أقلام ثقافية

أهمية الغابات للسياحة

للغابات أهميات اقتصادية وبيئية وسياحية وصحية واجتماعية وثقافية جمة. أما السياحية منها فتكمن في كون الغابات من أهم المغريات (المجذبات) السياحية التي تستأثر باهتمام الزوار والسياح لغناها بالأحياء الحيوانية والنباتية ومختلف الأنظمة الايكولوجية وأوجه التنوع الايكولوجي (مغريات طبيعية)، ولشتى الأغراض، مثل: التريض، التخييم، الاستجمام، التصوير، الترفيه، الاستظلال، وممارسة بعض الهوايات مثل الجري والمشي وتسلق الأشجار وصيد السمك والتمرجح وهواية جمع النباتات والحشرات وغيرها. وهي مرتبطة بأنواع وأشكال شتى من السياحة، مثل سياحة الغابات والسياحة الايكولوجية والسياحة الريفية والسياحة الرياضية والسياحة الصحية وسياحة مراقبة ومشاهدة الطيور والفراشات وسياحة الاحياء البرية والسياحة الايكولوجية والسياحة منخفضة الكربون التي تساهم باقل قدر ممكن في انبعاثات الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري التي سجلت ارتفاعا على المستوى العالمي بنسبة (45) في المائة منذ عام 1999 بحسب تقرير صدر عن الأمم المتحدة في عام 2014.

و تعتبر الغابات من أهم السبل والوسائل في تحييد غاز ثاني أوكسيد الكربون وموازنته (مصائد الكربون – مستودعات الكربون)، لما لها من دور فعال في امتصاص هذا الغاز الناجم عن حرق الوقود الاحفوري (الفحم الحجري، النفط الخام، الغاز الطبيعي) واطلاق غاز الاوكسجين. إذ تشير إحدى الدراسات الامريكية إلى أن الغابات في الولايات المتحدة الامريكية تمتص وتخزن سنويا نحو (750) مليون طن متري من غاز ثاني أوكسيد الكربون في البلاد، أي ما يعادل (10) في المائة من انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون. علما ان (12 – 20 %) من انبعاثات الغازات الدفيئة المسببة للاحترار العالمي على مستوى العالم مرتبط بالإزالة العشوائية والمنظمة للغابات الطبيعية وفقا لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو). ويختلف الرقم على المستوى الوطني بحسب البلدان، ففي البرازيل مثلا ربط المعهد الاجتماعي البيئي غير الحكومي (75) في المائة من تلك الانبعاثات بإزالة ما مساحته (550000) كلم من غابات البلاد. كما ان الفدان الواحد من الأشجار ينتج يوميا ما يحتاجه (18) فردا من غاز الاوكسجين في اليوم، وبما يعادل (120) كغم من غاز الاوكسجين الضروري للحياة على أساس سنوي. أما بالنسبة لنيوزيلندا فإن الغابات التي تغطي (37 %) من اجمالي مساحة أراضيها فهي كفيلة بامتصاص وخزن ما يعادل (60 %) من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري وتغير المناخ التي سجلت زيادة بنسبة (23 %) خلال الفترة 1990 – 2014 وفقا ل (المعهد الوطني للمياه وبحوث الغلاف الجوي)، الامر الذي سيسهل تنفيذ التزاماتها الدولية بهذا الاتجاه والرامية إلى تخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة (30 %) بالمقارنة مع عام 2005، وبنسبة (11 %) بالمقارنة مع عام 1990 بحلول عام 2030.

ومن الأمثلة على تحييد وموازنة الكربون عن طريق الغابات (مصائد – مستودعات الكربون) مشروع غابة (خندق الرهبان) في (بعبدا) الزاخرة بأشجار البلوط والسنديان والصنوبر وغيرها، والذي أطلق في عام 2013 من قبل شركة (تاتش) و(جمعية الأرض لبنان). ومشاريع تجديد وترميم الغابات في النيجر وبوركينا فاسو على نطاق واسع، وبالاعتماد على الإمكانيات والموارد المحلية وفقا للمعهد الدولي لبحوث السياسة الغذائية 2009.

وهناك تقرير علمي 2015 يوصي بتوسيع الغابات على نطاق العالم (توسيع بالوعات الكربون) ب (5 – 15) في المائة بحلول عام 2050 من أجل تحقيق الاستراتيجيات الدولية المرتبطة بتحييد الكربون... ولبيان الأهمية السياحية للغابات سوف نختار الغابات الوطنية لولاية أوريغون الامريكية على سبيل المثال، فهي تستقطب بحدود (11) مليون زائر وسائح سنوي وتولد (15) الف فرصة عمل مرتبطة بالسياحة على نحو مباشر وغير مباشر، وتدر على الاقتصاد المحلي بحدود (440000) دولار وفقا لدراسة مسحية أجرتها دائرة الغابات في الولايات المتحدة الامريكية. كذلك الامر بالنسبة لمنتزه (نيوفورست) الوطني في جنوب شرق المملكة المتحدة الذي يستقبل سنويا أكثر من (13) مليون زائر وسائح محلي وأجنبي، ويخلق بحدود (8000) فرصة عمل دائمية ومؤقتة مرتبطة بالسياحة، وتدر قرابة (400000) جنيه إسترليني على الاقتصاد المحلي. علما ان (8،3) في المائة من مساحة الغابات في أوروبا (بدون الجزء الأوروبي من روسيا) وأمريكا الجنوبية قد تم توظيفها لأغراض الخدمات الاجتماعية المعروفة المرتبطة بالترفيه والاستجمام وأوجه السياحة الأخرى، و(3،7) في المائة من مجموع مساحة الغابات على مستوى العالم (بدون البرازيل).

و قد تشكل كثرة المشاريع والمرافق السياحية وكثافة أنشطتها ضغطا كبيرا على المساحات الغابية من حيث استهلاك الموارد البيئية والمساس بالمناظر الطبيعية والاضرار بالتنوع الحيوي والاخلال بالأنظمة الايكولوجية. كما حدث لمدينة (بيليك) في ولاية (أنطاليا) التركية من جراء النمو السريع للسياحة الجماعية على حساب النسيج الغابي الذي يتضرر يوما بعد يوم بغياب خطة تنمية سياحية مستدامة في المنطقة. وأيضا حالة غابات الامازون في البرازيل التي شهدت الكثير من عمليات الإزالة (40 %) لمختلف الأغراض ومنها السياحة، والعديد من أوجه التلوث البيئي والتدمير البين للحياة البرية والتآكل الثقافي بين السكان الأصليين نتيجة زيادة التدفقات السياحية اليها من أوروبا والولايات المتحدة الامريكية واليابان ومن داخل البلاد، وزيادة الحجوزات السياحية بنسبة (300 %) في عام 1989 بالمقارنة مع عام 1988 وفقا لتقرير نشر في ال (كريستيان ساينس مونيتور) 1989. وحالة غابات المنغروف (الايكة الساحلية) في (سوندربانس) في جنوب بنغلادش وأقصى الجزء الجنوبي من ولاية البنغال الغربية في الهند التي صنفت ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو منذ عام 1989، وقد سجلت فيها معدلات نمو ملحوظة في حجم السياحة الوافدة الذي قفز من (50000) سائح في عام 2002 إلى (117000) سائح في عام 2010، ولكن على حساب الثروة الغابية التي تراجعت نتيجة النمو العشوائي للسياحة التي خلقت قمامة كبيرة مع الضغط على مصادر الطاقة والموارد المحلية. وأيضا بالنسبة لغابات (دينتري) المطرية على الساحل الشمالي الشرقي ل (كوينزلاند) في استراليا المدرجة على قائمة التراث العالمي لليونسكو أيضا، والتي يعتقد بانها أقدم غابة استوائية مطيرة على كوكب الأرض، وتستأثر باهتمام (400) الف سائح دولي وداخلي سنويا، الامر الذي أخل بالأنظمة البيئية فيها على نحو بين، وهدد أكثر من (120) نوعا من الأنواع الحيوانية والنباتية الموجودة فيها.

أما أهمية السياحة (المستدامة) للغابات فهي كبيرة لإمكانية الأولى بأن تدفع باتجاه العناية بالأخيرة وتنميتها واستثمار الموارد الهائلة الموجودة فيها، وعلى نحو غير استهلاكي (مثل مراقبة الحيوانات البرية بدلا من صيدها)، وأن تساهم في تطوير المجتمعات التي تستوطنها اقتصاديا واجتماعيا، كما حدث للمنطقة الغابية الحدودية بين المجر وسلوفينيا، إذ تم تحديث (6،25) كلم من سكك الحديد في المنطقة للضرورات الملحة، ومن أجل تنشيط السياحة المحلية وتسويق منتجات سياحية مرتبطة بالبيئة الطبيعية، الغنية والزاخرة بأنواع الاحياء النباتية والحيوانية. وأيضا حالة محمية (كانها) للنمور في ولاية (ماديا براديش) الهندية التي تستوطنها قبيلة (بايغا) الموزعة على (28) قرية، وقد شملتها خطة تنمية وتطوير مستدامة بهدف المحافظة على الغابات والموارد الحيوانية والنباتية الموجودة فيها. وبخاصة النمور التي تعرضت في السابق إلى عمليات صيد جائر (استخدام استهلاكي للموارد)، مع محاولة اشراك أفراد هذه القبيلة في الأنشطة السياحية، وتحسين وضعهم المعيشي. وأيضا حالة (غاندروك) النيبالية التي شهدت ظهور وتنامي أنشطة سياحية عديدة بفضل ثروتها الغابية، وغناها بالكثير من الموارد الثقافية المتميزة التي أسست لسياحة أيكوثقافية ناجحة.. وعلى أن يتم الاخذ بهذه الاتجاهات وفق أسس وقواعد الاستدامة المعروفة، فتصبح السياحة المستدامة أحد أوجه الإدارة المستدامة للغابات وفي خدمة الحراج المستدام، أي المحافظة على النظم البيئية الموجودة فيها وتعزيز أهميتها في دورات الكربون وخزنه، وضمان استمرار وظائفها الإنتاجية (الخشبية وغير الخشبية)، وبما يخدم التنوع الحيوي في نظمها البيئية، وتجاوبا مع خطة التنمية المستدامة لعام 2030 بأهدافها ال (17) وغاياتها ال (169). وقد جاءت تحت عنوان (تحويل عالمنا: خطة التنمية المستدامة لعام 2030). وهي خطة واسعة تشمل عموم كوكبنا، وقد اعتمدت في القمة الـ (70) للأمم المتحدة المنعقدة في نهاية شهر أيلول 2015 في نيويورك / الولايات المتحدة الامريكية، وبدأ تنفيذها على نحو رسمي اعتبارا من 1 كانون الثاني 2016، وذلك استكمالا للأهداف الإنمائية للألفية الثالثة التي دخلت طور التنفيذ في مطلع عام 2000، وتمثل (استراتيجية عالمية شاملة للتنمية للسنوات ال 15 القادمة) بحسب المنظمة المذكورة.

***

بنيامين يوخنا دانيال

.............

* للمزيد من الاطلاع ينظر (آفاق سياحية) للباحث، مطبعة بيشوا، أربيل – العراق 2017.

 

في المثقف اليوم