أقلام ثقافية

براءة الثقافة تتجلى في خصوصيتها

حينما يتعلق الأمر بالحديث عن اختراعات علمية (طبية أو تكنولوجية إلخ..)، تصبح بعد تسجيل البراءات وإنهاء الإجراءات القانونية، في متناول الجميع ولا تراعي الخصائص "العلمية" لكل بلد.

هل يمكن التعامل بنفس الطريقة حينما يتعلق الأمر بالثقافة أو الأدب؟ هل سمعنا مثلا أن المدرسة الكلاسيكية أو الرومانسية أو الواقعية أو السريالية، سجلوا براءاتهم؟ وهل يمكن أن تصبح هذه المدارس في "متناول" الجميع؟ وكيف يمكن التعامل معها؟ أي كيف يمكن اعتبار كتابات مثلا، أنجزت بالبلدان العربية على أنها كتابات كلاسيكية أو رومنسية أو واقعية أو سريالية؟ هل نختلق معايير خاصة بالثقافة العربية أم نتكئ على معايير الثقافة الغربية في اضفاء هذه المفاهيم على ما يكتب في البلدان العربية؟

هذه الأسئلة، وربما أخرى لم استحضرها الآن، هي التي وجب على كتابنا ونقادنا التعامل معها حينما نتحدث عن المثاقفة. لأن الثقافات الأدبية تتأثر فيما بينها لكنها لا تأخذ منحى الثقافة العلمية. بالنسبة للثقافات الأدبية، فإننا نتحدث عن الخصوصية خلافا للثقافة العلمية. وحينما نستحضر عامل الخصوصية فإننا نكون أمام نوعين من المثاقفة. فهناك المثاقفة الإيجابية، وهي التي تغني الثقافات التي تتفاعل فيما بينها من غير أن ترضخ إحداهن للطمس أو للاستلاب، خلافا للمثاقفة السلبية. وأين تتجلى هذه الخصائص؟ أركز على الخصوصية الاجتماعية، لأن الثقافة وليدة المجتمع، وهي بمثابة الرمز لكل مجتمع، بل هي البراءة التي تحفظ خصوصية كل ثقافة.

على ضوء هذه الفكرة نتساءل مثلا: هل اختيار كتابنا ونقادنا العرب مصطلحات الكلاسيكية أو الرومانسية الخ... وإلصاقها بإبداعات شعرائنا أو روائيينا، اختيار سديد؟ هل هذه المصطلحات التي هي في حقيقة الأمر مفاهيم لأنها محملة بالفكر والفلسفة والموسيقى والهندسة المعمارية الخ... وظهرت نتيجة لحراك اجتماعي وسياسي وثقافي غربي لم تعشه بلداننا العربية، هل تعبر فعلا عن سياقنا الاجتماعي والسياسي؟

بطبيعة الحال، هذه التساؤلات ما هي إلا صيغة لوضع الإصبع على الإشكالية ونفكر بجدية على أن كتابنا ونقادنا لم يستوعبوا "المفاهيم"، بل انبهروا فقط بالمصطلحات، أي بالقشور فقط. وهكذا تحدثوا عن الشاعر الفلاني رومنسي والآخر كلاسيكي (والطامة الكبرى حينما ينزلقون ويلبسون معنى القديم لمفهوم الكلاسيكية)، والآخر سريالي، وهنا العبث واللخبطة فنفرغ السريالية من منظورها الفلسفي الذي تأسس على الصدمة القوية بعد الحرب العالمية الثانية، وتأثر بالتحليل النفسي وتفسيرات فرويد حسب نظريته المبنية على الهو والأنا والأنا الأعلى، الخ...

خلاصة القول، إن هذا "النقل" من قبل كتابنا ونقادنا، أفرغ المصطلحات من مفاهيمها وألصق "رمز" سلعة لم نساهم فيها، بسلعتنا، وأصبحنا كمن يصنع مثلا لباسا محليا فيلصق عليه "رمز" شركة غربية مشهورة عساه ينافس السوق العالمية.

وما يقال عن هذه المدارس، يقال عن موضة "الهايكو".

***

محمد العرجوني

 

في المثقف اليوم