أقلام ثقافية

عبد القادر رالة: كونغ مينغ استراتيجي من زمن الممالك الثلاث

انقسمت الصين في العهود الغابرة، قبل الميلاد الى ثلاث دويلات شو، وُي و وُو عُرفت في التاريخ باسم فترة الممالك الثلاث، إذ تحولت الصين الى ساحة حرب ودم ونيران وفوضى،وتقاسم جبالها الوعرة وسهولها الواسعة أمراء تلك الدويلات..

استثمرت تلك الأحداث المأساوية والحروب الدامية فنياً وأدبياً من طَرف أديب اسمه لو غوانغ تشونغ، عاش في القرن الخامس عشر ميلادي، فأبدع رواية الممالك الثلاث، الرائعة والمليئة بالعديد من الشخصيات العسكرية والسياسية والأنثوية، ومن بينها كانت شخصية كونغ مينغ الذّي يعتبرُ في الصين نموذّجاً للذكاء وعبقرية التخطيط..

و كونغ مينغ كان شخصية تاريخية حقيقية عاشت في تلك الحقبة، اسمه الحقيقي تشو قه ليانغ، أصله من مقاطعة شاندونغ بشمال الصين..

كان يعيش في الريف يَقضي مُعظم وقته في القراءة، إذ كان مُطلعاً على معارف العصر من تاريخ وجغرافية وفن الحرب والقتال. وكان يُؤلمه كثيراً الثمن الباهظ الذّي يدفعهُ الناس بسبب الحروب والصراعات الدموية في البلاط بين الوزراء والمستشارين أو في ساحات القتال بين الجنود والقادة العسكريين ذوي الميول الاستقلالية..

اختار الوُقوف بجانب ليو بيه أمير دولة شو ووضع جميع قدراته الفكرية وكفاءته التخطيطية في خدمته فاستطاع أن يُحقق انتصارات باهرة على قوات جرارة يقودها عدوه اللدود تساو تساو، مؤسس اسرة وُي...

كما اقترح عليه التحالف مع دولة وُو في الجنوب التي يحكمها سون تشوان، وتم ذلك التحالف الذّي حقق بفضله انتصارا مدوياً في معركة الجرف الأحمر على ضفاف نهر اليانغتسي..

وخطته الذكية في تصنيع مئات الأسهم في ثلاث أيام أبهرت ولا تزال تُبهر من يقرأها وتُؤكد عبقريته إذ استفاد من الضباب الكثيف فأمر السفن من مملكة وُو أن تقترب أكثر من معسكر العدو تساو تساو، وكانت سفنه الحربية صغيرة تحمل جنوداً من القش فاعتقد جنود وُي أن العدو يهاجمهم بسبب عدم وُضوح الرؤية فبدأ يمطرهم بالنبال التي كانت تصيب الرجال المصنوعين من القش..

ورجل عبقري ومُخطط عسكري بارع مثل هذا الأكيد أن الأمراء والقادة لا يُفرطون فيه لذلك أوصى له ليو بيه بالعرش وهو يحتضر لكنه رفض بشدّة وفضل أن يستمر في خدمة ابنه الأمير ليو تشان، واستمر في تهدئة الأوضاع في البلاد ، وقام بتسوية النزاعات الداخلية في مملكة شو مرات بالحسم العسكري ومرات أخرى بالتكتيك السياسي الماهر كما قام بإصلاحات اقتصادية وتنظيم الجيش، بل إنه قاد الحملات العسكرية بنفسه مرات عديدة للقضاء على وُي وتوحيد البلاد لكنه فشل.

وقد مات في معسكرات الجنود وهو يحاول توحيد البلاد تحت راية أسرة واحدة قوّية.

***

بقلم: عبد القادر رالة 

في المثقف اليوم