أقلام ثقافية

اشعرُ الناس كما رآه الحكماء

"سُئل حكيم أيهم أشعر الناس؟ فأجاب: كلٌّ في نظر نفسه إلا هوميروس في نظر كل الناس".

طُرفة رائعة وشائعة- وردت في كتاب "نُقل الاديب" لمحمد اسعاف النشاشيبي

حقيقة تفرض نفسها بقوة ما تنطلق منه من منطق. يقينًا أن كلّ مَن يصفّ بعضًا من الكلام.. كلمة في السطر.. وأكثر في السطر الثاني.. وهكذا في الثالث.. يعتقد أنه يكتب شعرًا، ويتوقّع أن يرقص له الناس طربًا، كما توقّع الشاعر القديم شُميم الحلي، عندما كتب أبياتًا شعرية وقرأها لضيف زاره غبًا.

أكتب هذه الكلمات بعد ما رأيته وسمعته من إخوة ما زالوا في بداية طريقهم الادبي، فما أن تلتقي الواحد منهم حتى يفيض عليك بكلام تكاد أمواهه التائهة تسحبك ضمن فيضاناتها وتغرقك، فأنا وأنا وأنا.. استمع إلى ما جادت به قريحتي من أشعار نادرة، واصغِ إلى تفاصيل قصتي الأخيرة لتتحسّس الابداع الكامن فيها، ليخشع قلبك بالتالي إجلالًا واكرامًا لملكوت القول.

من حق كل كاتب أو شاعر أن يكون واثقًا من نفسه، بل من واجبه، إذ بدون الثقة بالنفس لا يمكن لكائن كان أن يُبدع وأن ينتج، إلا أن الثقة بالنفس شيء والغرور شيء آخر... دع الآخرين يا أخي يتحدّثون عنك وعمّا ابدعته، إياك أن تقوم أنت بهذه المهمة، فهي ليست من شأنك وليس من حقك أن تبادر إليها على الطالع والنازل، وليكن في علمك أن هناك نوعين من الذوق، الذوق الشخصي (كلٌّ في نظر نفسه ..)، والذوق العام (إلا هوميروس..)، فأنت قد ترى في نفسك شاعرًا مفلقًا، في حين يرى فيك آخرون مُقرزمًا مبتدئًا ما زال في مُبتدأ القول ويحتاج إلى وقت طويل حتى يبدأ في ارتقاء سُلم الشعر العصي.

توضيحًا لما أهمس به إليك، أقول إن الذوق الشخصي يبقى شخصيًا مَهما حاول التأنق والتجمّل، أما الذوق العام فإنه يُحلّق في أجواء الجميع، فإذا ما ادعى أحدهم.. لغرض في نفسه، وهذا حدث ذات لقاء أدبي، أن الكاتب العربي المصري نجيب محفوظ، مثلًا، لا يُعجبه، فهذا يمثّل رأيه الشخصي الخاص، ذلك أن هناك إجماعًا على أن هذا الكاتب أثبت نفسه وحظي بإجماع واسع على كينونته كروائي مبدع.. ضمن الذائقة العامة.

موجز القول إن الكاتب او الشاعر او الفنان المبدع الحقيقي، لا يتحدّث عن نفسه، ولا يُطلق عليها الألقاب، وإنما يدع هذا للآخرين، فهم من سيقرّرون في النهاية وليس هو، وعليه لنردّد بعدها مع شاعرنا العربي العريق ابي الطيب المتنبي، في موقف ذي صلة:

أنام ملء جفوني عن شواردِها

ويسهر الخلق جرّاها ويختصم

***

بقلم: ناجي ظاهر

 

في المثقف اليوم