أقلام ثقافية

أقلام ثقافية

- الفن عالم نوفره لأنفسنا فيعطينا ألوانه وتنوعه ووسعه..لا نكتفي منه ولا يتوقف عن تطويرنا..

- لوحات وحركات وأضواء لتجتمع المادة والتقنية في أعمال تشكيلية ثرية للتخلص من الأدوات التقليدية للرسم..

الفن والتلوين والذهاب الى التجدد والاختلاف مجالات حلم وبحث حيث الابتكار حيز للتعبير عن الدواخل والافصاح عن ما به تسعد الذات وهي تقول عوالمها الملونة منذ شغف بالفن من طفولة مقيمة والى الآن وبتناغم بين نظرات متعددة للعناصر والأشياء في كثير من الوعي بجماليات شتى وممكناتها الابداعية...

من هنا وهكذا مضت الفنانة في بداياتها الفنية في حوارها المفتوح مع القماشة لتكون عوالمها على اللوحة بتقنيات مختلفة كالرسم الخطي بالقلم أو الألوان المائية والأكريليك والطباعة وما الى ذلك...المهم ان تدعو الى عملها الفني المبتكر رغباتها في الاختلاف والتجدد..فالفن عندها عالم ابداع وجمال وتجدد.

الفنانة التشكيلية شيماء بن سليمان  تنوعت لوحاتها وأعمالها الفنية التي كان لها عبرها حيز من الحضور في النشاط الثقافي والمعارض عبر المشاركات المتعددة ومنها مشاركتها الأخيرة ضمن معرض صالون الشبان الذي أقامه اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين بفضاءات العرض برواق يحيى للفنون بالبالماريوم حيث تميزت بخصوصية لوحاتها المعروضة وفق اشتغالها الجمالي المتخير من قبلها ومنذ فترة في تعاطيها الفني التشكيلي.

هي فنانة تعد بالكثير في مجال الابداع التشكيلي وهي تحرص على تطوير تجربتها الفنية من خلال رؤيتها للفن والرسم والابداع التشكيلي عموما...

هي خريجة المعهد العالي للفنون الجميلة اختصاص رسم، رسامة مختصة في فن الطباعة باستعمال الأقمشة وهو موضوع تخرجها، أي استعمال الأقمشة بالإستعانة بمواد مختلفة كالأكرليك والحبر والماستيك لتحقيق أشكال مختلفة ناجمة عن ثراء الأنواع المختلفة من الأقمشة الحاملة للملمس والخيوط وأليافها المتنوعة الناجم عنها حركات مختلفة وأضواء لتجتمع المادة والتقنية في صنع أعمال تشكيلية متنوعة وثرية وذلك في سعي نحو التخلص من الأدوات التقليدية للرسم فتأخذ الأقمشة مكان ودور الفرشاة التقليدية.. مختصة في الرسم الغرافيكي باستعمال أقلام الرصاص مع الاتقان لابراز التفاصيل وابراز الملمس texture  في أعمال ثنائية الأبعاد وذلك بالاعتماد على ثنائة الضوء والظل...

وعن عملها الفني وبداياتها في التجربة تقول شيماء "...قمت بمجموعة صغيرة من الرسومات المعتمدة على الألوان المائية لإعجابي الشديد بالطبقات العديدة التي تسمح لي بابراز العمق والتباينات اللونية... مختصة في رسم portrait لاعجابي بتفاصيل الملامح البشرية والتي تعبر على هوية الشخوص.. أقوم برسم الأشخاص التي أحبها كتعبير عن المحبة والوفاء.. لا أقوم برسم ما لا يحمل فضولا داخلي.. كان ذلك في علاقة بالأعمال المجردة أو الواقعية... جميعها أعمال تنتمي لي على مستوى الفكرة أو التقنية التشكيلية... أحب تدريس الأطفال لمادة الرسم، ففي ذهني هم أساس التطور الفني في العالم العربي والذي يعتمد على ارادتهم وابداعيتهم... البحث في خبايا الأطفال وأحلامهم وتشجيعهم على التعبير عليهم وعرضهم بكل جرأة... الإرادة، الحلم والإبداع هي ألفاظ تتكرى في ذهني وهي التي تدفعني نحو القيام بأعمالي وتقودني للأطفال فالأطفال شديدو الحساسية والابداعية ويمثون المرحلة العمرية الممتازة التي وجب أن يطور فيها الطفل مهاراته وأن يكتسب المعارف الأساسية التي سيبني فيها مشروع حياته ومسيرته وهذا الرأي ينطبق على الموسيقى والمسرح والرياضة وحتى العلوم والأدب.. فكل المجالات وجب لمسها برغبة وشغف.. فلن تتميز في القيام بشيء إلا وان كنت تعطيه من قلبك فلا تتعب ولا تستسلم.. وبعد التضحية من أجل الحلم تجد نفسك اكتسبت زادا معرفيا وحياة تحيطك بكل الأشياء التي تحبها... الفن هو عالم نوفره لأنفسنا فيعطينا ألوانه وتنوعه ووسعه... لا نكتفي منه ولا يتوقف عن تطويرنا..".

شيماء بن سليمان فنانة تشكيلية من جيل الشباب تعمل في دأب وحرص وشغف فني حيث الرسم والفن عندها عالمها المخصوص الذي تطور من خلاله تجربتها التي تعمل على تتويج مرحلتها المنقضية بمعرض شخصي يضم جانبا من لوحاتها الفنية المنجزة الى الآن في هذه البدايات المتواصلة مع الفن التشكيلي.

***

شمس الدين العوني

صاحبة الوحي مجموعه قصصيه تعد من أشهر أعمال الكاتب الإصلاحي الشهيد أحمد رضا حوحو، وهي تعكس أسلوبه ونظرته وهدفه من الإبداع، وانك لتتعجب أن تجد كاتبا إصلاحيا ينتسب إلى جمعيه العلماء المسلمين،  ينتمي إلى ذلك العهد، يكتبُ بذلك الانفتاح وبالأخص الانفتاح على عالم الحب والعلاقات العاطفية بين الرجل و المرأة!

وقصص المجموعة عددها تسعاً، كلها تقريبا تعالج هذا الموضوع، الحب والتقاليد، وتدخل الآباء، ودور المال في التفريق بين المحبين، إذ طالما استخدم الأغنياء سلطانهم المالي لمحاولة شراء قلوب الصبايا المتعلقة بمن تحب من الفقراء المعدمين!

ثلاث قصص فقط حادتْ عن هذا الموضوع، وهي أيضا قصص جميله وممتعة؛ ثري الحرب التي يمكن أن تكون عنوانا كبيرا لكل أولئك الانتهازيين الذين يثرون فجأة مستغلين الظروف والفاقة، قصة مسرحية عنوانها أدباء المظهر! وتبحث الفروق بين الأدب الحقيقي والأدب المزيف، وقصة الفقراء التي نسجها على منوال رواية البؤساء لفيكتور هيغو ...

قصص المجموعة كلها اجتماعيه يغلبُ عليها الطابع الإصلاحي، ومحاولة إصلاح نظرة المجتمع الظالمة إلى عواطف الحب وأحاسيس المحبين..

صاحبة الوحي، خولة، القبلة المشئومة، جريمة حماة، فتاة أحلامي، صديقي الشاعر؛ قصص تتناول موضوع الحب كعاطفة سامية تختلف تماما وتبتعدُ جدا عن الإباحية والجنس، الحب في أجمل صوره، في ذلك الزمن ليس في الجزائر وإنما في كل البلاد العربية كان الكاتب يتحرج من الحديث عن الحب كعاطفة جياشة وذلك بسبب عصور الانحطاط، بينما تراثنا الأدبي العربي والإسلامي مليء بقصص الحب كضرورة من ضروريات الحياة، والحب ليس الجنس والإباحية أو الخيانة والتلاعب بعواطف الصبايا!

في مجموعة صاحبة الوحي عالج الكاتب سلوك الناس الاجتماعي والنفسي داخل مجتمع محافظ، يحاول أن يصون تقاليده وقيمه الدينية والاجتماعية، ولم يشر الكاتب في المجموعة القصصية، لا من بعيد أو من قريب إلى تأثير الاستعمار الفرنسي في المجتمع ...

ربما لأن المجموعة نشرت سنه 1949، قبل اندلاع الثورة التحريرية الكبرى بسنوات....

***

بقلم عبد القادر رالة

الروَايَةُ الَّتِي لَيسَت حَاضِرا هِيَ رِوَايَةٌ لَا اخلاقِية...،، مِنْ كتب سِيرَتَة بِاقدَامَةٍ غَير مَنْ كَتبَهَا بِقَلمةٍ...!

الثلْج يَشتَعِلُ تحتَ اقْدَامِ نِسَاءِ غَزة غَابَ كِتَابُ الروَايَةِ العَرَبِيةِ فِي إِظهَارِ كِفَاحِ نِسَاءِ غَزة الصابِرِينَ تحتَ القَصف وَالحِصارِ والقَتلِ وَالهَدمِ ورِعايةِ الِاطفَالِ، فِي حَياة تُشبة يومَ القيَامةِ، فِي حَدِيثٍ مَعَ صَدِيقِي عَنْ غِيَابِ الروَايَةِ العرَبِيةِ فِي تَجسِيدِ وَاقِعٍ حَقِيقِي، لِنِسَاءِ غَزة مُنْذ 17عَامًا مِنْ الحِصَارِ وَإِخفَاءِ دَورِهِمْ فِي الكِفَاح الْمُسَلح الثورِي الْآنَ الذِي تَخَوضَةُ المُقاومَةُ الفِلَسْطِينِية فِي غَزة وَالضفّةِ، فِي نِهَايَةِ حَدِيثِنَا تَبادلنَا النقَاش حولَ رِوايةِ (رِيجِيسْ دُوبرِيه) الثّلْج يَشتَعِل.، وتناقشنَا حَوْلَ شَخصِيةِ إِيمِيلَا، قَد تكُون شَخصِيةً حَقِيقِية... التَقَى بِهَا رِيجيسْ دُوبِرِيهْ رَفِيق دَرَّب" تِشي جِيفَارَا وكاسترو" الذِي أُعتقلَ مع (جِيفَار) فِي ادغَالْ بُوليفيَا وَلَعِبَ الرئِيس الفرنسي دِيجُولْ دورًا كَبِيرًا فِي اطلَاقِ سَرَاحِهِ بعدَ حُكْمِ الِاعدَامِ وسنوَاتٍ فِي السّجنِ قَامَ فِيهَا بِمُراجعةٍ شَامِلَةٍ هُوَ مُؤلف: ثَورَة فِي الثّورةِ، لِجِيلِ الحركَاتِ الثّورِيةِ المُسلحةِ، وكَتَبَ عَنْهَا رِوَايتهُ \"الثّلْج يَشتَعِل\".

لَكِن مَنْ يتعرف عَلَى شَخصِيةِ إِيمِيلَا، لَا يَملِكُ غيرَ الوُقُوعِ فِي حُبهَا.

امرَأَةٌ مِنْ جِبالِ النمْسا تَترُكُ خَلفَهَا حياتهَا المُرَفهَ

مِن أَجْلِ قَضِيةٍ،

تُلتقَى فِي هافانَا بِبُورِيسْ الذِي:

(نجَا مِنْ ثَوْرَةٍ أُخرَى فَتخسرهُ، ثُم تَلتَقِي بِزَعِيمٍ ثَوْرِي آخر هُو كَارلُوسْ، فِي الفرَحِ وَالخَفَاءِ حَتى اغتِيَالهِ، تَفَقِدَ كُلَّ شَيْءٍ، الرجُلُ الَّذِي تُحِبُّهُ، الطفْلُ الَّذِي انتظَرَتهُ، والمعرَكَةُ التِي تَخُوضهَا، لَكِنهَا لَا تَترُكُ الدَّربَ الَّذِي سَلَكَتْهُ، سَعَادَةُ بُورِيسْ وَإِيمِيلَا مُستحِيلةً، لَكِنَّ أُنَاسًا آخَرِينَ سيكُونُون يَوْمًا بِفَضلِهِمْ أَقَلَّ شَقَاءً،،.

مِنْ الْمُؤكدِ أَنَّ دُوبْرِيهْ فِي رِحلتِهِ الطوِيلَةِ فِي صُحبَةِ نِسَاءٍ كَبِيرَاتٍ وَرِجَالِ كِبَارٍ قَد تعرَف عَلَى إِيمِيلَا، وهُناك من يَقُولُ إِنَّ علاقةً وثِيقةً ربِطتْ الِاثنَينِ وَإِنَّ بُورِيسْ هُوَ دُوبْرِيهْ نَفسُهُ وقد تنكرَ خلفَ شَخْصِية أُخْرَى مُستعارة، فَالعوَاطِف وَالمَشَاعِر المُتبادَلَة بِهَذَا القُرب والوُضُوح والحساسيَةِ والشفَافيةِ والرقَّةِ لَا تَصدر مِنْ شَخصِية مُتَخيلَة بَلْ مِنْ تَجرِبَة، وَلَا يَعنِي القَارِئُ ذلِكَ فهُو يتعاملُ معَ شَخصِيةٍ رِوَائِيةٍ مُقَنعَةٍ وحَيةٍ وَنَابِضَةٍ بِالْحَيَاةِ وَالْقُوة والبسَالَةِ وَلَا يَعْنِيهِ انْ تكُون الشخْصِية حَقِيقِية أَمْ مُتخَيلَة وَكُلُّ مَا يَعْنِيهِ هَلْ هِيَ مُمتِعَة وَمُقنِعَة...؟.

كَيفَ تستطِيعُ إِمْرَأَةٌ تُجاوِز شرطهَا البشَرِي فِي حيَاةٍ مُرَفّهَةٍ فِي جِبَالِ النمْسَا، الَى أَدْغَالِ حَرْبِ الْعِصَابَاتِ الثّورِيةِ مِنْ كُوبَا الَى تِشِيلِي، وَمِنْ بُولِيفْيَا الَى انجِلترا ومنْ بارِيس الَى هامبورج وهِي تَحمِلُ حُلمًا بَشرِيًّا نَظِيفًا، وشُعُورًا نَقِيًّا فِي أَنَّ سعادتهَا نَاقِصَةٌ وهُنَاكَ بَشَرٌ أَشقِيَاءَ...؟ لِماذَا تَلَاشَى هَذَا الصّنْفُ مِنْ النسَاءِ العظِيمَاتِ، فِي زَمن صَارَت التفَاهَة فِيهِ حَفل وعادةٌ، ونمط حَيَاة، وشَطارة...؟

بِلَا شَكٍّ أمثَال إِيمِيلَا كَثِيرٍ فِي العَالَمِ وَخَاصتًا فِي غَزّة وَالضفةِ الْآنَ لَكِنْ مَا يَجمعنَا بِهَذَا الصنْفِ مِنْ النسَاءِ هُوَ نَفْسُهُ مَا يَربطُنَا بِالحيَاةِ مِنْ مَبادِئَ وعدَالَةٍ وَجَمَالٍ، وَالتوقُ الَى فَرَحٍ بَشَرِيٍّ نَظِيفٍ وَصَادِقٍ:

لَيس كُلُّ رَجُلٍ هُوَ بُورِيسْ، وَلَيسَتْ كُلُّ إِمْرَاةٍ هِيَ إِيمِيلَا. إِيمِيلَا حُلْمٌ حَقِيقِيٌّ مُمْكِنٌ ومَفقُودٌ وكذلِكَ بُورِيسْ لَكِنْ لَيسَت كُلُّ امْرَأَةٍ وَلَا كُلُّ رَجُلٍ يَكُونُ بِمُستوَى حُلْمِهِ البَشَرِيِّ الْعَادِلِ وَالنظِيفِ وصِناعةِ أُسطُورَةٍ كَبِيرَةٍ فِي خِدْمَةِ البشَرِيةِ.

ذَهَبَت إِيمِيلا نَحْو قَدرِهَا وخسَارَاتِهَا بِرأْسِ أُنثَى بَاسِلَة مَرْفُوعٍ لِأَنَّ مَعْرَكَةَ الْحُريّةِ لَيْسَتْ فِي النتِيجةِ بَلْ فِي الغايَةِ، كَمَا ذَهَبَ دُوبْرِيهْ نَحْوَ حُكْمِ الِاعدَامِ بِأَقدَامِ ثَابِتِهِ مُعتَزَأٌ بِقَدرِهِ وَمَصِيرِهِ.

فِي عَامِ 1967 بعد القبضِ عليْهِ مع جِيفَارَا فِي غَابَاتِ بُولِيفْيَا وَأَعدَامِ جِيفَارَا وَحَكَمَتْ الْمَحْكَمَةُ عَلَى رِيجِيسْ بِالِاعْدَامِ لَكِنْ انْقَذهُ الرئِيسُ شَارْلْ دِيجُولْ وَأُطلِقَ سَرَاحَهُ عَامَ 1973 وَعَمِلَ مُسْتَشَارًا لِلرئِيسِ فَرانسُوا مِيتْرَانْ وَكَتَبَ سِيرَتَهُ بِأَقْدَامِهِ قَبْلَ كِتَابَتِهَا فِي رِوَايَاتِ. مَنْ يَكْتُبُ لِلْمُقَاوَمَةِ وَنِسَاءِ غَزةَ إِيمِيلَا هِيَ كُلُّ نِسَاءِ غَزةَ

فِي الروَايَةِ رَغْمَ انْ الروَايَةِ حَقِيقِية...!!

***

محمّد سعد عبد اللطيف

كاتب وباحث مصري في الجغرافيا السياسية ..

 

أضحى عقله يطلب منه شيئاً، ويسعى إليه، ويلح فيه، فعقله يريد أن يصون قلبه من تباريح الهوى، ويعصم مهجته المنهكة من الضياع، فهو إذا سار في ذاك الطريق المدلهم بالخطوب سوف يعاني في دهره مرارة الألم اللاذع، وفداحة الحزن المضني، يجب أن يستأصل ما لصق بسويداء فؤاده من عشق جارف، وغرام نبيل، تجاه من لا مرمى وراءها في جمالها، وكريم خلالها، تلك الحسناء التي فتّر النعيم أطرافها، وأرهف الظرف أعطافها، ينبغي أن يتحاماها ويسلو حبها، ويرق لعين أرقها السهاد، وكبد مزقه ترقب الميعاد.

لقد جنى عليه لسانه الذي يخاطبه، وعينه التي تراقبه، ومهجته التي تعاتبه، فخيالها الآسر الفتّان لا ينزل عليه في هدأة الليل البهيم إلاّ بعد أن يطنب لسانه في ذكرها، لا يتسيد قوامها الأهيف، وطرفها الأحور حماليق عينيه، إلا بعد أن تغرق نفسه في عميق سحرها، ما ضرّهُ إذا تدله في هوى مقلة تجرح ألحاظها، وشفة تفتن ألفاظها، وصيارف تومض ألماظها، أنىّ له أن يتغاضى عن قد يتمايل، وأعضاء تتزايل، ورموش تتحايل، حتى لا تصرع قتلاها.

2-

تعساً لعاطفة حادت عن النهج المعروف، والسنن المألوف، عاطفة متأججة لم يستبيحها صاحبها لنفسه لأنها تجحد فضله، وتطمس مناقبه، ولكنه حملها رغم أنفه في حنايا قلبه، لقد قاتل عساكر اقبالها دهراً حتى قهرته جحافلها على الاستسلام، هي الان متغلغلة في مسالك أنفاسه، متصلة بأعصابه وحواسه اتصال الروح بالجسم، فكيف له أن يتعافى منها؟، وحتى متى يخمد هذا الصوت المفعم بالمشاعر والأحاسيس؟، ليت شعري متى يتاح له أن ينداح في بوحه، أن يكشف لجارته الغيداء التي ترفل في ثوب السعادة والهناء مع “زوجها” مكنون سره.

3-

يضايقه الان نكول جنانه، وقصور لسانه، عن الإفصاح لزوجته التي أودع الله فيها أشتات المناقب، وانتظمت عندها عقود المحامد، الأسباب التي جعلته ينتزعها من جارتها الودود انتزاعا، ويحجب عنها رقة طبعها، ودماثة خلقها، مازالت زوجته الحانية تجهل الدوافع التي أجبرت زوجها لترك ذلك الحي الراقي الذي كانوا يقطنون فيه والفرار إلي الآجام والدّحال ورؤوس الجبال.

***

د. الطيب النقر

 

في كل نهاية رأس السنة.، أتذكر الملاك في منطقة فيلانوف / في العاصمة البولندية "وارسو" عام 1999/ في إجازة أعياد الميلاد، جلست بعد الغروب أمام مقابر بالقرب من المركز الثقافي الإسلامي مكان إقامتي في بولندا، يأتي زوار المقابر بوضع الشموع والأزهار علي القبور قبل الغروب ، ذهبوا جَمِيعًا، وأنا جالس أتأمل فقط للطقوس في حالة صمت رهيب وحيد غريب،

الشوارع متوحشة من الثلج والضباب وشتاء قارص، والبواخر راسية في الميناء، وأشجار عيد الميلاد تَضَىء في النوافذ، والأجراس تقرع لمن تقرع الأجراس...؟

لماذا نحن غرباء في أعياد المدينة...؟

لا أحد يأتي، لا أحد يذهب \"

مازلت أنظر على الطريق، ما عندي عمل غير أنظر على الطريق، الثلج والضباب والمطر، وفجأة توقفت الحافلة أمام محطة الحافلات أمامي ونزلت الملاك، صبية كاملة الأركان أنها (راهبة) بالزي الأسمر والأبيض اتجهت ناحيتي، انتفض جسدي أنها لوحة" لصورة ملاك"،

ابتسامتها العريضة تقاسيم وجهها لم أرى هذا الجمال من قبل، الأجراس تقرع وصوت "فيروز" في مسامعي وهي تنشد في مشهد يَاقُدُسُ

أمام كنيسة المهد، ما زالت الملاك تنتظر وتنظر ناحيتي،

اقتربت مني وتحدثت أنا أتحدث بعض الكلمات البولندية قليل جِدًّا، من لغة الإشارة عرفت أنها تسأل عن مكان (الدير) وكان في شارع جانبي قريب في نفس الشارع الرئيسي، مازالت تبتسم، وتتحدث فهمت أنها سوف تأتي فترة الأعياد كل يوم إلى الدير في نفس الميعاد، وإنها من مدينة 'كراكوف"، بدأنا السير إلى الدير، واستمر الحال كل يوم انتظر بعد الغروب علي محطة الحافلات، حتى جاء يوم الوداع، طلبت منها "قبلة عذرية"، لقد سَكَرَتْ مِنْ الْهَوَى سُكْرًا،، فبتعدت وقالت اعقل يافتي فأنا حورية... إنها ملاك في معقل عاصمة الشيوعية سَابِقًا،،وذهبت الملاك، وسافرت بعد شهور إلى " ألمانيا" وجاء عيد الميلاد ولكن دون الملاك، بدأت الأحلام وتخيلت أن تأتي في نفس الميعاد ومن ذاك الطريق،

لماذا لا تأتي من النوافذ...؟

لماذا أنتظر في الصيف وأنتظر في الشتاء،

وليس فيه أحد  يذهب ولا أحد يجيء...؟ احتمال تطلع من الأحراش، ونذهب  نلعب في البرية لعل نسمع صرخة  النبي يحي (أنا صارخ في البرية ) ، ونكتب على الأحجار لكن جاء الثلج وذهب الثلج وعشرين مرة جاء وذهب، ما أحد جاء ولا أحد ذهب.، أنا من عشاق المطربة" فيروز" ومع الأحداث الجارية في فلسطين،دَائِمًا استمع إلى أغنية يَاقُدُسُ

والموسيقي التصورية "للبيت العتيق" وصوت الأذان مع أجراس الكنائس وصور الراهبات في القدس،  (الأحلام التائه) معي في المنام  بعد أنصار فيه قتال، ومع القصف وصوت فيروز، ماتت الملاك في القدس: هم قتلوا الملاك في النهار، لماذا قتلوا الملاك الصهاينة؟ ما عاد فيه ناس وما عاد فيه شتاء، ولا ثلج ولا شارع وسقط البيت العتيق، ما عاد فيه وطن ولا عاد فيه أشجار، وجف دمع الزهر وما في فوانيس. أين ذهبت فوانيس الشارع من القصف. قلت فيروز تكذب، مؤرخة الحارة وزمن الفوانيس ونواطير العنب وشايف البحر شو كبير كبر البحر بحبك.

ذاك زمن القلوب الكبيرة التي تقيس بحجم البحر. زمن الفن الجميل وزمن الحب العذري...؟ نحن في زمن شايف حجم السيارة والبيت والبطاقة المصرفية شو كبير...؟ حسب حجم السيارة بحبك.،،، انتهى زمن الأطفال الكبار ورقصات الشوارع ومواسم الحصاد ودخلنا في زمن الأقزام والزبائن في مقاهي صفحات التواصل الاجتماعي وطابور يدخل وآخر منتظر. ومازالت تحكي البنت المجنونة فيروز عن :صيف وشتاء،، وعن مواسم العصافير وعن صبي يأتي من الأحراش ..!

كل شيء كان\" غير الشكل \"، غير شكل الزيتون وغير شكل الليمون وكان غير شكل اليانسون وحتى أنت غير شكل، حتى رفيف العصافير كان غير شكل. أين ذهبت العصافير...؟ لماذا انطفأت فوانيس الطرقات...؟ ما في أحد ينظر حدا. كان زمن يأتي العصفور جاب سلام وينفض جناحه على الشباك وهو يحمل سلام ويخفي الأسرار في جناحه، قبل زمن الزبائن خلف الشبابيك وخلف غرف النوم في انتظار الدور...!!

لا أحد راح ولا أحد جاء، ما فيه أحد صار يظهر في الطريق، لكن عيون الملاك الصبية تأتي من الأشجار، وتأتي من الضباب وتأتي من الأحراش، وتأتي من الأيام وتأتي من الأحلام، وتأتي في سنوات الغربة، وتأتي من المشاوير ومن ورق الخريف. أنا أَيْضًا سألت شجر اللوز، ورسمت على المشاوير، ونتظرت في الصيف ونتظرت في الشتاء، ونذرت شمعة وقلت خليني دمعة بدربك، وشفت بالصحو وجاء من الصحو في مواسم العصافير، لكن، لا أحد جاء ولا أحد ذهب،

ومازلت أنتظر وعيني

على الطريق في انتظار الملاك من الدير.

***

محمد سعد عبد اللطيف -  كاتب وباحث مصري

 

كلنا بشر مهما كان ديننا أو لوننا أو عرقنا أو ثقافتنا. كلنا بشر سواء كنا أطباء او مهندسين أو عمال في مصانع الحديد. لكن كلمة إنسان وإنسانية تتطلبُ قيمةً إضافية كي يتحول البشر إلى إنسان بمعنى الكلمة. أما الثقافة فهي من حيث الأساس معلومات، تتحول إلى ثقافة حين يضاف لها قيمة إنسانية حضارية. وأنا سعيد الحظ لأنني تعرفتُ وإن كان في خريف حياتي على ذلك النوع من البشر: إنسان يمتلك معلومات ثقافية يوظفها في خدمة الإنسانية، وبالتالي فهو الإنسان المثقف الأمثل. ولست مُبالغاً فيما أقولُ قولي هذا، وليس من باب الصداقة، وليس تحزباً أو مناصرةً طائفية أو عنصريةً أو مناطقيةً، لأنها جميعاً غير متوافرة هنا. ولكن الذي اوصلني لهذا التقدير هو تجربتي القصيرة، بل القصيرة جداً في عمر الزمن. فلقد تعرفتُ على الدكتور محمد عبد الرضا شياع، وهكذا يفضل أن يُنادى باسمه الكامل على ما أعتقد، تعرفتُ عليه يوم 6 أيلول من عام 2020، الموافق 18 من شهر محرم الحرام عام 1442 هجري، حينما قدمتُ بحثي الموسوم " الدور السياسي والوطني للمواكب الحسينية" في منصة "الصالون العراقي- لوس انجلس". كان الدكتور محمد عبد الرضا شياع أول المعقبين، وقدم مداخلته ولم يكن لي معرفة مسبقة به. وكما هو متوقع في معظم المنصات الحوارية، يجتهد بعض المحاورين للبحث عن النقاط السلبية أو يطرحون أسئلةً لأحراج المتحدث. على العكس من ذلك كان الدكتور شياع. لم يكن تقييمه للبحث إيجاباً فقط، وإنما أبدى إعجاباً بحماس، داعياً منصة الصالون العراقي لنشر هذا البحث على أوسع نطاق، لأنه بحث يُسلط الأضواء على الدور الإيجابي للمواكب الحسينية. بطبيعة الحال تقييمه أبهرني وأسعدني وشجعني، لأن البحث لم يكن سرداً لما هو مألوف عن واقعة الطف ومراسيم إحياء ذكراها، خاصة إن البحث مُقدم من قبلِ شخصٍ علماني يساري. بعد ذلك بحوالي أربعين يوماً قدّم الدكتور محمد عبد الرضا شياع، وعلى منصة الصالون العراقي، بحثه الموسوم "تداخل الأنواع الإبداعية وتشكيل النص: بابلو رويث بيكاسو وعبد الوهاب البياتي أنموذجاً". وكنت أحد المشاركين في اللقاء. بدأ الدكتور بالحديث بلغته العربية الفصحى، والتي كانت فوق المستوى اللغوي لمعظم الحاضرين وأنا واحداً منهم. كلماته ليست من مفرداتنا اليومية، بل حتى ليست مفردات عربية مألوفة في لغتنا العربية او أي مؤلف باللغة العربية. كانت لغته أقرب إلى اللغة الشعرية للعصر الجاهلي أو مفردات لا يستعملها سوى كبار الأدباء أمثال المتنبي والجواهري. أحسَ الجميع من ان المتحدث فوق مستوانا ليس بقليل، وانما بفارق شاسع. لم يتجرأ أحد أن يكتب تعقيباً في الدردشةِ أو يرفع يده لطلب المداخلة. أمر غير مُعتاد ومخجل وربما سوف لن يحاور أحد ضيف البرنامج. قبل انتهاء الدكتور من محاضرته، وصلتني رسالة على الخاص من أحد مديري الصالون طالباً النجدة، بقوله: "اترجاك أبو عامر حضر سؤال أو سؤالين، وإلا سوف نشعر بالخجل مع الدكتور". حقيقة الأمر إن الدكتور في الجزء الأول من بحثه عرض صوراً لبيكاسو وفي الجزء الثاني قرأ نماذج شعرية وأحداثاً ومفارقات استأنس لها الحضور. لحسن الحظ أني مُطلع على بعضٍ من شعر عبد الوهاب البياتي خاصة ترجمته لشعر الشاعر التركي ناظم حكمت، وبعض أعمال بيكاسو خاصة الرسوم التكعيبية منها. لم افتعل الحوار لأني فعلاً وجدتها فرصة لا غنى عنها كي استفيد من معلومات ثقافية، هي ليست معلومات مجردة.  لأن المحاضر يُحللها ويقارنها ويقيمها ويمنحها قيمة ثقافية في الميزان العام للثقافة. بدأت كلامي من أن هذه المحاضرة قد حققت طفرة ثقافية في مستوى المحاضرات والبحوث التي تُقدم في الصالون العراقي، ورجوته أن يزيدنا مستقبلاً منها. كنت صادقاً في ذلك لأنني شعرت من إضافة المحاضرة لي معلومات جديدة، وتعرفت على مصطلحات لم تكن لها سابقة في قراءاتي. طرحت عليه أربعة تساؤلات، أجاب عليها بكل سلاسة ووضوح وكان متفقاً مع معظم تساؤلاتي بدلاً من أن يكون مناهضاً لها، وهذا ما شجع الآخرون للمشاركة في العديد من المداخلات. كان لهذين الحدثين وقعاً مؤثراً في نمو العلاقة الثقافية بيننا، والتي تحولت إلى علاقة صداقة شخصية وعائلية أعتز وأفتخر بها.  دعاني أبا إيناس لزيارته في سانت دياغو وكانت دعوة كريمة التقينا فيها العائلتين مع الأستاذ عقيل العبود وعائلته ومجموعة أخرى من العوائل الكريمة. كانت نزهة على الشاطئ الذهبي لجنوب كاليفورنيا، تمتعنا بالسمك المسكوف الذي أشرفت عليه إيناس البنت البكر للدكتور. كذلك تعرفنا على أبنائه مهند ومرتضى وابنته الصغرى فاطمة. عائلة يصعب وصفها. الأبناء والبنات يدورن حول أبيهم ويحضنون الضيوف بقلوب صادقة وبنية صافية تتحسسّها من أول لحظة. ثم جاءت المفاجئة الكبرى حينما أعلن الدكتور شياع المباشرة بإنشاء منصة "مجموعة زينب كحل الفردوس الثقافية". اعتقد انني كنت من الأوائل الذين اطلعوا على هذا الأمر، وتمنيتُ مخلصاً النجاح لهذه المنصة الثقافية والتي كنت متأكداً من إنها ستكون مصدر إشعاع ثقافي وعلمي نحن بأمس الحاجة إليه. وهذا ليس كل ما في الموضوع. إذ يبرز دور الدكتور شياع كونه مخلصاً ووفياً لزوجته التي رحلت ليس بالأمد البعيد، حين سمى المنصة باسمها وباسم مشروع كتاب كان يعمل معها لإنجازه. إلا أنها رحلت بأمان الله، فشيد لها زوجها الوفي حسنةً جاريةً تستمر مادام هناك أثير في الكون. والدكتور محمد عبد الرضا شياع لا يشبه   معظم المثقفين والأدباء والشعراء الذين انفردت أو انعكفوا على ذواتهم ولحالهم في صومعة مغلقة على أنفسهم. كلاً فإنه من اليوم الأول قدم مشروع زينب كحل الفردوس على إنه مشروع عائلي يُساهم فيه أبنائه الأربعة إيناس ومهند ومرتضى وفاطمة. كل واحد منهم له دوره في البحث والأعداد والتنسيق وتقنية الزوم ومصاعب العالم الرقمي في النشر والتوزيع. يا لها من عائلة مباركة متعاضدة مُتآزرة لإنجاح مشروع ثقافي حيوي. ومع ذلك يبقى الفضل الأكبر لربان السفينة التي آمن من إن مرساها ومجراها لا يعتمد فقط على الربان وانما كذلك على سواعد وهمة الكادر المرافق له. ولم يكتفِ هذا المثقف الأنسان بذلك، حيث ان مشروعه كان ليس ندوة أو محاضرة وسؤال وجواب، انما جاءنا بمفهوم جديد، ففي كل جلسة تحتفل المجموعة بالمحاضر، تبرز أعماله ونشاطاته وإنجازاته الأدبية والفكرية. حيث يقدم الدكتور شياع دراسة موثقة عن المحاضر تتضمن معلومات واسعة ومنظمة عما قدمه المحاضر من استحقاقات إسهامات تحسب له في مجال المعرفة والثقافة. وهذا جهد مُضنٍ ومتعب إلا أنه مُجدٍ يقدمه الدكتور لنا لا عن نفسه وإنجازاته التي ليست بالقليلة، إنما عن الآخرين الذين يستحقون التقدير والذين تقديمهم من على منصة مجموعة زينب كحل الفردوس فيه مساهمة وخدمة للمثقفين والثقافة عموماً. وأنا لا أنكر بهذا الصدد كم استفدتُ من هذه اللقاءات وكم تعرفت على أشخاص ومفاهيم لا يخلو قسماً منها من الغرابة والاندهاش في بعض الأحيان بالنسبة لي على أقل تقدير. والمفهوم الآخر الذي اجتهد في تنميته الدكتور شياع هو عدم اقتصار المشاركين على النخبة الثقافية العراقية في المهجر. إذ انه ربط ربطاً جدلياً بين النخبة داخل الوطن والعراقيين في المهجر. هذا من جهة ومن جهة أخرى فتح وباعتزاز واضح باب منصته على مصراعيها للنخب الثقافية ليس في المشرق العربي متمثلاً بمصر وسوريا والأردن وفلسطين فقط، وإنما في المغرب العربي لمفكرين من تونس ومصر والمغرب والجزائر. أليس هذا ما يسمى بالوحدة العربية!!! نعم إنه تطبيق حي للمفهوم الوحدوي العربي عن طريق الثقافة ولم الشمل إنسانياً وليس قسرياً كما تُفرض من قبل السياسيين. وللدكتور محمد عبد الرضا شياع فضل عليّ شخصياً. أولها إنه وعائلته منحوني وزوجتي صداقة لا مثيل لها، وكأننا نعرف بعضنا من عشرات السنين. صداقة يصعب تقييمها، أستطيع القول من أنها صداقة لا أستطيع الاستغناء عنها. وثانيهما إنه شجعني بحرارة على استكمال ونشر كتاباتي، حيث ساعدني في تقديم الكتابين "المناضل الصغير" و "شموع لا تُطفئها الرياح"، وفي تصميم الغلافين، وكثير من الإرشادات التي لا يراها إلا ناقداً متمرساً وصديقاً مهتماً بإنجازٍ لصديق له. وثالثها إنه مكنني ولا زال من ان أثقف نفسي أكثر واتعرف على نخبة أدبية ومفكرين مبدعين من خلال منصته ذات الاعتبار، منصة "مجموعة زينب كحل الفردوس الثقافية" التي أرى انها تسير باتجاه ان تكون أكاديمية ثقافية عُليا عبر الأثير بجميع أشكال وأنماط وسائل التواصل الاجتماعي. كما إنني أتمنى أن تجد هذه المحاضرات طريقها للنشر على شكل مطبوعات لتكون مصدراً مهماً للباحثين وطلاب الدراسات العليا. الأستاذ الدكتور محمد عبد الرضا شياع إنساناً متميزاً وقامةً أدبيةً لأنه يمثل صورة المثقف الأنسان بأبهى صورها، لما يملكه من نكران للذات وحبه المتناهي للغير وليس للأنا. إنه منار وقدوة لمن يريد المسير في هذا المشوار الثقافي الإنساني.

***

 محمد حسين النجفي

رئيس تحرير موقع أفكار حُرة

4 آذار 2023

للوهلة الأولى تبدو القضية عاطفية نوعاً ما، فمن الصعوبة أن يتصور الصحفي الذي قضى عمره بين هدير المطابع ورائحة الحبر وسخونة الورق، حلول اليوم الذي تشرق فيه الشمس على الأرض من دون صحف ورقية، لكن هذا الأمر قد يكون مستساغاً للأجيال الجديدة من الصحفيين والقراء الذين استغنوا عن الورق واستبدلوه بشاشة الكومبيوتر والهاتف الذكي، يُقَّلبون صفحات الصحف والمجلات بيسر وسهولة مع تحديثاتها المستمرة للأخبار التي لا تتوقف مثل سيل متدفق، أضف إلى ذلك أخبار الفضائيات والمحطات الإخبارية التي لا يمكن أن تمنع نفسها عن إذاعة الخبر مهما كانت اهميته حتى مطلع الصباح.

ومناسبة الحديث عن مستقبل صحافة الورق ومدى صمودها أمام الصحافة الإلكترونية، هي قيام متحف الاعلام العراقي بتنظيم جلسة نقاشية عن مستقبل الصحافة الورقية، وذلك ضمن جلسات نصف شهرية أعد لها المتحف لتكون تحت عنوان" أمسيات عراقية " بعد مضي عام على افتتاحه، وحضوره الملحوظ في المشهد الثقافي العراقي بفضل الجهود المثابرة لمديرته مينا أمير الحلو التي تديره بحماسة ومحبة وكأنها تدير مشروعاً خاصاً تحقق فيه حلماً من أحلامها الجميلة. 

كثيراً ما يطرح السؤال عن مستقبل الصحافة الورقية على الكُتاب والصحفيين وأساتذة الصحافة والإعلام، من دون أن تكون اجاباتهم قاطعة بنعم أو لا، وذلك أمر بديهي بسبب طبيعته التي تنتمي إلى نمط من الأسئلة الاستشرافية التي لا يمكن البت بأجوبتها بصورة يقينية ومؤكدة وقاطعة. صحيح أن معطيات الحاضر تشير إلى سيادة المواقع الإلكترونية الخبرية، وعزوف ملايين القراء عن متابعة الصحف الورقية، وموت الخبر على أيدي الوكالات الخبرية، ومعها القنوات الفضائية التي تنقل الأحداث مباشرة، وتتقصى الأخبار وتتابع الأحداث أمام أنظار ومسامع المشاهدين في كل بقاع العالم، غير أن ذلك كله لا يعني موت الصحافة الورقية، ولا انسحابها النهائي عن مسرح الحياة، ولو إلى حين لم يحن أوانه بعد.

أمام هذه الحقائق، اختفت الكثير من الصحف الورقية، أو انخفضت مبيعاتها وتقلصت أعدادها ، وأكتفى الكثير منها بالموقع الإلكتروني، تقليصاً للنفقات وللجهد البشري، ومن أجل الصمود أمام الغول الإلكتروني الرقمي الذي ابتلع العشرات من الصحف والمجلات، وما زالت شهيته مفتوحة لابتلاع صحف ومجلات أخرى قد تجد نفسها مُجبرة في النهاية على الانصياع لمنطق السوق، منطق العرض والطلب الذي يحدد مدى الحاجة للسلعة.

هل نصحو يوماً على عالَم بلا ورق؟. قد يكون السؤال واقعياً، لكنه على أي حالٍ سؤال مزعج لعشاق الورق والصحافة الورقية .

***

د. طه جزاع

 

(النَّصُّ منقولٌ بتَصرّفٍ عن «خربشاتٍ مَسائيةٍ» لأخي أستاذ النحو؛ أحمد الرَّاشدي من بلاد الشام)

أيَّامَ ما كانَ العَاَلمُ كلُّهُ مُنهَمِكاً بتَبَتُّكٍ وتَهَتُّكٍ وبِصَلافة، يَتَقَصَّى عن أسلحةِ دمارٍ في أرضِ العراقِ بكَثافةٍ وكَسافةٍ وسَخافَة، وكأنَّ العالَمَ رَاهبٌ هُمامٌ وديعٌ في دَيْرِ سلامٍ بَديع مُتَنسِّكاً باعتكافِه، كانَ «أبو حذيفَةَ» مهندساً شَغوفاً بعلمِ «المِيكانيك» وبأصنافِه، يعملُ في دائرَةٍ حذوَ دجلةَ جاثمةٍ على ضِفافهِ، فَتَوَجَّهَ صَديقُهُ منَ الشَّامِ الصُّحفيُّ «حُسام» محترفُ الصَّحافة رفقةَ «أبي قيس» مُتَدربٍ في فنِّ الإعلامِ والصَّحافة، الى بغدادَ ليحلّا على «أبي حُذيفةَ» في ضيافة، وبغيةَ إجراء حِوارٍ معهُ إذ هو مُتَوَرِّكٌ حذوَ النَّهر على أردافِه.

قالَ أبو قَيس لحُسامَ؛ دَعْنيَ أكُ المُحاوِرَ، فإن أخطَأتَ فقُمْ بالسّعالِ بلَطافَة، فأجَابهُ الحُسامُ أن نَعم، قدِ اتفَقنا وحذارِ من غَثِّ الحِوارِ أو انحِرافَه، فَوَصَلا إلى بَغدادَ فَاتَّجها صَوبَ شَركَة أبي حُذيفةَ فَطَلبَا لقاءَهُ بِظَرافة، وبعدَ السَّلامِ والتَّحياتِ قدَّمَ لهما أبو حذيفةَ لبنَاً وتمرَاً ثمَّ عصائرَ وشَطائرَ وكُنافة، ثمَّ قالَ حُسامُ لأبي قيس؛ إليكَ بنودُ اللقاءِ فيها حُدودُ الحِوارِ وقيودُ تطوافِه، فردَّ أبو حُذيفةَ؛ ما من داعٍ لقيودٍ في بنودٍ ودعِ اللقاءَ عَفَوياً بارتِشَافهِ وائتِلافِه، فَهَزَّ حسامُ رأسَهُ مُؤيِّداً باصطِفافِه، ثُمَّ انعَطفَ الثَّلاثةُ والتَفُّوا حولَ طاولةٍ بالتفَافة، وَبينَما كانَ حسامُ يضَبَطُ التَّسجيلِ غَمَزَ لأبي قَيس أنِ انطلقْ يا صاحُ في عالَمِ الاعلامِ والصَّحافة، فانطلقَ مُغرِّداً أبو قَيس باستشرافِه؛

نُرحِّبُ بالمُهندسِ أبا حُذيفةَ وخيرُ ما نُبْدَأُ بهِ ذا الحوارِ آيٌّ من قرآنٍ وألطافِه، فَسَعَلَ حسامُ فناوَلَهُ أبو حذيفة كأسَ ماءٍ بودٍّ ورَهَافة، فانتَبَهُ أبو قَيس فأعادَ الكَرَّةَ برَصانةٍ وحصافَة؛ يُسعِدُنا أن نبدأَ حَديثَنا بالنَّشيدِ الوَطنيِّ العِراقيِّ تَبجيلاً لأعرافِه، فَسَعلَ الحُسامُ ثلاثاً مُتَتابِعاتٍ بارتجَافة، فجَفَلَ أبو قَيس فأحضَرَ أبو حذيفةَ الكَأسَ لحسامَ المُتَبَسِّمَةِ أوصافه وهو يقولُ؛ أبو قيس فَتى من فتيانِ الصَّحافةٍ لكنَّهُ ذو ظَرافة، ومجبولٌ على حبِّ المناكفَةِ والطَّرافَة، والتَفتَ إلى أبي قَيس يَهمسُ بِشَنافَة؛ «فَضَحتَنا أبا قيس».

اسْتَأْنَفَ أبو قيس الحِوارَ واستكتِشافَه: هلّا حَدَّثتَنا عنِ العَملِ هنا «كابتنَ» أبو حُذيفة وعن أكنافِه؟ فَسَعلَ حسامُ خمساً وهوَ يَتَلعثَمُ ﻷبي قَيس: أستاذٌ أستاذٌ ﻻ كابتن، ثمَّ كأسُ ماءٍ آخرٍ لحسامَ المُغَلَّفِ بارتِجافِه. فَرَدَّ أبو حذيفة: عَملُنا يا كابتن هو هَندسيٌّ ويتمَحورُ كُلُّهُ حولَ علمِ المُسَنَّناتِ وأطيافِه، فأردفَ أبو قيس: فهَلّا أخبَرتَنا نبزَةً عن آليةٍ المُسنَّنِ والتفافِه؟ فَاحمَرَّ وجهُ حُسامَ فَسَعَلَ سَبعاً وفمُهُ مُرتعِشٌ إذ يهمسُ ﻷبي قيس بارتجافَة؛ هي نبذةٌ وليسَت نبزَةً، وقد بلغتَ بالحِوارِ ذروةَ انحرافِه، وصَيَّرتَ الحِوارَ تَخَرُّصاً وخُرافة، فقَدَّمَ أبو حُذيفةَ كأسَ الماءِ لحُسامَ بتَوَدّدٍ لإسعافِه.

أمسكَ أبو قَيس ورقةَ الأسئلةِ فقالَ؛ هلّا حَدَّثتَنا أبا حُذيفةَ فيما هَهُنا عنِ القنابلَ كما قالَ القائدُ باعترافِه؟ فتَشَرْنَفَ الحسامُ فسَعلَ تسعةَ عَشْرَةَ سَعلةً ولاتَ حينَ ثقافَة، فاسْتَطْرَدَ أبو قيس غَمزاً بحَاجِبَيهِ يَهتفُ بهتافِه؛ أعني هل لنا بنُبذةٍ عن تَصنِيعِ القَنابلَ وما عَنيتُ خِلافَه، فأصابتِ الحَازوقةُ الحسامَ واختَنَقَ منَ سعالِ بكثافة، فأحضرَ أبو حَذيفةَ صنبورَ ماءٍ بأُنْبُوبٍ الى دجلةَ مَمدُودةٌ أطرافِه.

كانَ أبو قيسَ ينظرُ لحسامَ مُدَندِناً يودُّ شرحَ أهدافِه؛ قلتُ نُبذةً نُبذةً وما قلتُ نبزةً واختلافَه، فانتفخَت أوداجُ حسامَ وهوَ يَشيرُ بإصبعِهِ إلى كلمةٍ في ورقةِ أبي قيس وإذ تَهتَزُّ أكتافَه؛ «مَنَاقِل»، فَهرعَ أبو قيس مُحاولاً رتقَ ما انفتقَ وايقافَه؛ هل لنا أن نَرى مَناقلَ قنابلِكمُ الظَّريفةِ بلمحةٍ واختِطافة؟ فَصَكَّ حسامُ الفَكَّ، وحَكَّ أبو قيس رأسَهُ وهوَ لا يَشكُّ باحتِرافِه؛ قُلنا نبذةً لم تُعجِبْ، قُلنا مَناقِلَ لم تُعجِبِ الحسامَ المُحتَرفَ للصَّحافَة.

أدرَكَ أبو حُذيفة إذ ينظرُ بِعينِ عَطفٍ لسعالِ حُسامَ وارتجافِه، أنَّ الحسامَ يبغي نطقَ كلمةٍ عالقَةٍ وتأبى الخروجَ من حِقافِه، رُبَما علقت مِن غَضبٍ على أبي قيس وانجِرافِه، رُبَّما من كثرةِ التقامِهِ للتَّمرِ دونَ الكنافة، فانكَبَّ أبو حذيفةَ لإسعافِه، فَرفعَ يَمينَهُ فدَفعَ بها بقوةٍ على ظَهر حُسامَ وتحتَ وأكتافِه، فخَرجتِ الكلمةُ العالِقةُ بزُعَافَة؛

«فَضَحتَنا».

[ وهكذا فإن كثيراً من الإعلاميين الذين يتصدون لإجراء الحوارات مع ضيوفهم، نراهم يفهمون في كل شيء إلا فن الحوار وأطيافه، فتكونُ محصلةُ الحوار كلمةً يتيمةً خرجت من فمِ الضيفِ في زحمةِ ألفِ كلمةٍ للمحاورِ مُتَعجرفةٍ جهولٍ وبصلافة].

***

علي الجنابي

 

يستمد نقاش الهوية الثقافية كنموذج مكناس أسسه اللازمة من النظريات الاجتماعية المتنوعة، والتي حتما تتوزع من حيث مكونات البنية الإثنية، وكذا من وضعيات أصناف الطبقات الاجتماعية. لكن، وازع القيم والمعتقدات المشتركة التكاملية قد وحدت المدينة بالجمع لا الإفراد. فالمدينة انطلقت قديما وحاضرا من الهوية الانفرادية (الفهم الذاتي الإثني) إلى الهويات المشتركة، وتطويق غياب التجانس والاختلاف.

فأنساق الهويات الجماعية قد نقلت المدينة من الهويات الخشنة الثقيلة نحو الهوية الناعمة والخفيفة، سواء في سلاسة اعتناق الهوية الوطنية الموحدة (تمغربيت). من تم نصل بدا نحو مفهوم الحديث عن الهوية والتطابق والاختلاف (علم التاريخ النقدي)، وهي مسألة نقاش الذات والهوية، التي يكون فيه الزمان صيرورة بين حاضر منفصل عن الماضي وعن المستقبل، مع حتمية الخوف من إمكانية ضياع الوعي من داخل الذاكرة التاريخية المشتركة.

حقيقة، لم يعد تراث مدينة مكناس رؤية عين مجردة واصفة، فاليوم أُحب الحديث عن مسألة تراث مدينة، ولن أنجر نحو حد التأصيل، وذكر التقسيمات والتعريفات، بل أرغب في مناولة تراث ماضي المدينة كخصوصية حضارية ولما لا تحويل الزمان الماضي إلى حاضر متحرك، وجعل الاختلاف في خدمة التطابق (عبد السلام بنعبد العالي / كتاب هايدغر ضد هيجل التراث والاختلاف).

من صدق الدفوعات، أن تاريخ مكناس تجده موشوما (التراث المادي) على جسم الساكنة وسمع آذانهم (التراث اللامادي)، من خلال ألقاب وأنساب تلتصق بشواهد المدينة العتيقة، وهذا طرح تقليدي لمفهوم التراث الذي يبحث عن التأثيرات والاستمرارية والامتداد. وقد يكون نفسه غائبا في وعي أحفاد السلف، من خلال النسيان الذي قد يسببه التقادم في مُركبات ذاكرة مدينة مكناس.

مسألة التراث تنتعش شدة في ملابسات سياسية وفكرية تخلط الحق بالباطل، ويمكن أن تكون ذات قيمة تحليلية وتفكيكية لقضايا مكناس التاريخية، و يمكن أن ترتعش الملابسات عند شط تقويض وتكسير ماضي المدينة باعتبار أن تراث نُخلفه من ورائنا، والحاضر يَسرقنا ضمن الذاكرة المضادة للمستقبل، حينها يتم التطويح الصريح بالمدينة في المستقبل بلا سند من  المرجعية التاريخية الذي ما ينفك يمضي.

 إن خلخلة تلك المركزيات المنهجية (الملابسات السياسية والفكرية) من تاريخ الماضي، وتهميش المدينة في الحاضر ما يفتأ يحضر بالمنغصات الشديدة، وهي خلخلة مَعيبة من حيث حساب الهوة السحيقة بِأُبَّهَة التاريخ الحقيقي بالمدينة، وهذا لا يتم كذاتية تعويضية لتقوية الوهم بخلود الحقيقة (نقد خرافة التراث)، وكسب رهانات الاختلاف والانفصال والتباعد في الزمن الحاضر والمستقبل كفرص مضادة، وتهديدات تدمر امتداد تراث المدينة.

فمحاربة التضخم في المفاهيم الماضوية (خرافة الوهم بالخلود)، وجعل المدينة تلتصق بالماضي فقط (الزمن الذهبي)، يُعتبر مدخلا أساسيا لتجفيف مستنقع العلاقة الفارقة بين ماضي المدينة وحاضر مكناس التي تبحث بُدا في امتلاك التنمية الذكية، وقد يغيب مفهوم الوحدة التاريخية (التقليد والحداثة)، لهذا لا زال تراث مكناس ينطوي على الخواء رغم امتلائه كقيمة مادية حضارية وطنية.

إن قراءة تاريخ المدينة بنيويا لا يقوض حاضرها ولا مستقبلها بالترهل، لذا يجب أن تمتد القراءة نحو كشف اللامنكشف، و تأصيل الذات قراءة بنيوية، لا يَنْخرها التباعد ولا الفراغات في الزمان و لا بياضات الأمكنة، ولا حتى الاختلاف المنصهر بلا معالجة صادمة للشوائب. فإذا كانت معايير القيم المتحركة تتجدد ضمن حوض المدينة المتحول اجتماعيا ووظيفيا، فإنه من الحتمي الاستفادة من الطاقات والإمكانات الكامنة ضمن مسألة التراث الصامت، في أفق نظرية إعادة التوظيف والتسويق المتكلم. ولما لا، محاولات ترتيب عمليات الإصغاء للأصوات المتعددة (التنوع والاختلاف) لتقوية خلود تراث مدينة مكناس في الحاضر والمستقبل، على اعتبار التراث يمثل ميزة الثقافة العالمة.

 نعم، هنالك قناعة بإمكانية التغيير على المدى القريب (تثمين المدينة العتيقة لمكناس، وإعادة التوظيف النموذجي) في حاضر ومستقبل مكناس، وذلك على مستوى المعرفة التامة بالسياسات العمومية للمدينة. فالنجاح في هذا الصنف من التحول يتمسك بجدوى نواجذ الدراسة الاستشرافية، ويمكن اعتبار هذا  الموجه الأساس لصناعة مكناس الجديد.

***

محسن الأكرمين

من البداية نُقر بأن البرنامج الغنائي والفني لمهرجان وليلي بات مستهلكا ومتهالكا بعدة مهرجانات وطنية، ولم تعد له قيمة نوعية إضافية خاصة في برمجته في فصل الشتاء !! اليوم أسترق عنوانا (كِيفْ كُنتِي وكِيفْ ارْجَعْتِي). فمن الحقيقة بالصدق التام، أن نصفق لجيل الرواد من مكناس الذين كانوا يخططون لمهرجان وليلي بقوة حضوره الوطني التنافسي والموضعي. فمن ثقافة الاعتراف أن نُفْصِحَ للمتلقي والمتتبع أن برنامج المهرجان كانت تسهر عليه المديرية الإقليمية لوزارة الثقافة بمكناس وبرعاية لصيقة من عمالة مكناس ومجلس المدينة، وبعدها بشراكة مع الجهة بالتنوع. من قوة المهرجان أن اللجنة المحلية كانت تعقد جلسات حتى مع ممثلي الإعلام المحلي لأجل إبداء والرأي والتصويب وأمام أعين مؤسسة العامل. لكن، من المؤسف الحديث عن جواب سؤال: (كيف ارجَعْتِي)؟ لأن التدني بات يُصيب تنظيم هياكل المهرجان برمته، حتى أنك تحس (كم من مرة أريد التخلص منه/ لولا الرعاية المولوية ). فالتحكم الجهوي (قطاع الثقافة) في تمفصلات أيام المهرجان، حتى بات البرنامج يُرسل إلى عمالة مكناس عبر إرسالية ورقية من الصنف الإداري، لإخلاء الذمة والدعوات بمواعيد الافتتاح !! والتسويق بأن المهرجان ثمرة شراكة ورعاية من عمالة مكناس، في حين أن هذه الشراكة والرعاية ما هي إلا بروتوكول إداري لا إلا !!

قد تكون المدينة في ظل موجة البرد القارس غير في حاجة إلى مهرجان يوثق (للنشاط والترفيه) وصناعة الالهاءات الجانبية. قد تكون المدينة في شغل آخر من أولوياتها الداخلية والاجتماعية والاقتصادية والتنموية، فيما وزارة الشباب والثقافة والتواصل- قطاع الثقافة- بالقطب الجهوي الأول (فاس)، فهي تتسارع مع الزمن لإنهاء برنامجها السنوي المتأخر بفعل (اقْضِي وعَدِي هاذي هِي مَكناس !! ). 

فحين نضع في الديباجة التقديمية لورقة برنامج مهرجان وليلي ( بشراكة مع مجلس جهة فاس -مكناس، وبتعاون مع عمالة مكناس..)، فيجب استشارة المتعاوين في الرأي والتفكير والتخطيط ، واحترام مبدأ الشراكة ليس في الكلفة المادية، بل في الكلفة المعنوية والتنظيمية والإشراف والرعاية. فمن معرض النشر والكتاب الذي همش المنتجات الثقافية والفنية والأدبية بمكناس، إلى مهرجان وليلي الدولي لموسيقى العالم التقليدية، وكأن مكناس باتت للعرض والاستهلاك، لا مدينة الإنتاج الهندسي للتنظيمات الفنية والثقافية. فما الحكمة من هذا التزاحم ما دامت (2023) سنة غير كبيسة، وتتوفر على عشرات الأسابيع الفارغة من المهرجانات خاصة في فصل الصيف والعطلة؟

حقيقة وجيهة، أن مدينة مكناس لها من المكتسبات الثقافية (مهرجانات حصرية/ مهرجان الدراما التلفزية...)، ومن الأطر والكفاءات لصناعة دورة ناجحة من مهرجان وليلي، فالمدينة بطبعها التاريخي لا ترضى استهلاك (ما تم مَضْغه خارج مساحتها الجغرافية) !! فمن ملاحظات الأمور البسيطة في برنامج حفل وليلي يوم الافتتاح (الأربعاء 20 دجنبر 2023 الموقع الأثري وليلي)، غياب الرؤية التقديرية الزمنية: فكيف لزيارة منظمة للموقع الأثري التاريخي وليلي رفقة ضيوف من خارج المملكة أن تنطلق بداية من الساعة 17:30؟ فالفصل فصل شتاء وموجة البرد ضاغطة على المدينة، والظلمة تأتي مسرعة، لكن بفضل موجهات المدينة تم تغيير وقت بداية الافتتاح إلى الساعة الثانية (14,00) بعد الزوال، إنها بحق الفطنة التنظيمية بمكناس المدينة.

سأكتب، لأني بحق لا أثقن غير الكتابة الموضوعية البريئة من الممتدات والخلفيات النائمة، سأكتب لأسعد نفسي والمتتبعين الأوفياء لمقالاتي، كما يمكن أن أُنبهَ حتى الفئة الثانية التي تُقلقها ملاحظاتي بالتصويب والتعديل الإيجابي. لنعلن، رفضنا الجماعي لمائدة طنجرة ضغط تُطبخ في فاس المدينة العلمية، ويتم استهلاكها بمكناس العالية !! فمكناس قد تصوم أياما وأسابيع، وتتهرب طوعا عن تنظيم المهرجانات الفنية والثقافية، ولكنها لن تُفطرَ البتة على وجبة مهرجان وليلي البارد في التخطيط والتوجيه.

***

متابعة محسن الأكرمين

يمضي الكائن الى نشيده المفعم بالرغبة في الفعل تجاه الذات والعوالم بكثير من ألق الحال وهي تنشد بهاء اللحظات حيث طفولة مفعمة بالشغف الملون وبالغناء .. انها فكرة الحلم في تلويناته المتعددة حبا وحلما وتقصدا للجميل في كون من التداعيات.. هي رحلنه وهو يقيم بين قلقين وفرحين .. الوردة .. و الشوك .. و هكذا..

من هنا كانت اللعبة الفنية مجالا للافصاح عن هذه الذات الفرحة القلقة وهي ترنو الى رسم حيز من تفاصيل القلب وهو المحتشد بالأحاسيس وبما يمكن أن يقال نحو الآخرين والعناصر والأمكنة من عبارات ضاجة بالمعاني التي من عناوينها الشتى.. الفن مجال حب وسلام وعلو في سماء مثل فراشات من ذهب الأزمنة ..

و هكذا.. كانت فكرة الفن التي منها التلوين والتشكيل عند فنانة رأت من عقود ومنذ طفولة قديمة متجددة أن اللوحة مجال رسائل للانسان الكامن في دواخلها والقماشة مساحة وجد وجمال تعلن الجوهر في الفكرة القابعة بالكينونة.. و من هنا كانت رحلتها النبيلة مع الرسم والفن والمعارض في تونس وخارجها وفق يقين مقيم لديها مفاده أن الفن جزيرة وواحة وصحراء للتواصل والحلم والامتلاء في عالم تهزه الصراعات التي عنوان مجاريها الظلم.. ظلم الانسان لأخيه الانسان والدوس على الحقوق.. و تعددت اهتماماتها في مواضيع اللوحات والأعمال الفنية التي أنجزتها لعقود حيث كان الحق الفلسطيني بارزا في هذه المواضيع التي تعاطت معها بروح الفن ورسائله العالية .. حيث اللحظة الراهنة القائلة بالتوحش الجنوني للكيان الاسرائيلي تجاه الحق البين للشعب الفلسطيني.. هكذا هي فنانتنا في أعماله بين الراهن وتنويعات الحياة من مشاهد وأمكنة وأحوال شتى..

الفنانة التشكيلية الهام تقتق التي كانت تجربتها الفنية متعددة المراحل والأنشطة التي كان منها وو انتظم مؤخرا ونعني معرضها الفني الشخصي بالفضاء الثقافي والفني "دادا" برواقه للفنون.. هذا الفضاء الخاص الأنيق المفتوح على الأنشطة الثقافية.. DADA

في هذا المعرض لوحات متنوعة في الاحجام والمواضيع ومنحوتات ضمن عنوان لافت هو " أنا وأنت والآخرون " وانتظم في الفترة بين 25 نوفمبرو 11ديسمبر الجاري وبحضور وزيارات متفرقة لعدد من الفنانين والمهتمين بالفنون الجميلة ومن المعروضات لوحتان فنيتان بعنوان " صرخة شعب " وذلك بمثابة دعم لفلسطين وشعبها الصامد ولغزة وبطولات نضالها ضد المحتل الغاشم .. تقنيات متعددة وأعمال سنوا فيها الجديد وفيها المنجز منذ مدة في معرض تقول عنه الفنانة التشكيلية الهام تقتق ".. هذا المعرض هو حوصلة لمجمل التجربة الى الآن حيث عشت الفترات الأخيرة عديد الأحداث من الكورونا الى الحرب الظالمة على غزة مرورا بعديد المجريات في المجتمع التونسي ومعرضي هو رسالة بعينها لكل الفنانين وما أعجبني هو الاقبال المميز للفنانين وفئة الشباب على زيارته الى جانب حضور فلسطين بثقلها الثقافي والحضاري والنضالي والوجداني كحق مشروع بالنظر لما يعانيه الناس هناك .. " وعن بدايات الفنانة مع الرسم والتلوين تواصل القول ".. منذ فترات طفولتي كان لي ميل وحب للرسم و" البريكولاج " ونما معي هذا الولع والاحساس الفني حيث تخيرت الرسم على ميول فنية أخرى فيها تعبيرية عالية كالرقص ثم كانت مرحلة ما بعد البكالوريا ليكون اتجاهي الى المعهد العالي للفنون الجميلة لتكون لي تجربة مميزة حيث مررت بعدة اختصاصات كالرسم والنحت والحفر فكنت أقضي حوالي أربعين ساعة في الأسبوع في هذه الممارسات الفنية ضمن الدراسة وتتالت أنشطتي لتكون أيضا في فصل الصيف بعد الدراسة وعند العطل ومن ذلك الاشتغال الفني في أطر وورشات وفضاءات على غرار فضاء الفنان الحصايري ومتابعة أنشطة رواق شيم ومرسم محمود السهيلي .. و مرزوق ورفيق الكامل الى جانب مشاركاتي ضمن أنشطة الجمعية التونسية للتربية التشكيلية خاصة في التسعينيات وهذا فضلا عن مشاركات مع جمعيات عالمية و قمت بالتدريس في المعهد النموذجي ومررت الاهتمام بالفن والولع به الى التلاميذ كما شاركت في فعاليات مع فنانين أجانب برواق يحيى ثم سافرنا الى فرنسا وشاركت في المهرجان الدولي للفنون التشكيلية بالمحرس في مناسبة سابقة ومن معارضي كانت مشاركتي في لقاء 2022 بسيدي بوسعيد ضمن تظاهرة دولية .. ".

الفنانة الهام تقتق تعمل في مجالها الفني الابداعي وكما تقول باحساس ومعايشة للأشياء والعناصر والناس والأحداث ومن مناخات لوحاتها تمضي الى عوالم شتى عناوينها الأمل والحنين والفرح والشجن .. عرضت ضمن العديد من المعارض ضمن مشاركات جماعية الى جانب المعارض الشخصية وكان ذلك في تونس بقرطاج وسيدي بوسعيد وابن خلدون وابن رشيق وسوسة والقيروان والمنستير وتوزر.. وفي الخارج على غرار مصر وفرنسا كما أنها كانت مسؤولة عن المعارض الفنية بالكريديف .

هكذا تواصل الفنانة التشكيلية الهام تقتق نشاطها الفني التشكيلي حيث مثل هذا المعرض الفني مرحلة مهمة في مسيرتها بالنظر لما حواه من أعمال تشير الى الذائقة الجمالية والفكرة التشكيلية التي تعمل ضمنها الهام وفق ما تختزنه من وعي بالفن في حياة الناس وبما تسعى اليه في التواصل مع المتلقي حيث كانت الأعمال الفنية المتعددة ضمن رغبات الفنانة المشتغلة على منجزها الفني لعقود ..

معرض " أنا وأنت والآخرون " فسحة تشكيلية راوحت بين أعمال تنتمي لفترات مختلفة ولكن يجمع بينها شغف الفنانة تجاه الفن التشكيلي والعمل على أن تعكس الأعمال الفنية حالات انسانية وجدانية ثقافية لم تغب عنها فلسطين التي تخيرت لها الهام لوحات فنية تعلي من شؤون وشجون حقوق شعب يقاوم محتليه.. معرض يستح التوقف عنده لما تطرحه معروضاته الفنية من أسئلة وهموم .. وجمال.  

***

شمس الدين العوني

استقراء أدبي لأسطورة سيزيف وفقا لـ البير كامو*

بهذه الطريقة يواصل أحكامه مصيري البائس، لحظة استماعي  إليه بصمت  إرادتي.

*

ما زالت الصخرة تجنح بي صوب عالم العتمة، لكني مازلت أكافح من أجل مواصلة ما يجب عليَّ أن أفعله، جبروتي يقودني لمواجهة رحلة هذا المصير، وجودي يتطلب مني أن أحقق ما أسعى إليه!

*

أيتها النفس المفعمة بالشوق والهوى، لم أرفع راية الاستسلام رغم هذا البؤس!

*

ايتها  السماء امنحيني بعضا من مجدك، وخذيني نحوك،

فهنالك حالة واحدة فقط، لا شك في ذلك، تأخذ بيدي لأدرك هذه العظمة من الكمال.

إن قلبي مثقل بقوة هذا الشوق للوصول إلى الحقيقة!

وبرز سيزيف كعملاق متمرد، معلنا انتفاضته مخاطبا؛

'ها أنذا أتولى أمر السلطة في هذا العالم،  لأواصل المضي قدمًا دون توقف، وذلك هو الهدف'.

*

وهكذا واصل إله التمرد رحلته الابدية حاملاً معه شعلة الثورة السامية وهو يعد خطاه نحو عالم الخلود هاتفا؛

"أينك  أيها القدر من ثورتي وأنا أحمل هذا الحجر من القاع

إلى القمة، لأعود به نحو القاع مجددا!

***

عقيل العبود - سان دييغو

١٢/١٧/٢٠٢٣

......................

ملاحظة: هذا النثر مجرد استقراء لمفهوم اللاجدوى، عند البير كامو حول أسطورة سيزيف، إذ لا يوجد مصدر محدد!

 ........................

THE CONCEPT OF REBELLION IN A WORLD OF FUTILITY: A LITERARY EXTRAPOLATION OF SISYPHUS MYTH  ACCORDING TO

ALBERT CAMUS*

Akeel Abboud

***

My miserable fate judges me like this when I listen to it, and when I surround it with the silence of my will.

*

The rock still pulls me into the world of darkness, but I still struggle to continue what I must do. My greatness leads me to face a journey of this destiny. Yes, my existence requires me to obtain my quest!

*

O glowing soul full of passion and longing, I did not raise the flag of surrender, despite this misery!

*

Oh heaven, give me some of your glory and push me toward you. There is no doubt that there is only one characteristic that takes me by the hand to achieve the greatness of infinity.

*

My heart is burdened with the power of this longing to reach the truth. Sisyphus emerged as a rebellious giant, and declared his rebellion openly. "Here, I am, taking over this world to keep moving forward without stopping, and that's the goal".

*

Like this, the God of Rebellion continued his eternal journey, carrying the sublime spirit of his revolution, saying, ‘Where are you, O Destiny, in my revolution while I am carrying this stone from the bottom to the top to raise it again from the top to the bottom!’

*

Note: This prose is just an extrapolation of Albert Camus's concept of absurdity about the Myth of Sisyphus, as there is no specific source!

*

Akeel Abboud

San Diego

12/17/2023

يبدو أن مدرسة المقارنة والمفاضلة بين الأشخاص والأشياء، خاصة في الأفكار والأحداث الجدلية والخلافية، تُمثّل حالة شائكة ومعقدة لا يمكن الهروب من حبائلها أو تفادي تداعياتها، حتمية المقارنة في بعض الأحيان، حقيقة لا بد منها للوصول إلى بعض الغايات والقناعات التي يمكن البناء عليها، بل والانطلاق منها، بعيداً عن المماحكة والمناكفة، المقارنة بين مصادر المعرفة والثقافة بين زمنين أو شكلين، قضية معقدة وشائكة، ولكنها ضرورية وملحة. في العقود الماضية، كانت الأجيال المتعاقبة تستمد أفكارها وثقافاتها وآدابها وعلومها وفنونها وكل تفاصيلها الأخرى من المصادر والمراجع التقليدية كالتلفزيون والإذاعة والصحيفة والمجلة والكتاب والموسوعة والندوة والمحاضرة وغيرها من الأشكال والنماذج التقليدية، منذ 3 عقود وربما أكثر وظهور وسائل ووسائط وتقنيات العصر الحديث والذي تقوده عولمة كونية حوّلت هذا العالم الضخم إلى قرية صغيرة، برزت فيها حالة إنسانية عالمية واحدة، وتحطمت على أعتابها كل الحواجز والحدود، وتضخمت الأنا الاقتصادية والنرجسية الرقمية، لتتشكل مرحلة جديدة تُهيمن فيها ثقافة المال وقيادة الإعلام، هذه المصادر والوسائل المعرفية والثقافية الجديدة والتي تقودها شبكات ومنصات التواصل الاجتماعي، هي من تجذب وتؤثر في الفكر الجمعي والمزاج العام لكافة البشر، لا سيما الأجيال الصغيرة والشابة والتي تُمثّل النسبة الكبيرة في أغلب دول العالم

المقارنة بين الثقافات اصبح شائعا منذ بدء عصر العولمة الحديثة، وتتضمن الحوار بين الحضارات بشكلها السلمي الجميل الاكثر ملائمة لطبيعتنا البشرية،وايضا تتضمن صراعات الحضارات وهي النظرة الاكثر تشاؤمية والتي يقودها الاشرار ومن يقتنع بمنطقهم المنافي لسمات التحضر والاخوة الانسانية المشتركة!.

نعم، بلا شك هذه المنصات والمنابر الثقافية والمعرفية والإعلامية الجديدة، تتصدر المشهد وتحطم الأرقام والنسب، وهذا الأمر لم يكن غير متوقع، بل على العكس تماماً، فهو طبيعي ومنتظر، فالتحولات والتطورات في كل القطاعات والمجالات، لا بد لها أن تحدث، فتلك طبيعة الحياة وضرورة الزمن، ولكن الأمر الذي يستحق التوقف والتأمل هو حالة الثقة والاطمئنان التي ما زالت تحظى بها الوسائل والمصادر الثقافية والمعرفية والإعلامية الكلاسيكية، رغم تراجع بعض أرقامها وإحصائياتها وتداولاتها، قبالة ذلك التسونامي الهائل من المصادر والوسائط الثقافية والمعرفية والإعلامية الحديثة.

***

نهاد الحديثي

تنظم بعض الملتقيات التي تعنى بالأدب ورشات في كتابة الشعر. وقد لاحظنا انها لا تختلف عن ورشة النقد في شيء إذ يقرا خلالها الشاعر قصيدته ثم يفتحها أمام أنظار الحضور، وعادة ما يكونون من المشاركين أمثاله، فيتناولونها بالنّقد الانطباعي السّريع الذي يكون اما محبطا او مجاملا. فلا يفيد صاحب النص ولا يرضي السامع. وقد رأينا ان نقدم طريقة جديدة جرّبناها فأثبتت جديتها وجدواها غايتنا من وراء ذلك تعميم الفائدة والجدّية في العمل.

يعرف المبدعون والنّقّاد أن للنص لغة خفية يتكلم بها وسمات ظاهرة يعبّر بها عن دواخله وما على القارئ أو النّاقد الا أن يحسنا استنطاقه وترويضه ليخرج ما فيه من دمالية وابداع.

تقوم الطريقة أساسا على استنطاق النص وفسح المجال أمامه للتّعبير عن جنسه أولا قبل أن يبوح بخفاياه سواء تلك التي استطاع صاحبه أن يصرّح بها أو التي ظلت عصيّة عليه.لأن النّص يترجم نفسه بأكثر صدق ممّا يترجمه صاحبه أحيانا.

إضافة إلى وضع النّّص على طاولة السّؤال فإنّ الطريقة تختبر القارئ نفسه وتقدّر درجة تمكنه من قراءة الشعر قراءة صحيحة. هي تشبه امتحان قراءة.

تعتمد الطريقة على تعرية النّص مجرّدا وكشف تفاصيله أمام القارئ وإخراجه خاليا من كل تأثيرات مركّبة أو مضافة كالتّوزيع على الورق أو الفصل بين الكلمات أو نقط التّوقف وإشارات نهاية المعنى.بحيث لا يتبقّى من النّص غير الصّورة المختفية وراء المعاني والالفاظ، ونحن نعتقد أنها عمود الشّعر وهي أداته.

الشعر لا يمكن تعريفه مفردا ومجردا فالشّعر جامع لعناصر عديدة منها الذاتية ومنها الموضوعية. وقد سبق أن شرحنا في موضع آخر كلمة شعر كما يلي: شعر= ش+ ع +ر

أي شعور وعبارة ورؤية. ويكون الإيقاع كالعصب الذي يشد العناصر إلى بعضها فتكون الصّورة الشّعرية الجميلة ترجمة سيميائية لكيمياء الكلمة.

عمل الورشة

هو اختبار تطبيقي حقيقي للنّصوص المنشورة فقط لأنها أصبحت ملكا للقرّاء.

1 ــ تكتب النّصوص أفقيّا بطريقة متواصلة بدون فواصل ولا نقاط بين الكلمات ويسند رقم إلى كلّ نصّ.

2 ــ توزّع الّنصوص على المشاركين في الورشة ويطلب منهم تصنيف النّصوص: شعرا أو نثرا أو خبرا تقريريا.ووضع علامة في خانة أمام كلّ نصّ.

3 ــ تجمع العلامات التي تسند للنّص ونقيس من خلالها نسبة الشّعرية فيه ودرجة التمكن من فرز النّصوص عند القارئ المشارك.

4ــ تسند نسبة مائوية للنّص. تحدّد نجاحه أو فشله. وتسند أيضا لكل مشارك نسبة مائوية لقدرته على تمييز وقراءتها.

لقد جرّبنا هذه الطريقة فأدركنا جودتها وأهمّيتها. لكنّها تشترط الاعداد الجيّد وحسن اختيار النصوص التي ينبغي أن تكون مختلفة في الشكل والموضوع وغير ذلك.2093 جدول شعر

***

إعداد المولدي فرّوج

ازراج عمر الشاعر الكبير والمفكر العميق الذي طردته قصيدة وشردته  لثلاثة عقود وأبعدته عن أرض طفولته التي شرب منها حليب الحرية والتمسك بالهوية .. وإن كانت تلك الغربة القاسية القسرية في مدينة الضباب سببت له معاناة وجدانية إلا انها كانت نافذة أطل منها على ثقافات الغرب..

الكاتب المفكر ازراج عمر يحمل الهم الثقافي عبر كتاباته النوعية المستمرة فمقالاته الثقافية والسياسية اليومية على مدار عقود تشهد له بهذا الحضور الفاعل المؤثر ولو جمع هذه المقالات لكانت نتيجتها عشرات الكتب في الفكر والثقافة ..وفي الآونة الأخيرة أصدر مجلة مثقافات الفصلية وقد أشار في عددها الاول إلى أنها:

"تَسعى للمساهمة الجادّة في عمليات المثاقفة مع الثقافات والحضارات العالمية. مِن خلال هذا المشروع، نسعى إلى ردم الفجوات الكثيرة التي فصلت وما فتئت تفصل بيننا وبين الغرب والحضارات الأخرى في آسيا الوسطى وآسيا الأقصى والأمريكيتين الشمالية والجنوبية"، و"إلى فهم واستيعاب الثقافات الأجنبية... إدراك الروح التي تصدر عنها، في محاولة لغرسها في تربة ثقافاتنا وفق تركيبة تتحاور وتنسجم مع هويَاتنا".

وفي حوار اجراه معه الكاتب الصحفي بوعلام رمضاني المقيم بباريس يعترف فيه بهذا الثراء والتنوع الذي يطبع مسيرته فهو مارس الصحافة والنقد والتنظير الفكري ويعترف أن بريطانيا منحته القدرة على التأمل وإعادة ترتيب حياته واستطاع ان يتغلب على الأمية لينفتح على ثقافات العالم فيتعمق في الفلسفة وعلم النفس يقول:

"أنا لست صحفيا بالمعنى التقني للكلمة أنا تسللت إلى الصحافة بقفازات الشاعر والكاتب النقدي. أما لقب مفكر فاعتبره عبئا ثقيلا وضعه على كتفي قراء لا أراهم في الحياة اليومية لأعاتبهم على ذلك  ربما لأنني في السنوات الأخيرة من حياتي صرت ميَالا إلى الحركة ببطء ضمن أفق التفكير أكثر من القفز بسرعة في منعرجات الشعر. أكتب بنهم، وأقرأ بشراهة. أذكر أنني جئت، في عام 1986 من الجزائر معبأ بهواجس الشاعر وبعد 35 سنة من الإقامة والتعلم ببريطانيا فقد نبت لي جناح التأمل والإمعان في مساءلة أبعاد الأشياء. في بريطانيا تغلبت على الأميَة التي أورثتني إياها الجزائر وصرت أقيس الكون بميزان العقل النقدي وربما خسرت بسبب ذلك بعض البراءة التي كانت تسكنني في مدارات الطفولة البعيدة عني الآن.

عملت في الصحافة ببريطانيا من البيت غالبا، وكتبت التعليق الأدبي والسياسي والفكري. وهذا لأنني لا أحب أن أنافس بغير حكمة أصحاب المهنة الصحفية الحقيقيين. يعود الفضل في الكتابة عن القضايا الشعرية إلى إعادة تكويني ثقافيا وفكريا هنا ببريطانيا حيث درست بجامعة لندن الشرقية النقد الثقافي (النظرية والتاريخ) والفلسفة في جامعة ساسكس بجنوب إنكلترا، والفكر السياسي ما بعد الاستعماري بجامع, كانتبري، وكذلك التحليل النفسي الفرويدي وتطوراته على يدي جاك لاكان وميليني كلاي وتيار علاقات الموضوع بمعهد فرويد بمدينة لندن . لقد “زوَجت” هذه الأركان الفكرية ببعضها وتدربت كثيرا وبصعوبة من أجل فهم العلاقة بين الذوات والتاريخ. لقد منحتني هذه المحاجات الثقفية / الفكرية الفرصة لفهم أكثر لكيف يعقل العقل البشري الذات والطبيعة الأمر الذي أثر كثيرا على إعادة تشكيل سلوكي وشعري معا"

وهذه نبذة عن حياة هذا المفكر المغترب:

انطلقت مسيرة الشاعر الجزائري أزراج عمر في الجزائر كمستشار تربوي مكلف بالتربية الفنية بولاية البوبرة بين عامي 1973 و1980 بعد ذلك تم انتخاب في عام 1981 كأمين وطني مكلف بالعلاقات الدولية في اتحاد الكتاب الجزائريين بالجزائر وقد شغل هذا المنصب إلى غاية عام 1985.

وفي نفس الفترة تلمس طريقه الصحفي حيث عمل في مجلة المجاهد الأسبوعي (1981- 1981. اتقل بعد ذلك إلى العمل كصحفي ومعلق سياسي وثقافي في مجلة الدستور بلندن، بريطانيا ما بين عام 1986 وعام 1990.

ومنذ عام 1990 أصبح يعمل لفائدة صحيفة العرب اللندنية كصحفي وكاتب زاوية يومية، ومازال يجود بكتابته في صحيفة العرب إلى اليوم.

كما شغل العديد من المهام من ذلك عضو اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا، في الاتحاد السوفياتي سابق، عضو مؤسس لجمعية الفلسفة القلرية في بريطانيا، عضو جمعية الثقافة العربية في بريطاني، وعضو الأمانة التنفيذية لمنظمة الأحزاب الاشتراكية والتقدمية لدول البحر المتوسط في مالطا.

كاتب وشاعر جزائري وكاتب مقالات في الصحف اليومية ومن النقاد المعروفين في الساحة الأدبية والثقافية العربية ولد في 28 أيلول/سبتمبر 1949 بمنطقة بني مليكش بولاية بجاية ولاية بجاية التي تقع في منطقة شرق/شمال الجزائر العاصمة وهو مقيم منذ عام 1986 في لندن. شاعر متمرد في الشعر والسياسة من أصول أمازيغية طفل لتاجر خضر درس في المدارس الفرنسية، وبالتالي تعلم الأمازيغية ثم الفرنسية، ويقول "إلى أن بلغت عمر 12 عاما لم أكن أعرف من اللغة العربية إلا ما أسمعه من آيات قرآنية". ويقول إن والده قال له ذات مرة أنه إذا امتلك اللغة الفرنسية سوف تفتح له أبواب الدنيا في حين إذا امتلك اللغة العربية سوف تفتح له أبواب الجنة، ويفيد أزراج بأنه اختار الخيار الثاني. كاتب دائم في صحيفة العرب اللندنية في قسمي الآراء السياسية وفي الشأن الثقافي، ومساهم في مجلة الجديد التي تصدر من لندن..

وله أعمال ادبية وفكرية كثيرة منها:

كل كتابات أزراج عمر باللغة العربية التي يعشقها ومن بينها:

- ديوان وحرستي الظل 1975

- الحضور (مقالات أدبية) 1977

- الجميلة تقتل الوحش ديوا شعر 1978

- أحاديث في الفكر والأدب (حوارات فكرية وأدبية 1984)

- العودة إلى تيزي راشد (ديوان شعر) 1984

- منازل من خزف (دراسات في السياسات الثقافية الجزائرية) 1995.

- ديو ان الطريق إلى أنمليكش وقصائد أخرى  2005.

- يوميات الحراك الشعبي 2019.

***

الكاتب والباحث في التنمية البشرية شدري معمر علي

 

التلوين والرسم في مرحلة من توهج الذات حيث الاستعادة للحلم والرغبات قولا ونظرا وتقصدا للعبارة التشكيلية وهي في عنفوان معانيها تجاه الذات الأمارة بالابداع والآخرين والعالم في طقس من الحوار والافصاح عن الحس الدفين بالكينونة ..هي احلام الطفولة العائدة الى واقع الحال بعد سنوات لتكبر وهي ترى في الأكوان شيئا من ألوانها الرائقة والمحبذة...

من هنا كانت فكرة التلوين عد الرسامة التي تخيرت في زيتياتها رصد ما هو جميل وأصيل في افريقيا عبر الاشتغال على المرأة لتبرز اللوحات حاضنة هذا البهاء الافريقي مشيرة في هذه الأعمال الى الموضوع في تعدد تلويناته وحالاته التي عنوانها المرأة الافريقية بما في كل ذلك من رمزية وجدانية وثقافية وحضارية لتقول بالمرأة التي في خيالها عن حالها وكيف بدت لها وكيف رأتها...و هكذا هي هذه الفكرة التشكيلية عند الفنانة مريم العود.

بعد دراسة الحقوق كان الولع بالفن ومنه الفن التشكيلي حيث عوالم الرسم والتلوين وفق الرغبات الدفينة والولع بالرسم ليكون المجال مع تلقي الدروس في التدرب وتعلم فنون الرسم  وم هنا مضت الفنانة مريم العود في تعاطيهامع القماشة كمساحة للقول الجمالي تعبيرا عن الكامن في الذات من أحتسيس وانطباعات تجاه النظرة الجمالية التي تستبطنها ومن خلالها تلك التعبيرية الملونة وفق ما بدا لها جميلا وأخاذا لتتنوع مواضيع لوحاتها وتغوص عبرها أكثر في عوالم افريقيا الجميلة ومنها المرأة الافريقية بمختلف أحوالها ضمن الهيئات والوجوه المعبرة عن الجوهر والعمق والأصيل في قارة تعج بممكنات الحياة وبهائها وجمال تفاصيلها وعناصرها ...

انطلقت منذ عقدين تجربة الفنانة التشكيلية مريم العود التي افادت من هيامها بالفن لتكون لها مصافحات مع المعارض الفنية التشكيلية الفردية الخاصة وكذلك الجماعية وكانت تجربتها  " للمعارض ونعني فضاء "الفن الجميل" بالمنزه سنة  2007bel art في رواق "

و خلال معرضين الى جانب معرض آخر بصفاقس سنة 2006 ما شكل المناسبة الثقافية والفنية للفنانة وفق التفاعل مع ما تنجزه من قبل جمهور الفن ورواد الرواق وأحباء الرسم وكانت اللوحات الزيتية متعددة في تعاطي الفنانة مع ارتسانات الوجوه للمرأة الافريقية في ذاتها وشواسع حالاتها وهنا تذكر الفنانة هواجسها الفنية لتقول " ...بعد دراسة الحقوق استهوتني لعبة الرسم والفن التشكيلي التي كانت معي منذ طفولتي من خلال الرسوم والخربشات على الورق ليعاودني هذا الحلم فكانت ممارستي الفنية الجزء الهام في كياني حيث الفن مجال حلم وحنين وملاذ حين نهرب من الروتين واليومي وضغوط الحياة ..فالرسم مثل لي عالما بأسره فيه ممارسة التعبير عن الذات والحرية والخيال والقول بما هو جميل ومن هنا اشتغلت بتقنية الرسم الزيتي عبر الغوص في موضوع قدم الي وفرض نفسه واقتحم مجالات نظري وخيالي وهو التجوال الفني الملون في عالم المرأة الافريقية هذه التي تأخذنا الى كثير من الجمال والبراءة والانسانية بالنظر لما عانته القارة الافريقية المكتظة بالخيرات والثروات من ويلات الصراعات والحروب لاتهض من جديد مقترحة علينا عالمها المحب للسلام والعمل والابداع ومن هنا كانت رغبتي في ابراز حيز من أحوال افريقيا عبر المرأة التي هي عنوان الحياة والصبر والنضال هناك في القارة التي ننتمي اليها..الفن له رسائل ومحبة وغرام وعشق وحلم لأجل الانسان والجمال ..".

هكذا تواصل الفنانة التشكيلية مريم العود العمل ضمن ورشتها في كثير من الحرص والرغبة لتنويع مجالات النظر والمواضيع حيث تعد لمعرضها الشخصي بالعاصمة وهو الأمر الذي تشتغل عليه بعد مشاركتها في المعرض الجماعي للفنون التشكيلية بسوصة في فضاء " الرواق " ضمن يوم ثقافي فيه الفن التشكيلي والشعر والنقد والموسيقى بعنوان " قلق " وذلك بحضور عدد من المحبين للفنون والشبان والفنانين التشكيليين والشعراء.

تجربة الفنانة التشكيلية مريم العود مناسبة للقول بالفن في علاقة الذات الحالمة والمغامرة في دروبه حيث الفن باسوار قلاعه العالية التي تجلب البها المحبين ليمكثوا في الحلم والرغبات والتجريب ديدنهم الذهاب الى الجمال والابداع بعناوين شتى...انها لعبة الفن في عالم متسارع النبض والايقاع والأحداث ..الفن فكرة القلب التي ترنو اليها الفنانة مريم بكثير من الدأب والبهجة والامل.

***

شمس الدين العوني

في عام 2020 التقيت (سيد وهاب) أو العريف (وهاب خضير عبد الباري). وجدته يشوي البقصم في السوق ليبيعه،. كان آمر فصيلي. استذكرنا أيام حرب الثمانين وجرّنا الحديث الى قساوة الحرب وما تركت من ضحايا ومآسٍ وخسائر مستمرة.

قلت له:

(الان توضح لي أن الموت في الحروب غير الموت الذي قدره الله سبحانه، وتكلم عنه الفلاسفة. أنه محوَّر الى (لعبة قذرة)، فيكون هو والحرب وجهين للعبة واحدة. وفي الحروب يظهر الانسان حقيقة كونه (حيوانا مفترسا) لأخيه الانسان فقط، بعكس الذئب الذي يفترس كل المخلوقات عدا أخاه الذئب، بل هو كما يقول الشاعر (يعطي أخاه الذئب ان شبعا).

قال سيد وهاب:

(أتذكر (الزغار)؟ التحقوا بالجيش عام 1985 بعمر 18 سنة، يعني لو عاشوا الى الان لأصبح عمر أحدهم (53) سنة.. وتمتم بحسرة (حرامات).

 تفارقنا ومضى كل منا لطيته. وحين رجعت الى البيت تعاصى عليَّ النوم، ورحت أقلب تلك الاوراق العتيقة التي أصبحت صفراء من القدم والاحتراق، وقلبت ببطء وحذر أوراق (الاصدقاء الصغار) الذين كنا نسميهم (الزغار) وقد زجهم قدرهم في تلك المحرقة.

 خمسة خرجوا توا من شرنقة الطفولة والجهالة الى باحة الشباب والادراك، فقطع عليهم الطريق الى الحياة الجميلة والمستقبل الزاهر مسعرو الحروب فرسموا على رؤوسهم طاقيات بلون التراب اسمها (البيرية) أو صبغوا رؤوسهم باللون الخاكي (الترابي) أو وضعوا عليها التراب ليعيشوا هاجس الموت طول الوقت.

 لقد عرفت (لاحقا) أن لفظة الخاكي أصلها كردي من (خاك) وهو التراب، و(لاحقا) عرفت ان العسكرية والعكسر اصلها فارسي من (لشكر) فادركت (لاحقا أيضا) ان العرب لم يهتموا (بالتنظيم الحربي) لانهم لم يفكروا أبدا باحتلال الآخر، حنى (الديوان) أو (سجل الجنود) عرفوه في الاسلام عند الفتوحات، وأخذوه من الفرس أيضا.

 شباب بعمر الورد وعنفوان العطاء بدلا من أن يكملوا دراستهم ويعينوا للعمل في الدوائر والمؤسسات لبناء البلد وتكوين النفس، قذفوا الى صحارى قاحلة وانفاق مخيفة يعيشون مع الحيوانات والحشرات ويحصد ارواحهم الرصاص والشظايا. كانوا صغارا في كل شيء وعلى كل شيء، ولاسيما على الموت.. كان يجب أن يقضوا في بيوتهم مدة اطول كثيرا قبل الذهاب الى مكان أقل كثيرا من هذه العسكرية. فجلبوا عنوة وأجبروا أن يقبلوه واقعا.

 هم :(قاسم قيطاز) و(فلاح عباس) و(عماد رسول) و(نجم طاهر) و(اسماعيل ولي) هذا ما أذكر من اسمائهم. التحقوا من التجانيد مع مواليدهم  1985 الى مركز تدريب تكريت، وفي المركز التدريبي تعارفوا وجمعتهم مودة كبيرة، فكانت صداقتهم مشهورة يتداولها الجنود، وبعد التدريب وزعوهم على الالوية والقطعات، وبقيت بينهم صلات ولقاءات في الجيش او عند الاجازة.

 كان عماد يقهقه عاليا ويمزح بصوت مرتفع يسمعه كل المعسكر، وكثيرا ما طلب الضابط احضاره وثم معاقبته ولكنه قليلا ما كان يرتدع فتلك عادته حتى في المدنية. بعدها نقل عماد واسماعيل الى منطقة (ميدان) وهناك عرفتهم وعرفنا سيد وهاب أو العريف وهاب. وميدان قريبة من جبلين عملاقين متقابلين هما (بمو) و(خوشك) وبينهما (فتحة سرتك) التي تقود الى الجبهة الشمالية، وفد حفرت بالديناميت. وبعد أيام الدورة وزعونا، فصرت أنا ومجموعة من الجنود على جبل بمو، وصار عماد واسماعيل ومجموعة معهم على جبل خوشك.

 كان جبل خوشك وعراً جدا ليس فيه الا طريق واحد ضيق للصعود، ويستغرق صعوده ست ساعات اذا يحمل الجندي سلاحه الشخصي فقط (البندقية وجعبة العتاد)، اما اذا حمل الماء والارزاق فقد يستغرق نهارا كاملا. وهو ما كان يحدث، لان وعورة الجبل لم تسمح بالنقل على الحيوانات. جربوا البغل فانتحر؛ وكانت البغال (عزيزة النفس) اذا حملوا عليها فوق طاقتها ترمي نفسها من الجبل، اما الحمير فلا تنتحر، ولكنها ليس لها طاقة البغال، وقد استعملوا أكثر من حمار فمات، ولم يعد الا حمل الماء والارزاق يدويا.

أما بمو فهو، وان كان صعوده بست ساعات ايضا، أقل وعورة من  خوشك، لذا فتحوا عليه طريقا دائريا بالديناميت يصعد الى قمته، وكان يُصعد اليه بـ(التركترات) سابقا حتى انقلب احدها ومات من عليه، فتركوها واستعملوا البغال والحمير فقط. وقد مارستُ الصعود والنزول كثيرا على بمو. ولم نكن نستعمل القدم كلها، بل نستخدم عند الصعود مشط واصابع القدم فقط، وعند النزول كعب القدم فقط، وهذا يزيد من المشقة.

 حين صعدتُ على قمة جبل بمو فوجئت أن أرضه مستوية وليست مدببة كما تبدو من الاسفل، كانت مفتوحة على مد البصر، وفيها تضاريس مختلفة: وديان عميقة، وهضاب وتلال مرتفعة، وجبال أعلى منها. وشاهدتُ صخورا ملونة خلابة، واشجار البلوط العملاقة وكانت رخوة سهلة الكسر، فحين صعدت على احد اغصانها الضخمة انكسر وهوى بي، وشاهدت اشجار السماق، وأشجار الجوز، واشجار الچقچق التي يشقون لحاءها فتقطر مادة (علك الماء = علچ ماي) واشجار الحمضيات والزعرور وغيرها، فضلا عن نباتات البطنج والريحان والادغال والحشائش. وشاهدت البوم، ورأيت سهام الدعلج على الارض، يبدو ان عدوا هاجمه فرماه بها، ولاول مرة ارى أفاعي حمراء وخضراء وسوداء، ورأيت حشرة الحُباحُب (المضيئة). وشاهدت الغزلان، والورل (الأرول)، وبدا قطيع من الخنازير يعدو امامي فرميت عليه شاجورا كاملا فكانت تتقافز واصبت بعضها ولكنها لم تسقط، قيل انها تحتمي بطبقة شحم تحول دون قتلها ولا تموت الا اذا رميت في منطقة الرأس، وقالوا احذر من (القصير) فهو يظهر كثيرا، يقصدون (الذئب). فأحسست بالانفكاك والانعتاق من قيود العسكرية ولو مؤقتا، وتملكني سحر المكان فصرت أمشي وأعدو وأركض وكأني اليسا في بلاد العجائب.

 ولكن نغَّص كل فرحتي المؤقتة أو الزائفة خبر مؤلم من اصدقائنا الذين صعدوا على جبل خوشك. فقد قتل عماد صديقه الحميم اسماعيل بالخطأ.  كان عماد مع مجموعة من الجنود يصعدون إلى أعلى الجبل، وكان إسماعيل قد وصل القمة قبله. وحينما وصل عماد إلى القمة أراد الجلوس من فرط التعب، وكانت الملاجئ تبنى منخفضة حيث يحفر لها مقدار متر او يزيد في الأرض لتكون أوطأ من الساتر، وهكذا جلس عماد على الملجأ بينما كان يجلس أمامه على ارتفاع يوازي ارتفاع الملجأ جنود سبقوه في الوصول ومنهم إسماعيل. فجلس عماد على بندقية مفتوحة الأمان، فصارت أصابع يده اليمنى على الزناد، فانطلقت أربع رصاصات لتضرب إسماعيل: واحدة في حنكه وواحدة في جبينه واثنتان في صدره.

 وحين وجد عماد صديقه وهو يسبح بالدم الفائر وجروحه الفاغرة تشخب، ثم دقائق وأسلم الروح لبارئها، حاول الانتحار بإلقاء نفسه من أعلى الجبل فامسكوا به.  بعدها قدم الى محكمة عسكرية حكمت عليه بالسجن ستة اشهر يقضيها داخل الفوج ويمنع من الاجازات، لعدم قصديته. وقد عايشته في محكوميته، كانت فيه بقايا هستيريا، ويتهرب من الكلام في الحادث، ولكنه لم يعد يقهقه كعادته ولا يمزح بصوت عال.

 في (كفري) التقيت العريف وهاب مجددا، ونقل الينا بقية (الاصدقاء الصغار)  قاسم قيطاز وفلاح عباس ونجم طاهر. جمعتنا عشرة طيبة. وعلى الرغم من ان العريف وهاب من اهل الكوت الا ان علاقتي به كانت سطحية. حتى تشاجر معه ضابط السرية، عندها قال لي سأعطي اسمك شاهدا، لان القانون مع الضابط، ولا يدافع عني الا (ابن ولايتي) وقد دافعت عنه في المحكمة العسكرية ولكن ظهر الحكم لصالح الضابط.

 كان الجنود مذعنين يساقون الى حيث يؤمرون، وكأنهم قطع شطرنج يلهو بها لاعبون بكل قبول استسلام، ويعاقبون بشدة واهانة على أخطاء عسكرية تافهة. والمفروض ان جنودا يبذلون ارواحهم يعاملون بكل احترام، وتكون لهم شخصية قوية. كان الجنود يخافون من الضباط والانضباطية خوفا نهائيا بحيث لو ان ضابطا او انضباطيا سحب جنديا لراح معه الجندي الى حيث يريد بلا مقاومة، كما يطيع الخروف الذئب حين يعضه ويركض به حيث يريد.

 كنا ذاهبين في كوستر بإجازة دورية، فصعد الانضباطي وقال بصوت خشن (شنو أنتو.. وين رايحين؟) فأجاب الجميع بصوت ضعيف مستخذٍ (مجازين). فتخيلت - انسجاما مع حالة الضعف وجرس لفظة مجازين- انهم قالوا (عجايز) ورحت في نفسي اصوغ على وزن اغنية فيروز (شتي يا دنيي تيزيد موسمنا ويحلى / وتدفق مي وزرع جديد بحقلتنا يعلى) كلمات تناسب الحالة هي (عجّوزه بنت العجايز گاعدة ومتعجزه/ عجّزوها وسميعده همين انطوها) واقصد بالسميعده المساعدة التي تعطى للجندي يوما او يومين على اجازته الاعتيادية وهي سبعة ايام.

 في الجيش تتعرف الى اصدقاء وتجمعك معهم صداقة ومودة ثم تنقل الى مكان آخر فتتركهم الى غيرهم، فالعسكري لا يعرف الاستقرار. وهكذا تشتت شملنا. وفي مقر السرية رأيت فلاح مسجونا، وحين سألته عن السبب قال تشاجر معي العريف لأني استلمت (القصعة) ولم استلم الصحف، فجن جنونه لانه شغوف بالصحف لا يهمه منها الا الصفحة الاخيرة لان فيها صور فنانات وبنات. وعرفني الى صديق تعرف اليه في السجن يسمونه (ايگزي) وهو تجميع من (Eggs = بيض) وياء النسب، لانه يشبه كتكوت خرج من البيضة توا.

 (قاسم قيطاز) كان موتورا من الدولة؛ فقد اعدم أبوه واخوته. قال: (في كفري لا أهتم فانا استحم في السوق وآكل زهمول گيمر وأنام بقية الوقت) يقصد ان كفري وتوابعها ليست في الجبهة، ولكن تقع عليها غارات البشمرگة بين الحين والاخر، (اما اذا ارسلت الى الجبهة فلن اقاتل). وكما توقع طلعت له نقلة الى الجبهة في الشلامجة فأعلن ما كان يخفي.

 عند حلاق الوحدة (وكان مكانه مكتظا دائما بالجنود) جاهر بالقول وقال (لن اقاتل من اجل مع أعدم عائلتي) انه صار على محك مع الموت الطوعي من اجل من امات اهله، ولم يعد السكوت مجديا. فوشى به الحلاق. وفي غرة يوم قبل طلوع الشمس جاءت مجموعة من بغداد وكبلت يديه بالجامعة واخذته. بعد ذلك صار الجنود لا يذهبون الى غرفة الحلاق. وبمرور الوقت أحس الحلاق بالعزلة وانه منبوذ من الجميع، وفي احدى الصباحات سمعت طلقة مخنوقة من غرفة الحلاق، فهرعنا الى غرفته فوجدناه مضرجا بدمائه وقد وضع البندقة على صدره واطلق منها رصاصة... أما قاسم فلم يعد أبدا.

 ونجم، وهو من البصرة، كان ذا خيلاء وزهو على اتفه الاشياء. فقد أخذ بالملابس العسكرية فيكات ووضعيات صور مختلفة وكأنه شخصية مشهورة. ودخل دورة اتصالات ليصبح مخابرا لانه يعجبه أن يحمل على ظهره جهاز المخابرة ويضع في اذنه السماعات ويمسك الحاكية بيده بتظاهر وتفاخر. وحدثني مرة عن نفسه فقال انه من عائلة فقيرة وانه يتقاضى مخصصات مخابرة (40 دينار) ويقرأ (أربِعين) بكسر الباء، وانه يوميا بسهر الى الصباح او كما يصف نفسه (حيوم قيوم).

وفلاح، وهو سيد ياسري، كان طويل القامة يسكنه الخوف لصغره وقلة تجربته. نجح من السادس الاعدادي بمعدل قليل، ليس ذنبه، بل ان الدولة في سنوات الحرب كانت تصعّب الاسئلة وترفع معدلات القبول لزج الطلبة في اتون الجندية والحرب. كنا وقافين أنا وهو قرب برج طيور نتحدث في هدوء الليل، وفجأة دخل كلب حقل الالغام، كنت اراقبه بعيني وخشيت ان يضرب لغما فينفجر، وبالفعل ضرب اللغم وحين انفجر ودوى صوت الانفجار لم اسمع الا صيحة استغاثة (يمه) وحين بحثت عن فلاح لم اجده، فعجبت أين اختفى بعد انفجار اللغم. وبعد قليل خرج فلاح من برج الطيور وهو يقول (هذا لغم).

 كان فلاح ونجم لا يتفارقان، ويذكران دائما أصدقاءهما الثلاثة: عماد فُقِدَ في قاطع البصرة، واسماعيل قتل، وقاسم أعدم حتما. وزج فلاح في دورة اسناد (مقاومة الطيارات) على سلاح الرباعية (لها اربع سبطانات) والشلگه  (سبطانتان) والاحادية (سبطانة واحدة) وكنتُ معه في الدورة. كانت حياة المعسكر في الدورة قاسية، والضباط قساة، فقد اجبروا الجنود على المبيت على (اليطغ فقط) وهو قطعة نايلون غير سميكة، قالوا الغرض تعويدكم على الحياة الصعبة! ويصيحون على الجندي (قشمر).

كان الجنود متذمرين من الدورة يتمنون ان تنتهي عدا جنديا واحدا اسمه رعد من الكاظمية قال (أعد هذه الدورة فرصة للحياة والنجاة) وتمنى ان تطول أو لا تنتهي! قال (أنا في قاطع ديالي في (عارضة سانوبة) وهي خطرة جدا، ففي ايام الهجومات تأكل يوميا (500 شهيد) في الاقل، ولا ينقطع سيل الدم حتى في الاوقات الاعتيادية).

 بعد الرجوع من الدورة بمدة قصيرة أبلغ امر الوحدة فلاح بأنه منقول الى عارضة سانوبة!! نزل هذا الخبر عليه كالصاعقة، وخاف جدا لاسيما ان عارضة سانوبة تخوض غمار هجوم!. وهنا أقنعه صديقه نجم بضرورة التشجع فدخول المعركة لا يعني الموت الحتمي، ولا يخيفك ما سمعت من تهويلات عن سانوبة,, هي جبهة كالجبهات. واضاف: (اذا كنت خائفا فأنا سأتطوع للنقل لاجيء معك وأعلمك كيف تواجه الحرب بالتحدي والاستهزاء)! كان فلاح يطمئِن نفسه ويتقوى بصديقه المغرور، وغاب عنه انه مقاتل وصديقه مخابر فحتما سيفترقان في ساحة المعركة.

 ذهبا معا، ووصلا الخلفيات معا. في الخلفيات كانت ملاجئ الجنود كانها جحور من الضيق، واصوات قذائف المدفعية والاسلحة الثقيلة الاخرى لا تنقطع، وحين تنزل القذيفة ترجّ الارض تحت الاقدام رجَّا. كان فلاح ممسكا ببندقيته والفوهة الى الاسفل|، وكلما نزلت قذيفة ودوت يضغط فلاح لا اراديا على الزناد فتثور طلقة من بندقيته فيصيح مذعورا (هاي شنو) فقال له أحد الجنود (اضبط نفسك.. لو تروح للمتقدم شلون)؟؟

 حين أركبا ناقلات الاشخاص تفرقا هناك. قال فلاح لنجم (راح اهرب) قال له نجم (وكيف تهرب)؟ قال (سآخذ شهيدا الى اهله ولا أعود) قال نجم سيلاحقونك، وتؤذي أهلك واخيرا يصيدونك كالفأر ويقتلونك.

 ما يخص فلاح، تقدم مع مجموعة من الجنود الى الامام، وكان الرمي يخبط خبط عشواء فيمشي الحي ويسقط الميت بين الصياح والانين. كانت يد فلاح ترتعش خوفا مما جعله (يخرط) مجموعة من اصحابه دون قصد فجرحهم. عندها سحب الى الخلفيات، ولانه لا يقصد لم يحكموه بل ادخلوه دورات تأهيلية.

 وهناك تعرف الى العريف (طرخوم مايع مهلس) وهو قروي قال له: (فقط عندما لبست في الجيش عرفت البنطرون). كان طرخوم يائسا لذا كان يقتل الوقت بالنوم، وكلما أراد ان ينام يقول جملة حفظها الجميع (اللي ما بيه خير نومه اَخَير)، وعندما يجلس على الساتر في الواجب (يگمبص) وهو نصف نائم وكأنه ديك هرم ينتظر الفجر حتى (يعوعي). ومرة وهم مجتمعون على القصعة سأل احدهم صديقا له هل تعرف  (فلان) قال لا، فوصفه له فلم يعرفه، ثم زاد في التوصيف فتذكره مع صوت (أووووووو) فاندفع طرخوم صائحا به بغضب (عويت بباب اهلك). وانفض المجلس ركضا على (ربدة قذيفة). صار فلاح يفكر بحدية في الهروب، والحقيقة ان طرخوم هو الذي زرع فكرة الهروب في رأسه.

انتهى الهجوم وتنفس الجنود بعض الراحة، والتقى الصديقان نجم وفلاح. كان يبدو على نجم زهو النصر وابهة الظفر، مذكرا صاحبه بما قاله له (أن دخول الحرب ليس يعني الموت)، و(الجبان يموت والشجاع لا يموت)، واشياء اخرى ذكرها نجم لم تقنع فلاح، فالهروب صار قراره المؤكد وهو ينتظر أن تسمح الفرصة فقط.

 وجاء الهجوم، كان عاصفا هذه المرة، ماطرا بالموت والنار، لم تكد نقطة واحدة في الارض لم تصبها رصاصة او شظية. كان فلاح يتحين الفرصة فوجدها في شهيد حمله الى اهله ولم يعد بعدها. لم يحسده الجنود على خلاصه لانه ترك خطرا واحدا ليواجه اخطارا كثيرة، وترك نوعا من الموت ليواجه انواعا كثيرة محتملة. ولم يعرف نجم ان صديقه فعلها وهرب لانهما لم يلتقيا بعدها ولا سمع خبر صديقه الهارب من احد.

 أما نجم فكان يخابر فوق المدرعة فأصابته شظايا كثيرة في جسده فسقط ارضا. عندها استيقظ هاجس او احتمال الموت القوي لديه، لم يقلقه الدم الذي أخذه والجروح الفاغرة الشاخبة بل خاف أن يموت. وعن شهود عيان أنه (مات وهو يبكي).

***

د. محمد تقي جون

ألفت كتابي (اللغة العربية الخامسة – الفصحى الهجينة) مبينا ان لغتنا العربية محتلة من قبل اللغة الانكليزية، وما نتكلمه ونظنه عربيا هو في كثير منه ترجمات وتحريفات من الانكليزية، فما وجدتُ آذانا صاغية، ولابد للحقيقة أن تظهر وتزول كل المغالطات، وان المنادين بحب العربية والحفاظ عليها أولى بهم مراجعة ما حدث للغة العربية لإصلاحها وليس المكابرة والابقاء على الحال التي ستزداد سوءا، وبالفعل بعد كتابي أضاف مجمع اللغة في القاهرة الى القاموس العربي مفردة (ترند trend).

في هذا المقال البسيط أتناول تعبيرا شائعا لدينا وهو من اصل انجليزي.

نقول (يا ترى كيف جرت الامور). تعبير (يا ترى) مبهم وسياقي، وغير عربي. وهو ترجمة لـ(on earth). وهذا التعبير (on earth) يأتي في الانجليزية بمعنى (على أرض) ويأتي سياقيا فيعطي المعنى المترجم الى (يا ترى). مثل:

(where on earth did you buy that hat)

(أين با ترى اشتريت تلك القبعة). أما اجدادنا العرب فلا يقولون (يا ترى)، بل يقولون (ليت شعري، وليت علمي) فيقرؤون الجملة السابقة (ليت علمي كيف جرت الامور) وقال الشاعر:

مقيم على رعي العهود وحفظها

فيا ليت علمي كيف حالكم بعدي

وهذا التعبير شاع في العصر الحديث وأشاعته مصر لذا نقرأ لأحمد شوقي:

فقلت أهلا بالعروس وابنها

ماذا يكون يا ترى من شأنها

 (يا ترى الى متى تغالط مجامع اللغة العربية ولا تعترف باننا غارقون في اللغة العربية الخامسة)

أو (ليت علمي الى متى تغالط مجامع اللغة العربية ولا تعترف باننا غارقون في اللغة العربية الخامسة)

***

الاستاذ الدكتور محمد تقي جون

اطلق رئيس مجلس الوزراء السيد محمد شياع السوداني، مشروعاً ثقافياً وفنياً كبيراً في العراق، لدعم السينما والدراما والمسرح والفن التشكيلي والأدب والكتاب وأدب الطفولة، وأعلن عن تخصيص مبلغ ثلاثة عشر ملياراً وخمسمئة مليون دينار عراقي لتنفيذ المشروع

جرى خلال استقبال جمعاً كبيراً من نجوم الفن العراقي وممثلين عن اتحاد الأدباء وعدد من الكتّاب والمثقفين، إكمال الإجراءات الخاصة بالتخصيصات المالية المطلوبة للنشاطات الفنية والأدبية، التي عانت من الركود بسبب غياب الدعم والمبادرات، وشدد على ضرورة دخول القطاع الخاص في الإنتاج الفني وعدم الاعتماد فقط على الدعم الحكومي، وأشار إلى ان المجالات الثقافية والفنية تكتسب أهمية بالغة لدى الحكومة نظراً لتأثير نتاجاتها ومهرجاناتها الفنية والأدبية في خلق انطباع إيجابي عن استقرار البلد، وإمكانية استثمار الفن والثقافة لمحاربة مختلف الظواهر الخطيرة كالعنف والتطرف والمخدرات، وأكد السيد رئيس مجلس الوزراء إكمال الإجراءات الخاصة بالتخصيصات المالية المطلوبة للنشاطات الفنية والأدبية، التي عانت من الركود بسبب غياب الدعم والمبادرات، وأكد ضرورة دخول القطاع الخاص في الإنتاج الفني وعدم الاعتماد فقط على الدعم الحكومي، مشيراً إلى أنه ليس مطلوباً من الفنانين والأعمال الفنية مراعاة مزاج الحكومة أو أية جهة، بل شرطنا الوحيد هو أن تكون بجودة كبيرة ومستوى فني عال، وأشار السيد السوداني إلى أن المجالات الثقافية والفنية تكتسب أهمية بالغة لدى الحكومة؛ نظراً لتأثير نتاجاتها ومهرجاناتها الفنية والأدبية في خلق انطباع إيجابي عن استقرار البلد، وإمكانية استثمار الفن والثقافة لمحاربة مختلف الظواهر الخطيرة كالعنف والتطرف والمخدرات، مؤكداً أنّ واجب الحكومة رعاية الفنانين والمبدعين، مضيفا وسبق أن خصصت 5 مليارات دينار سابقاً لنقابة الفنانين تخص صندوق تقاعد يُشار إلى أنّ المشروع خصص مبلغ 5 مليارات دينار لدعم الدراما العراقية، ومبلغ 5 مليارات دينار لدعم السينما العراقية، فيما خصص مليار دينار عراقي لطباعة النتاجات الأدبية والفكرية للكتّاب والأدباء العراقيين، وفي ضوء المشروع أيضاً تم تخصيص 200 مليون دينار، لدعم الفنانين التشكيليين في إقامة المعارض الخاصة، وتخصيص 300 مليون دينار لدعم الفنون الموسيقية المختلفة، وكذلك تخصيص مليار ونصف دينار لاتحاد الأدباء والكتّاب في العراق، لإقامة المؤتمرات والمهرجانات الرسمية، فضلاً عن تخصيص 500 مليون دينار لدعم أدب الطفل، المشروع خصص مبلغ 5 مليارات دينار لدعم الدراما العراقية، ومبلغ 5 مليارات دينار لدعم السينما العراقية، فيما خصص مليار دينار لطباعة النتاجات الأدبية والفكرية للكتّاب والأدباء العراقيين، الفنانين، وكذلك 3 مليارات لصندوق التكافل الاجتماعي الخاص باتحاد الأدباء

الثقافة العراقيّة تشقُّ طريقها في صفوف الشباب، والناس عمومًا، ليس بلا متاعب ومعوِّقات، إنّما أيضًا بنشاط وإصرار من قِبَل المهتمّين بها. هناك نشاط واضح على مستوى النَّشر، الذي تفاوت بالمستوى، بيد أنّه يُسجَّل لإرادة تَقوى تدريجيًّا، وقد تنجح بتقديم أسماء تحظى بمزيد من المتابعة والاهتمام، فقد شهدنا ارتفاعًا للصوت النقديّ للنّظام السّياسي، وإنْ لم يرتفع هذا الصوت بما فيه الكفاية. كما شهدنا الكثير من النشاطات، وأبرزها معارض الكتب التي لم تقتصر على بغداد، العاصمة فحسب، بل وانتقلت إلى مدن أربيل، والبصرة، والنجف. تَمَيَّزت هذه المعارض بإقامة العديد من الجلسات التي شارك فيها مختصّون، ومثقَّفون، وسياسيّون، وصحافيّون. اتّخذ بعض هذه المعارض وِجهةَ إحياء الذِّكر لقامة عراقية معروفة، مثل عالم الاجتماع العراقي علي الوردي، الذي خصّصت وزارة الثّقافة مؤتمرًا له، والروائي العراقي غائب طعمة فرمان، الذي أُطلق اسمه على "معرض العراق للكتاب"، المعقود بالتعاون بين "مؤسّسة المدى" الثقافيَّة و"الاتّحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق". وهناك الكثير من المجالس الثّقافية والمحاضرات التي عُقدت في أماكن متنوِّعة، وبخاصّة في "شارع المتنبي"، نهاية الأسبوع، وعلى صعيد المؤسَّسات، فقد أعلن "الاتّحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق" عن اطلاق منتدى الثَّقافة النسويّة، وهو الأوّل من نوعه منذ تأسيس الاتّحاد عام 1959

ويسعى المثقفون في العراق إلى التجاوز، وإلى التمرّد على عتمة المشهد العمومي. فرغم مركزيّة الخطاب السياسي وانعكاس ذلك على حيويّة الثقافي، فإن ما يجري يحمل معه هاجساً استعاديّاً لوظيفة المثقَّف الذي يواجه المراكز القديمة، عبر أحلامٍ جديدة. أحلام على مستوى توسيع فاعلية المنجز الثّقافي، أو إثارة اسئلةٍ مغايرة، تخصُّ إشكاليات الحرّية والهوية، والعلاقة مع السّلطة والآخر، والتي ظلّت جزءاً من ذاكرة "المسكوت عنه"، لا سيّما في إطار حريَّة الكتابة والسّفَر والتّظاهر والمشاركة، والتي يمكن ملاحظة بعض علاماتها الناجزة، فوجود أكثر من خمسة وعشرين دار نشر وطبع في العراق، يمثّل ظاهرة كبيرة لاستعادة صورة المدينة المؤلِّفة، وانتظام أربعة معارض للكتاب خلال سنة 2021 في البصرة، وأربيل، والنجف، وبغداد، ومئوية القصّة العراقية في النجف،، وبمشاركةٍ عربيّة لافتة، يمثّل ظاهرةً أخرى لحيويّة المشهد العراقي الثقافي. فضلاً عن دعم القطّاع المدني لإعادة إعمار "شارع المتنبّي الثقافي"، وإقامة "مهرجان المسرح العربي"، وكذلك "مهرجان المربد" في البصرة، و"مهرجان الجواهري" في بغداد، وبقدر ما نجده حيويّاً في هذه الظواهر خلال العام المنصرم، فإن ما يهدِّد الثقافيَّ يبقى قائماً، ويُنذر بأخطار محتملةٍ، ومهدِّدةٍ لما تَحَقّق في مجال الحرّيات العامّة، وعلى مستوياتٍ متعدِّدة، أبرزها الدونيّة في النظر إلى الثقافة وإلى مؤسّساتها، أو على مستوى دعم استراتيجيات التنمية الثقافيّة، وبرامجها، ومشاريعها، مقابل تغوّل الطائفية الثقافيّة، وإشاعة بعض هواجس الخوف من المُختَلِف، أو ما يتعلّق بحرّية الرأي والخصوصيات الثقافية، والتي تُعيد إنتاج السؤال الإشكالي القديم، حول العلاقة ما بين السّلطة والمثقّف، أو بين الحرّية وذاكرة الاستبداد والعنف.

***

نهاد الحديثي

 

سير جمالي بين الفن والبحث والابداع والابتكار تقصدا لقول ما في الذات فنيا وجماليا.. ذات ترى في الفن مجالا طافحا بالكثير من رغباتها والحلم..هذا الحلم الذي هو بمثابة أرضها الملونة والمزدحمة بالرؤى..و الأفكار..

قدمت عملا فنيا مميزا جماليا وأسلوبيا ضمن فعاليات الدورة الثالثة لأيام قرطاج للفن المعاصر ..

الفن بما هو عالم بأسره حيث الذات الفنانة في حوارها المخصوص تجاه الذات والآخرين والعالم في ضروب من التقصد والتشوف والحلم أمام عالم بتبدلاته القديمة والحديثة اذ تبرز العناصر والأشياء كينابيع لتوليد الرؤى والأفكار وما به تسعد الذات وهي في جوهر اشتغالاتها الانسانية والوجدانية والجمالية بكثير من حرقة النظر والسؤال ...و القلق المبين.

انها لعبة الفن الدالة الى الدواخل وهي تزخر بالرغبات الجامحة حبا في القول والافصاح وفق تعبيرية تنحت من ظاهر التفاصيل حوارا ملونا بممكنات الفن من تلوين ورسم مثلما تملي علينا هذه التجربة التي نحن بصددها والقائلة بالابداع الفني في رصد الأحوال على هيئاتها الشتى حيث الفكرة وتقاطعات التعاطي معها لينتهي الأمر الى ما يشبه سحرا سرديا ديدن الذات المنتجة له الذهاب بعيدا في دروب الفن وبخصوصية وتفرد هما العنوان المشتغل ضمنه والمبحوث عنه ليصار الى حلم مفتوح...

هكذا هي الممارسة الفنية التي نظرت الى بعد من أبعادها وفي زاوية من زواياها المتعددة فنانة عملت من سنوات وضمن شغفها الفني المأخوذ بالرغبة في الابتكار والبحث الدائم ليصير العمل الفني عبارة الذات .. ذات الفنانة وهي في عنفوان اشتغالها على بهائها التشكيلي المتقصد والموزع على أعمالها الفنية المنجزة من سنوات فضلا عن الغوص في بحار البحث الأكاديمي لأجل منجز يفصح عن خصائصه وبضفتين مهمتين عموما في مجالات الفنون التشكيلية...2031 صابرة

ولع فني وذهاب ضمن الآفاق الجمالية تجاه الطفلة حيث المسافات الملونة بين الذكرى و الاستعادة والحلم في كون يمضي من الذات ليعود اليها في تجواله مع الآخرين.. حلم مزركش وفضاء ملون بما فوق واقع النظر وهو ما ترنو اليه منجزة اللوحات متعددة أحوال الفتاة في ضرب من الارغام على القراءة واعادتها والنزر ومداومته بتعدد الأسئلة عن الفكرة والأسلوب وتفاصيل العمل ..الموضوع..التيمة.

.. وهكذا هي اللعبة الفنية الجمالية عند الفنانة التشكيلية والباحثة صابرة بن فرج التي تقدم عملها الفني في سياق رؤية تعمل عليها بعيدا عن الاعتباطية والعفوية فاللوحة لها كونها الجمالي والتعبيري في سياقاته المتخيرة من قبل منجزتها التي ترنو الى الاضافة ضمن عملها الفني الدؤوب حلما بتجربة ثرية ومؤثرة في مسارات الفن التونسي المعاصر، وكذلك في المشهدية التشكيلية الوطنية والعربية .

الفنانة والباحثة صابرة بن فرج كانت لها مشاركات فنية وثقافية في عدد من الفعاليات ذات الشأن الفني الجمالي فضلا عن معارضها الفردية ومشاركاتها في المعارض الجماعية الى جانب المساهمات العلمية والنقدية في الندوات الأكاديمية كما كانت لها مشاركة متميزة لفتت اليها أنظار الفنانين والنقاد وجمهور الفن التشكيلي وطلبة الفنون الجميلة في فعاليات المعرض الدولي الذي نظم في إطار أيام قرطاج للفن المعاصر في دورتها الثالثة خلال شهر ماي الفارط بعد استمرارها لخمسة أيام بمشاركات واسعة تونسية وعربية ودولية ضمت عددا مهما من الفنانين وأصحاب الأروقة الخاصة التونسية والعربية والعارضين ضمنها بالمناسبة.و من خلال قراءة لعملها المشاركة به وهو "حوار" من خلال وسائط مختلطة على قماش، والحجم: 120 * 75 سم نلمس في تعاطي الفنانة صابرة معه فنيا وجماليا جدية فائقة فهو عمل فني تميز بأسلوبه ومضامينه ضمن حيز من الاشتغال الفني تخيرته صابرة وعملت عليه حيث الفن لديها عناصر جمال وابتكار ورسائل وجدانية وإنسانية متعددة ضمن عنوان الفن كحالة إبداع وإمتاع....هذه المشاركة النوعية للفنانة صابرة تمت بحضورها ضمن قرطاج الثالثة للفن المعاصر في إشراف لوزارة الشؤون الثقافية وبعيدا عن هذا العمل الفني المميز تعددت أعمال الفنانة والباحثة بن فرج . هذا وتواصل الفنانة التشكيلية تجربتها ضمن العمل والنشاط، حيث مشاركاتها المتعددة في المعارض، فضلا عن الفعاليات الثقافية والجمالية...و ضمن التعاطي والرأي الفني بخصوص تجربة الفنانة صابرة " ... لاحظت لأول مرة موضوع الطفولة. فكانت مجموعة من اللوحات التي تم إنتاجها باستخدام “تقنية مختلطة” وذلك بين عامي 2014 و2017. حيث نرى أن هناك فتاة صغيرة وغالبًا من الخلف وأحيانًا في أوضاع أخرى ويصعب التعرف عليها، إن لم نكن نعرفها على الإطلاق ومظهرها ونموذجها. الثابت الآخر لهذه السلسلة هو الخلفية المتنوعة التي تظهر عليها الزخارف المرسومة   وربما أيضًا "منقولة" مثل الملصقات، وهذه الزخارف قادرة على أن تكون "واقعية" إلى حد ما فيما يتعلق بالتقليد المحاكى لإعادة إنتاج المرئي. . لقد قلت "خلفية" ولكنها في الواقع عبارة عن تشابك يسمح فيه الورق الشفاف بشكل أو بآخر بظهور هذه التفاصيل ويمكن للمرء أن يقول إن كل شيء "مقلوب" بدلاً من استحضار "الطرس"- عنوان معرضي الفردي الأول في عام 2017. ومع ذلك، لا يمكن رفض هذه الفكرة بشكل كامل لأنه إذا كان الأمر يتعلق بالفعل باستحضار الطفولة، فهناك بالضرورة عملية استكشاف من خلال الطبقات المختلفة من ذاكرتها، مما يعيد في بعض الأحيان تعبيرات طفولية وأحيانًا الصور، وأحيانًا الرسوم التوضيحية مثل تلك الموجودة في بعض الموسوعات، أو حتى جوانب أخرى من البيئة التي عاشت فيها...ثم تتبادر إلى ذهني عدة إشارات: الحلم الذي تظهر لنا فيه الذكريات مرتبطة بشكل مختلف بتركيبات غالبًا ما تكون غامضة؛ بعد ذلك، من هذه الإشارة الأولى وهذه المرة إلى مجال الفن، تظهر السريالية نفسها لأن إحدى أساليبها كانت على وجه التحديد الارتباط الحر، الذي اقترحه سيغموند فرويد في البداية لتعزيز ظهور الذكريات المؤلمة المحتملة. لكن في الممارسات الفنية، تأخذ هذه الارتباطات منحى أكثر عمومية ولا ترتبط بالضرورة بأحداث غير مرغوب فيها. باختصار، إن جزءًا من تاريخنا المشترك هو ما نجده في هذه السلسلة من اللوحات التي تستحضر العصور الأولى لوجودنا...". تجربة مفتوحة على عوالم هي آفاق العمل الفني للفنانة صابرة التي عانقت منذ ولادتها بحر روسبينا نظرا وامتلاء لتنهل من تفاصيل المهدية حيث الاقامة ولاحقا مشكلة فكرتها الفنية التي قادتها الى حضورها البارز بحثا وفنا ومشاركات متعددة فهي حاليا أستاذة مساعدة متعاقدة بالمعهد العالي للفنون والحرف بالمهدية بعد سنوات من التدريس لمادة التربية التشكيلية بالمدارس الاعدادية كما كانت لها أنشطة بعدد من النوادي والتربصات على غرار نادي الفن التشكيلي، إختصاص رسم زيتي بدار الثقافة إبن شرف بقصور الساف والتربص في ورشة الحفر في إطار ملتقى الإبداع الفني والحرفي بالمكنين و. تربص في ورشة صناعة الأقنعة بالمهرجان الدولي للمسرح الجامعي بالمنستير في دورته السادسة عشر وصولا الى القيام بتربص بحث علمي بجامعة باريس 1 (بتيون سوربون) / institut  سنة2018  مع تجربة التنشيط في ورشة الفنون التشكيلية بالمركز الثقافي والرياضي الجامعي يحي بن عمر بسوسة والمشاركة في ورشة الرسم الزيتي المنظمة من طرف المندوبية الجهوية للثقافة بأريانة بمناسبة اليوم العالمي للزيتونة وكانت لها مواكبات علمية منها مواكبة محاضرة تكوينية مقدّمة من طرف الأستاذ "Bernard Darras"  تحت عنوان: "Formation polytechnique et pedagogie de projet en Master métiers du multimedia interactif" المنظمة في إطار الندوة الدولية "تدريس الفنّ والتصميم والوسائط".و بخصوص معارضها فقد كانت بين الفردية والجماعية ومنها

المعرض الفردي بعنوان: "طرس/ Palimpseste" سنة 2019برواق دار الثقافة ابن شرف بقصور الساف. والمعرض الجماعي في إطار الملتقى الأول للفنانين التشكيليين بالمهدية سنة 2014 والمعرض الجماعي حول التراث المنظم في إطار المهرجان الدولي لفلم التراث بسوسة برواق المتحف الأثري والمشاركة في المعرض الجماعي "الواصلة" المنظم من طرف إتحاد الفنانين التشكيليين بالمركز الثقافي محمد معروف بسوسةسنة 2019 و المشاركة في المعرض الدولي الجماعي "الدّولِي يُنْجَزْ" المنظم في إطار أيام قرطاج للفن المعاصر بمدينة الثقافة تونس والمشاركة في المعرض الدولي الجماعي "ثلاث نقاط بعد النقطة" المنظم من طرف الرابطة التونسية للفنون التشكيلية بدار الثقافة المغاربية ابن خلدون خلال سنة 2020 والمشاركة في المعرض الجماعي "بدايات" برواق المكتبة الوطنية بتونس و المشاركة في "صالون الحمامات الأول للفن الراهن" برواق المدينة للفنون المنظم من طرف الجمعية التونسية للفنون البصرية والمعهد العالي للفنون الجميلة بتونس  وفي العروض القياسية قدمت سنة 2016 عرضا قياسيا بعنوان"الكلام عليك والمعنى على جارك" في إطار الأيام الدراسية والتطبيقية للمسرح والفنون المرئية بالعهد العالي للفنون الجميلة بسوسة..و بخصوص مشاركاتها العلمية فانها عديدة ومنها المشاركة بمداخلة علمية تحت عنوان: "الطرس: طمس وترميم للذاكرة الطفولية" في الندوة الوطنية "عفوية الطفل وعقلنة الفنان" المنظمة من طرف "جمعية إبن رشد للفكر والإبداع" وذلك في إطار مهرجان علي بن سالم للفن التشكيلي بالقلعة الكبرى سنة 2018 ...و المشاركة بمداخلة علمية تحت عنوان: "التكنولوجيا الحديثة في الفنّ التشكيلي العربي وإشكالية التلقي" بالندوة الوطنية "الفن المعاصر بين المضمون والتقنيات" المنظّمة من طرف الرابطة التونسية للفنون التشكيلية سنة 2018 والمشاركة بمداخلة علمية تحت عنوان: "المحسوس المُعزز وخصوصية التواصل في تجربة "سينوكوزم" الرقمية" بالندوة الدولية "أي محسوس في الفنون؟" المنظّمة من طرف الجمعية التونسية للجماليات والإنشائية "ATEP" والمعهد العالي للموسيقى والمسرح بالكاف، جامعة تونس، جامعة جندوبة وجامعة باريس8 سنة 2021  ولها اسهامات من خلال مقالات علمية منها صدور مقال لها بعنوان "الحياة المعاصرة: من خلال قراءة لأسلوب التبسيط في أعمال الفنان التشكيلي التونسي وسام العابد" في مجلة "فنون" التونسية الصادرة عن وزارة الشؤون الثقافية سنة 2019 وصدور مقالها بعنوان "منزلة العمل الفني والمشاهد من خلال قراءة في تجربة الفنان البصري وسام العابد" في مجلة "التشكيلي" المغربية وهي مجلة دورية تهتم بالفنون الجميلة الصادرة عن مدارات للثقافة والفنون خلال سنة 2022...و لها بحوث جامعية منشورة منها بحث جامعي منشور في صيغة كتاب بعنوان "الصورة الفيديوغرافية والحميمي المصغّر: تقليص واحتواء" عن دار نور للنشر. ومن مشاركاتها في الملتقيات الثقافية نذكر مثلا المشاركة في ملتقى الشعراء الطلبة بالمركز الجامعي للتنشيط الثقافي والرياضي برقادة القيروان والمشاركة في ملتقى المبدعات العربيات بجنان بومرداس...و هي حاصلة على عدة جوائز منها الجائزة الأولى في إطار المشاركة في المسابقة الجهوية للفن التشكيلي بين المدارس الإعدادية والجائزة الثانية في إطار المشاركة في مسابقة الرسم المنظمة من طرف جمعية البحث والمعلومة حول السرطان للمركز التونسي وذلك تحت شعار "le cancer vu par l’artiste".كما أنها شاركت في تنشيط البرنامج الثقافي والفني المواكب لمعرض تونس الدّولي للكتاب سنة 2017 وفي الأمسية الفنية الثقافية ليالي رمضان 2017 بنادي الكشافة بقصور الساف والإشراف على ورشة الرسم التوعوية والتحسيسية الموجهة للأطفال بالمدرسة الإبتدائية إبن خلدون والمشاركة في ورشة "الرسم الزيتي" المنظمة في إطار سمبوزيوم عيد البحر للفن التشكيلي بالمهدية واقتنت لها الدولة من خلال وزارة الشؤون الثقافية عددا من الأعمال الفنية في نتاسبات متفرقة منها لوحة بعنوان "تمثلات"، التقنية: ألوان زيتية على قماش، المقاييس: 80/60 صم، 2013، في المعرض الجماعي المنظم في إطار الملتقى الأول للفنانين التشكيليين بالمهدية ولوحة بعنوان"خربشات في الذاكرة"، تقنيات مزدوجة على قماش، المقاييس: 1.20/1.80 صم، 2014، في المعرض الجماعي "مقامات جمالية" ..

تجربة فنية ومسار مفتوح على البحث والحرص على الابداع والابتكار تقصدا لقول ما في الذات فنيا وجماليا..ما في ذات الفنانة صابرة بن فرج التي ترى في الفن مجالا طافحا بالكثير من رغباتها والحلم..هذا الحلم الذي هو بمثابة أرضها الملونة والمزدحمة بالرؤى.. والأفكار.

***

شمس الدين العوني

كنا نقضي معظم أوقات طفولتنا في بيوتنا او نلعب في الحارة مع أبناء الجيران. كنا ننام مبكراً ونستيقظ مبكراً، الى ان دخل التلفاز الى بيوتنا وأصبح مهماً في حياتنا، وبدأنا نشاهد الأغاني والأفلام والمسلسلات العراقية والعربية والاجنبية. كانت القصص تدور حول البطل والبطلة والمجرم، وتنتهي بانتصار البطل، وكنا نسميه "الولد" لأنه مع الحق، ويخسر المجرم لان الشر يجب ان يخسر. كان هذا السيناريو مفهوم ومقبول ومحبوب اجتماعياً ومن قبل الإباء والابناء.

تطورت التكنولوجيا وتغير الزمان، ولم تعد قصص الماضي تشد القارئ او السامع او المُشاهد في القرن الواحد والعشرين. والإنتاج الفني صناعة تجارية لا بد من استمرارها وضمان ربحيتها، وهذا حق مشروع لا ننازع فيه أحد. ما يمكننا ان ننازع فيه هو ما الذي يقدمه هذا الفن الذي دخل بيوتنا ولا نقدر على منعه وعدم مشاهدته. نعم انه لهو وتسلية بالدرجة الأولى، انه ليس مُنتج إرشادي ديني او علمي أكاديمي، انه "بزنس" (تجارة)، نعم انه بزنس، ولكن ما تأثير هذا النوع من وسائل الترفيه علينا وعلى الشباب وعلى الكيان العائلي! هل يقدم لنا النموذج الأفضل من ان الجريمة لا تجدي، وان المجرم سيُقتل او يسجن!

لا أنكر من انني أحد المشاهدين للمسلسلات اللبنانية والسورية والمصرية والتركية المدبلجة. كذلك اشاهد الأفلام والمسلسلات الامريكية. لا تندهشوا إذا قلت من ان الأفلام والمسلسلات الغربية ذات قيمة معنوية واخلاقية أفضل وأرقى من المسلسلات العربية. الغرب أضاف الرعب والدماء والغموض والالفاظ البذيئة الى انتاجه الفني، إلا انه لم يفقد بوصلة النهاية، "الحكمة من الحكاية".

تُقدم لنا المسلسلات الحديثة سيناريوهات تعيد نفسها، اخوة يتصارعون على نفس الفتاة، خيانة زوجية مع اخ الزوج او اخت الزوجة، الكل لديهم أبناء غير شرعيين يظهرون فجأة في منتصف المُسلسل، غنى فاحش، سلطة ونفوذ غير محدود، قصور فارهة لا يملك مثلها حتى الامراء والملوك.

كي يطلب اليد للخطبة يحجز المطعم برمته، مصحوباً بغابة من الورود وموسيقى تعزفها شابة انيقة، يختات في البحار، طائرات خاصة، اما الملابس فحدث ولا حرج، كلها ماركات مشهورة وغالية، لم تظهر الفتاة بنفس البدلة أكثر من مرة واحدة، احياناً نفس اليوم بدلتين او أكثر. بذخ مفتعل وسخيف ورخيص، ونفس السيناريو يعيد نفسه مرات ومرات ومرات، وتتحول قصة قصيرة الى خمسين او ستين حلقة او أكثر.

دعك من كل هذا لان ذلك ربما حشوٌ لتسويق عدد أكبر من الحلقات! المهم القيمة والحكمة والدرس والإرشاد الذي سيستفيد منه المشاهد الكريم في النهاية. سابقاً كان المجرم وحده الذي يرتكب الجريمة، اما في مسلسلاتنا العربية والتركية، فإن الجريمة حق مشروع للجميع! وكأنها جزء من العادات والتقاليد الموروثة.

أما الخيانة الزوجية، الجريمة النادرة المخلة بالعرض والشرف فإنها لم تعد حكراً على الرجل الذي كان يمارسها مع بنات الهوى، وانما أصبحت ضمن حقوق المساوات بين الرجل والمرأة، والخيانة أصبحت خطأ او زلة لابد من تفهمها وتقبلها وعدم تحطيم اسرة اُسُسَها مرصوصة بالمجوهرات والجاه والقصور والمال والبنون.

أما "البزنز"، فكلهم يتعاملون بمليارات الدولارات، وكلهم نكتشف لاحقاً، انهم يتاجرون في المخدرات والأسلحة والأدوية المغشوشة، وانهم متغلغلين في أجهزة الشرطة والقضاء، ولا أحد في الدولة لا يُشترى او يُباع. والعجيب كلهم خبراء في الكمبيوتر والنت والفوتوشوب والتزوير والمكائد.

يُعرض حالياً مُسلسل لبناني "كريستال" ومُسلسل تركي مُدبلج "فريد"، ومُسلسل مصري "أنا شهيرة_ أنا خائن". دعني احدثكم عن الأخير أنا شهيرة، وشهيرة دكتوراه صيدلة، اعترف لها زوجها بندم انه خانها، لم تُضع وقتاً ابداً ذهبت في نفس اليوم وضاجعت زوج صديقتها المقربة اليها، وهي بذلك سددت الدين وانتقمت من زوجها بهتك عرضها وعرضه. مُسلسل فريد يتزوج من فتاة جميلة زواج عائلي علماً ان لديه حبيبة وهي لديها صديق، لا ينامون على فراش واحد وحوار لا نهاية له بينها لم ينتهي بالموسم الأول وانما مُستمر الى الموسم الثاني. أما مُسلسل كرستال الرائع! مبنيٌ على صراع بين فتاتين بنت العائلة الغنية مصممة الأزياء المشهورة مع بنت السائق التي تخدم في البيت، نافستها في مهنة التصميم وعلى الدكتور الذي يُحبها. مسلسل طويل عريض مليء بالخيانات والسرقات والمكائد والصراخ وأجمل عرض للأزياء، حتى الخادمات يلبسن ماركات مشهورة.

نتيجة هذه المسلسلات ان "كلوا محصل بعضوا" ليس مُهماً ان تكون طيباً او حريصاً او شريفاً، المهم ان تعيش برفاهية وتملك قصور وسيارات وطيارات وووو. وإذا كان هذا يتطلب ان نغش بمنتوجاتنا فبها، او نتاجر بالمخدرات والأسلحة ماكو مشكلة إذا لم نوفرها نحن سيوفرها غيرنا ويكسب مكسباً نحن أحق به.

هل فكر المجتمع، ما هو تأثير هذه المسلسلات التافهة على الشباب وعلى الروابط العائلية. أنا شخصياً لا أؤمن بالرقابة الحكومية الصارمة، التي مهمتها كتم الأصوات، وحذف الانتقادات الموجهة للحكام، ومنع مشاهد الخلاعة، وحذف الكلمات البذيئة، وغير ذلك. ولكن هناك رقابة تربوية واجتماعية، وتوجيهية لمجمع أفضل مفقودة من المعادلة. لا أتوقع ولا أشجع تلقين مجتمعنا ما هو صح وما هو خطأ، لكن ذلك لا يعني ان اخضعهم لغسيل دماغ مستمر صورة وصوت وتشويق، كل دلالاتها تشير ان لا تكون غبياً في هذه الدنيا، لأنها لا تؤخذ إلا غلاباً.

لا أدرى هل لاحظ اساتذتنا في علم النفس والاجتماع هذه الظاهرة، هل بحثوا مدى تأثيرها على العلاقات الاجتماعية، هل هناك بحوث اكاديمية على مستوى الماجستير والدكتوراه، هل درسوا ما تأثير ان تكون الخيانة الزوجية مجرد خطأ، يُحل بالاعتذار، وما هو تأثير ذلك على خريجوا الجامعات الذين لم يحصلوا على وظائف، ويشاهدون في المُسلسلات كيف ان المجرمين يعيشون حياة بذخ دون حساب او كتاب. أسئلة كثيرة نطرحها امام المختصين بالسلوك الإنساني كي يُبدوا رأيهم، لأننا امام كارثة سلوكية حالية ومستقبلية من أجيال متأثرة بما تتعلمه من المُسلسلات التافهة التي احكمت سيطرتها على الإنتاج الفني الأكثر رواجاً. المُسلسلات أضحت المؤثر الأقوى على تربية الأجيال الحالية والقادمة.

***

محمد حسين النجفي

رئيس تحرير موقع أفكار حُرة

 

تاريخُ ميلاده غيرُ ذلك الّذي في دفاتره المدرسيّة والجامعيّة ولا حتّى في أوراقه العسكريّة والإداريّة وليس ذاك المُسَجّل في البطاقة الشّخصيّة وفي جواز سَفره.

تقول أمُّه إنّها وضعته عند الحصاد ولم يكن والدُه حاضرًا وقتَها فقد كان يعمل في تونس العاصمة… ذلك عهدٌ لم تكن الإدارة موجودةً ولا قريبة من – بئر الكرمة – القريبِ من بلد ـ غُمْراسِنْ ـ حيث رُبوعُ أهله الممتدّةُ على مدى البصر في الجنوب التّونسيّ.

كان الثّالث في المواليد.

أختُه ـ آسيا ـ هي الأولى وقد تُوفّيت بعد شُهور.

أخوه ـ الحبيب ـ مات وقد قارب عامه الأوّل.

وشاء اللّهُ للمولود الثّالث أن يعيش مِنْ بعدهما شهورًا حتى بلغ عامه الثّاني وبعد أن تأكّدت العائلةُ أنّ الموت لن يخطفه ـ مثل أخته وأخيه ـ قرّرتْ بالإجماع تسميته باِسم جدّه فقصد أبوه يومَ السّوق الأسبوعيّة شيخَ البلد وسجّله في دفتره بتاريخ ذلك اليومِ ـ وهو اليومُ السّابع من الشّهر الثّامن من سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة وألف ـ لذلك يرى لزوم ما لا يلزم أن يحتفل بعيد ميلاده الذي لم ينتبه له أحدٌ قبل بلوغه العشرين وشكرا على كلّ حال لمن يُهنئنه ويذكّره بالمناسبة.

أمّا اِقتراحُ اِسمِه فقد اِتّخذه مجلسُ العائلة برئاسة الجدّات اللّواتي اِتّفقن بالإجماع أن يكون اِسمُ الحفيد الأوّل على اِسم جدّه وذلك على سُنّة قومه وتقاليدهم منذ سابق الدّهور جيلا بعد جيل.

وحكاية اِسمه…ما حكاية اِسمه؟

تَسَمّى على اِسم جدّه الّذي تَسمّى على الفارس والشّاعر اللّيبي ـ سُوف المحمودي ـ الّذي ذاع صيته وقتذاك أي في النّصف الثّاني من القرن التّاسع عشر وكلمة ـ سُوف ـ في اللّغة العربيّة تعني الرّمل الرّقيق الليّن أمّا في اللّغة الأمازيغيّة فهي تعني ـ الوادي ـ والكلمة هي اِسم مدينة – وادي سُوف – في الجزائر وتعني كذلك اسم مدينة ـ سُوف الجين ـ أي الوادي الكبير وهي تقع في جنوب ليبيا وثمّة مدينة في بلاد الأردن قرب عَمّان تُسمّى أيضا ـ سُوف ـ وهي قائمة على وادٍ كذلك وقد زرتُها برفقة الصّديق الشّاعر يوسف رزوقة سنة 1992 بمناسبة مهرجان ـ  جرش ـ فظهر من غدٍ في إحدى الصّحف  خبرٌ عن هذه الزّيارة بعنوان “سُوف في سُوف”.

ومن طرائف المواقف التي وجدتُني فيها بسبب نُدرة اِسمي أنّه بينما كنت ضمن مجموعة من الشّعراء والشّاعرات العرب في أمسيّة شعريّة أقامها أحد الأنديّة الثّقافيّة على هامش مهرجان المربد بالعراق سنة 1986 إذ بمديرة الأمسيّة تقف على المنبر وترحّب بنا ثم تَفتتِح القراءات الشعريّة داعيّة في البداية – شاعرة تونسيّة – تكريمًا للمغرب العربي ّولتونس الخضراء قائلةً مرحبًا بالشّاعرة التّونسيّة الجميلة والأنيقة القادمة من بلاد الياسمين والزّيتون بلاد أبي القاسم الشّابي فتعجّبتُ واِستغربتُ حينها لأنّ المجموعة الّتي جئت معها إلى الأمسيّة لا شاعر ولا شاعرة فيها من تونس إلاّ أنا ثمّ أردفتْ قائلةً لتتفضّل ـ الشّاعرة سَوْفَ عُبيد ـ فاِنطلقتِ الأكُفّ بالتّصفيق الحارّ خاصةً من اِلّشباب فتسمّرتُ في مكاني لحظةً ثمّ عزمت ووقفتُ وقصدتُ خطوةً خطوةً المنبر ووقفتُ وقد ظنّ الحاضرون أنّني الشّخصُ المكلّفُ بتثبيت المِصدح والعناية به وعندما مكثتُ بُرهةً واقفا اِستثقلني الجمهور وأشار لي البعضُ بيده أن أنصرف بينما اِشرأبّتِ الأعناق باحثةً عن الشّاعرة التّونسيّة ـ الجميلة والأنيقة ـ فما كان منّي إلا أن اِقتربتُ أكثرَ من المصدح وقلتُ أهلا بكم أنا هو ـ الشّاعرُ التّونسيُّ سُوف عبيد ـ  فاِهتزّتِ القاعة الكبيرة والمكتظّة بالضّحك والتّصفيق غير أنّ تصفيق الفتيات كان أقوى وأحرّ وأظهرن الشّماتة بالفتيان…وكانت أمسيّة..!!

***

سُوف عبيد ـ تونس

سألت الذكاء الإصطناعي أن يكتب لي قصيدة حب بالعربية، مستخدما أحد تطبيقاته، ففاجأني بقصيدة مع ترجمتها وهذا ما كتب:

"في عيونك تسكن النجوم

وفي قلبك ينبض الحب

أنت نوري وأنت حلمي

أنت الوجود وأنت الغيب

*

معك تتلاقى الأرواح

تتراقص القلوب بالأنغام

يا حبيبي العزيز أنت

الشمس التي تشرق في الأفق الهام

*

أنت روحي وأنت حياتي

أسراري وأماني العميقة

دعنا نمضي سويا في الزمان

متشابكين في حب عاشق ورقيقة

*

أعشق عينيك الساحرتين

تنيران طريقي في الظلام

أنت لي القمر والنجوم

أنت لي السعادة والأحلام

*

دعنا نبني عالما لنا

مليئا بالحب والوفاء

أنت وأنا، يا حبيبي

نكتب قصة حياة جميلة

*

في عيونك أجد السلام

ومعك تصبح الحياة جنة

أنت حبي الأبدي يا حبيبي

أنت لي ملاذي وأماني الحقيقة

*

أحبك في كل لحظة

وسأظل أحبك إلى الأبد

أنت روحي وأنت قلبي

في حبك يا حبيبي نجد الأبد"

لم أحرر ما كتبه، وأخذت أتأمله متسائلا عن مستقبل الشعر، والحاجة للقشرة الدماغية، التي ربما ستصاب بالإضمحلال والضمور، لإنتفاء الحاجة إليها، ما دامت الآلة ستغني عنها.

ترى ما هو الشعر عند حضرة الذكاء الإصطناعي؟!!

وهل من مُفندٍ لِما كَتَبْ؟!!

فهل هو شعر أم ما يشبه الشعر؟!!

***

د. صادق السامرائي

2\12\2023

يكون الإبداع لأول وهلة ناقص الصورة غير مكتمل، لذلك يلجأ الشاعر ضرورة إلى مراجعته وتصفيته وغربلته، ويحذف منه الفضول والزوائد التي يمكن أن تنقص من قيمته، وتتحكم في مرحلة التنقيح والتثقيف "القوة المستقصية الملتفتة، ويعينها حفظ المعاني والتواريخ وضروب المعارف "، ويدل التنقيح في حقيقته على رغبة المبدع في أن يخرج إبداعه مبرأ من العيب، خالصا من الشوائب، مصفى من كدر العي، كاملا لفظا ومعنى ونظما و إيقاعا وتصويرا، ويدل التهذيب في جانبه الآخر على إحساس بالنقص، واتهام للإبداع، فالمنقح أو المحكك لا ينظر بعين الرضا لإبداعه لذلك نجده يعيد فيه النظر؛ ينقص منه ويزيد فيه، ويعد له، ويثقفه، حتى تكتمل صورته ويصير في حلة بهية وصورة مقبولة شكلا ومضمونا.

إن مقولة الطبع وربط التفوق الشعري بالقدرة على القول دون صعوبة أو معاناة، لا يتنافى البتة مع مراجعة الأشعار بعد أن تخرج إلى الحياة، إذ يأخذها بالرعاية والتهذيب حتى تستقيم متونها وتكتمل صورتها مشتملة على شروط الجودة، لهذا السبب وغيره رأينا جملة من الشعراء يربطون جودة الشعر بالتهذيب والتصفية، إذ كان الحطيئة يردد" خير الشعر الحولي المحكك"، والحولي هو الذي مر عليه الحول، وسبيل شعر ينظر فيه صاحبه حولا كاملا أن يخرج مستويا ناضجا صالحا لأن تلتهمه الجماهير، ومعروف أن الحطيئة ينتمي إلى مدرسة زهير بن أبي سلمى المعروفة بالصنعة، حيث كان المنتمون لهذه المدرسة يولون أهمية كبيرة لتنقيح أشعارهم وتهذيبها وإخراجها إخراجا واعيا متأنيا، وكان زهير قد أخذ هذه الطريقة عن أوس بن حجر وطفيل الغنوي، ومثل هؤلاء الشعراء يدخلون تحت مسمى" الشاعر المتكلف" وهو"الذي قوم شعره بالثقافة و نقحه بطول التفتيش وأعاد فيه النظر كزهير والحطيئة"، ولا شك أن تقويم الشعر وتنقيحه بطول التفتيش و المدارسة وإعادة النظر يعكس في حقيقته قناعة لدى الشاعر مفادها أنه لا يرضى بأول خاطر فيعمل على سد ما في إبداعه من ثغرات ورتق ما فيه من فتق قد لا يظهر للوهلة الأولى، لذلك حذر النقاد من مغبة إخراج الإبداع دون مراجعة، خاصة وأن الشعر عقل المرء يعرضه، كما حذروا من أن يغتر الشاعر بإبداعه ويحسبه بالغا مرقاة

التمام ويخرجه دون غربلة، فتكون النتيجة وبالا عليه.

٢ - اقتران الجودة بالتنقيح:

يقرن الحذق والجودة عادة بالتنقيح وتفقد الشعر إذ " لا يكون الشاعر حاذقا مجودا حتى يتفقد شعره، ويعيد فيه نظره، فيسقط رديه، ويثبت جيده، ويكون سمحا بالركيك منه، مطرحا له، راغبا عنه، فإن بيتا جيدا يقاوم ألفي رديء".

إن مراقبة الشعر وتفقده وإعادة النظر فيه يكون الهدف منه في الغالب إسقاط الرديء وإثبات الجيد لفظا ومعنى وتركيبا، وكان أبو نواس من الذين يفعلون هذا الفعل" فينفي الدني ويبقى الجيد"، وكان " يعمل القصيدة ويتركها ليلة ثم ينظر فيها، فيلقي أكثرها ويقتصر على العيون منها، فلهذا قصر أكثر قصائده "، وغالبا ما تكون القصائد الجياد قصيرة، وكان الحطيئة الذي يدخل ضمن خانة" عبيد الشعر" " يعمل القصيدة في شهر وينظر فيها ثلاثة أشهر ثم يبرزها"، وهنا تكون المدة بين الإنتاج والإخراج أربعة أشهر، وهي مدة طويلة تعطي للشاعر الفرصة لإضافة ما يمكن إضافته، وحذف الزوائد والفضول، وتغيير التراكيب، وتقديم ما ينبغي أن يقدم، وتأخير ما يجب أن يؤخر، حتى يستوي الإبداع ويصير مستحقا للعرض على الجمهور.

***

قلم: احمد عزيز الدين احمد

كاتب وروائي وشاعر

 

ضمن معارضه الفنية ومشاركاته الثقافية المتعددة ضم المعرض الشخصي للفنان محمد الهادي الشريف بعنوان " حنين 6 " بفضاءات المعارض بدار الثقافة المغاربية ابن خلدون خلال هذه الأيام والذي انتظم بحضور عدد من الفنانين أعمالا فنية بمختلف الأحجام والأشكال والمواضيع وهي تجربة بعد معارض ضمن عنوان الحنين سبق وأن انتضمت لسنوات بفضاء رواق الفنون ببن عروس...سنوات من المراكمة والعمل بشغف والحصيلة مئات اللوحات والأعمال الفنية والتشكيلية متعددة الأحجام والألوان والأشكال.. هكذا ينطلق الفنان التشكيلي محمد الهادي الشريف في الموسم الثقافي الجديد بمعرض خاص.. وتتواصل تجربة الشريف منذ سنوات وفي هذا الحراك الفني التشكيلي الذي تشهده الساحة الثقافية التونسية برز بروح الشباب بحيوية نادرة وحلم مفتوح وابتسامة عامرة وعارمة تفتح الأحضان تجاه الآخرين داعية الجميع الى المحبة والابداع والامتاع والمؤانسة.. هوفنان تتعدد لوحاته من خلال عمله بين أنماط وأشكال فنية باعتبار ما يراه في الفن من كونه  درب من الدروب المؤدية الى الكشف والاكتشاف وقد انطلق في معارضه الفردية والجماعية حيث رأى الفنان والناقد الأكاديمي الحبيب بيدة في منجز الرسام الشريف ضربا من " الفن الخام ".. و بهذه المناسبة يقول عم الشريف الفنان الذي تحدث عن التجربة واللوحات ومواضيعها وحضور المرأة والأمل والانسان "...في مجال الفن يظل لدينا الطموح حيث العالم السائر الى الفناء ولكن الفن هبة السماء.. و العمل الفني حين يكتمل نجد النتيجة والنهاية السعيدة ولوحاتي تعبر عن أفكار وأحداث فأنا اشتغلت على مواضيع.. يقولون عن عملي بأنه فن خام من ذلك رأي الدكتور الفنان الحبيب بيدة وفي لوحاتي عديد التقنيات والمدارس وهناك نزعات وألوان من الغرائبية والتجريدية ويحضر كذلك الفن المعاصر ومن ناحية أخرى المرأة كفاعلة في المجتمع والحياة نجدها حاضرة.. أنا أرسم ما يختلج في داخلي.. "

الفنان والناقد الحبيب بيدة متحدثا عن تجربة الشريف يقول " هو فن مقيم بين العصامية والممارسة المولدة لمنجز خام وهو فنان مع كل معرض يدهشنا بروح اصراره في تلقائيى بعيدة عن النعارف والفن كعلم بجانبه الأكاديمي فهو فنان منسجم مع تلقائية الوعي الفني لديه.. " ومن ناحية ثانية يقول الفنان علي الزنايدي عن الفنان الشريف وعمله الفني ".. هو فنان محب للتلوين والفن التشكيلي ويواكب الفعاليات الثقافية والمعارض ويعبر فنيا بتلقائية وشغف من صميم المحبة والولع بالابداع في تجربة عصامية سعى من خلالها لكسب حب الناس والفنانين...". معرض خاص للشريف ومحطة فنية أخرى لفنان وتخير هذا الأسر الجميل بين لوحاته التي هي العائلة الأخرى والحلم التلقائي والمفتوح.

***

شمس الدين العوني

أسوأ مساوئ الغربة السفر الى أي دولة او جزيرة في العالم والجلوس على أي شاطىء، شرط ألا يكون رفيقك في السفر عربياً لأنه يحول أجمل حدائق العالم الى مناحة ومزبلة، وتتحول جزر العشق والجمال الى قوافل إبل في احدي المقاطعات المتداخلة جغرافياً مع المانيا والدانمارك، جلست علي شاطئ بحيرة متخامة لبحر الشمال،الجو صافي الهدوء القاتل رغم وجود مصطفين علي الشاطئ للنزهة وركوب الخيل والمراكب الشراعية علي الشاطئ،قطعان من الغزلان حول الشاطئ ترعي في هدوء،جلست اتأمل بصمت،لاح لي بصيص من امل ان اشاهد هذا الحلم في بلدي، مبني علية علم الدانمارك، شغفي وحبي للمعرفة، اتجهت ناحية المبني،المبني كان لمدرسة وكان يوم استحقاق للإنتخابات البلدية،خانتني الذكريات والزمان والمكان والأحلام،، وتخيلت مراكز الإقتراع في قريتي وشباب ورجال ونساء مسلحين بالنبوت والعصي الشوم،مشهد متناقض، رغم جمال المشهد الإنتخابي علي بحر الشمال تذكرت ان مساوئ الغربة حتي ولو كانت جميلة"

في الوطن نكتشف الغربة، وفي الغربة نكتشف الوطن..، وعندما تعود للوطن تشعر انك في حلقة دراويش يطوفون حولك على ايقاع الصنوج والدفوف.

جلست علي الشاطىء، ضربني نسيم البحر في غفلة من نوم عميق علي الشاطىء من أضغاث احلام،، إن المجتمع العربي الإسلامي" مجتمعات تخيلية".

إذا كان الإنسان يعيش في مجتمع تخيلي، الصور والاعلانات والطقوس والأساطير والعادات والتقاليد أهم من الواقع، وفي الوقت نفسه يتحول الواقع فيه إلى أسطورة، ثم يتجه هذا الإنسان في الأحلام والتوقعات والآمال نحو مستقبل من الوهم، ما هي صلة وعلاقة هذا الإنسان بالواقع...؟

نحن كائنات أسطورية تعيش في تاريخ متخيل غير موثق بل سرديات شفوية، وكل طرف له رواية خاصة عن دفاتر التاريخ والجغرافيا والسياسة، وواقع متخيل لا تعيش الحياة بل في نظريات وأوهام وطقوس واحتفالات تخفي الواقع الحقيقي:

يمكن حجب الواقع الحقيقي بالصور والخطابات والاحتفالات المزيفة، والقوة والمال السياسي والسلاح لكي يظهر انه هو الواقع الحقيقي.،من يعيدنا الى الواقع..؟!

في هذة البلاد تنام في أي مكان، وتأكل وتفيق متى تريد، وأن تضحك وتبكي وتغني في الشارع وترقص في وقت واحد متى تريد .أو لا تريد، أن تعمل أو لا تعمل تستحق السكن والراتب والرعاية الصحية والعلاج مجاناً حتي الأدوية تصرف مجاناً مثل أي مواطن من اهل البلد، أن تغلق الباب في وجه اي مسؤول حتي ولو كان الملك، أن تتحدث مع أي وزير في الشارع وتقول له ما تريد،ألا تنتخب أو تنتخب من تريد،أن تصادق وتتزوج وتعشق وتقطع علاقة بمن تريد، بلا موافقة من أحد، لا من شيخ مسجد ولا من كبير العائلة، ولا رأي الجيران والأصدقاء، يحق للمواطن الإضراب عن الطعام وعن التنفس وعن المرح وعن النزهة وعن التصويت وعن عبادة ما يحب سياج الشجيرات بينك وبين جارك هو أرض حرام، يمكنك أن تطوف العالم لكن عبور السياج جريمة.

يمكنك أن تجلس في الشرفة وقتما تشاء وتغني ما تشاء، كما فعلت يوماً عندما ضربت رأسي نوبة حنين لا أعرف لمين ورحت في طور الحنين،وغنيت في الشرفة مع المطرب المفضل لي /محرم فؤاد / اغنية (اشكي لمين واحكي لمين واغنية غداريين) ..

وسمعت جارتي العجوزة الألمانية في الشرفة المجاورة قالت: " لماذا تبكي ايها العربي؟"

قلت: " لست أبكي، كنت أغني"فنفجرت ضاحكة،،

في مساء يوم في مدينة ميلانو الإيطالية جلسنا انا وصديقي علي مقهي (بار) في شارع "كورس بيونيس آرس" في منطقة "ليما "فوجئنا برئيس الوزراء السابق/سيليفو برلسكوني / الايطالي ورجل الاعمال الشهير يدخل الي الكافية، ويتحدث ويطلب من الناس سحب الثقة من الحكومة الحالية في مراكز للإبداء الرأي في خيام منصوبة في الشوارع ..ثم انتهي من كلمتة وهو يسير ومعة 3 /افراد من الحماية الشخصية لا موكب ولا انصار ولا حاشية ولا هتيفة من المرتزقه .وبعد فوزة تعرضت ايطاليا للآزمة الاقتصادية عام 2007 واثناء تجولة علي الأقدام في ميدان( الدومو) الشهير اعتدي علية بائع انتيكات قذفة بقطعه من تمثال صغير سال منة الدم امام شاشات العالم قيدت قضية جنح ضد المواطن،،رغم اشتباكة معة باليد لم يطلق علية الحرس النار ولم يعتقل ولم يتعدي علية الحرس كانوا يفضون الإشتباك بينهم،، لذلك منذ اكثر من عقد قررت لم أنتخب أحداً يوماً رغم تتعاقب الحكومات والنظام واحد، عشت سنوات في الغرب تخيلت ان اعيش واشاهد حدث واحد لتبادل السلطة هرمنا ومازال نحلم بهذا اليوم،، عندما يخسر حزب او نائب يقطع انصارة الطريق انها شبة دولة، في الغرب لايحدث فوضي، ولا تتعطل المستشفيات ولا المطارات، الرابحون والخاسرون يتبادلون الزهور وليس اعلان حالة الطوارئ واطلاق الرصاص في الشوارع، يذهبون الى الحفل معاً في اليوم نفسه، لأن الدولة غير السلطة:

الدولة مؤسسة خدمات محايدة تعمل بالتسيير الذاتي والسلطة نظام سياسي متغير كل أربع سنوات، في ديار العرب نحرق الوطن ونحوله الى ميلشيات تتناحر علي السلطة، أو نجعل الأنهار تسيل دماءً أو نفتح أبواب الجحيم الى اخره من يحلم بهذا مصيره إما السجن أو مستشفي للأمراض العقلية في دقائق،، مؤسف ما يحدث في ديار العرب من حروب اهلية علي انتزاع السلطة بالقوة من حالات تعذيب واعتقالات و خطف من الشارع والقتل علي الهوية،ولا يتوقف حركة المرور مجرد سرينة لسيارة مظللة الزجاج، ولا أن تدخل مركز تعذيب في الصباح وتخرج منه في المساء، اذا خرجت..!!، ودخلت مرحلة الهرم في الليل وكنت فتى قبل ساعات، حتى لا يتعرف عليك الأهل او يتم الإختفاء القسري لسنوات.،في بلاد كل شيء فيها مباح الذبح والتقطيع وحرق الجثث دون دراسة أو يقظة لهذا التوحش الذي لا يُحل بالسجن وحده أو الشنق لأن البيئة المشوهة قادرة على انتاج هؤلاء الوحوش.

لا أحد في الشارع يحدق فيك أو يتابعك أو يحاسبك على ثيابك أو أفكارك أو دينك او قوميتك، العرف يحرم كما القانون، الإنسان هو الأصل بلا عمام أو مال أو حزب أو نفوذ أو خلفية عائلية، فقط الكفاءة والنزاهة والموهبة بلا كشف هيئة لقبولك في كليات معينة او ترشحك لمنصب او وظيفة في اجهزة معينة هذة إدانة للنظام من غياب العدالة والمساواة لا تستغرب .

عندما " يصبح الوطن منفى والبيوت سجونا..الحرية ليست هدفأ وشعاراً سياسياً فحسب، بل هي أن تحيا وتكتب كما تحب، لا أن تكتب شيئا وتقول وتفعل عكسه. فكرة المجتمع المؤسس على الوهم أو الجماعات المتخيلة بتعبير المفكر البريطاني بندكت أندرسن، أو مجتمع الفرجة كما في كتاب جي ديبور، أي مجتمع الصورة والاستعراض والدعاية الموازي للواقع، هذه الفكرة ليست جديدة ولكن تلوح عصية على الفهم أو التقبل:

أنت في شارع شرقي وفي مناخ ديني تكون الصور والاعلانات وشعارات الجدران ولوحات الفرسان والاعداء القتلى والابطال، وأخبار المآتم وعناوين طقوس الموت، أي نصفك غارق في عالم متخيل في الشارع، والنصف الآخر مكرس للذاكرة، أي نصفك خيال ونصفك ذاكرة، ماذا تبقى لك من علاقات مع الواقع بل مع نفسك...؟!

***

محمد سعدعبد اللطيف

.كاتب وباحث مصري في الجغرافيا السياسية

(النصُّ توثيقاً بلا تنقيص ولا تمحيص لحوارٍ دارَ بيني وبين "عادلَ" الحلاق)

لا سَمَرَ أسمى من سَمَرٍ بَسَقَ في أماسيِّ أُناسِ بغدادَ وَأَنَاسِیِّ العراقَ، فأولاءِ هُمُ المَجمعُ للحَرفِ والمَنبعُ للأعراق.

وما كانَ أهلُ العراقِ قطُّ عبرَ تأريخِهم أهلَ شقاقٍ ونفاق، وما كانَ الشِّقاقُ والنِّفاقُ إلّا للمُخنِّثِينَ على الرِّيقِ يتريَّقونَهُ كتِرْياق، ولا يزالُ أهلُ العراقِ نَخلَةُ البأسِ ونَحلَةَ الأخلاق. لكنِ المُرجفونَ قد صَبغوا العراقَ بِصبغةِ الشِّقاقِ والنِّفاقِ، من واقعةِ ضوضاءَ عابرةٍ بانغلاق، لفئةِ غوغاءَ دابرةٍ خُوطِبَت بِعينِها ساعتئذٍ بأنَّها ذاتُ شِقاقٍ ونفاق، ولو كانت صِبغةُ أهلِ العراقِ شقاقاً مُنشَقَّاً مِن نفاقٍ، لَتَشَظَّى أَهْلُوهُ في أنحائِها باحتِراق وبافتِراق، ولمَا تَقَيَّدَ سجالُهُم بِتَوحّدِ الأحسَابِ والأصهَارِ والأعناق، بل ولمَا تَسَيَّدَ رِجالُهُم أحقاباً وأحقاباً في أرجائِها والآفاق.

وكنتُ قد يَمَّمتُ وَجهي شطرَ دكان أخي وصاحبي «عادِلَ» الحلّاق، ليَحلقَ شَعرَ رأسي بحرفةٍ لأهل الصَّنعةِ فاق، وليَفلَقَ نَثرَ أُنْسي بِطُرفةٍ لصَهلٍ السَّنعَةِ سَاق، فعادلُ مهندسُ كهرباء ذو فؤادٍ حَاضرٍ وللمعارفِ تَوَّاق، بيدَ أنَّهً ما أعْمَلَ هندَسةً ولا أَشْعَلَ مِصباحاً في زقاقٍ ولا في أنفاق. وجرّاءَ مَجْلَبَةِ بَطالةٍ وخَشيَةٍ من إملاق، فقد تَخَلَّى عَنِ مَنْقَبَةِ الهندسةِ ومَا حَوتْ مِن نطاقٍ بإشراق، وتَمَلَّى مَرتَبَةَ حِرْفَةِ الحَلّاقِ وما زَوَت من أرزاق، ثُمَّ تَجَلَّى لسانُهُ بطُرفاتٍ نقيَّةٍ وَفيَّةٍ عَفَويةِ الانفلاق، فتَراهُ يَقصِفَ بها كلَّ رأسٍ مُطأطِئٍ تحتَ مَوْسِهِ ولا يبغي انعتاق.

ثُمَّ إنّي قد باغَتُّهُ القَصفَ باستباق، بقَصفِ حَسبتُهُ عاصِفاً راق وذا ذَرفٍ رقراقٍ، وبمَا يَكنُّ صَدرُ "عادلَ" من قَصفٍ حَاق؛

«لو أنَّ لذا شَعرٍ مُتساقطٍ يا عادِلَ ثَمَناً باهظاً في الأسواق، لقَبَّلتَ رأسي مُتَوسِّلاً كي أحلقَ شَعرَهُ عندكَ باستغراق»

فنَظَرَ نظرَةً في المرآةِ فقالَ باتساق؛

«إنِّي وإيَّاكَ في وفاقٍ، بل ولسوفَ يحَمِيَ وَطِيسُ المَوائدَ ملتَهِباً على كلِّ طَبَقٍ سَبَحَتْ فيهِ شَعرةٌ بانزلاق». فَقلتُ بعدما قَهقَهتُ قَهقَهةً ولدٍ قَاصِرٍ شَقيٍّ عَاق؛

«وسأقطعُ يدَاً تَنسَلُّ لغَزوِ الطَّبقِ أو اليهِ تَتَسَلَّلُ باختراق. ويحَكم فذا طَبَقي ولكم ما دونَهُ من أطباق».

ثمَّ إنهُ كانَ مِن ورائِنا فتىً لحِوارِ تِجارةِ الشَّعْرِ بيننا يَصْغَى باِسْتِرَاق، فإذ بهِ يَرغَى لعادِلَ الحَلَّاق، أن أَنْبِئْ العَمَّ عن واقعةِ السِّدرةِ في دارِكم بتؤدةٍ وإطراق، فانعطَفَ عادِلُ بِمقصِّهِ يتلو حكايةَ السِّدرةِ بلطفٍ ولذكرياتِهِ باشتياق؛

«هذا وكانَ أبي رحمهُ اللهُ قد أمَرَنيَ لأهرَعَ فأقرعَ جيشَ صبيةٍ يقذِفُ سِدرةَ دارِنا بالحِجارةِ والأَنْعُلِ والأَعذاق، فَقَفَلتُ على جيشِ الحِجارةِ مُتَأفِّفاً لكنّي ما لبثتُ ان تجحفلتُ معَ الجيشِ مُتَلَهِّفاً بالتحاق لمّا علمتُ أنَّهُ قد نطَّ فحطَّ بين الأوراق، بَبْغاءَ آسراً للُّبِّ ساحراً للأحداقِ، فعَقَدْتُ بيني وبينَ الجيشِ عهداً بميثاق، أن يَمْدُدَني بمَددٍ من حجارةٍ وأَنْعُلٍ وأَعذاق باتفاق، فاقذفُ أنا بها على الطَّيرِ تتراً بانفلاقٍ، فرَمَيتُ بنَعْلي مُعلِناً بدءَ ساعَةِ الصِّقرِ للانْطِلاَقِ، وانطلَقَ المَدَدُ حتّى بِتُّ في الجيشِ قعقاعَهُ الجهبذَ العِملاق. وإن هيَ إلّا هُنيهَاتٌ حتّى طَارَ الطَّيرُ وتَوارى الجيشُ خلفَ خيبةِ الإخفاق، فقالَ أبي رحمهُ اللهُ بعدَ مُساءَلةٍ واستنطاق؛

«يا لكَ من حكيمٍ قدِ ارتقى جُؤْجُؤَ الحكمةِ من بُؤْبُؤِ الأعماق، وما مثلي وإيّاكَ إلّا كمثلِ رجلٍ استأمَنَ هِرَّاً هبرةً حينَ ظهيرةٍ في رُواق».

***

علي الجنابي- بغداد

..................

معاني المفردات؛

[مَوْسُ: حَلْقُ الشَّعَرِ من أوسَيْتُ رأسَهُ: حَلَقْتُهُ (القاموس المحيط) ومن الخطأ أن ننطقها مُوسَاً بضم الميم. بَسَقَ الشيء: تمّ طولُهُ. السَّنَعةُ: الجَميلة والسَّنيعُ: الحسَنُ الجميلُ، وسُنَيْعٌ الطُّهَوِيّ: أَحد الرجال المشهورين بالجمال الذين كانوا إِذا وردوا المَواسِمَ أَمرتهم قريش أَن يَتَلَثَّموا مَخافةَ فتنة النساء بهم. والمَنْقَبة: طرِيقٌ ضيِّقٌ بَيْنَ دارَيْنِ لَا يُسْتطاع سُلوكُه، والمَنْقَبة: كَرَمُ الفِعْل؛ يُقَالُ: إِنه لكريمُ المَناقِبِ مِنَ النَّجَدَاتِ وَغَيْرِها. المعجم؛ لسان العرب].

يغطي اللون الأزرق معظم مساحات فضاءات لوحاتها ... تعتمد بعناصر تكوين لوحاتها على (الكتلة والضوء واللون الأزرق) لتنسج من هذا الخليط عبر خيالها المتوهج الشكل المثالي لجمال لوحتها. ففي اللون الأزرق تمتزج الفلسفة بالأساطير والسحر بالجمال والهدوء بالمتعة والرفاه حيث سحر البحر، والمحيطات والشفق، وأفاق السماء الشاسعة في الليالي الصافية المرصعة بملايين النجوم المتلألئة والتي يهيم فيها القمر سابحاً مترفعاً مزهواً.

هكذا وجدت ابداع الفنانة الإيطالية (لاورا بولاتي) المقيمة في مالمو، والتي تقيم معرضها الفني على قاعة (كاليري أور) في (مالمو) والتي يديرها الفنان التشكيلي المبدع (جعفر طاعون).

في صالة العرض وعلى إحدى الجدران التي علقت عليها لوحتها الفنية كانت معظمها تصور أشكال وحالات وأوضاع ومنازل القمر (الهلال، البدر، المحاق) وهو بدورانه الأبدي الذي لا يهدأ حول محوره وحول الأرض.

يبرز مع كل لوحة (كأس أو أكثر) مترعة بعصير العنب الإيطالي أكسير اللذة والحياة، تبدعها من الواقع  والخيال، ومن خزين ذاكرتها حيت الأفق البعيد وهو يحفز الخيال للانطلاق والإبداع.

في لوحتها التي تستمد معظم صورها من مكان أقامتها السابق حيث تعيش في شمال (إيطاليا) قريبة على سماء جباب الألب، ومن صيف (إيطاليا) التي تحيط بها من كل الجهات سواحل الخلجان والبحار، ونوافذ وشرفات البيوتات الإيطالية المحاطة باللبلاب والزهور والورود والقصص المفعمة بالحب والغرام!

في مدخل قاعة العرض (علقت) مقالة طويلة مطبوعة على ورقة كبيرة (باللغة الإنكليزية) تتحدث المقالة عن انطباع كاتبها وأعجابه بلوحات وإبداعات الفنانة (لاورا بولاتي) المقالة بقلم (ماريو فانيلي) يقول في مقدمة المقال (يبرز اللون الأزرق، مثقل بذكريات لا تنسى، مطرزة بالنجوم، وإلهام القمر).

أثناء تجوالي في المعرض تبادر الى ذهني (الحديقة الغناء و البيت الأزرق في مراكش) والتي تعد من ابرز الأماكن السياحية في المدينة، والتي زرتها في (مراكش/المغرب ) في خريف عام (1919) أنها التحفة الفنية (المحمية النباتية) القصر والمنشأة العديدة التي تحتويها الحديقة المتنوعة النباتات النادرة، والتي تعود ملكيتها للرسام الفرنسي (جاك ماجوريل 1886- ت1962) الذي أسسها عام (1924)، المنشأة والحديقة تقع على مساحة تقدر بـ (10000) متر مربع، وأقد ابتكر من إبداعاته اللون (الأزرق) المتميز الخاص به وقد لون به هذه التحفة الجميلة ( القصر والبنايات والتحف الفنية التي يحتويها)

فذهب للفنانة (لاورا بولاتي) المنهمكة بتلوين احدى المنحوتات باللون الأزرق، وسلمت عليها وسألتها عن سر اللون الأزرق الذي اختارته لجميع لوحاتها وهل له علاقة بحديقة الرسام الفرنسي (جاك ما جوريل) في مدينة مراكش/ المغرب؟

تمهتْ قليلاً وأجابتني: 

أنا لا أعرف أي شيء عن هذه الحديقة ولا عن الرسام (جاك ماجوريل) ولمْ أزر مراكش.  

سريعاً تداركتُ الموقف وذهبت الى الاستعانة بالعم (كوكل) وكتبت حديقة (جاك ماجوريل) واخترت لها فيلم قصير عن الحديقة وبناياتها المطلية باللون (الأزرق) ونباتاتها الساحرة هي الأخرى، عندما شاهدتْ الفيلم، اعجبتْ به جداً.

وعند التحدث مع صديقي الفنان (جعفر طاعون) الذي كان بالقرب مني وهو يرصد المشهد، أخبرني أن هنالك فنان مشهور (ألماني) أختار اللون (الأزرق) لجميع لوحات إحدى معارضه، لا بل كان قد عمل شراب خاص (باللون الأزرق) وقدمه لضيوف المعرض لتكون المفاجئة الأكبر عندما أي شخص تناول من هذا الشراب (الأزرق) ويذهب الى التواليت للتبول يكون (الإدرار) قد تلون باللون الأزرق، أنه رسام الكرافيك والنحاة والمنظّر الفني الشهير (جوزيف بويس 1921- ت1986).

كان يرافق جولتنا في المعرض عزف موسيقي شجيّ جميل لفنان (موسيقار) أنهمك يداعب بأنامله مفاتيح آلة البيانو، فيما كانت شابة تقف بجانبه تقرأ باللغة السويدية مقاطع من أشعار الشاعر العربي الكبير(أدونيس) تختارها من كتاب أنجز حديثاً باللغة السويدية ديوان (حلم الألوان) لوحات الفنية في الديوان شارك فيها الفنان (جعفر طاعون) مع الشاعر القدير (أودنيس).

رغم الجو البار جداً خارج القاعة لكن الحضور للمعرض كان جيداً ومتنوع الجنسيات.

***

 يَحيَى غَازِي الأَميرِي

مالمو/2023

كلية طب الموصل، كلية عريقة أسهم في إنطلاقها أساتذة أفذاذ، وهي ثاني كلية طب في العراق تأسست عام (1959)، وكانت تتميز بصعوبة الدراسة فيها، وشدة أساتذتها وإلتزامهم بأمانة رسالة الطب، وضرورات الحفاظ عليها والوفاء الصادق الأصيل لها.

وتخرّج من الكلية أطباء لهم تأثير متميز في المعارف الطبية وطنيا وعربيا وعالميا، وكنتُ أحد طلبتها، وأعيش مع زملاء آخرين في غرفة واحدة في القسم الداخلي التابع للكلية، والذي كان قريبا منها.

وكانت الغرفة تضم تنويعاتنا العراقية (سامراء، الحلة، المشاهدة، الثورة، الأعظمية)، ولا أذكر يوما على مدى سنوات الدراسة أن دار حديث بيننا عن إنتماءاتنا الدينية أو المذهبية، فحواراتنا تعج بالأحلام والتطلعات الدفاقة، وكل منا يشعر بأن الحياة ملكه ويمكنه أن يصنع فيها ما يشاء.

وكان زملائي من الحلة والثورة والمشاهدة والأعظمية، ذوي طموحات فائقة، ويتجهون نحو القدرة على القيادة والتغيير.

وكان زميلي من الثورة، يتيما، طيب القلب، مندفعا نحو المستقبل، بالإصرار على أن يكون، وكم دعاني لمدينة الثورة، فأزوره ونمشي في شوارعها الطينية ودرابينها، وهو فخور بأنه سيصبح طبيبا، وقد عانى ما عاناه، وكان يحلم أن يبني عمارة (هنا)، كان يشير إلى بقعة معينة سوف يتمكن من شرائها، ويفتح فيها عيادته لمعالجة الفقراء من أبناء المدينة.

وكان صادقا في تطلعاته ورؤيته، وحسبته سيحقق ذلك، فأقول له: سأزورك ذات يوم وأنت في أحسن وأثرى حال، فيضحك ويقول : أنا واثق بأنني سأحقق ذلك.

وبعد أن تخرجنا، جاءني نبأ نهايته بإطلاقة في رأسه على جبهات القتال، فغاب ولم يحقق شيئا من حلمه، ولم يتمتع بعمله كطبيب إلا لعام واحد فقط، وهو فترة إقامته، ويُقال أن زميلنا من الحلة قد حرر شهادة وفاته!!

وزميلي من مدينة المشاهدة شمال بغداد، يحمل طباعا عروبية، وعنده روح الدعابة، ويختزن طاقات ثورية، ولا يهادن، ولا يعرف إلا قول الحق، فما في قلبه على لسانه، مما أورثه الكثير من المتاعب، لكنه كان متمسكا بالحق ولا يخشى لومة لائم، وقد أعلن ثورته ذات يوم على حالةٍ لم يتفق معها، وحصل له ما حصل، لكنه تمكن من الثبات والتواصل في طريقه، وكان متواضعا في طموحاته، أن يمارس مهنته ويتزوج ويرعى عائلته، ويتمتع بأيامه.

وزميلي من الحلة، كان في غاية الطموح، ويختزن طاقات وثابة وإندفاعات مطلقة نحو ما يريد، وكان يتسم بخصائص ذات تأثيرات قيادية، وقد مضى في هذا الطريق، ولا يزال متوثبا ومتمسكا بإرادته، فهو لا يعرف إلا أننا أمة واحدة ووطن واحد، ولن يتنازل عن هذه الرؤية، لأنه يؤمن بها إيمانا راسخا.

وزميلي من الأعظمية، كنت قد تعرفت عليه، أيام (مركز الرعاية العلمية) الذي كان يديره (كامل الدباغ)، ووجدته معي في كلية الطب، وكان والده قارئ قرآن معروف، وهو ذو صوت شجي، وبرغم ما يلوح من براءة ونقاء وصفاء في طلعته، لكنه سلك طريق العسكرية، وأصبح طبيبا عسكريا، وتواصل في حياته، وانقطعت أخباره.

أما أنا فكنت أحلم أن أكون جراحا، وأعمل في مدينتي، وأخصص وقتا لكتابة الرواية والقصة القصيرة، فهذا ما كنت أفعله منذ دراستي الثانوية.

كنا نحمل خمسة مشاعل أحلام، ونرى في فضاءات خيالنا بأننا سنكون ونغير، وأن الأيام ستكون أفضل وأروع.

وفي لحظة مباغتة، ذهبت أحلامنا وأصبحنا في مواجهة صاخبة مباشرة مع الموت!!

إنها الحرب، ولا بد من إلقائنا في الخطوط الأمامية، بل وحتى خلف الحجابات، في قرار عجيب غريب، لمدير الطبابة العسكرية آنذاك، فأصبح أربعتنا في جوف الموت أما زميلنا العسكري، فأنه أبعد ما يكون فيه من مواقع هو وحدة الميدان، التي تبعد عن خطوط المواجهة عشرات الكيلومترات.

وفي بضعة أشهر تأسّر من دفعتنا العشرات، وقتل العشرات، وتعوق العشرات، ولا أدري كيف أغفلنا الموت، وتحررنا من أسر الخنادق وحصار القذائف والصولات.

وخسائرنا الخمسة، أن إبن الثورة قد قتل وإبن الحلة أصابه ما أصابه، والآخرون تبعثروا في أرجاء الدنيا، وانقطعت عنا أخبار إبن الأعظمية.

وبعد أن دارت السنون، تساءلت عن تلك الأحلام التي كانت ممكنة، وكنا نمتلك القدرات والمهارات الكفيلة بتحقيقها، وتأملتها، فوجدتها سرابا، أو دخانا في تلك الغرفة التي كادت مدفئتها النفطية ذات يومٍ أن تقضي علينا، بعد أن أطلقت العنان لدخانها في ليلة شتائية موصلية قارصة البرودة.

هل أن الرياح تجري بما لا تشتهي السَفن؟

أم أن الإنسان هو الذي يقرر إتجاه الريح؟

أتمنى أن نلتقي أربعتنا، ويكون الحلم خامسنا، لنتأمله ونحلله وندرسه، ونكتب بمداده رسالة صريحة للأجيال؟!!

تحياتي لزملائي الذين ما عدت أعرفهم ولا يعرفونني، فقد أصابتنا الويلات والتداعيات بألف مقتل ومقتل!!

***

د. صادق السامرائي

14\11\2013

في 10 /11 / 2023 وجهنا استطلاعا للرأي العام كان بالنص:

(برايك ما الذي احدثه هؤلاء الثلاثة من تطور في مسار الاغنية العراقية: ناظم الغزالي، كاظم الساهر، ياس خضر؟. وايهم كان الاكثر تاثيرا؟.

وتوزعت الأجابات على أربعة مواقف:

الفريق الأول يرى في ناظم الغزالي بأن: لا احد يضاهيه، وأنه حالة استثنائية لن تتكرر، وأن تاأيره ما كان عراقيا فقط بل امتد من المحيط الى الخليج، وانه يمثل المدرسة البغدادية والمقام العراقي، وهو الذي نقل ألأغنية ألعراقية (المقامية خاصة) إلى ألفضاء ألأوسع ..من ألتنغيم وألألحان ألمفتوحة على ألإبداع، وانتشارها في ألوطن ألعربي في ستينيات القرن الماضي , ولحد ألآن يتغنى ألبعض بأغنياته وكأنها من أغاني ألوقت ألراهن، و" تحس بيه ريحة العراق القديم الحلوة وصوته الشجي".

ويرى الفريق الثاني ان كاظم الساهر كان اللامع عربيا وانه الأكثر ذكاءا الذي عرف اللعبة الغنائية باداء النص الفصيح خصوصا للشاعر نزار قباني، حقق بها شهرة عربية واسعة فاقت، بفعل الفضائيات، كل المغنيين العراقيين. وانه يمثل مدرسة معاصرة بقدرته على تلحين القصيدة وادخالها للبيوت بكل يسر وسهولة، وهو الاكثر انتاجا من الاخرين ويعرف كيف يلامس عقول كل الفئات بالحان متنوعه وبموضوعات متنوعة . ومع انه ملحن جيد أكثر من كونه مطرب، فانه هو المتسيد الان على الساحة الغنائية ويستحق لقب سفير الغناء العراقي والعربي ايضا.

ويرى الفريق الثالث ان ناظم الغزالي انطلق بالاغنية العراقية الى خارج العراق، فيما كاظم الساهر ابتعد عنها، وان الاكثر حضورا وتاثيرا هو ياس خضر، وهو الذي يمثل مدرسة الغناء السبعيني، ادى الاغنية العراقية بطريقة الفرات الأوسط والجنوب بحداثة واحساس لأنه تأثر بالقراءات الحسينية، وانه يتمتع بموهبة أصقلها محمد جواد أموري ثم طالب القره غولي. وستبقى اغانيه تتاثر بها الأجيال القادمة. واذا كان ناظم قد نال شرف سفير الاغنية العراقية لحقبة طويلة من الزمن فان ياس اكمل المسيرة، وسيبقى هو مطرب الاجيال وصاحب الفضل في دمج الغناء الريفي بالغناء العراقي، وأنه لا صوت يعلو على صوت الارض ..ياس خضر.

ويرى فريق رابع بأن لكل من هؤلاء الثلاثة بصمة كان لها تاثير كبير على الساحة الفنية، وانه يصعب المقارنة فيما بينهم، فلكل واحد منهم طريقته الخاصة التي ابدع فيها..وبيئته وثقافته وعصره. فالغزالي تميز على الجميع بجمال ورقة وعذوبة صوته واداء المقامات بدقة واتقان. ومع ان صوت كاظم الساهر ليس كصوت الغزالي ولا اجمل منه غير ان اداءه دقيق للغاية، وانه، بفضل كونه ملحّنا، فانه تفوق على غيره بغزارة تشكيلاته للجمل الموسيقية وابتكاره الوانا جديدة لم تكن شائعة واختراقه عالم الغناء العربي. اما ياس خضر فهو يتمتع بصوت جميل ونادر ولكنه ليس ملحنا، كما انه لم يخترق عالم الغناء العربي ولم يطرق كل الوان الغناء العراقي، لذلك فان فان المقارنة تتخذ محاور متعددة بين جمال الصوت والموهبة والتلحين والقدرة على اداء مختلف الوان الغناء العراقي والعربي ايضا. ويرى آخرون أن ناظم الغزالي وضع الأسس للغناء العراقي الحديث، وياس خضر رسخّها، وكاظم الساهر وسعّها، وانهم جميعا جسدوا الحزن العراقي عبر التاريخ والزمان الذي رافق الانسان العراقي منذ الازل ولحد الان .

يتبع

***

أ. د. قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

أثار فيلم أنتجته مجموعة من الصحفيين الأستراليين ويعرض هذا الأسبوع الفيلم الذي اثار. غضَبًا دولِيًّا

ضد إسرائيل بعد أن عرض بشكل واضح استخدام قوات الإحتلال في "تل أبيب" للتعذيب ضد الأطفال الفلسطينيين.

ويوثق الفيلم الذي يحمل عنوان "العدالة الباردة الحجرية" كيف يتعرض الأطفال الفلسطينيون، الذين اعتقلتهم القوات الإسرائيلية واحتجزتهم، للإيذاء الجسدي والتعذيب وإجبارهم على الاعترافات الكاذبة ودفعهم لجمع معلومات استخباراتية عن النشطاء الفلسطينيين.،،

علي الجانب الاسترالي

تحدثت وزيرة الخارجية الأسترالية، "جولي بيشوب"، ضد استخدام إسرائيل للتعذيب قائلة: "إنني أشعر بقلق عميق إزاء مزاعم سوء معاملة الأطفال الفلسطينيين". ووصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسترالية، "إيجال بالمور"، انتهاكات حقوق الإنسان الموثقة في الفيلم بأنها " شيء لا يطاق".

وفي العام الماضي، خلص "تقرير صادر عن صندوق الأمم المتحدة الدولي لحالات الطوارئ للأطفال"

(اليونيسيف) إلى أن الأطفال الفلسطينيين غالِبًا ما يتم استهدافهم بالاعتقالات الليلية ومداهمات منازلهم، ويُهدّدون بالقتل ويتعرّضون للعنف الجسدي والحبس الإنفرادي والإعتداء الجنسي. أثار فيلم

"Stone Cold Justice"

استنْكَارًا دولِيًّا بشأن معاملة إسرائيل للأطفال في السجون الإسرائيلية، وانتقدت جماعات حقوق الإنسان "تل أبيب" لعدم قيامها بأي شيء لخلق سياسة تحمي الأطفال الفلسطينيين من الاعتقال التعسفي والتعذيب.

فالعالم يجب أن يشهد السلوك الشيطاني لهؤلاء من النازيون الجدد..!!

هذا الفيلم الأسترالي "Stone Cold Justice" يوثق عن حالة تعذيب إسرائيل للأطفال الفلسطينيين،فأين جماعات حقوق الطفل في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية....!!

***

محمد سعد عبد اللطيف

كاتب وباحث مصري ومتخصص في الجغرافيا السياسية

يا تمثال الحرية.. اطلق سراح الديمقراطية. الحق مقهور في الزنازين والعدالة روت التراب دماء زكية.. هم شهداء فلسطين شتلوا الارض دماء.. أخلصوا الله وعدا.. وغذا يزهرون على امتداد الكون فجرا.. يمسح جبين الدجى باليقين.. ينتشر زوبعة في ثياب المطر

يشعل شفة البروق لظى

بعيدا عن تكية الارزاق والنفاق

حيث خزائن العهر تمتليء مذلة

صناديق الخضوع تفيض هوانا

لتتهاوى منابر الخيانة تباعا

 القبرات النائمة تحت القبة.. التهمت الماء و الغذاء والهواء.. لم تترك غير الاكفان تلم الاشلاء.. في مقابر جماعية تودعهم أمانة.. حين تبرجت النار.. اهتز ايقاعها المعدني الرمادي.. خلف المتاريس جمعت الحوقلة ابناءها وتوارت.. وراء مدى من حديد.. لا صوت للحب.. لا صوت للانسانية.. لا شعارات هنا تغطي وجوه القتلة.. ملامح المتواطئين.. وخطابات المشاركين في المذبحة.. وحدها الوحشية كشرت أنيابها.. دكت الاسمنت.. مزجا بالدم الطهور.. والطفولة حلقت ملائكة.. غلقت الفضاء.. هي الجنة تفيض نورا بعيدا عن مهرجانات تزنر الثعالب.. ترقص الذئاب والكلاب على دماء الشهداء.. والصوامع المهدمةمن بين الانقاض ترفع الأذان في وجه العدا.. الله اكبر.. الله أكبر.. حي على الصلاة حي على الفلاح.. آن ميعاد الشتات الشتات.. فلا مناص.. مهما امعنتم في التضليل.. وتمرستم في التدجين والقتل والتشريد.

*

أيها الشهيد.. يا من ارهبت جنود الشر وحدك.. كيف تصمد في ارض توجه فيها الصواريخ نحو الحمام واليمام.. نحو السنابل والملائكة.. التين والزيتون.. والقمروالنجوم.. نحو الاجنة في البطون.. نحو المصلين الراكعين.. العمال الدائبين.. والاطفال الذاهبين والعائدين.. لا تستثني صغيرا ولا كبيرا.. مقعدا او سليما..

وصدى الصوامع يهتز نكاية في طائرات الموت.. اجراس المدائن تقرع رغم انف القنابل والدبابات الحاملة بني صهيون تدك الجدار والجدار والجدار.. لا يعلمون ان الدود في فلسطين لا ينهش الجثث.. لان دودا غيره اضاع في النهش عمره سدى.. الا يعلمون ان الشجر يموت واقفا.. ومهما هزته الريح تظل جذوره ضاربة.. ضاربة؟.

*

يا تمثال الحرية

اخبر القادمين من كل حدب.. ان المنية تصدر من كل صوب.. والصامدون المرابطون فوق الارض.. تحت الارض.. بين الانقاض.. فوق الانقاض.. مازال حولهم مليون مقاتل لا يموتون مهما بالقنابل تناثرت اشلاؤهم.. زهرا يبعثون.. يعلمون العالم كيف تصمد الزهور في وجه القنابل ؟  هم سوط العذاب الذي صبه الله على قوم عاد.. ليصدح الحق من الاشلاء زلازل تهز كيان ارم ذات العماد.. اطفال غزة يبنون من النور حصونا يضحد رؤى بني صهيون.. يتخدون الندى موطنا.. الرياح دروعا.. يقطفون النجوم.. ويقاتلون.. يجمعون الاشلاء.. ويقاتلون.. يشيعون الشهداء ويقاتلون.. في وجه العدا ينفجرون.. وهم مبتسمون...

مادامت الحقيقة في القلوب ثابتة.. لا تهون

يا تمثال الحرية.. قد فتشوا فوق النجوم وفوق السحاب.. بحثوا تحت البحار وتحت التراب.. بين الصخور وبين الضباب.. فتشوا تحت الجلود وبين كريات الدم.. لم يجدوا غير ناب وناب.. وسهم ايمان بقوة الله يشق حصون أبناء - السفارديم -.. هم الشك والخوف والارتياب.. دينهم اليأس والاغتراب.. ديدنهم اغتيال الزهور وصنع الخراب.. فمن يساوي مواجهة

الزيف باليقين.. من يساوي الثبات بالانسحاب ؟ تأكدوا.. لن يمر اغتيال البنفسج دون حساب.. ولن يمر اغتيال الحقيقة دون عقاب.. وطوفان الاقصى قد جدد الدماء في الاجيال.. والحق فتح الف باب وباب.

*

يا تمثال الحرية

اضرب على صدرك مليا.. واندب تاريخك مليا.. ارضك خائنة.. ذيولك خائنة.. فاحذر من تحلقوك.. كل شيء خائن.. مهما انتشيت بالوانك الفضية الذهبية.. أنت منذور لامة ظالمة... الطغاة يريدونك دما يتدفق في عروق الامة الظالمة.. فلا تدع الموت يغلق بابك.. انهم يهيئون اعدامك.. مادمت تصرخ : فلسطين عربية.. والارض كل الارض تصرخ - عربية.. عربية-

اعد المجد لامتداداتك بصرخة مدوية

تدعو فيها جموع الضحايا الى مذبحة الانظمة الفاسدة.. قد حان عقد المحكمة.. اطفال غزة اعدوا المقصلة.. ان لم يكن اليوم فغذا.. وان غذا لناظره قريب.. قريب

***

مالكة حبرشيد - المغرب

بقلم: سكوت ماينار

ترجمة: صالح الرزوق

***

أرسلت للصديق الشاعر والموسيقي الأمريكي سكوت ماينار Scott Minar نسخة من ترجمة مايكل سيلز Michael Anthony Sells  لمعلقة طرفة بن العبد. ونوهت له بغرامي الدائم لهذه الشخصيات الدرامية والمأزومة والتي لا تفارق ذاكرتنا العربية. وذكرت مع طرفة الملك الضليل امرؤ القيس والمتنبي وآخرين.  وبهذه المناسبة قارنت بشكل سريع بين أسماء الأماكن والنباتات في شعره، ونباتات الصحراء والبوادي في الشعر الكلاسيكي العربي . ففي أول حالة إشارة للرخاء والاستجمام وفي ثاني حالة ما يدل على أهمية التحمل والصبر والمشقة. وكأننا أمة منكوبة في كل لحظاتها. حتى العصر الذهبي لم يكن يخلو من الحروب (باسم الفتوحات أحيانا وباسم تحرير الأراضي المنهوبة في أحيان أخرى). بعد أيام رد برسالة تتضمن نسخة من مجموعة له قيد الطباعة، وهي بعنوان (براري أوهايو ohio wild) مع لمحة عن فهمه لمعنى وروح الشعرية من منظور كوني.3978 مايكل سيلز

نص الرسالة:

دائما يدهشني عمق وجماليات لغة الشعر العربي. وأتمنى لو يتقن العالم هذه اللغة مثل أبناء الشرق الأوسط.

نعم. في قصائدي العديد من الكلمات النباتية وغير ذلك. وأعتقد أنه يوجد ما يحرض القراء هنا على متابعة هذه الظاهرة. أضف لذلك أنا أستعمل مفرداتي على أنها أصوات وخيال لتصور سريالي، وربما تقارب أن تكون أفكارا سحرية. ولذا أعتقد أن القصائد في "براري أوهايو" ستكون صعبة على الجميع.

ولكن طبعا بالنسبة لي أنا أرسم، كفنان بصري، بالكلمات والأصوات والأفكار. وأحيانا لا أرى طريقة غيرها للتعبير. وتبدو لي المفردات العادية غير كافية لنقل تفاصيل حياتنا الداخلية، وهكذا أترك الحرية للكلمات لتقوم بأداء هذه الأمور الغريبة، وبتوظيف الصوت والمعنى. وأريد أن "أمدد" معنى وصوت الشعر والشعرية قليلا. فقط لإنارة شيء ما، وبحدود مقبولة من الإضاءة - ومع ذلك أخشى أن هذه القصائد تتطلب أيضا ما يتخطى حدود قدراتي اللغوية. وربما هناك، وأعتقد أن هذا قد يكون مثبتا، ما يرهق حتى الذي يتكلم بطلاقة اللسان الإنكليزي بنسخته الأمريكية. وهذا في النهاية عيب. ولكن ما أردت أن أقوله عن بلدي أنا، أن الولاية التي أنتمي لها تنطوي على أشياء وعناصر أكثر تعقيدا من عدة وجوه، بعضها يعبر عن رؤيتي الشخصية، وبعضها الآخر يعبر عن إحساس العامة  - وهي معروفة غالبا لكل من يقطن في هذا المكان. إنها مجموعة شعرية غريبة.

ولكن كلما زاد سوء أحوال العالم، أحيانا، لا توجد غير هذه الطريقة لنلمس بها قاع النهر أو البحيرة، وندفع أنفسنا إلى الأعلى نحو شيء أفضل. وأتمنى أن يحصل ذلك. الكائنات البشرية قادرة على أمور مرعبة، وكذلك قادرة على أمور رائعة في بعض الأحيان.

وآمل أن يتوفر توازن يجرنا إلى شيء أفضل، في الزمن المناسب، أو بعد حين  في الأيام والسنوات الآتية.

وسنرى.

 ***

سكوت - أوهايو

25.11.2023

 

الأنثى هي الأنثى: في إحساسها الواله، في صمتها، في شغفها الحيِيّ بعناق الحُلم، في لحظات بؤسها خلفَ قضبان الروح، وحتى في صرختها الصّمّاء كلما رماها الزمان بقسوته أو اخْتَلَجَتْ حبّاتِ الهواء الذي تتنفسه أشواكُ صبّار تَجرح الهواء وتقول له: «انْزِلْ» غيرةً منه لا أكثر..

حزن مُلَغَّم بالأسئلة أدفنُه في أقصى أبراج القلب أنا الأنثى الحالمة، وهَوَس بلعبة الحنين يَشدّني إلى الماضي السحيق..

كالوشم على الجبين تَصطَفّ أفواج الذكريات، تتسابق مع الزمن على الفوز برِهان مَن منهما يحظى بشرف السلطة..

مثل الطيف مَرَّتْ أشقى سنوات الاستعمار مخلِّفَةً وراءها جرحا يَغور في الذاكرة والقلب. الكلمة الأخيرة للرصاصة. وبرصاصة واحدة تتطايَر أسراب الدم مؤذنة بطلوع الروح وسقوط روح أخرى مِن بين دَفَّتَيْ منديل مضرج بالدماء. اللعنة على الرصاصة، والويل لي..

سِباق الزمن المحموم قادني إلى مُنْعَرَجات النسيان أوَّل ما سقطْتُ سَهْواً على الأرض مثل كومة قَشّ فقدَتْ السيطرة على نفسها بعد أن تراجعَتْ يَدَا منديل هَشٍّ كانتا حريصتين إلى أبعد حَدّ على ضبط أنفاسي وتوازن أضلعي الغَضَّة وترويضها على البقاء مُعَلَّقة في الهواء. هكذا قيل لي..

لم أَكُنْ لأذْكُرَ أنا شيئا يومها. والآخرون لم يُوغلوا في تفاصيل الحَكْي بحُكم هول الموقف وأثره على نفسي يومها وما كنتُ أكثر مِن طفلة مُعَلَّقة على حبل الحياة الذي طفق يُهَدِّدُني في كل لحظة بالانسحاب. فقد كانت لعبة الحياة يومها أكبر مِن أن يفقهها شيخ ضليع في شؤون الحياة، فما بالك بطفلة كُنْتُها!

كُلّ ما ذكره مَن تَبَقَّوا مِن ذلك الزمن المستحيل هو أن طلوع روح أُمِّي كان أسرع بكثير مِن طلقة الرصاصة التي اخترَقَتْ صدرها وفَكَّتْ عقالَ المنديل الذي كان يَلفُّني محمولة على ظهر أُمِّي.

تساقطَتْ أُمِّي كالشظية الخامدة، وسقطتُ أنا على ما تَيَسَّرَ مِن قَشٍّ كُنَّا نَفْتَرِشُه ليلاً لِجُثَثِنا المتعَبة..

لفظَتْ أُمِّي آخِرَ أنفاسها قبل أن تَستقر الرصاصة في صدرها وعَيْنا أُمِّي على قطعة لحم مُكَوَّمة في تلافيف ثوب ممزَّق. كان الثوب بعضا من أسمال أُمِّي البالية، وكُنْتُ أنا قطعةَ اللحم التي كادَتْ تَتَمَزَّق غيظا مِن جبروت اليد الظالمة التي اقْتَلَعَت الشمسَ التي تُشرق في بيتنا: أُمِّي..

عبثاً ثارتْ روحي الممزَّقة وهي تُطْلِق العنان لصرخاتي الْمُدَوِّية التي ضَلَّتْ طريقَها إلى روح أُمِّي وقد حَلَّقَتْ في السماء..

قِيل إنَّ جارةً لأُمِّي انتشلَتْنِي مِن ركام الموت المخَيِّم على بيتنا خوفَ أن تُصيب صدري هذه المرة طلقة أخرى ناقمة، وقد نَجَوْتُ في المرة الأولى مِن الموت بأعجوبة. ما أن وضعَتْ جارةُ أُمِّي يدَها عَلَيَّ حتى عادَتْ إلى مخبئها بسرعة الضوء اتقاءً لشرّ الرصاص الهائج..

لم يَطُلْ صمتي كثيرا بعدها لأفقه حقيقة الوضع أوَّل ما خَطَوْتُ بضع سنوات. كانت أَيْدِي الغرباء (الذين اشْتَهَوْا أراضينا جَنَّةً) أكبر مِن أن نَحُول دون نزولهم، لكن صُمودَنا كان أضعف الإيمان..

لم تَكُنْ أُمِّي تَدري أن عينَ الغريب كانت على أَبِي الذي واجهَ الموت مرارا بشجاعة قلَّ نظيرها. لم تَكُنْ تهمه حياته كثيرا بِقَدْرِ ما كان يَشغله الحفاظ على أرض أجدادِه بعيدا عن مَكْرِ ماكرٍ ولُؤْمِ لئيم..

لم يَكُنْ أبي يَدري أن يَدَ الغريب ستَحُطُّ على بيتنا وتَحرق الزرعَ والقلبَ. وما كان أبي ليُواصِل مسيرته الدفاعية خارج البيت لو أنه فَكَّرَ لحظة واحدة في أن الرصاصة ستَعرف طريقَها إلى بيتنا وإلى قلب أُمِّي..

ما ظَنَّه الغريب فِرارا مِن جهة أبي أوانَ طلقِ الرصاص لم يَكُنْ فرارا بالمرة. فقط كان أبي يَستأنف مشروعه الوطني الدفاعي في جبهة أخرى. وكان القَدَرُ يخبئ لي أنا يُتْماً مُبَكِّراً. ففي اللحظة التي استسلمَتْ فيها أُمِّي للرصاصة الطائشة داخل البيت كان أبي يَتلقى نصيبَه من الرصاص خارج البيت وهو يَهذي باسمي ويُرَدِّدُ الشهادة. كنتُ أنا الفرعَ الوحيد في شجرة العائلة. ولَيْتَنِي كنتُ ذَكَراً لِيَفْخر بي أبي عَساني أُعِيدُ أمجادَه..

الأنثى! الأنثى يومها لم يَكُنْ لها حول ولا قوة. وأنا وضَعَتْنِي أُمِّي أنثى، ونَسيتُ مع الوقت أنني أنثى..

مَسٌّ مِن الجنون أن أَذْكُرَ بأنني كنتُ أنثى في زمن الرجولة والخسارات. وأنا خسرتُ كل شيء..

إن لم يكن من المستحيل، فإنه لمِن الصعب جدا أن تعيش الأنثى بِطُولها وحيدة في الدنيا. وأنا تدربتُ جيدا على الاستسلام لجبروت الوحدة بحكم يُتْمِي المبكِّر..

لو يُعيد الزمن نفسَه لِأَذْكُرَ فقط شَكْلَ أُمِّي وأَبِي أو لِأُقَبِّلَ أَيْدِيهما فقط.. لو يُعيد التاريخ نفسَه فقط لأحاكِمَه وأَصرخ في وجهه: ماذا تَرَكْتَ لي بعد أُمِّي وأبي؟! ولمن تَرَكْتَنِي؟!

لو أُعيد أُمِّي وأبي فقط لِأَتَوَسَّلَهما وأرجوهما ألاَّ يَرحلا عني، فلا شكل ولا لون ولا طعم للحياة بعيدا عنهما، والزمان بدونهما أكثر سوادا وأشَدّ قسوة..

مِراراً صرخْتُ بصوتٍ مبحوح وأطلقْتُ العنان للساني المذبوح: لماذا لم تَأخذيني معكِ يا أُمِّي إلى حيث أخذَتْكِ الرصاصة البائسة؟! ولماذا لم تُلازِمْ البيت يومها يا أبي لِنَرحل سَوِيا إلى حيث تَقتادنا أسراب الرصاص؟! أُمِّي يا أُمِّي، ويا أبي، آه لو تَدريان كَمْ هي الحياة بعدكما جحيم جحيم..!

ما تَبَقَّى من حنان استَشْعَرْته سهوا في حضن أُمِّي وأبي، حَرَمَتْنِي منه جارة أُمِّي التي تَلَقَّفَتْنِي قطعة لحم بيضاء أول ما اسْتَشْعَرَتْ وابلَ الرصاص يمطر على سطح بيتنا في أقاصي الريف، وكانت أُمِّي القربان..

بين أُمِّي وجارتها امْتَدَّ حبل مَوَدَّة من الوريد إلى الوريد. لو كانتا أختين مِن أَبٍ واحد وأُمٍّ واحدة لما انْغَرَسَ في دواخلهما كل هذا الحُبّ لبعضهما البعض..

آه يا جارةَ أُمِّي! وأنتِ الأخرى حَرَمْتِني من فَيض حنانك لما رَحَلْتِ. باكرا رحلتِ يا جارةَ أُمِّي وترَكْتِنِي للمجهول يَفعل بي ما يريد، وكأنكِ أنتِ وأُمِّي وأبي تَواعَدْتُم على اللقاء في الجَنَّة وتَرَكْتُمُوني على شفا حفرة مِن جحيم حياة لا طاقة لي بها..

الحياة!

ضَيِّقاً كان ثوب الحياة أوَّل ما لبستُه، ثم صار يَضيق أكثر مع الأيام. وما خَبَّأَتْهُ الأيام لي تَخجل الشفتان مِن أن تَنْبِسا به، وتَرتعش الأصابع كُلَّما هَمَّتْ بتأريخه حَرْفاً حَرْفاً..

لم تُوَدِّعْني جارةُ أُمِّي عندما اسْتَدْعاها الموت. في بيتها فتحتُ عينَيَّ على الحياة بعد رحيل أُمِّي وأبي..

كنتُ أناديها بعفوية بالغة بأَحَبّ الألقاب إلى قلبي وقلبها: أُمِّي.. وكانت جارة أُمِّي تَسعد غاية السعادة بهذا اللقب..

كانت بطبيعتها امرأة مِعْطَاء تَفيض بالحُبّ وتتدفق حنانا. ولأنني كنتُ يتيمة الأُمّ والأب، كان يُؤرقها هي هاجس تعويضي بما ضَنَّ عليَّ به الفقدان والحرمان..

كانت جارة أُمِّي رقيقة معي وغاية في الأمومة. كانتْ تُشْعِرُني بأن عنايتها بي فرض وواجب كونها هي الأُمّ أكثر من أن يكون ذلك ضربا من الخدمات الإنسانية التي لا تَكُفّ هي عن تقديمها دون مقابل..

كنتُ كثيرا ما أشعر بالذنب كلما قرأتُ في عيون بنات جارة أُمِّي حجم الغيرة من هذه المعاملة الخاصة لي مِن جهة أُمِّهِنّ. وبِقَدْر ما كانت جارة أُمِّي تُبالغ في رفع جرعات الحنان تُجاهي، كنتُ أزدادُ أنا إحساسا باليُتم وما تَفتر رغبتي في البكاء..

سخاء جارة أُمِّي وكرمها كانا يُذَكِّرانِنِي في كل رمشة عين بافتقادي لِأَبَوَيَّ وكأنَّ لكل طفلة في العالم أُمّاً وأَباً إلا أنا. كأنني تُرِكْتُ بمفردي في أرض خلاء، لولا حنين جارة أُمِّي ولهفتها عليَّ..

لم يُسعفني ذاك الحنين ولا تلك اللهفة في ضبط توازني النفسي والإحساس بطفولتي ما أنْ فارقَتْنِي جارة أُمِّي. سريعا تَسَلَّلَ إليها الموت. لم يُمْهِلْني الموت لِأُوَدِّعَ جارة أُمِّي بآخِر قُبلة طفولية محمومة أُخَبِّئُ رحيقَها زادا للأيام التالية..

حين تَسَلَّمْتُ رزمةَ أسمالي مِن بنات جارة أُمِّي أَدْرَكْتُ أن إقامتي في ذلك البيت انْتَهَتْ. موت جارة أُمِّي لم يَشفع لزوجها أن يُمْهِلَ نفسَه شيئا مِن الوقت قبل أن يَدخل على بَناته بزوجة ثانية. كان دخولها إيذانا بخروجي قبل أن أَصطدم معها في خلافات لا تنتهي وهي الحادَّة الطبع والمتقلِّبة المِزاج..

أَشْفَقْتُ على بنات جارة أُمِّي. فقد أَحْبَبْتُهُنَّ مِن قلبي وأَحْبَبْنَنِي بالرغم مما شابَ ذاك الحُبّ من غيرة، وأَجِدُ لهنَّ كل العُذر في ذلك. في لحظة تَصَوَّرْتُ أنني تُرِكْتُ لعالَم موحِش، وأن عيون الذئاب تترصَّد بي من كل جانب. قبل أن أَسْتَسْلِمَ لهواجسي وتخوُّفاتي كانَتْ يَدُ إحدى بنات جارة أُمِّي تربتُ على كتفي وتطمئنني..

جارَةُ أُمِّي مرة أخرى تُحيطني بدفئها مِن تحت التراب. فقد عَلِمْتُ مِن أكبر بناتها أنها أَوْصَتْهُنَّ بإيداعي في بيت قريبتها في بقعة أخرى من الأرض. لم تَتْرُكْنِي أكبر بنات جارة أُمِّي حتى اطْمَأَنَّتْ إلى وصولي سالمةً إلى بيت قريبة أُمِّها الْمُسِنَّة..

بيت كبير يَنطق باليُسر والتَّرَف رغم بَداوَتِه. كثرا كانوا أبناء قريبة جارة أُمِّي وأحفادها. ويَبْدُو أن أزواجها أيضا كانوا كثرا ربما بِحُكم ثرائها، وربما بحكم سوء حظها في الاحتفاظ بزوج واحد حَيّ على مدى عُمْرٍ من العشرة الطيبة. ويبدو أن جارة أُمِّي لم تَعلم بآخِر أزواج قريبتها الْمُسِنَّة، وكان يَصغر زوجته بعشر سنوات..

بيت كبير جدا، عائلة كبيرة جدا، أَكْل كثير جدا، وشقاء بالجملة كان ينتظرني هنالك، شقاء أكبر مما تصورتُ..

صحيح أن قريبة جارة أُمِّي تَرَفَّقَتْ بي وعامَلَتْنِي بِلين ومَحَبَّة منذ حَلَلْتُ في بيتها، لكن مِن أبنائها وأبناء أزواجها وزوجاتهم وأحفادها مَن نَظَرَ إلىَّ منذ وصولي نظرة السيد للعبد. ببساطة اعتبروني خادمة..

منذُ يومي الأول في هذا البيت تَكاسَلَتْ زوجاتُ أبناء قريبة جارة أُمِّي حتى عن خدمة أنفسهن. لكن هذا لم يُحَرِّكْ شيئا في داخلي مثلما حَرَّكَتْهُ نظرات الارتياب التي قرأتُها في عيونهنّ..

شيء غامض كان يُؤذن بالحدوث، ولم أفقهه أنا. أكثر مِن نظرات الارتياب هذه، قرأتُ في عيون أزواجهنّ وزوج صاحبة البيت نظرات أخرى تَقول شيئا لم أفقهه في وقته..

تجاوَزْتُ تلك النظرات، وتَجاهَلْتُ الأمرَ. بدأتُ للتو في العمل نَظِيرَ اللقمة، واكتفيتُ بعلامات الرضا التي قرأتُها في عينَيْ صاحبة البيت قريبة جارة أُمِّي..

سُرعان ما عَبَرْتُ قلبَها، وسرعان ما ارْتاحَتْ لخدمتي لها، لاسيما وأن سِنَّها يجعل خِدمتَها لنفسها شاقَّة شيئا ما، وزوجات أبنائها لا يُمْهِلْنَها الوقتَ ولا يَدَ المساعَدة، ولا يَحْلُمْنَ بأكثر مِن أن تَغرب عن وُجوههن بعيدا عن هذه الدنيا، لأن غروبها يعني فُرْصَتهنّ الوحيدة في وَضع اليد على تَرِكَةٍ ثقيلة..

الغريب في بيت قريبة جارة أُمِّي هو تعذُّر العثور على خادمة واحدة تَفِي بمتطلبات البيت الكبير وأصحابه. في هذا البيت لكلٍّ طلباته، لكن ما مِن مُجِيب.. الأزواج يَأمرون، الأبناء يتمرَّدون، والزوجات كلّ منهنّ تتكاسل في الخدمة وتُعَوِّل على غيرها..

اليوم في هذا البيت يبدأ مع صياح الديك. التحضير للفطور وحده يُوازي الاستعداد لوليمة. وأوَّل خطوة إلى مائدة الفطور هي أن أُغادِرَ البيت في اتجاه خمّ الدجاج مصحوبةً بسَلَّتين مِن الحلفاء لالتقاط حبَّات البيض التي لا يَطيب بدونها فطور..

لِطَبَق العسل الأبيض وباقي أطباق البيض بشتى وصفاته في هذا البيت موعدٌ صباحِيّ إجباري. وغيابُ أحَد هذه الأطباق يُشَكِّل الاستثناء الذي يَشذّ عن قاعدة طُقوس بيت قريبة جارة أُمِّي..

في هذا البيت يُشْبِهُ اليومُ سابقَه ولاحقَه، ولا مجال للحديث عن الاختلاف سِوى في طِباع أصحاب البيت...

***

د. سعاد درير

ضمن مجالات الفن والذهاب في دروبه كانت بدايات الفنانة التشكيلية منيرة بن حميدة التي رغبت في الفن والتلوين تلقائيا منذ الصغر حيث كانت ترنو لما هو جميل كما تقول وتميل لرسم كل حالات البهاء وفق شعور داخلي يغمرها باعتبارها تنتصر في اختياراتها الفنية لكل ما هو يعبر عن تناسق في الألوان من مشهديات وأحوال ولباس مواضيع أخرى.. وتطور ذلك الى موهبة في الموضة والتصميم حيث تلقت تكوينا في هذا المجال لتبتكر عددا من التصميمات الأنيقة وبالتوازي مع الدراسة في مجالات التصميم والموضة والابتكار الجمالي في كل ذلك  كانت ممارساتها الفنية في الرسم التي بدأت بلوحة عن الزهور وتتالت أعمالها لتميل اثر ذلك الى ما هو غائم وغامض جماليا و.. الى التجريد الذي وجدت فيه عالمها فقد تنوعت أعمالها لتكتشف الكثير في ممارستها الفنية التشكيلية حيث كانت مشاركاتها في المعارض المتعددة بتونس والجزائر وفي دبي وكانت لها مشاركة مميزة مؤخرا بأعمال فنية ضمن المعرض الجماعي للفنون التشكيلية بعنوان " قلق " بفضاء

" الرواق " بسوسة.. هي تنشط وتعرض وتواصل حراكها في عالم الفن الذي أضاف لها الكثير كما تقول ".. الفن أعطاني التعبير والحرية والقول بما في داخلي من أحاسيس وتفاعلات هي في أعماقي ووجدت في الرسم ملاذا لأعبر عنها بقوة وبجمال.. أنا افتككت حياتي الفنية وضحيت بالكثير فالفن هو ملاذي وعالمي الرحب ومتنفسي الرائق والأنيق.. والرسم هو بهذا الشكل ومن خلال تجربتي علاج وابراز لمخزون وبكل جهد وحب وحرقة وتحد.. فالرسم عشقي وكذلك الموسيقى التي ترافقني عند مواجهة اللوحة.. الرسم هو الحلم بالنسبة لي والرسم أيضا هو عملية هروب مما هو مرهق ومدمر.. هو هروب جميل من ضغوط شتى.. والرسم هو جمال آخر نشعر به في لعبتنا الجميلة مع الألوان أثناء الرسم.. الفن عموما يمثل لي ملاذا وفرحا ومتعة بصرية لا تضاهى وهو كياني بعد مسيرة حياة متعبة.. الرسم وممارسة الفن يجعلان من الفنان طفلا على الدوام وأنا أعيش هذا الشعور.. الفن فسحة جميلة ورائقة بالنسبة لي ولي عديد الأعمال التي هي موجودة من سنوات كما أنني أعمل الآن على الأعمال الجديدة حيث أعد لمعرضي الشخصي بداية سنة 2024 وأتمنى أن يكون شاملا في ما يقدمه من فكرة عن تجربتي الفنية لسنوات.. ".

الفنانة منيرة تمارس فنها بروح طفلة وبشموخ فراشة وبرغبة طيور لا تلوي على غير التحليق عاليا وبعيدا في سماء شاسعة الجمال والنظر و.. الأحلام. معرضها القادم يضم عددا من لوحات تجربتها خلال سنوات وسيكون بفضاء للعروض الفنية التشكيلية بالعاصمة وخلال شهر جانفي من العام الجديد.

***

شمس الدين العوني

عندما قرأت كتاب "اعمل أقل تنجح أكثر الكسل هو سر النجاح " للكاتب الكندي إرني زيلنسكي شدني محتواه والأفكار الإبداعية التي يزخر بها وقرأته أربع مرات منها فكرة الكسول المنتج فهو يدعو في هذا الكتاب إلى العمل بإبداع وليس بكثرة الجهد فليس دائما المجهود الكبير يعطي ثماره ومع فلسفة الكسل المنتج نجد كثيرا من الكتاب والفلاسفة عبر العالم بتبنون اسلوبها ...

فهذا  الكاتب البريطاني جيروم كلابكا جيروم في كتابه “أفكار تافهة لرجل كسول ”  كتب عن حبه للكسل  قائلا: ” إنني أحب الكسل عندما لا يصح أن أكون كسولا، لا عندما يكون الكسل هو الشيء الوحيد أمامي، فمن المستحيل أن تتمتع بالكسل كما يجب دون أن يكون لديك عمل كثير، ليس ثمة متعة في ألا تفعل شيئا إن لم يكن لديك أصلا ما تفعله، إن تبديد الوقت سيكون مجرد تأدية واجب وسيكون مرهقا.. الكسل كما القبلة لا يستحب إلا خطفا”.

وعندما نتحدث عن فلسفة الكسل عند الكتاب والمثقفين  يبرز اسم روائي مصري كبير هو ألبيير قصيري، الذي طالب للجميع بـ”الحق في الكسل”

".كانت فلسفة ألبير قصيري في حياته هي فلسفة الكسل، لم يعمل في حياته وكان يقول انه لم ير أحدا من أفراد عائلته يعمل الجد والأب والأخوة في مصر كانوا يعيشون على عائدات الأراضى والأملاك، اما هو فقد عاش من عائدات كتبه وكتابة السيناريوهات، وكان يقول (حين نملك في الشرق ما يكفى لنعيش منه لا نعود نعمل بخلاف أوروبا التي حين نملك ملايين نستمر في العمل لنكسب أكثر).

عمل في البحرية التجارية ما بين عامى 1939 و1943 مما أتاح له زيارة العديد من الأماكن منها أمريكا وأنجلترا، زار فرنسا لأول مرة عندما كان في السابعة عشر من عمره قبل أن يقرر أن يستقر فيها في عام 1945م وكان حينها في الثانية والثلاثين.

عاش ألبير قصيري طوال حياته في غرفة رقم 58 في فندق لا لويزيان بشارع السين بحى سان جيرمان دو بريه منذ عام 1945م وحتى وفاته، وأختار العيش في غرفة فندق لأنه كان يكره التملك حيث كان يقول (الملكية هي التي تجعل منك عبدا).

تزوج ألبير قصيري من ممثلة مسرحية فرنسية ولكن لم يدم هذا الزواج طويلا وعاش بقية حياته أعزب وحين كان يسأل عن السعادة كان يقول أن أكون بمفردى.

تعرف ألبير قصيري في فرنسا على ألبير كامى وجان بول سارتر ولورانس داريل وهنرى ميللر الذين أصبحوا فيما بعد رفقته وصحبته اليومية طوال 15 عاما في مقهى كافيه دو فلور.

أصيب في عام 1998م بسرطان في الحنجرة حرمه من حباله الصوتية بعد عملية اجراها لستئصاله وفقد القدرة على النطق، وكان يجيب على أسئلة الصحفيين كتابة.

لم يطلب ألبير قصيري الحصول على الجنسية الفرنسية على الأطلاق وكان يؤكد (لست في حاجة لأن أعيش في مصر ولا لأن أكتب بالعربية، فإن مصر في داخلي وهى ذاكرتى)"(1)

وقد كتب المفكر الفرنسي بول لافارغ كتابا بعنوان" الحق في الكسل"  وكان مقربا من كارل ماركس تزوج ابنته لاورا وكان هذا المفكر ينتقد فكرة العمل لساعات طويلة ..

فثمة " مفارقات تدعوه لاقتراح نظام عمل لا يتجاوز الثلاث ساعات في اليوم، وهو كافٍ في نظره لكي يربح الجميع: العمّال وأرباب العمل، وكذلك الطبيعة، التي يربط بين عافيتها وعافية العمّال، فالأرض، مثلهم، ترتاح حينما يخفّ الإنتاج. وهو في مقولاته هذه يُعَدّ من طليعيي الفكر البيئي النقدي، الذي يدعو إلى حلول كتلك التي دعا إليها لافارغ في زمانه"(2)

فيا أصدقائي الكتاب خففوا من ضغط العمل وحافظوا على صحتكم باتباع فلسفة الكسول المنتج أي اكتبوا بإبداع وليس بجهد وفكروا خارج الصندوق وركزوا على الإنجازات التي تأخذ منكم عشرين بالمائة من وقتكم وتعطيكم ثمانين بالمائة من النتائج الإيجابية...

***

الكاتب: شدري معمر علي - الجزائر

..........................

المراجع:

1- وكيبيديا

2-الحق في الكسل بول لافارغ مفككا مبادئ المجتمع الصناعي، العربي الجديد.

 

بلا شك تختلف ذهنية الفنان والكاتب والروائي والشاعر عن غيره وهو لا يفكر ولا يتخيل بطريقة متشابهة مع الآخرين، هو أمر يرافق كل مهنة، لكن في كل الأحوال هل نحن نفهم بدقة كل ما يدور في القيعان العميقة..؟ في لحظة حنين قد تفتح ألبوم صورك أو قد ترى لوحة أو صورة صدفةً لطبيعة هادئة وصامتة ولا أثر لبشر، أو انقاض منزل، أو بيوت مهجورة، تقف صامت وتعيد ذاكرة المكان والزمان..، لكن ما تركته فينا من طيف واسع من الصور.

لا يصدق. قد ننتقل الى ذكرى في طفولتنا أودولة ما او شوارع ووجوه ومباني عمارات، هل صحيح نرى الاشياء بنفس المستوى من الرؤية..؟لكن فجأة بزغت في الذاكرة

عندما نقف أمام منزل مهجور مثلاً لا يثير فينا جميعاً التداعي نفسه، ربما نرى أطيافاً عابرة تخطف عن بشر لم يعودوا هنا لكنهم تركوا هذه الانقاض، ولكن تركوا لنا الذاكرة وتركوا لنا الحنين ليكون عنوان المنازل المهجورة.والصراعات علي أرث من الأنقاض..،  في ليلة صيف قمرية في  قريتنا في الليل شوارع مضاءة

بمصابيح خافتة وصامتة. استوقفني مشهد لمنزل مهجور، ومنزل من الأنقاض، في لحظة من ذاكرة الحنين حضرت الوجوه والأمكنة الغائبة في صورة طبيعة صامتة..؟

فإذا كنت على حافة الريف أو البحر اذا كانت حياتك واسعة ولست سجين اربعة جدران وفي هذه الحالة ستتمتع باقوى ذاكرة لاتفه الاشياء المحدودة.في نظر الأخرين..،، لماذا تتحفز الذاكرة من صور او منظر؟ما الذي يحدث من تحايل في الذاكرة..؟

يحدث ان يدفعك الصدفة الي مكان خارج الوطن او صورة الى أن تسافر عن طريق قطار تتذكر قطار الشرق الفرنساوي في مرحلة الدراسة من قريتك الي مدينتك وهو يقطع السهول المشرقة بين مدينة/ وارسو البولندية وبرلين في المانيا /، واتذكر وجه من خلف زجاج نافذة قطار عابر يلوح عبر النافذة، وحقول القطن والذرة والقمح،،

يلتصق بك كما لو تبحث عنه، وانت في مرحلة ما من شبابك عن أي شيء نبحث.. في هذا العمر؟ هناك شيء مفقود ننساه او نتهرب منه او حتى لا نعرفه لكنه يطاردنا ونحن لا نصغي للذاكرة المشفرة... هناك اجيال تبحث عن هوية جديدة وثوب جديد ترتدية في عصر القطط السمان والرأسمالية المتوحشة وتحاول أن تهرب من الماضي لكنها تعيش عصور التية وتحاول أن تعيش بالأقنعة المزيفة ولكن تجدها مصابة بأمراض السيكوباتية في بحثها عن أشياء مفقودة ... !

***

محمد سعد عبد اللطيف - كاتب وباحث مصري

متخصص في علم الجغرافيا السياسية

يطول الطريق ويمضي العمر، وتموت الأحلام بين الأشواك. تأخذنا الحياة في رحلة معقدة، بداخل الألم والعذاب المرير. تدخلنا في متاهات لا نهاية لها. وترسم لنا جسراً بين الحقيقة والخيال، تأخذنا احاسيسنا إلى هذا الجسر، فنصعد بلا تردد. لكننا في منتصفه ...نقع

تدخل أرواحنا بحالة إدراك للواقع، فنفقد الشغف في تفاصيل الحياة. يالها من مسرحية مشوّقة. تقود الأصحاء فيها إلى الجنون. تفرض عليهم أدوارًا غير منطقية تضع أمامهم السعادة على طبق طائر فلا يمسك بها أحد...

لم أختر أن أشارك بهذه المسرحية لقد وجدت نفسي على خشبة المسرح دون سابق إنذار... وجدت بقربي مجموعة من الوحوش تتاجر بضمائرهم للبقاء على قيد الحياة. رأيت العديد من الأيادي التي صفقت للباطل. كانت تحمل في يديها سيوفًا مسنونة. تقطع بها لسان الحق ...

لقد أخضعتني هذه المسرحية اللعينة. لا زلت مجبرة على الاستمرار والخضوع لدوري، وسأبقى مجبرة على هذا، لأن وجودي على هذا المسرح لم يكن من اختياري. وبهذا استنتج بأن النهاية... ليست بيدي أيضًا. كل ما علي فعله... هو المحاربة. يجب أن أحارب كل شيء بلا رحمة

وأول الأشياء هي أحلامي الوردية!!

لقد كذبت الشعائر الإنسانية، وسقطت سطور الروايات الرومانسية. و تهشّم وجه الحرية...

لن أسجن بين قضبان الأمل، ولن أخضع لهذه الخدع السحرية.

استيقظي يا صغيرة... إن العمر يمضي... والمسرح ممتلئ بالوحوش.

والبقاء للطغاة فقط ...

***

جويل جرجوس

 

عادتي في القراءة مختلفة من كتاب إلى كتاب فثمّة كتب أقرأها بسرعة وأستوعب ما فيها وأنا أتجول بين رفوف معرض الكتاب وثمّة كتب أكتفي منها فقط بفهرسها لأعلم ما فيها وثمّة كتب أقرأها بين جيئة وذهاب في القطار بين تونس ورادس وثمّة كتب أتركها إلى حين حتّى أكون متهيّئا لمباشرتها وأقوم بحقّها وثمّة كتب لا أنتهي من قراءتها أبدا لأني أعود إليها من حين لآخر وثمّة كتب والحقّ يُقال أكتفي بقراءة بعض فصولها لأعرف ما فيها وقد أعود إليها بمناسبة بحث من البحوث لأنها في أحد مواضيع الاِختصاص وهي عادة تكون من الأطروحات الجادة

 من بين هذه الكتب الجليلة كتاب في نحو خمسمائة صفحة ممتلئة السطور صغيرة الحروف وفي طبعة رشيقة أنيقة  بعنوان ـ عمل الشهادة ودلالتها في نماذج من القصص العربي القديم ـ للدكتور محسن القرسان وهو  في الأصل حصيلة بحث تقدّم به لنيل شهادة الدكتوراة من كلية الآداب بمنوبة بإشراف صديقنا الدكتور العادل خضر وقد نال عليه أعلى درجات الاِمتياز من اللجنة المشرفة برئاسة صديقنا الدكتور محمد الجويلي .

قرأت بعض فصول هذا الكتاب بشغف فبدا لي بحثا معمّقا وشاملا في موضوع الشهادة التي عاد إلى اِشتقاقها اللغوي وفصّل ذكرها منذ ورودها في بعض أبيات من الشعر الجاهلي وتتبّع سياقاتها المتواترة ودلالتها المتنوعة في المجالات الدينية والقضائية والأدبية والتاريخية والاِجتماعية وغيرها وقد فتح آفاق بحثه على المدوّنة الأدبية والتاريخية العربية فأتى على ذكر الشهادة وحلّل مختلف سياقاتها من أخبار ووقائع  وغيرها بتفصيل دقيق معتمدا على ترسخانة كبيرة من المصادر والمراجع المتنوعة الاِختصاصات واللغات أيضا .

هذا عمل جليل لا يُقرأ دفعة واحدة لأنه يتطلب تمعّنا ودراية واِطّلاعا واسعا وهو يشرّف الجامعة التونسية التي ما فتئت تثمر لنا مثل هذه البحوث الجادة جيلا بعد جيل

فتحيّة اِعتزاز وإكبار لصديقنا الدكتور محسن القرسان متمنيا له أن يواصل على هذا النّسق معتنيا خاصة بالمدوّنة الأدبية التونسية الجديرة بالدّرا

***

 سُوف عبيد ـ تونس

 

اتهم أبو الفلسفة سقراط  بإفساد عقول شباب أثينا فتم عرضه على محكمة مكونة من 565 قاضيا. تحدى سقراط المحكمة بقوله "اعلموا أيها القضاة أنكم إن أخليتم سبيلي في هذه الساعة فإني عائد من فوري إلى ما كنت عليه من تعليم الحكمة" فحكم عليه بالإعدام.

رفض سقراط الهرب من زنزانة الإعدام بعدما أتاح له البعض من تلامذته وبصفة خاصة الأوفياء منهم فرصة الهرب.

عندما أصدر عليه الحكم تقبله بهدوء..رفض طلب العفو وقد أتيح له ذلك.

لو هرب سقراط من سجنه المادي لسجن نفسه في سجن من نوع ٱخر، لو اعتذر عن دوره في إنارة العقول لعاش نادما.. لو فر  لما أمكنه أن يواصل شغفه بالتفكير النقدي..لقضى بقية حياته هاربا، خائفا.

 وكما نعلم جميعا فالخائف لا يفكر.

لقد أدرك في قرارة نفسه أن الهرب يعني أنه سيدمر كل ما بناه.

أعدم سقراط وبقي أثره خالدا.

لقد علمنا هذا الفيلسوف أن الشجاعة ليست شجاعة القول بل شجاعة الفكر. أن تكون شجاعا لا يعني أن تتشدق بل  يعني أن تفكر..أن تفكر يعني أن تتخطى جدران ما يسجنك في بوتقة الجماعة، ما يصيرك  جزء من القطيع، لا يتأمل ولا يتساءل.

برغم الاختلافات بين المعرفة التي أسس عليها سقراط فلسفته وبين الرواقيين الذين يرون أن الفلسفة نوع من الممارسة أو التدريب  أي أن الدليل على إدراك الفرد يتمثل في تصرفاته وأعماله وليس في أقواله، إلا أنهما يتوافقان من حيث الغاية من الفلسفة.

 أسست الفلسفة الرواقية نفسها لغاية مساعدة الناس على عيش أفضل حياة ممكنة. تعرف الرواقية بأنها فلسفة الحياة التي تساعد على تطوير المشاعر الإيجابية والحد من المشاعر السلبية.

 الفلسفة عند الرواقيين لا تنحصر في ما هو نظري بل  هي فن الفضيلة ومحاولة تجسيدها في الحياة العملية.

من منظور المذهب الرواقي فإن العالم جميل وكل ما يحدث فيه هو لخير الجميع.

صحيح أننا تعودنا أن نختصر كل ما يحدث في الشر الظاهر لكن نحن نتناسى دائما أن الشر من زاوية أخرى هو خير ما.

منذ حوالي 2000 عاما كتب الفيلسوف الرواقي سينيكا  رسائل شكلت رائعة من روائع الفلسفة القديمة في فترة اعتزال الفيلسوف السياسة خوفا من بطش الإمبراطور، وقد كانت نهايته أكثر إيلاما وضراوة من نهاية سقراط.

 يقول سينيكا«..ما يجعل الأمور تبدو مخيفة عمّا هي عليه في الحقيقة، هي أنها غير مألوفة بالنسبة لنا. ولعلّ التأمّل المتواصل، سيضمن لك، إذا أصبح عادة لديك، أن لا تجدك الصعاب حديثَ عهد بها»

ما أحوجنا ونحن نواجه أكبر  مخاوفنا أن نغير طريقة تفكيرنا فيما يحدث لنا.. أن نعي أن مصدر غضبنا وحزننا يكمن في عقولنا، وأن كل واحد منا مسؤول على طريقة تعاطيه مع كل ما يصيبه..قوام على سعادته أو تعاسته بقطع النظر عن الظروف الخارجية.

فليس من المهم مدى سوء ما نواجهه بل الأهم هو أن نواجه كل الصعاب وكل الٱلام دون التفريط في تماسكنا وثباتنا.

***

درصاف بندحر - تونس

 

في المثقف اليوم