أقلام ثقافية

كاظم الموسوي: صباحا ازور الحديقة

اغلب الايام، صباحا، بعد تناول الفطور وشرب قهوة الصباح اخرج للتمشي وممارسة تمارين رياضية احيانا في الحديقة الكبيرة القريبة من سكني، الواقعة بعد تقاطع شوارع عريضة، كل شارع بمسارين، للذهاب والاياب، باتجاهاتها الاربعة، المتقابلة، والتي يتوجب علي انتظار اشارة/ ضوء المرور الاخضر وعبور جانبين من التقاطع .... حيث تتحرك الحافلات والسيارات المختلفة الالوان والصناعات والحجوم.. اغلب الاحيان اصل عندما تتوقف عند خط اشارات/ علامات المرور الضوئية.. واحيانا انتظر مرورها امامي، فاظل اراقبها، واتابع الوانها وصناعاتها... اليابانية والكورية الجنوبية والالمانية والفرنسية والامريكية، هي الاكثر بينها مع باقي الشركات والبلدان المصنعة.. بعض الحافلات العامة مشتراة اغلفتها الخارجية من شركات تجارية ومصبوغة بالوان اعلاناتها البراقة، بشكل كامل، دعايات وعروض تجارية لماركات جديدة من الملابس او الاثاث وحتى افلام سينما ومواعيد عرضها، وغيرها من اعلانات الشركات والمخازن الكبرى في بريطانيا. فتختلف عن اللون الاحمر الاساسي في باقي الحافلات، المعروفة به، حافلات النقل العام في لندن. والتي صدّرت بعضها الى كثير من مدن اخرى، مثل بغداد. الاغلب فيها بطابقين ومقاعدها مريحة بحجومها وتوزيعها الموزون بهندسة فنية. والجديد فيها هنا الكاميرات الداخلية التي تساعد سائقيها على مراقبة الركاب في الصعود والجلوس والنزول منها وخدمات الانترنت وامكانية شحن الهواتف الذكية عند معظم المقاعد الامامية.

لا شرطة مرور في الشوارع ولا حوادث مرور او تجاوزات كثيرة، لا تعد ولا تحصى هنا، كما تنقل وسائل الاعلام يوميا عنها هناك.. لكن لا تخلو من حوادث سير محدودة.. عند ظهور الضوء الاحمر في علامات المرور على اعلى العمود في كل شارع، تتوقف كل السيارات وحتى راكبو الدراجات العادية والكبيرة، ويتم التحرك بانسياب حسب الاتجاهات والاشارة باوقات محسوبة ومركزة بجداول خوارزمية لا تخطيء بذاتها، وكانها تدور في سباق مع دوران عقارب الساعة المسندة على حائط المحل التجاري الكبير قرب التقاطع الكبير الذي اعبره كل مرة او كلما اتوجه الى الحديقة الواقعة عند الزاوية الشمالية من وجهة حركتي..

الاسيجة التي تحيط بالحديقة عالية وملونة ايضا بالوان زاهية تضيف رونقا لجمال الحديقة. مدخلها الذي ادخل منه يبدا بأقواس عالية وممراته الرئيسية تخترق الحديقة من هذا المدخل الى نهايات الحديقة الاخرى، الى مدخلها من الطرف الاخر.. مرورا ببحيرات موزعة بانتظام ومسيجة ايضا باسبجة خشبية في اغلبها وفيها مساحات مفتوحة مخططة ومخصصة للصيد والصيادين الذين يؤجرون اوقاتهم وينصبون ادوات صيدهم، صناراتهم، وخيمهم وكراسيهم في اماكنهم المحددة. وتتوزع داخل الحديقة كراسي وطاولات صغيرة ومساطب عريضة على طول الممرات وحول البحيرات وداخل بقعها الخضراء. عند المدخل لوحات للاعلانات ومعلومات عن برامج او خطط لحياة الحديقة اليومية وكذلك خارطة جغرافية للحديقة بتفاصيلها الكاملة. وبعد البحيرة الكبيرة ملاعب مسيجة لكرة القدم والسلة وامكنة مخصصة باجهزتها للتمارين الرياضية، واخرى للشواء ومقاعد خاصة وملاعب اطفال قريبة منها.

اشجار الحديقة المنتشرة بانتظام وتوزيع هندسي محاطة باسيجة ومساحات مملوءة بانواع الزهور، الطبيعية والوانها المعروفة.. وتشكيلاتها واصنافها.. وثمة اشجار عالية وكبيرة الجذوع، دالة على قدمها وتاريخها الطويل في مكانها وذكريات المارين عليها.. هذه الالوان والخضرة فيها تكون في اشهر الربيع والصيف، اما في فصلي الخريف والشتاء، فتتحول الارض الى مجمعات اوراق الاشجار الصفراء المتساقطة، التي تجمعها الادارة المختصة في اكياس وتنقلها سيارات نقل خاصة بها، ومثلها يطغى اصفرار الاعشاب وجفاف شجيرات الورد والزهور، كما السماء، تتلبد بالغيوم التي تنعكس اشكالها على سطوح البحيرات فتصبح وكانها لوحة رسام، ولا تبخل عليها بين فترة واخرى من حملها من الامطار.

حين تمطر، خفيفا او مدرارا، اتذكر وانا امشي اقوالا منقولة للفنان العالمي المعروف تشارلي شابلن (1889-1977) ومنها:

1- أنا دائما أحب المشي فى المطر، كي لا يراني احد أبكي.

2- لا شيء دائم فى هذا العالم الشرير، ولا حتى مشاكلنا.

3- الحياة مأساة عندما تُرى عن قرب، لكن نراها كوميدية على المدى البعيد.

4- أظل مجرد شيء واحد، وشيء واحد فقط، وهو مهرج، لأنه يضعني في طائرة تحلق أعلى بكثير من أي سياسي.

5- يوم بدون ضحك هو يوم مهدور.

6- نحن نفكر كثيرا ونشعر قليلا.

وطيور البحيرة انواع والوان، ففيها البط والوز، الابيض والاسود الريش، وله اسماء حسب البلد او التواجد الاكثر، ومنه الخضيري والبش، كما يسمى في العراق، ويتميز ذكره بتعدد الوان ريشه وراسه الاخضر وكبر حجمه عن انثاه التي لها لون واحد، بني فاتح، وحجم اصغر، والامريكي الاسود، الاصغر حجما بين البط، الذي يتميز ذكره عن انثاه بلون المنقار والارجل فقط، اللون البرتقالي للانثى والاخضر والابيض للذكر. واسماك البحيرات انواع وبحجوم مختلفة، وحتى بالوان ايضا.

اما طيور الحديقة الاخرى كالحمام والفختى والعصافير والبلابل، فمتعددة حجما ولونا وطباعا. والاكثر فيها الحمام الرمادي او الازرق الفاتح منه، الذي نراه في اكثر البلدان، في الساحات العامة، المساجد، الكنائس، مراقد الائمة وكذلك الحدائق طبعا. والمميز ايضا بين الذكر والانثى منه، فالذكر يتعمق لون ريشه وتطوق رقبته الوان زاهية، خضراء وحمراء، والانثى تطوق بالوان اضافية، بنفسجية متداخلة ومتدرجة. ويعيش حيثما يتواجد بشكل مجموعات متقاربة، تطير سوية او تحط بحثا عن طعام او تزود بما تبحث عنه. والاطرف فيها محاولات الذكر في اغراء الانثى، بهديل موسيقي خاص، ونقر رقبتها قرب راسها، لتنحني له ويعتليها وما ان ينتهي من سفاده، ينفض ريشه منتشيا كما هي ويبتعدان، او كل منهما يعود للمجموع من زاويته بحثا عن طعام او مشاركة لمجموعهما في لحظته. وللفختى صوت شجي حزين ترجمه العراقيون في بلدهم وغنوه في لحن مقابل.. كما هو حال تغريدات العصافير وشدو البلابل.

اعود من الزيارة غارقا في عوالم الطبيعة والحيوان والطيور وهموم الانسان، منتشيا من جولة الصباح الاعتيادية، حاملا هاتفي الذي يشغلني ساعات من العمر كل يوم بصمت ويساعدني على التواصل والبحث والاطلاع وحتى الكتابة برضاي رغم الصعوبات المنوعة،.. المعروفة!.

***

د. كاظم الموسوي

 

في المثقف اليوم