أقلام ثقافية

شدري معمر علي: إعدام الكتب المأساة المتجددة

لا يمكن لعاقل أن يجهل قيمة الكتاب ودوره في تغبير حياة الإنسان بل تغيير للمجتمعات نحو الأفضل يقول الجاحظ أبو عثمان عمرو بن بحر.. مبينا فوائد الكتاب:

"الكتَابُ هُو الجَليسُ الذي لاَ يُطريكَ والصَّديقُ الذي لَا يُغريكَ، والصَّاحبُ الذي لاَ يُريدُ استخرَاجَ مَا عندَكَ بالمَلَق.

الكتَابُ لاَ يُعَاملكَ بالمَكر، ولاَ يَخدُعكَ بالنّفَاق، ولا يحتَالُ عَلَيكَ بالكَذب.

الكتَابُ هُوَ الذي إن نَظَرتَ فيه أطَالَ إمتَاعَكَ، وشَحَذَ طبَاعَكَ، وبَسَطَ لسَانَكَ، وجَوَّدَ بَنَانَكَ، وفَخَّمَ أَلفَاظَكَ، وبَحبَحَ نَفسَكَ، وعَمَّرَ صَدرَكَ، ومَنَحَكَ تَعظيم العَوَام، وصَدَاقَةَ المُلُوك"

والشواهد على إعدام الكتب من التاريخ كثيرة تؤرخ لهذه المأساة المتجددة في كل عصر ومصر فهذا عبد الله بن المقفع صاحب "كليلة ودمنة" الذي ألّف كتاب "رسالة الصحابة" وهي مخطوطةٌ تتضمّن النصح، فيما يتعلّق بإصلاح شؤون الإدارة في الخلافة، والقضاء على الفساد بين الحاشية والجيش والقضاء، فقد تمّ استدعاؤه إلى العاصمة بغداد، وقُطعت يدُه اليمنى، وتمّ شيُّها على النار، وأُرغم على أن يأكل منها قبل أن يُقتل، وكان ذلك في عصر الدولة العباسية، في عهد أبي جعفر المنصور!

وكان مصير الحلّاج الذي اشتهر بالتصوف مصيرا ماساويا فقد ضُرب ألف سوطٍ، وقُتل، وقُطّعتْ أطرافُه الأربعة، وذرّ الرماد في نهر دجلة بعد إحراقه، وتم منع وإتلاف كتبه، وهي تزيد على الخمسين كتاباً، ولم يصلنا منها سوى كتاب "الطواسين".

وكتب التاريخ تسجل لنا بحروف من دم ما لحق بالشاعر والوزير الأندلسي لسان الدين بن الخطيب، فكانت التهمة الموجهة إليه الزندقة والإلحاد، وخاصة في كتابه "روضة التعريف بالحب الشريف" وهو كتاب في التصوّف ألّفه للسلطان محمد الغني بالله، فتمّ القبض عليه بعد فراره إلى المغرب، وخُنق وحُرق ودُفن في مدينة فاس، بعد أن قام القاضي النباهي بإحراق كتبه في ساحة غرناطة ومصادرة أملاكه.

هذه بعض الصفحات الماساوية من التاريخ التي تناولت قصة إعدام الكتب وإعدام أصحابها ولكن هذه الكتب بعثت من رماد المأساة وانتشرت وخلدت بينما الذين أصدروا الحكم نساهم التاريخ وذكرت اسماؤهم باستحياء في الصفحات السوداء لتبقى عبرة للأجيال أن الفكرة لا تموت ولا تدفن ولا تسجن بل خلقت لتعانق الآفاق...

***

الكاتب والباحث في التنمية البشرية:

شدري معمر علي

.................................

المرجع:

1- حسام الدين الفرا، إعدام الكتب حرقا وأغراقا وتمزيقا ودفنا، موقع أورينت نت

في المثقف اليوم