرُ مِنهُ بِوَجَعٍ من إفترَاق ياعِراق، وتفِرُّ لواذاً الى الدّارِ، وهي تحتنكُ دَمعَاً رقراق ياعراق.

أما وإنَّها ميادينٌ ياعراق...

 لا عِلمَ فيها ولا أذوَاق

لا فيها حَلمٌ ولا أخلاق

ولا فَهمَ فيها ولا خَلاقَ ياعِراق. أما وإنَّها مَيادينٌ...

 تَتَرَجَّجُ بِنفاقٍ وَبشِقاقٍ بإستِغراق

تَتَعَجَّجُ بِسِباقٍ والتِحاقٍ لإستِرقاق

وتَتَأَجَّجُ بإحتراقٍ مِن فُسَّاقٍ ياعِراق.

عَقدان مَرَّا... وَعَينايَ مَا رَأتْ "سَاحةَ الرَّصَافيِّ" لا بتحيةٍ ولا بِتَلاقٍ، ولن تطمعَ لعِناق! وَلَدُكَ الشَّاعِرُ "معروفٌ" ومعروفاً لديكَ، هو كاتبُ قَصيدَةِ (الإملاقِ) ياعِراق، أنا ما رأيتُ ساحتَهُ رُغمَ أنَّ جَسَديَ مُعافى وكامِلُ الأوصاف، وَرَشَدَيَ مُوافى وحاملُ الإِنصافَ، ومَا أنا بِمُعاقٍ ياعِراق، ثمَّ إنَّ داريَ قريبةٌ مِن سَاحةِ (صَاحبِ قافيةِ الإملاقِ)، وحذوَ ما أحِيطَ بها من أسواق ياعِراق، لكنَّ...

عَينِيَّ تَتَخَوَّفُ من طأطأةِ لوعٍ وأسى أن تَتَرَمَّدَا بإلصاق

وجفنِيَّ تتأفَّفُ مِن تأتأةِ علَّ وعَسى أن تَتَأَبَّدَا بإنطباقٍ ياعِراق.

ألَايَا عِراقَ مَتى تَعُودُ وتَتَنَفَّسُ من صُعَداءَ الأحداقِ يا عِراق

ألَايَا عِراقَ مَتى تَسُودُ وتَتَلَبَّسُ برِداءَ العملاقِ يا عِراق

فإختِنَاقُكَ ليَ خَانقٌ، بَيدَ أنَّهُ لا فِراقَ بَينيَ وبَينَكَ ياعِراق، وإحتِنَاقُكَ ليَ حَانقٌ ولكن لا فراق، وذاكَ وعدٌ منّي وعهدٌ بِيمينٍ بميثاق، حتَّى تَبلُغَ منّيَ الرُّوحُ التَّراقِ ياعِراق

وأنّى لأمرئٍ إستبدالُ فُومِها وبَصلِها بسماءِ دجلةَ، وبماءِ فراتٍ رقراق ياعراق!

لعَمريَ أنّهُ إستبدالٌ دالٌّ لإنزلاقٍ، وماهو إستهلالٌ هالٌّ بإنعتاقٍ يا عراق، لكنَّ أكثرَ العشّاقِ لا يفقهونَ هولَ هذا الإستبدالَ وهذا الإختراقِ ياعِراق.

               سلاماً ياعراق

             ولَا فِرَاقَ يَا عِراق

***

علي الجنابي

 

في المثقف اليوم