أقلام ثقافية

بنيامين يوخنا دانيال: صيد الحيتان.. أم مشاهدتها؟

عرف الانسان الحيتان وعمل على اصطيادها من أجل لحومها وشحومها منذ عصور ما قبل التاريخ (نحو 3000 – 6000 عام ق. م). وكانت عمليات وأنشطة الصيد بادىء ذي بدء محصورة بالمياه القريبة من السواحل، لصعوبة التوغل في المياه العميقة من قبل الشعوب الساحلية، مثل الهنود الحمر في أمريكا، وشعب سامي في منطقة النرويج الحالية التي أكتشفت فيها نقوشا على الحجر عمرها 4000 سنة تقريبا. بالإضافة إلى وثيقة صيد تعود لعام 890 ميلادية. ثم تطورت وتوسعت بمرور الزمن لتأخذ منحى تجاريا بتطور الملاحة البحرية والتكنولوجيا، وزيادة الطلب على منتجات الحوت من لحوم وزيوت مستخدمة في صناعة طلاء الورنيش والصوابين ومستحضرات التجميل والادوية، وأعلاف وأسمدة مستخرجة من بقاياها. فأوجدت صناعة صيد الحيتان التي قضت على أعداد هائلة جدا من الحيتان (50000 حوت سنويا اعتبارا من 1930).

وهددت أنواع كثيرة منها بالانقراض والفناء اعتبارا من عام 1940، مثل الحوت الأزرق وحيتان العنبر والحيتان الرمادية في غرب المحيط الهادي التي لم يتبق منها إلا (100) حوت تقريبا. وأخلت بالبيئة وأضرت بالتنوع الحيوي على نحو بين، وبما يتناقض ويتضارب مع القوانين الدولية الرامية إلى المحافظة على الحيوانات بمختلف أنواعها، لما تشكله من أهميات جمة للأنظمة الايكولوجية. وكانت التغيرات المناخية والتلوث والضوضاء واستنزاف طبقة الأوزون من المخاطر والتحديات التي واجهتها الحيتان أيضا من جراء الأنشطة البشرية العديدة.

إن التحفظات على أنشطة صيد الحيتان الجائر والمفرط قد أثيرت في (عصبة الأمم) في عام 1925، وقدمت في عام 1931 اتفاقية جنيف لتنظيم صيد الحيتان، ووقعت عليها (26) دولة، وبضمنها الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا والنرويج، وامتنعت عن توقيعها اليابان والاتحاد السوفيتي – سابقا والمانيا. وقد دخلت حيز التنفيذ في عام 1934. وفي عام 1937 انعقد المؤتمر الدولي لصيد الحيتان الذي خرج بجملة شروط وضوابط على أنشطة صيد الحيتان.

و في 2 ك 2 / 1946 تم التوقيع على (الاتفاقية الدولية لتنظيم صيد الحيتان)، وأفضت إلى (اللجنة الدولية لصيد الحيتان) التي عقدت آخر اجتماع لها في (بورتوروز) في جنوب غرب سلوفينيا خلال 24 – 28 تشرين الأول 2016. وتضم في عضويتها حاليا نحو (90) دولة. وتعقد اجتماعا واحدا كل عامين.

و كان التحول من صيد الحيتان إلى مراقبتها ومشاهدتها من قبل السياح (سياحة مراقبة الحيتان التي سجلت عائدات بقيمة بليون دولار في عام 2001 و2،1 بليون دولار في عام 2008 و9 ملايين – 13 مليون سائح) أحد أهم وأبرز الاتجاهات الرامية إلى المحافظة على هذه الكائنات الرائعة وحمايتها من الانقراض، لا سيما وانها تتم وفق قواعد وأسس الاستدامة البيئية القائمة على المحافظة على الموارد وخصوصا المهددة منها، وعدم استنزافها والتفريط بها، بل تنميتها وايصالها على الأجيال اللاحقة أكثر غنى وتطورا.

و تعميم الانتفاع منها لتشمل جهات متعددة وعلى نحو مستمر. مثل المجتمعات المحلية (كما في جونية بجنوب شرق الاسكا) والشركات السياحية والاقتصادات الوطنية. إذ تشير العديد من الدراسات والبحوث الحديثة (انظر دراسات د. مارك أورامس) إلى أن مراقبة ومشاهدة الحيتان هي أكثر نفعا بالنسبة لهؤلاء من اصطيادها وتسويق منتجاتها من لحوم وزيوت وغيرها، وخصوصا على المدى البعيد المرتبط بالاستدامة. ولا سيما لو تمت وفقا للضوابط والقواعد التي تم صياغتها وإصدارها لهذا الغرض، تجنبا للآثار السلبية والمثالب التي قد تنشأ عن سوء ممارسة هذه السياحة.

***

بنيامين يوخنا دانيال

 

في المثقف اليوم