أقلام ثقافية

أقلام ثقافية

يقال إن حياة الإنسان تمرُّ تِباعا أمام شاشة الأعين. اليوم، كان مَورد الصورة الذي مَرَّ قبل أن يرتد طرف عيني. درب طويل ليس له حدود ولا حرس، ولا إنارة نور اصطناعية. كان ذاك الدرب يحمل مُنعرجات غائرة، ويكسوه ظل شجرة يتيمة يانعة، تحمل من متنوع الفواكه ما لذ وطاب. من حسن ما صنع المشهد المخيف، استيقظت عيناي بالفزع والخوف من مستقبل غائر المعالم. وجدت أن جبيني تبللت عرقا، وذاك الفصل كان باردا. وقفت على أن مجموعة من مشاهد حياتي في الإخفاقات تتكرر بالتردد، وتزين حيطان الدرب، بلا تلوين، ولا تشكيل ملهاة كوميدية. تيقنت بالسليقة أن الصورة الملونة الفريدة من حياتي تحمل ملمحي شبابا وفي أسفلها: عليك أن تسرع الخطى، عندما يتمهل الآخرون في السير!!

اليوم كانت نيتي المبيتة بسلك الطريق المغاير، وملازمة قراءة علامات التشوير بتأن (انتبه !!قف !! )، وسيكون أول يوم من حياتي أقتحم فيه المجهولات والمسكوتات. فقد كان من طبيعتي أن أرتب نفسي لأي مغامرة غير محسوبة المداخل والمخارج. قلت بالاستضمار الذاتي: أنا آسف...يا أنا... !! كنت أرددها مثل (الكورال) الذي لا يحفظ إلا تلك اللازمة بالتردد الممل طيلة أداء الأغنية والرقص. لم أدر عمَّا أنا آسف عنه بالسبق!! ولا حتى سبب مُشاهدة بعض من مسارات حياتي الباقية عند ارتداد جفوني عنوة.

في متوسط الدرب الطويل الضيق، وبلا نهايات محدودة في الأفق، ضَعُف نظري في تحديد الأبعاد، وكنت قد قطعت وعدا بعدم الاستسلام مهما كانت حدة النتائج سلبا. كنت أستعمل حواسي الأربعة ككفايات حياة متمرسة على معالجة شدة المواقف، وقد ضاعفت حاسة السمع تعبئة. رباه، رباه !! إني أرى أبي في طيبة يوم الجمعة، وهو متوجه لمسجد سيدي امبارك لأداء صلاة الجماعة... رباه، رباه !! أبي لم يعر ندائي اهتماما حين خرج الصوت من حلقي صياحا (وَا بَا...وَا بَا...)، انتظرني... كان ألمي يزداد وقوفا، وبدون حركة إشارة تلوح بالسمع والتوقف. لم ينتبه لكلماتي ونظراتي، ولم يعر شوقي له توقفا. بكيت ألما وأنا أردد: أبي منذ عشرين سنة، لم أسمع صوتك، منذ رحيلك الأول عن منزل الأسرة، أداوم على زيارتك.

لم أقنطت من معاودة الكرة مرة ثانية، فسلكت الطريق المنعرج بحاسة شم بخور جلباب أبي المتوهج. لكن، حين تبدد الشم نكوصا، أحسست أن بوصلة الاتجاهات ضاعت مني، فتهت عند رأس الطريق، ولم أعد أقدر على التمييز بين متاريس الدرب الجانبية، وبين المسار المفضي إلى باحة الحياة الباقية.

كان هذا الضوء الآتي من متم نهاية نفق الدرب الضيق، يشدني لكي أتمم مهمة الوصول إلى المجهول. فقد كان من  الحمق أن يأتيني صوت العقل وأنا ألاعب أحاسيسي الوجودية الصغيرة، من العقل أن يُرْمِيني الواقع بشهب نارية حارقة وهو يقول: "علينك أن تُعيد الاعتبار للبداهة، يجب أن تطبق العدالة مع ذاتك، قبل أن تجدك العدالة الربانية، فالعدالة تبدو عمياء، ولا يمكن أن تسمع صوتها إلا باحترامك للذات والآخرين، فقد أصبح السجن اليوم هو الحرية، وخارجه في الفضاء العام، يمارس الاستبداد، ويقيد الألسن والكرامة الإنسانية...".

حقيقة مطلقة، حين يشتد تلاطم الأفكار بين ارتباك الحقيقة الوهمية، والمزيف من الواقع، بالإضافة إلى نزغ من شيطان الذكاء الاصطناعي، عندها أفتقد جزء من إيماني الداخلي بصوت الحق العادل، فأبدو تائها في مسيرة الدرب وبقرف مميت، وأنا أمارس حوار الطرشان مع الذات العليلة.

من البديهيات الفلسفية في ذاك الدرب المنغلق بالمنعرجات، أن الحرية والعدالة والعقل والحمق والتنوير والحداثة (البعدية) حق مشروع في فهم مَكْنُون (مستور) الحياة، لكني في نهاية الدرب تَصلَّفَ (تكبر) تفكيري عن فهم معادلة الفرق بين الوهم والمتخيل، والحقيقة الواقعية المتغوِّلة. مشهد الوالد في نهاية شعاع الدرب المنير، لم تأت من فراغ ولا من حياد المعالجة الفورية واللصيقة بحياتي، فهو رحمه الله كان سندي في إخراج من متاهات حياتية كانت قاب قوسين أن توقع بي أرضا. في نهاية الدرب، لم أر وجهه الوضاء، وإنما كانت لي فرصة من تقبيل يده اليمنى المتشبعة من تراب أرض الأجداد. (يتبع)

***

محسن الأكرمين

تطاوين: تعني العيون باللغة الأمازيغية وقد كانت الربوع الممتدة في الجنوب التونسي على مدى العصور الغابرة فضاء مفتوحا من الجبال والأودية والسّهول ويُعتبر هذا الفضاء الشاسع موطن قبائل ورغمّة وفروعها وعروشها التي اِنحدرت من أصول متنوّعة بعضها أمازيغيّ أصيل وبعضها عربيّ وافد وبعضها من جنوب الصحراء أيضا لكنّها مع مرور الأزمنة وتواتر الأحداث تجاورت وتمازجت حتى اِكتسبت شخصيتها ذات الخصائص الجامعة بينها ضمن نسيج مختلف جهات البلاد التونسية الثريّة بتنوّعها  غير أنّ شواهد الإنسان القديم وبصماته ما تزال قائمة في بعض نقوش كهوف الأودية وقمم الجبال وحتّى بقايا الدّيناصورات ما تزال شاهدة في الجنوب الزاخر بالحياة القديمة رغم حدثان العصور والآماد وما يزال شاهدا بآثار المعارك بين الثوّار والجيش الفرنسي مثل معركة رمثة 1915 وآقري  وغار الجاني1956 ورمادة 1958.

*

في السنوات الأخيرة شهدت الحياة الثقافية في مختلف مدن ولاية تطاوين إقلاعا ثقافيا واضحا من بينها ملتقى تطاوين الأدبي الذي عقدت العزم على بعثه همم ثقافية تؤمن بجدوى النشاط الثقافي في هذه الجهة النائية فأنشأت جمعية أحباء المكتبة والكتاب برئاسة الأستاذ علي بودربالة ويمساندة الدكتور محسن القرسان والسادة والسيدات فتحية العيدودي - أحمد بن زايد -كمال الفرجاني ـ أيوب تونكتي ـ آمنة التريكي ـ صفاء جابرـ عبد العزيز العزلوك ـ عبد الله الشبلي ـ مع دعم الأسرة الثقافية الواسعة في تطاوين ممّا جعل هذه الجمعية منارة أدبية مشعّة على جميع أنحاء الولاية بل قد وصل إشعاع مداها إلى أغلب جهات البلاد وهذا ما لاجظته في المدعوين والمشاركين في هذا الملتقي الأدبي الثاني الذي شمل عددا وافرا من الشعراء والنقّاد من مختلف جهات البلاد وقد ولّوا وجهتهم شطر المكتبة الجهوية  بتطاوين التي حفلت بهم كأحسن ما يكون

*

تشرّفت بدعوة كريمة من هذه الجمعية لحضور الدورة الثانية من هذا الملتقى أيام 1و2و3 نوفمبر 2023 ولتقديم شهادة عن مسيرتي الأدبية فلبّيت الدّعوة بكل اِعتزاز خاصة وأنّي علمت بجديّة نشاط هذه الجمعية في مناسبات عديدة وممّا زاد من عزمي في المشاركة ما لاحظته من حسن التنظيم الواضح في دقّة المتابعة والحرص على التفاصيل في المراسلات من عنوان المداخلة إلى ضبط البرنامج إلى تحديد ساعة السّفر ومكان الانطلاق فمثل هذه المعطيات الأوّلية تنبئ بأن القائمين على الملتقى يتوفّر لديهم كل أسباب النجاح وما كدنا نطوي المسافة طيّا حتى لقينا الاستقبال الحسن وكرم الضيافة والرفقة الوديعة والمعاملة اللطيفة ناهيك بأنس الأصدقاء القدامى حيث تجاذبنا أطراف الحديث .بين ذكريات وتاريخ وجغرافيا وأخبار الحرب على عزّة التي كانت جرحنا النازف في كل حين وآنما يمكن أن يكون خلاصة هذا الملتقى يتمثل في أن مدوّنة الشعر التونسي ما اِنفكّت في حاجة إلى القراءة والدّرس بما في ذلك أبو القاسم الشابي في ديوانه الثاني الصادر عن بيت الحكمة ـ صفحات من كتاب الوجود ـ سنة 2009 والذي يضمّ شعره المنثور ما يزال لم يحد الصدى الكافي والاِنتشار اللازم غير أنّ ما يثلج الصّدر حقّا ويبعث الطمأنينة حقّا هو أنّي اِكتشفت في هذا الملتقى جيلا جديدا من الدكاترة والأساتذة وقد اكتسبوا ناصية البحث ومناهج النقد واِبتهجت بإيمانهم بالأدب التونسي وعزمهم على مباشرة نقده ضمن بحوثهم القادمة والذي زاد من سروري حقا هو أني اِستمعت إلى أصوات شعرية جديدة تجاوزت مرحلة الهواية في قصائدها إلى مرحلة اِكتساب الدّربة والتميّز فأرجو لهذا الملتقى أن يكون بداية مرحلة جديدة في الأدب التونسي إبداعا ونقدا بما لاحظت فيه من باكورات هي بمثابة باقات يانعة في الشّعر والنّقد جديرة بالدّعم والتشجيع

*

أعود وفي وجداني أجمل الذكريات

- أعود ووطابي فيه بعض هذه الإصدارات الجديدة فشكرا للأصدقاء على إهداءاتهم وهم

- الدكتور محسن قرسان وإصداره - عمل الشهادة ودلالتها

- الدكتور محمد نجيب بوطالب وإصداره ـ الهروب ـ من الكامور إلى أوروبا -الأستاذ الشاعر رضوان العجرودي وديوانه فرج يختفي في المرآة

*

تطاوين...شكرا جزيلا على هذا الملتقى!

تطاوين شكرا وارفا على التكريم الذي حظيت به

***

سُوف عبيد

اِخترت "الحفر الفني" (Gravure) بعد ممارسة كل الاِختصاصات التشكيلية وشدّتني كل مراحل إنجاز المحفورة...

أوّل مشاركة لي كانت بالمعرض الجماعي الدولي بمدينتي الأم"الشابة" بعمل بتقنية(eau forte)   سنة 2004 حيث إقتنت الدولة هذه المحفورة.

***

الفن هذه الفسحة الباذخة المشرعة على العوالم والأكوان حيث القلب في عنفوان بهائه يبتكر أحاسيسه الأخرى من هيئات العناصر والأشياء والتفاصيل وفق ايقاع الذات في حلها وترحالها تقصدا لفكرة الاقامة على هذه الأرض وتأصيلا للكيان وتشوفا تجاه ما يبهج العين ويسعد الدواخل..

هاهي اللعبة الفنية التشكيلية تأخذ الناظر اليها طوعا وكرها بكثير من ألفة الابداع والامتاع وبتلوينات شتى ..هاهي تمضي الى تجربة تنحت قادمها بكثير من شغف وعناء ومتعة الفن بما في الأكوان من ممكنات جمال وسفر وتنوع .. لعبة تفضي الى طفولة مقيمة في الذات تبتكر نهاراتها العذبة بموسيقى الفن وهو يحفر في الكينونة والأشياء لينجز ما قالت به الأنامل وهي تستعيد نشيدها الذي يقود الى سحر وفتنة وجمال في الأثر الفني..

و هكذا اذن نأتي الى طفلة الفن القادمة من جمال المكان وأعماقه..المهدية أرض الحضارة والألوان الصافية حيث بحر وسماء في صفاء نادر وايقاع تعرفه أزقة مدينتها العتيقة وسكون المقبرة المطلة على البحر وشموخ القصر..قصر الجم وما حكاه من سرديات عبر تاريخه العريض...

من هنا لمعت فكرة الفن لدى الفنانة التي نعني ..سهام الشابي والتي نهلت من هذه العوالم ذات الجمال الأخاذ لتكبر لديها أغنية الفن والرسم والتلوين حيث الابداع في حواره المفتوح مع الذات والآخرين اذ تقول الفنانة شيئا من اعتمالات الشواسع في ضرب من الدهشة والألق...

الفنانة التشكيلية سهام الشابي  وفي معارضها الفردية والجماعية سعت لابراز هويتها الجمالية من خلال ما تخيرته وفق نظرتها للفن ورؤيتها ضمن مساحات التشكيل الفني حيث الحفر لعبتها الباذخة حتى وهي تدير نشاط الورشات في المهرجانات أو تبث في الأطفال ما بدا لها من تلوينات الفن وأساليبه وهي تدرس للتلاميذ مادة التربية التشكيلية كمتخرجة من المعهد العالي للفنون الجميلة بتونس في اختصاص حفر (Gravure )...

تنوعت معارضها ومنها معرضها خلال شهر أفريل المنقضي ومشاركتها في سمبوزيوم المهدية الدولي " عوم فنك " خلال هذا الشهر وبادارة الفنان التشكيلي محمد أكرم خوجة وبالتعاون مع مهرجان عيد البحر واتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين حيث قدمت الجديد ضمن مشاركتها المميزة في برامج هده الفعالية الدولية.

و الفنانمة التشكيلية سهام الشابي أستاذة مادة التربية التشكيلية ومتخرجة من المعهد العالي للفنون الجميلة بتونس اختصاص حفر (Gravure ) مباشرة للتعليم الثانوي منذ 2009 بإعدادية نبر ومعهد نبر من ولاية الكاف ومن 2018 باعدادية اولاد عبد الله ومعهد ملولش. مشرفة على ورشة الحفر ضمن المهرجان الدولي للفنون التشكيلية بالشابة. عضو ناشط صلب "جمعية الشابة للفنون والمحيط" من 2018 مشاركة في عدة معارض بالجمهورية: المشاركة في صالون الحروفية في دوراته الثلاث بالعاصمة . المشاركة عدة مرات في المعرض السنوي لاتحاد الفنانين التشكليين التونسيين. المشاركة في معرض الحفر برواق موزاييك النصر 2 واعتماد احد اعمالها كتصميم لغلاف الكتاب الذي يجمع اعمال المعرض. المشاركة ضمن فعاليات ايام قرطاج للفن المعاصر في المعرض الدولي " الحفر والرسم ينجز "بمتحف باردو 2019 .المشاركة في معرض المدرسين المبدعين بمدينة الثقافة. المشاركة في معرض مدرسي للتربية التشكيلية بالمهدية 2022. المشاركة في سمبوزيوم عيد البحر للفنانين التشكليين من 11 الى 15 اوت 2020. المشاركة في سمبوزيوم يوم عيد البحر للفن التشكيلي في معرض مبدعات الفن التشكيلي احتفالا بعيد المراة من 13 الى 20 اوت 2020. المشاركة في معرض الحفر والرسم برواق الفن بقصر المعارض بالكرم. المشاركة في معرض" منارات " بالمهدية بفضاء المتحف وبرواق علي خوجة .المشاركة في معرض "صالون قبودية للفنون التشكيلية بالشابة"في كل دوراته. المشاركة في ورشة Educ/Art  باشراف الفنان السلوفاكي Peter KOCAK اكتوبر 2019 بفصاء "قلعة الحفر " بالقلعة الكبرى بسوسة وقد اقتنت لها الدولة العديد من أعمالها...

و عن حكايتها مع الفن والبدايات والمسار تقول الفنانة التشكيلية الحفارة سهام الشابي "...البدايات كانت كأغلب الأطفال خربشات ورسوم في كراس المحفوظات لي ولإخوتي الأصغر سنّا منّي وحتى في الفترة الإعدادية والثانوية. بعد النجاح في البكالوريا كان التوجّه للمعهد العالي للفنون الجميلة بتونس واِخترت اِختصاص «الحفر الفني» بعد ممارسة كل الاِختصاصات التشكيلية في السنتين الأولى والثانية بالمعهد وكان الميل الأكبر لـgravure وشدّتني كل مراحل إنجاز المحفورة من الرسوم الخطية (les esquisses) مرورا بالحفر على الخشب واللينو أو النحاس (cuivre)  ثم السحب (les tirages) ومتعة عنصر المفاجأة والاِكتشاف لجمال المسحوبة والتباين خاصة بين الفاتح والداكن والمضيء والمظلم.

أوّل مشاركة لي كانت بالمعرض الجماعي الدولي بمدينتي الأم "الشابة" بمحفورة بتقنية (eau forte) سنة 2004 حيث إقتنت الدولة هذه المحفورة.

بعدها اِنغمست في تجربة التدريس بالمدارس الإعدادية وبالمعاهد الثانوية (بولاية الكاف) مع حنين متواصل لممارسة خاصة الرسم الخطّي والحفر الفنّي لكن نظرا لوجود بعض العراقيل كعدم توفر مستلزمات (الحفر الغائر) لم يكن بوسعي أن أمارس هذا الاِختصاص لبضع سنوات... ثمّ بمجرّد اِنتقالي وعودتي إلى ولايتي الأصل المهدية لحسن الحظّ سنحت الفرصة بإقتنائي (Presse) وعدت إلى ممارسة الحفر الفني: حيث أعشق التكوينات بخطوط رقيقة وتتضمّن قصصا خيالية تدور أحداثها فقط في ذهن الفنانة أبطالها القطط والأسماك ... تأثّرا بالبيئة التي نشأت بها الفنانة. ومن هناك تعدّدت الأعمال والمشاركات في عدّة معارض بالجمهورية ومهرجانات بجهة المهدية خاصة ثم كان المعرض الشخصي الأوّل بالمتحف الجهوي بالمهدية أفريل 2023… ".

ممارسة فنية ضمن تجربة تتشكل باحثة عن خصوصياتها حيث تعمل الفنانة التشكيلية سهام الشابي على المراكمة الفنية وفق تخيرها الجمالي لتعد لمعرضها الشخصي قريبا برواق فني بالعاصمة خلال الموسم الثقافي الجديد 2023/2024 حيث يكتشف جمهور الفن وأحباء فن الحفر بالخصوص حيزا من تجربة فنية تسعى لتشكيل معالمها بمزيد من الاشتغال والدأب الجماليين.

***

شمس الدين العوني

استعادة التراث الأدبي والفكرى هدف من أهم الأهداف الثقافية لهيئة الكتاب.. وبمناسبة مرور 50 عاماً على رحيل عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، فإن هيئة الكتاب برئاسة الدكتور أحمد بهى الدين بصدد إطلاق مشروع ثقافى مهم وجرئ يرتكز على إعادة نشر مؤلفات طه حسين المجهولة..

تحت عنوان "استعادة طه حسين" والمقصود استعادة تراثه الفكرى..تقوم الهيئة العامة للكتاب بإصدار مجموعة من مؤلفات طه حسين ومترجماته، ويقدم المشروع فى مرحلته الأولى 12 عملاً منوعاً فى توجهاتها ومحتواها الفكرى ما بين مؤلف ومترجم وعمل مشترك..فمن المعروف عن طه حسين أنه كان واسع الاطلاع غزير الانتاج..كتب فى الفكر والأدب والنقد والترجمة وشارك عدداً من الأدباء فى أعمال مختلفة..ولهذا يحاول المشروع المزمع تنفيذه التركيز على مثل تلك الأعمال غير المعروفة حتى بين المثقفين والقراء ومحبى كتابات طه حسين.

يقول الدكتور أحمد بهى الدين رئيس هيئة الكتاب متحدثاً عن هذا المشروع الطموح: (إن الهيئة حرصت على أن تكون باكورة مشاركتها في الاحتفاء بخمسينية رحيل عميد الأدب العربي بمجموعة متنوعة من الكتب غير المشهورة أو غير السائرة بين جموع القراء، بل وبعض المثقفين، ووقع الاختيار على طباعة (12) كتابًا تتنوع بين التأليف والتأليف المشترك والترجمة، وتمت المراجعة والاعتماد على الطبعات الأولى أو أقدم طبعة أمكن الحصول عليها، كما تم تكليف واحد من كبار أساتذة النقد والأدب المعاصرين لكتابة تصدير لهذه الأعمال، وهو الأستاذ الدكتور سامي سليمان، فكتب تصديرًا بانوراميًّا كاشفًا عن مجمل أعمال وأفكار طه حسين ومشروعه الفكري والثقافي، كذلك تم تكليف المصمم الكبير الفنان أحمد اللباد لعمل الغلاف، لتخرج الطبعة الجديدة في أبهى صورة على مستوى تصميم الغلاف والإخراج الفني الداخلي.

لعل من أهم عناوين الإصدارات التي أعيد نشرها 3 كتب مؤلفة هى: حافظ وشوقى، قادة الفكر، والحياة الأدية فى جزيرة العرب.. و3 كتب اشترك طه حسين فى تأليفها مع آخرين وهى: التوجيه الأدبي، آراء حرة، والحياة والحركة الفكرية فى بريطانيا..أما باقى الكتب فهى من المترجمات وأهمها أوديب وثيسيوس، وأندروماك، ونظام الإثينيين، وصحف مختارة من الشعر التمثيلى اليونانى، وزديج لفولتير.

واصل بهى الدين قائلاً: (إن طه حسين يعد من أعلام الثقافة العربية، ويحظى بمكانةٍ فريدة في نفوس قرائه بما أثرى مسارات الثقافة العربية الحديثة منذ عشرينيات القرن الماضي وحتى اليوم.. لذلك كان لزامًا على الهيئة أن تشارك بإعادة إصدار بعض مؤلفاته في مناسبة الاحتفاء بمرور خمسين عامًا على رحيله، ليس لأن أعماله أصبحت ملكية عامة فحسب ولكن بغرض استعادة رؤية طه حسين الفكرية؛ لإعادة قراءته قراءة جادة وجديدة، تهدف إلى إلقاء مزيد من الضوء على طريقته ومنهاجه ورؤاه، لعل الأجيال الجديدة تدرك مدى تأثيره الفكرى الكبير ومقدار منجزه في المناحي الثقافية المختلفة من خلال توفير عدد من العناوين التي لم يُقدَّر لها الرواج بين جموع القراء، وبخاصة الشباب منهم).

لقد كتب طه حسين عدداً كبيراً من المؤلفات ذات الوزن الثقيل ثقافياً زادت عن 50 كتاباً ، وبعضها أثار الجدل بين المثقفين لفترة طويلة فى مصر والمنطقة..وما تزال كتاباته تحيا فى عقول وقلوب محبيه رغم مرور عقود على وفاته..وهو إلى جوار اهتمامه بالأدب والنقد الأدبى كان مهموماً بقضية التعليم فى مصر،ليس فقط بسبب توليه مسئولية وزارة المعارف وإنما قبل هذا بكثير، وربما بسبب معاناته فى مراحل التعليم المختلفة، تلك المعاناة التى صورها بتفاصيلها فى كتاب الأيام ، والذى تحول فيما بعد لمسلسل شهير من بطولة الفنان أحمد زكى..وربما لا يعلم الكثيرين أن طه حسين قد ترشح لجائزة نوبل مرتين وكان قريباً من الفوز بها، وقد منحته عدة جامعات عالمية الدكتوراة الفخرية، كما حصل على قلادة النيل.

لعل هذا وغيره يفسر مدى أهمية إحياء ذكرى وفاة طه حسين بمثل هذا المشروع الذى يمثل نوعاً من الوفاء والامتنان لمثقفى ومفكرى وأدباء مصر ممن هم فى وزن وقيمة طه حسين ..لهذا فإن هيئة الكتاب تستهدف طباعة عناوين إضافية خلال مرحلة تالية من المشروع ، لعل أهمها: (تجديد ذكرى أبي العلاء، ، ومع أبي العلاء في سجنه، ومع المتنبي، وعلى هامش السيرة، ومرآة الإسلام، والوعد الحق، والشيخان، والفتنة الكبرى بجزئيها، وصوت أبي العلاء، ومن أدب التمثيل الغربي، من هناك، الأيام، فصول مختارة من كتب التاريخ، ومذكرت طه حسين". كما سيتم جمع مقالات العميد المتناثرة في المجلات المختلفة،بهدف إصدارها فى كتاب، وهي تمثل كنزًا ثقافيًّا من كنوز العميد، ينبغي النظر إليها وقراءتها في سياق واحد...لقد أكد بهي الدين عزم الهيئة لاستكمال المشروع بنشر الكثير مما ألَّفه طه حسين أوشارك في تأليفه مع آخرين ، حتى ما تمت دراسته فى مناهج التعليم مثل كتاب "المجمل في تاريخ الأدب العربي"، وكذلك الكتب التي قدَّم لها طه حسين، ومن بينها "كليلة ودمنة"، الذي حققه عبد الوهاب عزَّام.. وهناك نية لإعادة نشر أعماله الإبداعية في سلسلة "أدباء القرن العشرين" التي تعاود الصدور، حيث تم إصدار خمسة عناوين أخرى من مؤلفات عميد الأدب العربي وهي: «الحب الضائع، وأديب، وجنة الشوك، والمعذبون في الأرض، ودعاء الكروان»، وسوف تستكمل باقي الإصدارات على مدار الأشهر المقبلة.

لا ريب أنه مشروع طموح ومهم يعيد بناء الجسور بين جيل الشباب، والجيل الذهبي للأدباء والذى كان طه حسين أحد أعمدته الرئيسية.

***

عبد السلام فاروق

انتشرت ظاهرة البيع بالإهداء والتوقيع في المعارض الدولية للكتب، فنجد كل دار نشر إلا وخصصت جناحا لكتابها ليبيعوا نسخا من أعمالهم الإبداعية والفكرية وهو نوع من التواصل بين الكاتب وقرائه وهو أيضا عربون محبة فالقارئ المحب لكاتبه المفضل يستغل الفرصة لشراء كتابه مع الإهداء وأخذ صورة تذكارية للتاريخ فهذا العمل يعد سلوكا حضاريا لا غبار عليه ..

ولكن في رأيي أن هذه العملية تنجح وتحقق مبتغاها مع مشاهير الكتاب الذين يملكون صفحات فيسبوكية يتابعها الملايين فهؤلاء الكتاب عندما ينظمون جلسة بيع بالإهداء يتهافت عليهم مئات المعجبين فتنفد أعمالهم بسرعة وهذا ما حدث في طبعات سابقة من المعرض الدولي للكتاب مع الكاتبة والروائية الجزائرية أحلام مستغانمي أو مع الكاتب محمد مولسهول "ياسمينة خضرا" أو مع الكاتب الروائي الأردني أيمن العتوم الذي باع في العشر سنوات الأخيرة بالإهداء أكثر من مئة الف نسخة من كتبه ...

أما أن يأتي كاتب نكرة مثلي ومثل غيري من الكتاب المسكونين بالوهم ويبقى ينتظر ويستجدي عابر سبيل عساه يتفضل عليه فيأخذ نسخة منه ولو بالمجان فهذا في نظري سلوك غير حضاري يذهب هيبة الكاتب غير المشهور...

من هذا المبدأ رفضت فكرة بيع كتبي بالإهداء حتى تتوفر الشروط المناسبة من شهرة وانتشار وإلا رحم الله امرأ عرف قدر نفسه ...

***

الكاتب: شدري معمر علي

لعل القارىء النهم إلى مجال الأدب الوسيط في أو ما يسمى بالعالم العمري الوسيط، يلاحظ أن الأدب الروائي كان أكثر حيوية وعضوية وفنية وجمالية من تمظهرات الرواية الحداثوية أو ما يطلق عليه حساسية الرواية الجديدة. أنا شخصيا لا أجد في هذه الروايات سوى ذلك الطابع البنائي من القصص القصيرة المجملة في سلم تتابعية تلصقية من مسرود يطلق عليه الرواية، في محاولة منها أي هذه الرواية إتباع الشكل النوعي من بنية تراصف الصفحات المعنونة إلى مجال خطية مفتعلة من الزمن الروائي، ولكن ليثق كل قارىء بأن ما يقرأ اليوم من حشود مصدرة بأسم الرواية، هي حقيقتها النوعية السردية، لا تتعدى بناء وأسلوب وإطار القصص القصيرة المجمعة في شكل سلس من التسمية للرواية، أين هذه الهزلات من روايات عبد الرحمن منيف وإبراهيم الكوني وتجارب أخرى من الأدب الروائي. أنا شخصيا ليس ضد ما ينمو في سلم تطور الحداثة الروائية، ولكن ضد هذه المهزلة التي صارت فيها القصص القصيرة تلصق في أشكال بنائية وتدعى إنها صناعة روائية ولا يمكن بخس شرعيتها في مجال تطورها الحداثوي: أي حداثة هذه قسرية. لقد زورتم دماء وروح الجسد الروائي، من خلال حكايات لها طابع ومزاج الأدب القصصي القصير ليس إلا. أنتم خلقتم في نصوصكم هذه رواية تحمل نكهة وطعم وظلال القصة القصيرة ليس إلا؟!.

***

رأي: حيدر عبد الرضا

يسألونك لماذا تكتب قل لهم في زماننا الردئ؟..

الكتابه هي صراخنا الذي فقد صوته.

هي الوصيه الأخيره للكبرياء.

هي الروح الممزق أشلاء.

هي الأحلام المتناثره.

هي حياه رغم اللا حياه هي كل ما تبقى من الوجود المعدوم.

هي كل ما تعانيه من الألم هي الحزن المدفون الذي يسكن داخلنا.

ليس كل من يكتب هو باحث عن شهره أو غايه، أنما هناك أرواح أرهقت..

فأحبت أن تبكي بالحروف هذا كل ما في الأمر.

يقول محمود درويش / الفقراء يعشقون الإبداع والجمال، وقد كنتُ فقيراً، كذلك المكان لعب دوراً كبيراً فقد عشتُ في مدينة تمتهن الشعر، فعاصرتُ الكبار من المبدعين في مدينتي، كذلك الرغبة العارمة في التعرف على كبار المبدعين العرب، إنها عوامل كثيرة دفعتني للدخول إلى هذا العالم.

ويقول احد الفلاسفة  / هناك صراع بين الآباء والأبناء، وهناك صراع بين جيل وجيل عندما يتمسك كل طرف بآرائه ومعتقداته، نتيجة التغيير الحاصل في مجمل التصورات نحو الكون والحياة. في مجال الإبداع تكون القراءة المستمرة والاطلاع على تجارب الآخرين، ودراسة مناهج النقد بروح رياضية منفتحة والتفاعل الإيجابي مع ما يستجد تساهم جميعها على تضييق الفجوة بين زمن وآخر. لقد انسلخت من مسيرة حياتي سبعة عقود وثلاث سنوات، وما زلت أشعر بالفتوة مع قلمي رغم أن جسدي يقترب من نهايته وكل مؤشراته تنذر بالرحيل.

ونتساءل احيانا... هل نكتب عن اولئك الذين امتطوا صهوات المجد؟ ام اولئك الذين امتطوا صهوات الأمال البيضاء؟ ام نكتب عن الحائرين والمتلظين بالجمر من شظف الحياة ومأسيها؟ ام نكتب عن الواقع المتردي لمجتمعاتنا بوجه عام؟

ونتسأل ايضا/ اين وضوح الطريق لهذه الوجوه الكالحة المتخبطة في ظلمات الجهل والأنانية والتصرفات اللاخلاقية—احيانا—في مجتمع فوضوي، انعدمت فيه الرؤيا وضاعت معها الاحلام!!

لابد آن يدرك الجميع أن الكتابة وجع وهم ولن يكون لها الحضور المشرف ألا من خلال انسياقها في قانون يحررها من النفاق، والكاتب الجيد لابد أن يتمرد على القيود فهو يموت بين حضيض الورق لان الكتابة تظهر بدون وساطة وتخرق كل القوانين وتكشف العيوب ولا تلمع الباهت فهي نظام يقوم على الحق أو الباطل بحسب نوعية الضمير الذي يحمله الكاتب لكي يُمتع الآخرين ويلغى نموذجه ويكون هوية لقلمه الذي يمثل وعية أو يكون مطبل لمن يكتب عنهم أو لهم !! لكي تكون كاتب جيد يجب أن لاترقص لمن حولك بقلمك أو بفكرك أو بورقك لكي يكون اكثر بياضا!! يعتبر الكثير من المبدعين أن الكتابة وجع يتشرب الروح ولا يستطيع الإنسان أن يساير الواقع إلا من خلال العمل، والكتابة من الأعمال الشاقة التي تربط بين الجسد والروح بين الحياة والموت، والكتابة خلدت الكثير من المبدعين في ذاكرة التاريخ وكل مبدع وكاتب قادر على أن يدخل قلوب الآخرين والكاتب اقرب الناس آلي القلوب إذا أراد أن يكون له السبق في شرف الحضور لذلك يعيش الكاتب اجمل لحظات العذاب والروعة والألم لان الكتابة لغة المعارف والتجلى مع وظيفة الحياة لأنها الروح التي تضخ الدم للحياة والموت!!

وجيل الخمسينيات وماتلاها انجب ابداعا عربيا غزا المشرق والمغرب بروائع الاقلام والحكم السياسية والنضالية والثقافية، واسسوا لنهضة عربية اعلامية- ثقافية تفتخر بها الاجيال لقرون طويلة، واليوم نعود ونبحث عن كاتب كبير يملأ الساحة الثقافية والابداعية كايام نجيب محفوظ والمنفلوطي والسباعي واحسان عبد القدوس، وشعراء ملؤا الدنيا ضجيجا ولكننا.. للاسف لا نجد الا احباطا وغزارة في الانتاج وكتب الرفوف!! حتى الكتاب والمثقفون ماعادوا يقرأون الا اعادة قراءة كتب ودواوين قديمة

لمن نكتب ايها السادة؟!، فاعيد القول ان عبقرية الادب العربي  انه جسد شخصيات الناس البسطاء لمن عضهم ناب الزمان بمكره وكفره واستوحشتهم وعود صفراء تبرق كالسراب اذا طلبته لم تجده شيئا ووجدت الموت عنده، وعندما تصرخ وامعتصماه تجد صدى الف صرخة وليس ثمة معتصم هناك!.

***

نهاد الحديثي

التراث الثقافي خاضعا للحجر الصحي

إلى جانب كل ما يرتبط بها من رهانات تنموية شاملة، فإن السياحة الثقافية تعد ركيزة أساسية محققة لقيمة حوار الثقافات بين الشعوب؛ الشيء الذي يجعل هذا المجال في بحث مستمر عن إيجاد أنجع السبل للتسويق السياحي الثقافي، كخطوة موازية للسعي نحو جعل الثقافة مدار الأمر في الاهتمام العالمي، بمكونيها المادي واللامادي. واعتبارا لسياق الطفرة التقنية والثورة الرقمية التي طالت كل مجالات الأنشطة البشرية، فإن قطاع السياحة الثقافية وجد غايته المثلى بولوجه أحدث الإمكانيات التي توفرها التقنية الرقمية.

غير أن علاقة السياحة الثقافية بالعالم الرقمي تجاوزت بساطة التوظيف التسويقي، لتكون من بين المواضيع المستجدة التي كانت قد تصدرت النقاش خلال أزمة "كوفيدـ19"، كونها أزمة وجهت ضربة قاضية مباشرة لقطاع السياحة، الذي طالما شكل دعامة أساسية في تنمية الاقتصاد العالمي؛ وذلك نظرا للانهيار الشامل الذي كان قد أصاب حركة السياح في العالم بأسره. ففي إعلان مشترك بين "منظمة السياحة العالمية" (UNWTO) و"منظمة التجارة والتنمية" (UNCTAD) التابعتين للأمم المتحدة، جاء أن جائحة "كورونا" تمكنت من إحداث خسارة فادحة في السياحة العالمية سيكون من الصعب جبرها وتداركها، وهي الخسارة التي قدرت بأزيد من أربعة تريليونات دولار  فقدها الاقتصاد العالمي جراء أزمة الوباء.

أمام هذا الشلل السياحي العالمي المفروض إذن، والحاجة الفطرية إلى التنقل والاستكشاف لدى الإنسان ـ المخلوق الثقافي بطبعه ـ فقد كان لعلاقة السياحة الثقافية بالعالم الرقمي أن تكتب لها قصة أخرى تكون تَرِكةً لوباء "كورونا".

ـ منصات سياحية افتراضية في الحجر الصحي:

تزامنا مع ما كان قد عرفه العالم في مطلع عام 2020 من فترة طوارئ صحية مشددة، فمن المؤكد أنه لا يخفى ما أدته التكنولوجيا الرقمية من خدمات وأدوار حاسمة في مختلف المجالات، إذ إن جوانبها الايجابية بدت جلية واضحة في عمومها ولا تنكر، بما في ذلك الجانب السياحي الذي يهمنا منه هنا شقه الثقافي.

فمن إيجابيات التكنولوجيا الرقمية إبان الظرفية الاستثنائية التي عرفها العالم، أنها أتاحت بدائل ذكية للسياحة، تمثلت في ظهور العديد من المنصات الرقمية التي وفرت جولات سياحية افتراضية، شملت مختلف المعارض الفنية والمتاحف والمواقع الأثرية عبر العالم، بعرضها للمستخدمين ـ أو بالأحرى للسياح الافتراضيين ـ بجودة تصوير ثلاثية الأبعاد متناهية الدقة. ومثالا على ذلك أن رقمنة موقع «وَلِيلِي» الأثري، كانت أولى المبادرات في هذا المسعى على الصعيد المحلي بالمغرب، بوصفه أحد المواقع المسجلة ضمن قائمة التراث العالمي لدى منظمة "اليونسكو"، والذي طالما كان بؤرة جاذبة للسياح من مختلف أنحاء العالم. وبهذه الصيغة إذن وفرت الجولات الافتراضية في الحجر الصحي متنفسا وفرصة في متناول الجميع للوصول إلى المواد الثقافية المرقمنة بكل سهولة ويسر؛ الشيء الذي مثل بديلا فريدا أمام تعذر إمكانية السياحة بمعناها المحسوس.3889 رقمنة السياحة

(صورة لمتحف «أنثروبولوجيا» الوطني بميكسيكو، مثال للمتاحف التي تمت رقمنة أروقتها وموادها الثقافية بالتقنية ثلاثية الأبعاد، أثناء أزمة "كورونا").

ورغم أن رقمنة المواقع الأثرية ومعروضات المتاحف خصوصا، كانت في الأصل استجابة لحدث عالمي طارئ، فإن أبعادها امتدت أبعد من مجرد الترويح عن النفس في مثل ظروف الحجر الصحي العصيبة؛ إذ تمثل الدور المستدام لرقمنة التراث الثقافي في دور الأرشفة تحديدا؛ فأرشفة المتاحف والمواقع التراثية، إنما تعني حفظ صورتها المادية الأصلية، التي من شأنها أن تمثل لاحقا بوصلة دقيقة لعمليات الترميم وإعادة هندستها إذا ما تعرضت لحالات التلف لسبب من الأسباب، أو لعوامل أخرى كالكوارث الطبيعية مثلا؛ خصوصا وأن تقنية التصوير الثلاثية الأبعاد ذات الجودة العالية الدقة، تتيح حتما أرشفة في أحدث ما يمكن اليومَ أن تمد به الرقميات ميدان الثقافة؛ هذا بالإضافة إلى تحقيق أكبر نسبة من الاطلاع المعرفي العابر للحدود، خاصة لدى فئة الطلاب المتخصصين الباحثين عن وثائق رقمية من التراث الثقافي، والتي من شأنها أن تختصر عليهم مشاق وتكاليف السفر لأغراض علمية.

ـ «اليونسكو»: التراث الثقافي في مواجهةٍ نوعية للوباء

في تقرير صادر عن منظمة «اليونسكو» جاء التعبير على أن ما تعرض له العالم من إغلاق شامل زاد من تأزيم الأوضاع النفسية لسكان العالم أجمع بسبب تقييد الحركة، واصفة أن السياحة والسفر والتنقل هي حقوق طبيعية كانت مصدر أمن نفسي، وحاجة وجودية لا تختلف عن بقية الحاجات البيولوجية في الانسان.

كما وصفت الجهةُ ذاتُها أن رقمنةَ التراث الثقافي العالمي، تزامُنا مع أوضاع الحجر الصحي، كانت استجابة طبيعية تدل عن مدى الحاجة الوجودية لدى الانسان إلى تراثه الثقافي، مؤكدة أن هذه المواد الرقمية ستساهم ولو بنسبة ما فيما أسمته بـ«التشافي العالمي».

مع الاشارة إلى أنه منذ بداية انتشار وباء "كورونا"، واكبت منظمة «اليونسكو»    الحدث العالمي بإصدار مجلة أسبوعية بعنوان «الثقافة وكوفيد 19» (CULTURE & COVID-19)، التي رصدت فيها تأثير الإغلاق على مختلف القطاعات الثقافية، بما في ذلك التراث الثقافي الذي أولت له أعداد المجلة أهمية خاصة.

ـ السياحة الافتراضية واستشراف نحو عالم «الميتافيرس»

من المؤكد أن السياحة الافتراضية حل بديل أملته أزمة الوباء العالمي، غير أن الإمكانيات الرهيبة التي أثبتتها الرقمنة منذ انتشار الوباء نبه إلى التفكير بعمق في مستقبل الإمكانيات التي توفرها التقنيات الرقمية الحديثة.

على سبيل المثال، ليس من الغريب أن تغير شركة «فيسبوك» اسمها إلى «ميتا»؛ كونه اسما يحيل إلى مصطلح تكنولوجي رقمي جديد هو «الميتافيرس»؛ على أن «عالم الميتافيرس» هذا، حسب ما يتوقع خبراء التكنلوجيا الرقمية، سائر في طريق قلب الواقع التكنلوجي الرقمي رأسا على عقب.

وعليه، فإن التقنية الرقمية الثلاثية الأبعاد العالية الجودة، التي تمت بها رقمنة المواقع الأثرية والمتاحف والمعارض الفنية، وإتاحتها على المنصات الرقمية للمستخدمين، تزامنا مع فترة الطوارئ الصحية التي استحال فيها التنقل والسفر، أثبتت عن جدارة أن العالم يسير حقا نحو توجه رقمي فائق سيغير حياة البشر كل التغيير. نظرا لكون هذه الجولات السياحية الافتراضية قد أتاحت للسياح الافتراضيين فرصة معاينة المواد الثقافية المرقمنة عن قرب، وتفحصها إلى الدرجة التي يتماهى فيها الزائر في تفاعله مع ما يشاهده تفاعلا شبيها بالتموقع الفيزيائي في عين المكان.

بالتالي، فإذا كانت هذه الجولات مجرد تجربة آنية أملتها صدفة أزمة كورونا، فإنها تساهم قصدا في التوجه نحو صياغة واقع سياحي تفاعلي جديد ينشق من رحاب عالم «الميتافيرس».

***

كاميليا الورداني

كل الدول تحتفي سنويا بمعارض الكتاب، يلتقي الناشرون والكتاب وعشّاق الثقافة ومحبي الفكر والمعرفة كل يبحث عن ضالته عن كتاب يحتضنه، يستمد منه رحيق المعرفة يغذي به عقله حتى يطفئ لهيب الجوع المعرفي...

"مَعْرِض الكِتَاب هُو معرِض ومُلتقى سنوِيّ يُعنى بِالكِتاب؛ يجمع مُنتِجِي ومُسوِّقِي الكِتَاب وصُنَاعِهِ مِن مكتبات ودُور نشر ومُوزِّعُين ومُنتِجُي الوسائِط التَّعلِيمِيَّة ومُؤَسَّسات الثَّقَافة ومُنظَّمات حُكُومِيَّة وشبُه حُكومِيَّة والمكتبات العامَّة ومراكِز البُحُوث والجمعِيَّات ومُؤَسَّسات التَّعلِيمِ ووسائِل الإِعلام ومعارِض الكِتَاب ونحَّوها مِن التَّصنِيفَات ذَات الاِهتِمام والصِّلة؛ مع الجُمهُور والمُهتَمِّين وفِي أَغلَب الأَحيَان يتجاوز معرِض الكِتاب كونُهُ مُجرَّد سُوقٍ كبِيرٌ ومُؤَقت لِلكِتاب؛ فيشمُل العدِيد مِن الفعَّالِيَّات والأَنشِطة مِثل النَّدوات الثَّقافِيَّة ووُرُش العمل والمعارِض واللِّقاءات؛ ضِمن إِطار الكِتاب ومُحتواه وصِناعته"(1)

اول وأقدم معرض للكتاب عرفته البشرية هو معرض فرانكفورت الدولي يعود إلى خمسمئة عام، يعود إلى الفترة التي ظهرت فيها الطباعة على يد يوهانس غوتنبرغ في بلدة مينز القريبة من فرانكفورت بحيث فكر ناشرو الكتب إلى إقامة هذا المعرض للإعلان عن كتبهم وإصداراتهم ...

وفي عصرنا الحالي بدأ  تاريخ تأسيسه الفعلي يوم 18 سبتمبر 1949م...

كان أول معرض عربي  يقام للكتب في بيروت في 23 نيسان سنة 1956، ثم تتابعت بعده المعارض العربية كمعرض القاهرة الدولي

بدأ في عام 1969، آنذاك كانت القاهرة تحتفل بعيدها الألفي،  فقرر وزير الثقافة آنذاك ثروت عكاشة الاحتفال بالعيد ثقافيًا، فعهد إلى الكاتبة والباحثة سهير القلماوي بالإشراف على إقامة أول معرض للكتاب وهكذا بدأت الدول العربية تنظم معارضها للكتب وتجعل منها عرسا ثقافيا تقام فيه الندوات وتلقى المحاضرات وتدعى إليه الأسماء الثقافية الكبيرة المشهورة لتقدم تجاربها وخبراتها الثقافية وتستغل دور النشر الفرصة لعقد صفقات البيع وكذلك الكتاب يبيعون كتبهم بالإهداء ويسوقون إنتاجاتهم الإبداعية وينتهزون الفرصة لإجراء حوارات ولقاءات مع وسائل الإعلام وكذلك الفنادق تتهيأ لاستقبال الضيوف الذين يأتون من ولايات بعيدة فيضطرون للحجز فيها والمبيت طوال أيام المعرض...

فالمعارض الدولية للكتب هي مقياس ومؤشر على مدى تطور الدول واهتمامها بالثقافة والاستثمار في عقول ابنائها ...

وقد صدق ديفيد ثورو حينما قال: "الكتب هي ثروة العالم المخزونة، وأفضل إرث للأجيال والأمم "..

والحضارة تبدأ بالاهتمام بالكتاب، قال والفيلسوف والأديب اللبناني ميخائيل نعيمة : "عندما تصبح المكتبة في البيت ضرورة كالطاولة والسرير والكرسي والمطبخ، عندئذ يمكن القول بأننا أصبحنا قوما متحضرين ".

***

الكاتب: شدري معمر علي   

..........................

1- وكببيديا.

1- الثقافة هي التي تسمو بالإنسان، وتقرّب بين البشر بصرف النظر، عن الجنس والعرق والدين واللون، وهي جسر حقيقي للتقريب بين الشعوب.

2- تدمير الدولة يبدأ بتدمير الثقافة ورموزها.

3- ثقافة القراءة جزء لا يتجزأ من الثقافة العامة والتعليم، وهي قادرة على زرع

الفضائل في النفوس وحماية المجتمع من الشرور.

4- للمثقف الحقيقي أفكار وآراء خاصة به، ولا يردد أفكار وآراء الآخرين.

5- تتقدم المجتمعات بفضل أولئك القادرين على التفكير بشكل مختلف عن 99٪ من الأشخاص الآخرين.

6- القراءة رحلة عبر الزمن لا تنتهي. 

7- القراءة إختيار طوعي، وهي متعة ذهنية وجمالية، ما بعدها متعة.

8- يتوقف الناس عن التفكير،عندما يتوقفون عن القراءة.

9- قراءة الكتب تلبّي عدة حاجات نفسية لدى المرء، بينها الحاجة الإنسانية الأساسية للشعور بالانتماء.

10- قراءة كتاب واحد بتأن وتأمل أفضل من قراءة مائة كتاب على نحو سطحي .

11- ان الشيء الذي تقرؤه في سهولة ويسر، هو شديد الصعوبة في كتابته.

12- الكتب المفضلة لدى اي شعب، هي التي تحدد وعيه وثقافته.

13- السمة المميزة للكتاب الجيد، أنك تستمتع بقراءته أكثر فأكثر كلما تقدم بك العمر.

14- أفضل وسيلة لفهم الأمة ونفسيتها وثقافتها هي الأطلاع على الأعمال الأدبية للمبدعين من أبنائها.

15- الحياة هي التي تخلق الكتّاب المبدعين، وليس النظريات والتيارات الأدبية.

16- الفن يمكن ان يساعدنا في إستعادة الإحساس بالحياة.

17- التأريخ يحدثنا عمّا حدث، والأدب يحدثنا عمّا يمكن أن يحدث.

18- ليس مهمة الروائي ان يقصّ احداثا عظيمة، بل أن يجعل الأحداث الصغيرة مثيرة للإهتمام

19- الكتابة الإبداعية واحدة من أقوى طرق التخدير الذاتي، وهي طريقة فريدة لمكافحة انعدام معنى الحياة والوجود.

20- يخشى العبقري دائمًا أن يكون ما يكتبه سطحيًا، في حين أن الكاتب السطحي لا يخالجه الشك بأنه عبقري.

21- الكاتب الذي يفتقر الى الافكار وموهبة التخيّل، يلجأ الى الحذلقة اللغوية الفارغة.

22- الفن هو التفكير بالصور. وعندما لا تكون الصورة واضحة في الذهن، تأتي غامضة في الكتابة.

23- لكل منّا قيمه الخاصة، ونظرته الذاتية الى الأشياء، والتي تظهر دون وعي منّا فيما نكتب.

24- الأدب الحقيقي يسبق المجتمع في إستشراف المستقبل.

25- ما أكثر الأحاسيس والمشاعر التي يعجز الانسان - أي إنسان - عن التعبير عنها بالكلمات.

26- كل الكتاب المتوسطين متشابهون . اما الكتّاب الكبار فانهم مختلفون، ولكل منهم عالمه الابداعي الخاص.

27- ليس ثمة أية قواعد للعمل الروائي، ما عدا تلك التي يضعها كل كاتب لنفسه.

28- رواج الكثير من الروايات السطحية يعود الى ان مستوى تفكير مؤلفيها هو بمستوى تفكير قرائها.

29- لا يمكن لأي كاتب أن يكتب نصاً إبداعيا حقيقيا، الا اذا نسي خلال الكتابة االرقابة الحكومية، والرقابة الذاتية والتابوهات.

30- الروايات العظيمة تأخذنا بعيداً عن الواقع لتملأ الواقع بالمعنى.

31- الكاتب الحقيقي ينتج أدباً، أما الكاتب المزيف فإنه ينتج سلعة، ولكن الكثير من القرّاء لا يميزون بينهما.

32- العالم الجديد الذي تصوّره وسائل الاعلام يروعنا ليس بفظاظته فقط.

، بل بتجاهله التام والشامل للقيم الأخلاقية والروحية.

33- لا توجد محكمة أشد وأقسى من محكمة الضمير.

 34- مأساة الوجود الإنساني تسهم في فهم الحياة على نحو أقوى وأعمق.

35- الأمل آخر ما ينطفىْ قي روح الإنسان.

36- أثمن ما يمكن أن تقدمه لأي انسان، هو وقتك، لأنك لن تستطيع استعادته أو تعويضه أبدا.ً

37- يخشى العبقري دائمًا أن يكون ما يكتبه سطحيًا، في حين أن الكاتب السطحي لا يخالجه الشك بأنه عبقري.

38- الإبداع ينقذ الانسان من رتابة الحياة اليومية الباهتة، ويسمو به الى ذرى الوجود الانساني.

39 - الهدف الأسمى لأي عمل إبداعي، هو إدراك معنى الحياة وقيمتها.

40-  لكاتب الحقيقي ينتج أدباً، أما الكاتب المزيف فإنه ينتج سلعة، ولكن الكثير من القرّاء لا يميزون بينهما.

41- الحبر الوحيد الذي يستخدمه الكاتب الحقيقي هو دمه.

42- الكاتب الحقيقي يكتب عن عالمه الروحي ورؤيته للحياة في زمنه، لا عن أسطورة ملفقة يثرثر حولها في رواية من مئات الصفحات.

43- الكاتب الحقيقي ينتج أدباً، أما الكاتب المزيف فإنه ينتج سلعة، ولكن الكثير من القرّاء لا يميزون بينهما.

44- تتصف الرواية الجيدة بثلاث خصائص رئيسية وهي: الإبداع، والإمتاع، والإقناع.

45- لكل منّا قيمه الخاصة، ونظرته الذاتية الى الأشياء، والتي تظهر دون وعي منّا فيما نكتب.

46- مهمة النقد غربلة الحركة الأدبية المعاصرة، والنظر اليها بعين الحق، لا بعين المجاملة.

47- لا يمكن للانسان الواعي أن يعيش في هدوء وسعادة ما دام هناك أناس يعيشون في شقاء.

48- لا تقاس الحياة بعدد الأيام التي عشتها، بل بتلك التي تذكرها جيداً.

49- العقل يصبو دائما الى المستقبل، والقلب يرنو الى الماضي.

50- االسلطة الفاسدة أو الجاهلة تخشى المثقفين الحقيقيين وتريد قطيعا مطيعا لا اناسا يفكرون.

51- ليس المهم ما حققته في الحياة من إنجازات، بل كيف عشت كل لحظة من حياتك.

52- نحن لا نموت حين تفارقنا الروح..بل قبل ذلك، حين تتشابه ايامنا، ولا يتغيّر فيها شئء سوى اعمارنا و اوزاننا.

53- التقدم التقني من دون التطور الأخلاقي والروحي، لا يسهم في تحسين الطبيعة البشرية، بل يهدد بقتل إنسانية الإنسان.

54- يمكن للإنسان أن يتحمل أقسى المحن إذا كان لحياته معنى.

55- الوقت أثمن ما يملكه الإنسان .ومن العبث، إضاعته في قراءة روايات هزيلة، في حين ان الأدب العالمي زاخر بروائع أدبية عظيمة.

56- على الإنسان أن لا يخشى الموت، بل الحياة الفارغة.

 57- يمكن للإنسان المثقف أن يتحمل أقسى الظروف، إذا كان لحياته معنى.

58- نحن لم نختر الزمن الذي نعيش فيه، بل نحاول أن يكون لحياتنا معنى. 

59- لا تستطيع المرأة تغيير الرجل لأنها تحبه، أما الرجل فإنه يغيّر نفسه لأنه يحبها.

***

جودت هوشيار

تنوعت الأعمال الفنية في  المعرض الشخصي للفنانة التشكيلية عائدة الكشو خروف والذي تواصل الى حدود يوم 25 أكتوبر الجاري بفضاءات العرض في المسرح البلدي بمدينة صفاقس وذلك بالتعاون مع مندوبية الثقافة وبلدية صفاقس ..

المعرض تجربة أخرى تخوضها الفنانة عائدة ضمن سياقات عملها التشكيلي وفق وعي مخصوص بعلاقة الابداع الفني بعوالم أخرى ومنها الطاقة وما تمثله للانسان والكائنات من حاجات حياتية مهمة..عنوان المعرض كمضامينه الفنية وهي المحيلة اليه وهو" الطاقة " وقد تطلب الاعداد والعمل بخصوصه فترات من الزمن ويندرج ضمن مشاريع الدعم لصندوق التشجيع على الإبداع الأدبي والفني لوزارة الشؤون الثقافية..

في هذا الخصوص وعن منجزها الفني في معرضها هذا تقول الفنانة التشكيلية عائدة الكشو خروف "...أعرض هنا أعمالا فنية متعددة التلوينات والتقنية تماهيا مع الفن في علاقته بالطاقة حيث العلم يتقدم في مجال الطاقات وقد افدت من الجوانب الفيزيائية وكذلك من الناحية التقنية ومنها الطاقة البحرية وقد بحثت فيها حوالي سنة ..في مثل هذا العمل الذي توغلت فيه كان هناك احساس..نعم ولا بد من الاحساس بالقوة في هذا العمل المضني والممتع  وهو ما عشته كما أني عملت على المادة والتشاف وفي لوحة "طاقة "هناك عمل تقني  مع " داتاشو "حيث ما هو لا مرئي يصبح مرئيا كما ان ذلك مكنني من عرض ما هو فراغ واعني طاقة الفراغ وعملت بقواعد كيميائية عبر تقنية الحفر ..و هناك أعمل اخرى. وكل هذا تم بحساسية فنية عالية عشتها مع الطبيعة في علاقة حميمة ويومية منذ صغر سني الى جانب ما يتوفر في البيئة من تنوع وطبقات وهذا رافقني منذ طفولتي والمهم في كل هذا انني اعي واعرف ما يلزمني عمله وفعله وانجازه...".

عمل فيه بحث أفدت خلاله كثيرا من المعارف والتقنيات والعلم وبالمناسبة أشكر هنا كل من المختصين في المجال على غرار الدكتورة إيناس الصافي والأستاذ خالد الكراي.

أعمال فنية.. لوحات مختلفة الأحجام والأشكال قولا بحسب الفنانة صاحبة المعرض عائدة كشو خروف بالفن اللامرئي المحيل الى ما هو غير مرئي في عناصر الطاقة وقد استعانت في منجزها الفني هذا بخبراء في مجالات الطاقة لمزيد اثراء الأعمال الفنية واكسابها حالات من التعبيرية الجمالية البينة .

المعرض شهد اقبالا من الفنانين التشكيليين وزملاء وزميلات الفنانة العارضة من المجالات الابداعية والتشكيلية فضلا عن النقاد والأكاديميين من معهد الفنون الجميلة بمدينة صفاقس.

تجربة جديدة للفنانة عائدة الكشو خروف ضمن نشاطها الفني التشكيلي بعد عدد من المشاركات الفنية والمعارض الجماعية وكذلك المعارض الفردية التي أبرزت فيها نظرتها المخصوصة للفن ومنها هذا المعرض الذي يشير بحسب الفنانة عائدة الى مكانة الطاقة كمعطى حيوي في حياة الناس وما يمكن أن يحدث بسببه من ارباكات ونزاعات وحروب وهنا تمضي الفنانة في رسالتها الفنية الدالة على كون الطاقة فكرة أمان وسلام قبل أن تشكل مشاغل ومشاكل في العالم وفق فهم الانسان المختل والمنقوص للأشياء والعناصر.

عائدة كشو خروف في سياق تجربتها ومعارضها الفنية ومنها المعرض الأخير "طاقة " بالمسرح البلدي بصفاقس فنانة تخيرت نظرة مخصوصة في كون الفن لا يعيش لوحده معزولا ومنعزلا عن قضايا الناس ومشاغل العوالم بل انه في صلب الاهتمام الانساني وقضاياه وحاجاته الملحة..انها لعبة الفن كطاقة حسية وجدانية حالمة ومعبرة تجاه الانسان والعالم.

***

شمس الدين العوني

Broken heart syndrome - هي حالة مَرَضية للقلب تحدث خاصة بسبب التعرض إلى مواقف مثيرة للتوتر ومشاعر شديدة الوطأة.

تسمى أيضا هذه المتلازمة باعتلال "تاكوتسوبو القلبي" (Takotsubo) وهو اسم  ياباني يستخدم لوصف الوعاء الدائري ذي القاع الذي يكون ضيقا من العنق، ويستخدمه اليابانيون لصيد الأخطبوطات وجعله فخا للإيقاع بها، ولأن شكل هذا الوعاء يشبه بدرجة كبيرة مظهر البطين الأيسر لقلوب المصابين بالمتلازمة، فقد سميت بهذا الاسم.

وتتمثل  متلازمة القلب المنكسر في أنه  نتيجة للحزن  و الضغوط النفسية والجسدية فإن الجسم يفرز هرمونات التوتر في الدم، مثل الأدرينالين والنورأدرينالين فتتداخل هذه الهرمونات بشكل مؤقت مع وظيفة القلب وتؤثر عليها، مما يسبب تشنجا في الشرايين التاجية لينتهي الأمر بحدوث خلل في تدفق الدم إلى القلب..خلل يؤدي إلى ضيق في التنفس وأوجاع في الجنة اليسرى للقفص الصدري.

ما أكثر الأحداث التي عشناها فانكسرت لها قلوبنا..فقدان قريب ..خذلان حبيب..انطفاء صديق..

إن ذاكرتنا وهي تستحضر تلكم المواقف التي عشناها وانفطرت قلوبنا بسببها نعجز معها على وصف ما ٱلمنا، حينها، بالعبارات التي تقتضيها مشاعرنا..تكون الذكرى موجعة إلى درجة نعجز معها عن وصف شدة الأسى.

 ربما أصبنا وقتها بمتلازمة القلب المكسور..

من المؤكد أنها لم تود بحياتنا ولكن من الراجح أننا أحسسنا بمضاعفاتها.

ربما  لو راجعنا الطبيب خلال حزن ألم بنا أو وصب كابدناه  لأكد لنا المضاعفات التي حصلت بسبب ذلك  كتراكم السائل في الرئتين أو عدم انتظام ضربات القلب أو احتمال حدوث جلطات دموية في القلب.

ونحن نتابع ما يتعرض له إخوتنا في ف-ل-س-ط-ي-ن من إبادة تدمى لها القلوب..صحيح أننا نشعر بألم كبير من أجلهم ..ولكن ماذا يساوي ما نحس به بالمقارنة مع أم يدفن العدو أولادها أحياء أمام عينيها..أمام رب أسرة قضى كافة أفراد أسرته بفعل قنبلة ألقاها العدو..ماذى يساوي ألمنا أمام لوعة من يشاهد أشلاء أقاربه وجيرانه متناثرة وليس هناك أكفان تكفيها وتسترها..أمام والدين يتضور أطفالهما جوعا وعطشا والمؤونة تنفد والحدود مغلقة..

أمام كل هذا وأكثر.. أمام كسر قلوب إخوتنا..أمام التنكيل بهم، ماذا تساوي انكساراتنا..وماذا تعني معاناتنا ..ومامدى وجع خيباتنا وٱلامنا بالمقارنة مع ما يشعرون به؟

***

درصاف بندحر - تونس

ترميم الثقافة بمكناس يشابه تأهيل المدينة العتيقة المهترئة من حقب الزمن الماضي. فالمدينة باتت تنتج القصور الثقافي الملازم، وتسلية الزمن التنموي التكميلي بمهرجانات لا أثر لملمح الجدوى فيها. فيما القبة الخضراء، فهي تعيش في جفاء إن صح التعبير مع مكونات الثقافة بمكناس. قد لا نتعلم من نقاش أزمة الفعل الثقافي بمكناس الحوار الديمقراطي، ولكن قد نتعلم لزوما منه، التخلي عن مواقفنا السلبية المسبقة، وعن فكر الإقصاء والاستئصال. نتعلم بدايات طرح السؤال المستفز: هل مكناس تعيش أزمة ثقافة، أم بنية الأزمة الكلية؟ من هذا قد نتعلم فسحة من الأجوبة غير السفسطائي، وغير البلهاء بالتراخي.

مكناس تَهربُ الثقافة منها بدا، ونحن لازلنا نقعد ونفكر في استلهام علامة لمدينة الثقافات! ففي النقد المباح، نرفع الحرج عن الذات، وعن الآخر المؤسساتي (الرسمي)، لكنا في الحقيقة سواء في تحمل تبعات نكوص وتخلف الفعل الثقافي بالمدينة. وعند البحث عن السبب والعلل، نجد عوامل صغرى وأخرى كبرى، ساهمت في التخلف الثقافي، ساهمت وبقوة العوامل الداخلية المنتجة للفعل الثقافي المؤسساتي بالمدينة في تتميم وتثمين بناء هرم أزمة الثقافة بمكناس!!

من حقيقة الفرضية، أن معوقات التنمية بمكناس ليست لصيقة بالسياسة، ولا بالنمو الاقتصادي، بل هي آتية من عوامل إتلاف الثقافة المرجعية للمدينة، والتي ضيعنا فرصا بمتتالية (ادفع) لإعادة الاعتبار لمكناس بالمكانة المعيارية، وصناعة نهضة ثقافية تكون الحصن الحصين لموجهات التنمية الركيزة في بناء الإنسان والمكان. فإذا كانت المسؤوليات الأولى في القبة الخضراء (المركز الثقافي محمد الفقيه المنوني)، في شق حماية الوجه مُسْبقا من كل الضربات الجانبية، تعمل على افتتاح الموسم الثقافي بالاحتفاء والصورة النمطية (الثقيلة) و(المفبركة)، فإن إمطار النقد لهذه القبة بوابل من العتاب اللين، ممكن الوجود بالترميز والتصريح، على اعتبارات أساسية فرز المعوقات الداخلية لهذه القبة الخضراء بالتشخيص !! والعمل على إيجاد حلول لما سد الخبر من مبتدأ الثقافة المغيبة بمكناس.

طبعا، نحن لا نتحدث عن ثقافة المهرجانات (المنشارية) المدعمة بالكرم الحاتمي، ولا عن ثقافة ندوات الظل والرطوبة الوسائطية، فاليقظة الثقافية العالمة بمكناس باتت سلعة تاريخية نادرة، بمرجعيات المدينة المنهكة في خلافاتها الجدلية. وهذا ليس هو القاعدة القطعية في الثقافة السائدة بثابت الحمولة النظيفة (الاستثناء)، وبمتحول المؤقت الدخيل بالتفاهة الرخوة (المتغير). لن نختلف باعتبارنا للثقافة سلطة واضحة وحاكمة وغير مرئية (طَاقيةُ الإخفاءِ)  لصناعة مستجدات القيم والسلوكيات، وتجسير التحولات الاجتماعية بتوليفة التواؤم. لن نختلف بتاتا، ويمكن الافتراض أن تكون أزمة الثقافة بالمدينة، معولا يعوق نمو ذكاء الساكنة، وسياسة التمكين الشمولية.

إن عطب المدينة الأول، هو عطب أزمة الثقافة التفاعلية. عطب في غياب امتلاك الثقافة السياسية والتنموية. عطب مزدوج آت من شق البناء الاجتماعي والديموغرافي، وغياب استيعاب عناصر التحولات التي جانبت القيم والأخلاق النظيفة. إن الهندسة الثقافية بالمدينة، لن تتم عبر برنامج سنوي من مند وبيات وزارة الشباب والثقافة والتواصل، بل الهندسة الثقافية المندمجة، وما يليها من هندسة الأبعاد السياسية والاقتصادية، تتكون بداية من فهم رهانات المدينة الكبرى، وتلك الأذن للإنصات صاغية على اعتبار أن" الثقافة مسلك تكوين أكاديمي/ هندسي/ تواصلي...).

فالدعوة التي يطفو الرأي الرصين من خلالها كخلاصة من هذا (البوليميك/Polemique) في أزمة الثقافة بمكناس، هو البحث عن الفئة المستهلكة للثقافة من ساكنة مكناس، وعن حاجياتها السبقية، قبل إيجاد المثقفين الأوائل والجدد، والمتفهمين من جيل مهرجانات الثقافة (المنشارية/ طَالعْ وَاكلْ... نَازَلْ وَاكلْ)!  إنها مكناس يا سادة  من فضلاء ثقافة القبة الخضراء، ومن يليهم بالصفات والألقاب، التي تحاول الإقلاع من دوامة دوارة المعيقات المتعددة المشارب! إنها مكناس التي باتت تُراهن على إحياء عمقها التاريخي، وإعادة توظيف الموروث الثقافي الأصيل المادي واللامادي، في غياب النهضة الثقافية الموازية.

***

متابعة للشأن الثقافي محسن الأكرمين

قضيت سهرة في حوار إستنزف طاقتي وأعصابي مع مراهقي جيل الألفية كنت أحكي لهم عن مراهقتنا وعن تلك الفجوة السحيقة بين الأجيال..

أنا من جيل الثمانينات الجيل الذهبي  الذي شهد صراعات وحروب وبداية تحول العالم إلى التطور التكنولوجي الممل الباهت وغياب للمتعة الحقيقية. شهدنا حرب الخليج وغطينا نوافذنا بأوراق الألومنيوم والأكياس السوداء في حالة من الرعب والترقب والكثير من الأمل، أقمنا في منزل عمي الأكبر رحمه الله مع عائلة من أشقائنا الكويتيين لعدة أشهر،  كأطفال كنا نلعب في الفناء ثم ننقسم إلى أحزاب وينشب نزاع حاد على قطعة حلوى ينتهي حالما تنزل أمهاتنا ليخبروننا أننا إخوة نحضن بعضنا ونتقاسم الحلوى بالتساوي ثم نتعاهد على الصلح.

عند كل صافرة إنذار يحملني أخي على أكتافه قائلاً "عند بدء الصافرة يستطيع بابا سماعنا" ألوّح لأبراج المراقبة والأقمار الصناعية بكل قوتي وأصيح في الشارع وأنا على يقين تام أن صوتي سيصل إلى والدي المرابط في الجبهه كي يعود إلينا سريعاً، لا أذكر كيف إنتهت الحرب ولا متى ولماذا بدأت ، معتقدة أن الحرب كان من الممكن أن تنتهي كما ينتهي شجارنا في الفناء، تأتي أمهاتنا ويذكروننا أننا إخوة ثم نتقاسم الحلوى بالتساوي ونتعاهد على الصلح ، يؤرقني سؤال "كيف لنا كمسلمين أن نقتل بعضنا؟"  أسأل بقلب طفلة يلتهمه الحيرة ولم أتلقى إجابة مطلقاً.

في الحب..

كفتيات إستشعرنا معنى دعاء "اللهم إنا نعوذ بك من كآبة المنظر وسوء المنقلب" ورأينا "كآبة المنظر" أمام أعيننا ، شباب يتصرمحون في الشوارع بأشمغة الكوبرا يتجولون بسيارات من نوع "الكوريلا والكامري والكرسيدا" يمسكون بلوحات بيضاء مكتوب عليها رقم هاتف بأكبر خط ممكن يعبرون عن إعجابهم عبر أغاني مسرّعة وبمعجزة ما كانت أسماؤهم جميعاً "فهد أو خالد"

أما "سوء المنقلب" فهو وقوعنا بالحب.

ومع ذلك وبالرغم من كل الرذى أحببنا بصدق..

لعنّا المسافات وكرهنا البعد، وعرفنا ماذا يعنيه الشوق والحنين،إشترينا بطاقات  "ألو وزجول" للإتصالات المحلية والدولية وتعلمنا أن نقول كل ما أردنا خلال عشرة دقائق لأن الوقت والظروف المادية لم تسعنا لدفع ثمن بطاقة أخرى فضلنا أن نوفره لشراء "كاسيت" لألبوم أغاني كاظم الساهر وماجد المهندس وإيهاب توفيق وأغاني الزمن الجميل لنشغله في محادثتنا القادمة على مسجل محمول ونسمعه للحبيب.

تعلمنا كيف نحشو كلماتنا بالعاطفة بأي طريقة نعبّر؟ وأي شعر نقرأ؟ وهل نتكلم نحن ونعترف بكل صراحة وجرأة؟ أم نختبيء خلف أغنية؟

كان إشتياقاً حقيقياً ساخناً موجعاً، شعوراً يختلف كثيراً عن الشوق الإفتراضي الآن..

قرأنا دواوين نزار قباني والأمير خالد الفيصل وكبرنا على قصص الحب الخالد والعذري. في صالوننا مسجل قديم يعود لجدي وإسطوانات أغاني أم كلثوم وعبدالحليم حافظ ،كنا نجلس على ضوء الشموع وتلك الألحان تصدح بالمكان بسهرة شاعرية دافئة مع أمي وخالتي وعماتي يحكين إلينا عن زمنهم الجميل ويشتكين أيضاً من صراع فجوة الأجيال..

كتبنا رسائل ورقية مرفقة مع صورنا التي انتظرنا تحميضها ووضعنا معها ورود حمراء ذبلت وماتت في طريقها الشاق للحبيب  إحتفظنا بها في علب حديدية بمفتاح صغير لايملكه سوانا، ذهبنا لغرف كبائن الإتصالات لمحادثاتنا العاطفية وعرفنا معنى السرية، معنى الخصوصية ، معنى القداسة قبل أن يتجسس علينا العالم..

رغم أنني كنت صغيرة جداً على الحب لكني أردت دوماً أن يعترض طريقي بالصدفة وأعيشه على تلك الطريقة التقليدية.

دائرة معارفنا محدودة ولاتتخطى الجيران وصديقات المدرسة لعل هذا ما أضاف لها عمقاً إستثنائياً ، لم نمتلك وسائل ترفيه كبيرة لهذا كان علينا أن نخلق متعتنا بأنفسنا..

إعتدنا انا وبنات الجيران أن نجتمع في السطح نحضر الكعك والشاي والقهوة العربية وسجادة حمراء نجلس عليها نخبيء مسجل صغير لسماع أغاني عبدالكريم عبدالقادر بصوت منخفض  خوفاً من أن يصعد جارنا الملتزم ويكشف أمرنا،نصغي بإنتباه إلى قصة الحب السرية لجارتنا بإعتراف إنتظرناه سبع سنوات نتجاوز حقيقة أن ذلك الحبيب الشبحي لايعلم عنها شيئاً وأن قلبه مع فتاة أخرى ..لم يكن المكان ولا الأجواء شاعرية بل كان سطح يعلوه الغبار تتدلى منه الأسلاك الكهربائية وخزانات المياه وحبال الغسيل، يختلط صوت عبدالكريم عبدالقادر بأغنية "الحب لك وحدك" مع صراخ الأطفال في الشارع وشتائم لاعبي كرة القدم النابية.

ومع ذلك وجدنا المتعة في تفاصيل صغيرة، منظر غروب الشمس،  نسمة الهواء، جمال عيون خلود وجاذبية كثافة شعري، في بساطتنا ومنظرنا بالبجامات وقمصان النوم وذوق فاطمة الكارثي في الملابس في جمعتنا، في مواضيعنا وقصصنا حقيقة كانت أم ملغمة بالأكاذيب..لايهم

و لأنني كنت لا أمتلك قصتي الخاصة أعيش الحب بحياة الآخرين أتقمص معاناتهم وأكتب النهايات التي تمنيتها طويلاً، أعتقد أن كيوبد"إله الحب في الأساطير الإغريقية" قد زارني في إحدى الليالي المظلمة ليطلق سهم حب واحد أصابني في رأسي ثم أدار ظهره وهجرني للأبد ليتركني بطاقة حب مهدرة وبثروات عاطفية مهملة أسأت إستخدامها ..

في المدرسة..

معظمنا ذهب للمدرسة مشياً على الأقدام، داومنا في الحر وفي الصقيع وتحت المطر وإمتحنا في نهار رمضان لأننا كنا نعلم أن للنجاح طريقاً صعباً وشاقاً لايختصر بمجرد فتح حساب على سناب شات والتيك توك وتجميع متابعين وثمناً حقيقيا غالياً غير صناعة المحتوى الرخيص وإثارة الجدل..

كان للمعلم قيمة وتقدير وهيبة والمعرفة صعبة والوصول لمعلومة ما ليس في متناول الجميع وتحصيل الدرجات إشترينا أشرطة الفيديو ذات الجودة السيئة لشرح أساتذة الرياضيات والكيمياء والفيزياء

كنا نبيت مع بعضنا أيام الإمتحانات لنداكر سوياً وللكثير منا عضوية في مكتبة المدرسة أو المكتبة العامة نتفاخر بدرجاتنا لأننا لم نحصلها بسهولة  نذهب مع أمهاتنا لإستلام الشهادات صباحاً بفساتين العيد ثم نتسلل خفية للبقالة نشتري تسالي وألعاباً نارية..

في العطل المدرسية..

لم يمتلك العديد منا رفاهية السفر كل عام نسلي أنفسنا بالمجلات الفنية وأخبار المشاهير نقرأ صفحات الأبراج وصفحات طالبي الزواج نقلب التلفاز على قنوات الفيديو كليب ونلعب لعبة إختيار رقم عشوائي لقائمة العرسان في المجلة ونهديه الأغنية القادمة نعطيهم أسماء ونتنمر على بعضنا بإختيارتنا وتعاسة حظنا الذي كثيراً ما حذفني إلى اليوم على العجائز ومراهقي الخمسينات ..

نجتمع لمشاهدة أفلام الرعب أو سماع قصص عفاريت كبار العائلة وبطولاتهم الماورائية

إلتزمنا بنظام حمية غذائية صارمة وتابعنا برامج مريم نور وأعشابها السحرية فتناولنا الطحالب البحرية وشربنا شاي الكمبوكتا والأمبوشي وخبز الشعير ومحلول الكركم  وجدول عناية شخصية طوال عطلة الصيف لنبدو بأجمل صورة عند عودة المدرسة أو ربما لعريس منتظر..

كنا نملك دليل الهاتف الضخم بأوراقه الصفراء لأرقام معظم عائلات مدينتنا ولأني أبتليت بخرافة الحب الأسطوري الذي سوف يظهر من العدم تخيلت أني ربما أعثر عليه برقم عشوائي أختاره مغمضة العينين من دليل الهاتف  كل مصيبة وقعت بها أكبر مما قبلها بسبب هذه القناعة..

نحن جيل لم تركع عند أقدامنا الفرص ولم نصل إلى ماوصلنا إليه بسهولة ولم نتعلم فنون الإقناع والغواية والوصول السريع.

لهذا ..نقدر كل شيء.

***

لمى ابوالنجا – كاتبة سعودية

خلال حياتنا اليومية نواجه العديد من المنغصّات الاجتماعية والسياسية التي تفسد علينا متعة الفوز بلحظات هانئة بعيدة عن كل ما هو ثقيل يعكّر المزاج  ويزيد من التوتر النفسي الناتج عن ضغوطات العمل ومتطلبات العيش وكوارث الطبقة السياسية، ومن بين هذه المفسدات هو تواجد الثقلاء في مجالسنا، فقد كشفت تجارب الحياة الاجتماعية ان المجالسة تطيب بخفة الجلساء، فكم من المجالس الممتعة دخل عليها ثقيل فأفسدها بتفاهة حديثه وتطفله وسذاجته، فالثقلاء لا يفسدون المجالس فحسب انما ايضا يسقمون الروح فقد قيل للأمام والفقيه "الشعبي " هل تمرض الروح ؟ قال : نعم من ظل الثقلاء، والثقلاء هم فئة من الناس الذين لا تطاق معاشرتهم لأنهم يفتقدون الى الكياسة والتهذيب وسوء التعامل مع الاخر وكذلك اصحاب المشاعر المتحجرة، وبسبب هذه الخصال التي فيها الكثير من الغث صارت هذه الفئة هدفا للذم والتحذير من مصاحبتهم والجلوس اليهم لما في سلوكهم من ذمامة غير محببة في المجالس والصداقات، وقد ترددت شكوى الشعراء والأدباء من الثقلاء فوصفوهم بأسوأ الأوصاف حتى ان الشاعر احمد  شوقي كان شديد الدقة في تصوير الكره للثقيل في قوله:

سقط الثقيل من السفينة في الدجى

فبكى عليه رفاقه وترحموا

حتى اذا طلع الصباح أتت به

نحو السفينة موجة تتقدم

قالت خذوه كما أتاني سالما

لم أبتلعه لأنه لا يهضم !

والأشعار في الثقلاء كثيرة وفي كتب الآداب مشهورة، فقد كتب العلماء والأدباء الكثير عن اخبار الثقلاء والتحذير من مخالطتهم حيث  تصدر اسم الثقلاء عناوين كثيرة من الكتب، كما تزاحمت الشعراء والأدباء على ذكرهم وكانت كلها تتضمن ذمهم وتدعو الى تجنب مؤانستهم ووصفهم بـأنهم ( أثقل من ثهلان ) وهو جبل ضخم من نجد وكان أكثرهم رأفة بالثقيل من وصفه بأقل من جبل ثهلان وذلك في بيت الشعر الشهير:

أنت يا هذا ثقيل وثقيل وثقيل

أنت في المظهر إنسان وفي الميزان فيل

وخصلة سيئة اخرى يمتاز بها الثقيل هي الفضول والسؤال عما لا يعنيه  ومن الحكايات الشهيرة عنها، هي : ان احدهم سأل الشاعر بشار بن برد ــ وكان أعمى ــ ما أذهب الله كريمتي مؤمن الاّ وعوضه الله خيرا منهما، فيم عوضك ؟ قال بشار : بعدم رؤية الثقلاء من أمثالك .

كما كتبوا في بلاهتهم وعدم احساسهم بالحرج من سوء افعالهم فقد قيل  ان صديقا زارَ أخا له، فمكثَ عندهُ شهرًا كاملًا، فقال صاحبُ الدار: ألا تظنّ أن عائلتك قد اشتاقتْ إليك؟ قال: أعرف ذلك، وقد كتبتُ لهم أن يقدموا إليَّ هنا.

هذا بورنريه غير مكتمل  لصورة الثقلاء فهو غيض من فيض مما وصف وقيل فيهم .

***

ثامر الحاج امين

هذا ما جاء في رسالة وضعت في مظروف داكن السواد تحت باب احد المفجوعين بولده في صباح يوم لم تشرق فيه الشمس بعد.

يوم تشريني. الشفق الأحمر يغطي الأفق البعيد ودخان كثيف يلف المكان. حسب الإحصاء الرسمي وهو دائما ما يجانب الحقيقة ويخفي قدر المستطاع وقائع الأحداث ونتائجها، ولكن اليوم اضطرت السلطة  في نشرة الأخبار المسائية، الإعلان  وعلى لسان ناطقها الرسمي ، عن عدد الشهداء الذين سماهم بثلاثة  قتلى، وأكمل جملته الصماء اللئيمة بكلمة لا غير.

ولكن ما أعلن رسميا عنه، ما كان ليطابق إحصاء من وقف وشاهد الواقعة عند ذلك المساء الكالح. فجميع من حضر الواقعة تبادل الروايات مع البعض ودون في ذاكرته ، خمسة شهداء دون نقصان.  جميعهم كانوا يتحلقون حول عربة التك تك ذات اللون الأصفر البراق، وتدلت عند مقدمتها قطعة قماش بيضاء صغيرة كانت موضوعة تحت مصباح الإنارة، كتب عليها بخط مرتبك، أريد وطن.

***

كانوا يتراقصون جذلا ونشوة على أنغام موسيقى أغنية كاظم الساهر " وين أخذك وين أنهزم بيك.. بضلوعي لو بعيوني أخليك " فجأة باغتهم سيل رصاص وقنابل دخان. سقطوا جثثاً هامدة جوار عربة التك تك،كان ذلك في ساعة نحس عند نقطة قريبة من مفترق نفق ساحة التحرير الذاهب نحو شارع الجمهورية .

بقع الدم التي خلفتها أجسادهم الغضة إثر عربدة سيل رصاص ما سمي بالطرف الثالث، راحت تسيح فوق الأرض الإسمنتية .ما كان بمقدور احد أن يحدد اتجاهات انسيابها، ولكن الدم  كان فواراً قانيا أحاط بعربة التك تك من جميع أطرافها، ثم أنحدر ليتجمع أمامها، فاختلط مع بعضه ليكون بقعة دم كبيرة قانية.

بين هؤلاء الشهداء من جاء العاصمة من قرية قريبة من بلدة الرفاعي في الجنوب، وهناك من أتى تاركاً وراءه محلة الطويسة في البصرة، وثمة آخر يسمي نفسه بالمعيدي كان قادما من مدينة الشعلة،وحده أبن الأعظمية كان الأنيق بين هؤلاء رغم اتساخ ملابسه خلال عشرة أيام مضت دون رغبة تساوره في الذهاب إلى أهله والاغتسال بحمام دافئ. بينهم من هو دون دالة أو هوية، ولكنه كان أكثرهم مرحا وإفراطاً بالهزل، وكان وفي كل مرة يروي شيئا عن قسوة ما كان يلقاه على يد صاحب العمل، ينهي حديثه بضحكة طويلة شبيه بكركرة طفل. أما ذاك الصغير المقصب الشعر صاحب البشرة الداكنة، الضاج بذكر مغامراته العاطفية، وما كان ليتوقف عن سردها حتى وإن تلقى تشويش واستهزاء رفيقه المسمى المعيدي. بينهم من يرفض اليقين بتاريخ ولادته المدونة في الهوية التي يحملها. صاحب الكنزة البنية يقول إن حياته تخلو من أي أهمية يود ذكرها لرفاقه، فقط الشيء المهم الذي ممكن أن يبعث في روحه الفرح هو منظر عربة التك تك التي يمرر عليها صباحا برقة متناهية قطعة القماش المبللة وهو يصفر لها بأغنيه كان يعشقها.

صباح الخير يالوله.

لوله، اسمها الذي أطلقه عليها حين أبتاعها له خاله صاحب بسطة الملابس المستعملة.لم يكن يدري السبب الذي دفعه لإطلاق أسم لوله على عربة التك تك، ولكن الأغنية كانت تستهويه لذا علقت بذهنه ذلك الصباح البلوري المبهج، وحان لها أن تكون أسما لعربته، فاخذ يغني لها مزهوا.

يعز من يبات قانع من الرحمن يتطلب

يذل من يبات طامع يبات الليل يتقلب

على الجنبين يالوله ولا يرتاح يا لوله

صباح الخير يالوله  صباح الخير.

ثم يروح بموجة من التصفيق والقفز راقصا حولها كالهنود الحمر، يشاطره فرحه  بحمية وصخب بعض أصحابه.

***

حين أنبلج ضوء الصباح كان شاحبًا رجراجًا مغبرا، وثمة أصوات أنين وبكاء خافت تتسرب من جوف نفق التحرير. في البعيد تختلط نداءات تحذير وتحوط  ترافق أصوات رشق رصاص وانفلاق قنابل الغاز. ثمة ضحكات صاخبة وضجيج مزاح يأتي من الطابق الثاني للمطعم التركي.

عند ذاك الفجر الندي، جلست خمس نسوه مصفوفات متراصات بسوادهن حول بقعة الدم، يحطنها مثل السِوار، نائحات مفجوعات، يغطينها بعباءاتهن الكالحة، كان دمعهن مدرارا يخالط بقعة الدم الخاثر الذي يلتصق بثيابهن فيأخذنه ويهيلنه فوق رؤوسهن.هكذا كان الحدث وسوف يتكرر.

لكم الصبر والسلوان ولأرواحهم السلام والذكر الخالد.

***

فرات المحسن

غير ما مرة تصيبني أزمة لعنة الكتابة التي تماثل لعنة الشيطان الكبرى، فأبيت ليلي محاطا بكوابيس من جهنم. مرات عديدة لا يُسعفني التفكير على إنتاج جملة مبعثرة، فبالأحرى الأفكار المتناسقة. مرات متكررة من ليلي، أبِيتُ ألعن كل الكتابات التي لا تقتحم مناطق الظل المتكهربة، والتي لا تبحث عن معنى جديد للحرية. ألعن كل الكتابات التي لا تحمل أسلحة مقاومة أشكال الفساد والتفاهة والتغرير بلا نهاية. ألعن كل الكتابات التي لا تُفزع عش الدبابير بنار التنوير والتجديد والحكامة.

لن تغنينا كل الكتابات نفعا إن لم تسعنا بوابة العيش المشترك، والسعيد في حضن تأمين السلام وجودة الحياة. وقد لا نصل إلى التحديث المتكامل بتلك العقلانية العمودية المنتصبة بالنقد وتفتيت صفحة البدائل، ولكنا في نفس الصفحة البيضاء يجب الإبقاء على السيرة التاريخية للوطن والمجتمع التضامني حاضرة، وتأصيلها بالتداول الرمزي والتكافلي.

حقيقة متزاحمة بالتراكم، فكم استهلك المجتمع توابل التنوير والحداثة (البعدية)، لكنا بالمقابل بقينا أوفياء لقيم ثقافة الأجداد، والإرث الشعبي المتواتر بالنقل. بقينا نلاعب التصورات الفلسفية والفكرية، من منظور وضعياتنا الاجتماعية والسياسية، ونحن نبحث عن حلول لاصقة لتحديد أجوبة عن (من نحن؟ ومن الآخر؟). ومن بين المستملحات، وكانت ضمن خيبة رسوبنا، فقد أصبحنا (نحن) لا نُحسن مشية الطاووس (الآخر)، ولا نتقن حتى ما علم الغراب (قابيل) من عمليات دفن أخيه القتيل.

لم يَعدْ أحادي المعرفة متمكنا ولا أقصد مسلك اللغة، بل بات البحث عن التنويع الثقافي مشروعا لتشكيل الهويات المشتركة، وسد فجوات الهوية الفردية المجحفة. فمن الأكيد أن البحث عن الملاءمة الكونية (أنا والآخر) أصبح بحث مُضنيٌ، وغير ميسر في ظل صراع الحضارات المتنافرة. ومن نوافل القول: حين يبقى التفكير متحركا على بِرْكة من الخوف، ويحتفي بالرمزية التقليدية في القادم من الحياة، دون التفكير في نواعم السعادة والتجديد، تنتهي سلطة الترقي العقلي.

من الأكيد أننا نفكر في السعادة وجودة الحياة، مثل رؤية قبلة البطل للبطلة الجميلة في نهاية فيلم الحياة، ونحن لا نفكر غير في النهاية السعيدة من همِّ الحياة. لنُقَعد قولا: فحين تُفسد السياسة العامة للدولة ومكوناتها الحزبية، قد تفسد المؤشرات الكبرى البنائية لزوما، ويصبح المستقبل متقلبا بالتوتر. من هنا فاعلم أن عيش الهوية لن يكون سويا في الغايات والموجهات المشتركة، بل يتحدد في إنشاء مخفضات للصدامات غير المحسوبة ولا المقدور على ضبط أثرها.

فكم كان فصاحة الحمار تصريحية حين قال: بصيغة المطالبة بمقاربة الإنصاف في الأكل والمشرب والنوم مع نوع جنس الجمل، فحين بقيت تلك الحصيرة الخفيفة لانطلاقة رحلة التغيير، صاح الحمار حكمة (زيدها ما نايضش ... ما نايضش...). هو التمثل الكافي بين رؤية الحمار و صمت الجمل حين حملنا الديمقراطية ما لا تطيق من كمّ تعليق الحرية على مشجبها. حينها أغفلنا سلطة الحكامة الحاسمة في التخطيط والمتابعة والضبط، حينها بتنا نصنف القوم بالتمايز والتفاضل فمنهم (الذهب الخالص) لمن يوافقنا الرأي ويقول: دوما (نعم) وبلا نقاش ولا جدال ولا مطالب، لأنه أصلا مستفيد من الريع (حلال) .

حينها صنفنا المعارضين والناقمين على الوضعيات الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية باسم (الحديد المصدي). حينها بات أصحاب الأعراف والوسط، من الذين يجمعون حسنة (الذهب المشحر) من التحكم، و منقلب رمز (الحديد المصدي) عند من نصبوهم من الشعب للترافع عنهم. هم إذا، فصائل من قومنا من متغير (النحاس المصقول)، والشبيه بالذئب الذي يبكي مع الراعي حين ضاعت أغنامه ، ويلهو مع الغنم المغرر بهم خفية، وهو الذي يأكل من أغنام (الراعي)، ويستغل سياسة (الريع حلال) عند غفوة الجميع.

تسقط مِنَّا الحكمة لزوما، حين بات القوم خليطا غير متجانس من المعادن والكائنات المتحركة. تسقط الحكمة، ومن بابها تسقط لعبة الديمقراطية التي لم يقدر تعبير الحمار الاستدلال عن مفهوم (الإنصاف والمناصفة). اليوم بات الفعل السياسي والثقافي من الخطابات التي لا تصنع نمارق السعادة. بات فرح السعادة من الصعب أن تجسدها أية كوميديا (ملهاة) مسرحية. بات الفرد يمشي وهو يفكر بجسده كأنه جثة متحركة بلا عقل، وهو لا يعلم أفق الانفراج وجودة الحياة.

***

محسن الأكرمين

لا أريد السفر

لا أريد أن أرى بلاداً أخرى

أعيش وأموت هنا

هناك نوع من البشر يرتبطون في الأماكن لدرجة أن أرواحهم تصبح جزء من الحجارة والأشجار والتراب؛ هناك نوع من البشر لا يهتمون بالعواصم العالمية ولا السياحة الجذابة، بشر عاشوا في مكانٍ واحد بيتٍ واحد وتحول إلى عاصمة ودولة وكوكب صغير يمتلك أرواحهم وتسكنه أجسادهم؛ هناك بشر تجاوزوا كل الشهوات والمتع الجسدية وسخروا حياتهم للآخرين، ماذا يحبون وماذا يريدون، وقبعوا في ذلك البيت الصغير أو الكبير يرون العالم من خلاله دون تلهف ولا رغبة، وينظر إليهم العالم باستغراب لأنهم ليس لديهم أدنى فضول ليكونوا في مكانٍ آخر غير هذا المكان.

هذا النوع أصبح حجر في البيت وشجرة في الحديقة ونافذة في الجدار، لم يعيش سوى في ذلك البيت يزرع أشجاره ويرمم أي حجر به ويربي حيواناته التي يحبها وتحبه.

يكفي أن يجلس على شرفة منزله في الصباح يشرب الشاي ويفطر مع أولاده تحت أشعة الشمس الدافئة كي يتحول الكون إلى جنة على الأرض، يكفي أن يناديه جاره ليساعده في أي أمر من الأمور ليذهب راكضاً إليه لأنه جاره وأخيه منذ عشرات السنوات بل منذ الأزل وإلى الأبد، يكفي أن يذهب على شاطئ غزة يجلس على إحدى صخور الميناء المهترئ يراقب بحر غزة شديد الزرقة وأمواجه التي لا تتوقف عن ضرب أحجاره لسنوات وسنوات دون أن تتمكن من إغراقها وسحبها لأعماقه، تأبى أحجاره الميناء المهترئة أن تغرق كي لا يحزن أهل غزة لأنه الميناء الوحيد لمدينتهم، ميناء وحيد ومهجور ولكنه يجعل أهل غزة يشعرون أنه توجد لديهم صلةٍ ما مع العالم الخارجي، يحلمون بأنه ربما تأتي سفنٍ ما يوماً ما تحمل أقاربهم وأهلهم في الشتات، أن تأتي البضائع والتجار، أن تأتي الحياة مع تلك السفن الآتية من خلف الأفق، ولكن لا أحد يأتي ويبقى الميناء المهجور في الانتظار وفي مقاومة الأمواج.

يكفي أن يمشي في شوارع غزة يشتري سندويشات الفلافل مع أولاده ويأكلون البوظة في محل كاظم، ثم يشترون الأشياء الجميلة في شارع عمر المختار؛ يكفي أن يزور جدته وأقاربه ويجلسون تحت شجرة التين الكبيرة، يضحكون ويأكلون وينسون ولو لبعض الوقت من استشهد ومن تم إبعاده ومن رحل ولم يعد ومن مات قهراً ومن مات حزناً؛ يجلسون معاً كي ينسوا تلك البنادق المصوبة عليهم عند نقطة "إيرز"، كي ينسوا أنهم حين يسافرون يكون سفرهم قطعة من الجحيم.

يكفي أن يشعر بذلك الدفء والكرم والمحبة في قلوب من حوله، لم يكن يريد حباً آخر، ولا بلداً أخرى، ولا وجوهاً أخرى؛ اكتفى بغزة بحزنها وجمالها ووحدتها وعزلتها وصمودها، اكتفى بها قطعة في القلب ونور في الروح، حتى أنه حين يسافر لأي بلدٍ أخرى يشعر بالاختناق ويريد أن يعود مسرعاً إلى بيته وأهله وغزته.

أجل، هناك بشر يرضون بالقليل ويجدون أن هذا القليل كثير ولا يريدون غيره، ولكن حتى هذا القليل أصبح كثيراً بالنسبة للصهاينة ولابد من انتزاعه وتدميره.

تأتي رسالة تهديد صهيونية: غادر بيتك خلال ربع ساعة قبل أن يُهدم.

نظر حوله ماذا سوف يأخذ وكيف سيخرج مع أسرته وهل يمتلك الوقت الكافي كي يهرب معهم إلى أين، أين الأوراق الرسمية، أين ذهب زوجته، أين الأولاد، أين...أين...

وقف وسط بيته ينظر إلى كوكبه الصغير الذي لم يكن يريد من هذه الحياة سوى أن يكون به، أن يموت ويعيش به، وتخيل للحظات أنه يخرج مع أولاده وزوجته، يركضون في شوارع غزة يهربون إلى اللامكان، أو ربما يتم ترحيلهم إلى مدنٍ أخرى ودولٍ أخرى، والذل يحلق فوق رؤوسهم، والبؤس يسكن قلوبهم والقهر يكسر أرواحهم؛ وفجأة قرر وقال لأولاده وزوجته:

_ إذا رغبتم بالرحيل غادروا، ولكن أنا باقٍ هنا، عشت هنا وأموت هنا، الصهاينة كسروا الكثير في حياتنا ولكن لن يكسروا أرواحنا؛ نحن بشر ولم يعاملونا كبشر، لكن الموت فقط يُثبت لهم أننا بشر، وأن الروح لا تموت ولا تُقتل ولا تُحرق بقنابل الفسفور، روحي وأرواح الشهداء ستكون لعنتهم الأبدية. أريد الشهادة لأشعر أنني عشت ومت بشراً بعزتي وكرامتي. مقابل الذل أرحب بالموت؛ ومقابل التهجير أرحب بالشهادة.

***

سناء أبو شرار

ترجمة: محمد هاشم محيسن

خوسيه ماريا ميرينو روائي وشاعر وقاص وكاتب مقالة وعضو في الأكاديمية اللغوية الملكية الأسبانية ولد في مدينة غاليثيا الأسبانية عام 1941 ويعد من الكتاب الأسبان المعاصرين الذين لهم صدى واسع في المجتمع الأسباني لديه نتاجات أدبية في مجال القصة والرواية والشعر والمقالة وتتميز قصصه بموضوع السفر والغربة والخيال ووصف الطبيعة. حاصل على عدة جوائز أدبية منها الجائزة الوطنية الأسبانية للآداب في عام 1986عن عمله الموسوم "الضفة الغامضة"، والجائزة الوطنية لأدب الطفولة، والشباب في 1993 عن عمله الموسوم "قطارات الصيف". لديه دواوين قصصية مشهورة من بينها يبرز ديوان " المسافر التائه" الذي أصدره عام 1990، الحافل بالمتعة وجمال الأسلوب الأدبي، وبتقنية التشويق القصصي التي يثيرها عند القارئ، ويتحدث فيه عن السفر والغربة والخيال ووصف الطبيعة وحياة الناس اليومية. وضياع الأمل، والخيال القصصي الأدبي . هذا الديوان يضم مجموعة قصص ابرزها: "المسافر التائه" و"مضمار ريفي" و" الأسرى" و"مناظر خيالية"، و"اللحن الأخير". يقدم شخوص هذه القصص مسألة الغربة والسفر وضياع الفكر، واستحالة الذاكرة، يمزج فيهم الكاتب واقع الحياة اليومية والغموض الأدبي، ولا يمكن تخمين كيف تكون نهايتهم في نهاية القصة.

 في المقطع الاخير من قصة "اللحن الاخير" في ديوانه القصصي يقول الكاتب:

وصل الرجل العجوز منطقة (ريتيرو) المليئة بالأشجار والظلال وجلس على مقعد مستندا على عصاه الخشبية البالية. وبدأ يعزف بمزماره ووصل لحنه الجميل إلى أناس القرية، وتجمع حوله بعض الصبيه وهم يتأملون كيف يمسك بيد مزماره، وباليد الأخرى يمسك عصاه الخشبية وعندما شاهدهم حوله فرح وكان يرى في أعينهم ذكريات الماضي، في ذلك الحين كان الطقس جميلا والحرارة معتدلة، وضوء الشمس منكسر على أغصان الأشجار، وهذا المنظر ذكره بالجبال في قريته . وعندما انتهى من العزف ذهب الصبية وبقى يتأمل الأشجار وظلها متخيلا أشياء كثيرة كأنها تدور حوله، وعلى الرغم من الطقس المعتدل الحرارة إلا أنه شعر بالبرد ورفع مزماره، وعزف لحنا، ومن بعيد رأى مصابيح المدينة وترك العزف ليستعيد نفسه برهة من الوقت ثم عاود من جديد العزف لكنه رأى الشيء الغامض الذي كان يتابعه في سيره، وحاول أن يغمض عينيه كي لا يراه غير أن ذلك الشيء الغامض اقترب منه كثيرا، وانتهى عزفه. وفي ساعات الصباح الأولى من اليوم التالي مر من قربه فلاح فرآه جاثما لا يتحرك فأدرك أنه ميت، وهو جالس ويده اليمنى على عصاه الخشبية البالية المعقوفة الرأس، ويده اليسرى على مزماره، وهو قرب صدره كأنه يرتاح برهة من الوقت، لينشد لحنا آخر جديدا.

***

علي مدى يومين متتالين استمعت بقراءة رواية الكاتبة جميلة بلطي عطوي وهي روايتها الأولى بعد إصدارات أخرى في الشعر أهدتني منها مشكورة ديوانها أحلام ومراكب

تحكي الرواية عن السيدة (تونس) وهي أم لثلاثة أبناء (ولدان وبنت) هاجروا كلهم إلي أوروبا (الحلم ) وتركوا لها الوحدة و أمراض الشيخوخة تنخر جسدها الضعيف .الأم كانت تسكن شقة صغيرة انتقلت إليها بعد أن باعت منزلها الكبير كي تساعد الابناء في دراستهم (خارج الوطن) لكن الأبناء استقروا ثلاثتهم هناك وأخذتهم مشاغلهم ومشاكلهم حتي أنهم لم يعودوا يتصلوا بها إلا نادرا فضلا عن أن يزوروها

لكن فجاة أصابتها موجة من فرح قادم عندما اتصل بها ابنها البكر سمير وأخبرها عن نيته في العودة إلي بلده والاستقرار فيه بعد أن فتح له مشروعا اقتصاديًا ناجحا أخذت الأم تعد شقتها الصغيرة لاستقباله وعائلته الصغيرة المكونة من طفليه وزوجته كاترين، تخلت لابنها وزوجته عن غرفتها ولجأت لغرفة (المعينة) التي كانت تساعدها في شغل البيت بعد أن تخلت عنها منذ مدة وخصصت غرفة للطفلين وهيأت كل ما يريحهم في اعتقادها

وحل اليوم الموعود و(تونس) لا تصدق أن ابنها وأسرته سيعمرون بيتها وحياتها من جديد وأنها أخيرا ستتخلص من الوحدة القاتلة والموت البطيء لكن الصدمة جاءتها مباشرة عندما فتحت لهم الباب حيث فوجئت بجفاء كنتها وبرودتها عندما اندفعت لتحضنها فاكتفت الكنة بأن مدت يدها لها مصافحة، أما المفاجأة الثانية فعندما أخبرها ابنها بأنه سيعيش في بيت مستقل مع أسرته وليطمئنها قال أنها اشترى بيتا قريبا من الحي الذي تسكن فيه الوالدة لكن والدته من شدة صدمتها قررت أن تلجأ إلي دار المسنين التي قبلتها على مضض لان حالتها الاجتماعية كانت جيدة ولا تحتاج اللجوء إلى الدار وهنا اكتشفت (تونس) معاناة المسنين مع الإهمال وسوء المعاملة وتعرفت علي مآسي كثيرة لأناس آخرين فظهرت مشكلتها أمام ما رأت وسمعت بسيطة لأن ولدها كان بارا بها ولكنه أراد فقط تجنب الصدام بينها وبين زوجته خاصة وأن والدتها (حماته) كانت تملأ رأسها بالكثير من الحكايات عن تخلف (العرب) وسوء معاملتهم للمرأة كما أنها لم تكن راضية عن هذا الزواج أصلا لكن كاترين زوجته تحدت والدتها وتزوجت سمير الذي أحبته بصدق والأكثر من هذا جاءت لتعيش معه في بلده بعد ما وعدها بالحياة الجميلة التي سيوفرها لها هنا.

لكن سوء التفاهم الذي وقع بين والدته وزوجته جعله يقسو عليها وهذا جعل الوساوس تسيطر عليها ودخلت في دوامة الشكوك ومن ناحية أخرى كانت والدته تتألم لسوء تصرف ابنها وحاولت الإصلاح بكل ما استطاعت كما استعانت بجارتها نجاة وبرؤي الفتاة الشابة التي كانت مترجمة لكل ما تقوله كاترين أو تونس أونجاة.

وبعد صراع طويل ومشاكل كثيرة توصلت إلى رأب الصدع وعودة المياه إلى مجاريها ، كما عملت على تحقيق حلمها بأن تنشئ ناديا لتعليم المسنين وتكون أول طالباته لأن عقدتها المستحكمة هي الأمية وذلك بمساعدة مديرة دار المسنين والاخصائية الاجتماعية وغيرها من شخوص الرواية الدين كان يتحاورون بشكل راق جدا

وبعد لأي تحقق حلمها وانضمت إلى النادي تلميذة تحلم بالطباشير والألوان وآلت على نفسها أن تتعلم وتتخلص من الأمية التي لازمتها حيث حرمها عمها من التعليم لأنها يتيمة وظلت في بيته خادمة لزوجته وأولاده إلى أن أنعم الله عليها بالزوج الصالح فتزوجت وعاشت ترعى بيتها وزوجها حتى وفاة الزوج وهجرة الأبناء لقد قررت أن تعمل على إسعاد الآخرين نكاية في المعاناة التي تعرضت لها في طفولتها وذلك بكل ما أوتيت من قوة ومال

وهكذا أزهرت وأشرقت من جديد (عند غروبها) وراحت تعطي وتنفع بلا حدود حتى أحبها الجميع فانحلت كل عقدها الماضية وتحررت من نفسها وعواطفها كما تحرر ولدها من الشعور بالذنب وربما (الواجب) في اتجاهها.

فكرة نبيلة جدا لا تخطر على بال الكثيرين من الآباء والأمهات الذين تراهم (يسيطرون) على أبنائهم عاطفيا فلا يجدون أنفسهم إلا وهم يخسرونهم أو يخسرون أسرهم

وإن كانت (تونس) قد وجدت حلا لمشكلة ابنها فإن الكثير من الأمهات لازلن يعانين من ألم البعاد و(الخلافات) والأدهى والأمر أن أبناءنا في الضفة الأخرى يعانون كثيرا من (الزواج المختلط) وعدم تقبل زوجاتهم لأية مبادرة من الأزواج محتميات بقوانينهم التي تقف كلها إلى جانب المرأة وخاصة (النسويات) اللواتي يتسلطن على الأزواج ويضغطن بواسطة الأطفال على الآباء وهكذا تجد هذا النوع من الأزواج بين سندان الأبناء ومطرقة الآباء والأمهات دون أن ننسى اختلاف العادات والتقاليد وأشياء أخرى تعيق نجاح هذا الزواج وهذه هي مأساة شبابنا المغاربي والوجه المأساوي الآخر لكل أحداث هذه الرواية

هذا ما خرجت به من انطباع بعد قراءتي لرواية الكاتبة الكبيرة جميلة بلطي عطوي التي أتمنى أن يرى لها الجزء الثاني قريبا ولم لا رواية أخرى في موضوع اجتماعي آخر كما فعلت مع هجرة الشباب.

***

فاطمة الزهراء بولعراس

سألني زملائي الروس القدامى – هل شاهدت شولوخوف وهو يجلس بالقارب في شارع غوغول بموسكو؟ ضحكت أنا من طبيعة هذا السؤال، وقلت لهم، لقد تذكرت كيف كنّا نمزح ونضحك عندما كنّا طلبة وندرس معا في جامعة موسكو قبل ستين سنة، ولكن هل يمكن ان نمزح بهذا الشكل السريالي الغريب الان، وقد بلغنا من العمر عتيا؟ فضحكوا جميعا على اجابتي، وقالوا لي، هيا لنذهب الى هناك، كي ترى بنفسك اننا لا نمزح ولا نضحك، ولكي تقتنع، بانك لم تعد تعرف موسكو اليوم كما كنت تعرفها سابقا في الايام الخوالي، لانك (بلغت من العمر عتيا!). اندهشت انا من اجابتهم الحاسمة تلك وقلت لهم انني حتى لم اسمع، ان شولوخوف يجلس في قارب و(يتنزه!!!) بشوارع موسكو، فقالوا لي،لا يمكن للانسان ان يرى كل شئ ولا ان يسمع كل شئ، فهل نسيت هذه الحقيقة البسيطة في حياتنا؟ فاضطررت ان اقول لفولوديا، وهو الذي كان ولازال اكثرنا جديّة وصرامة – حتى انت يا فولوديا؟ فضحك فولوديا وهو يقول – نعم نعم، حتى أنا، هيا لنذهب معا، هيا لنذهب، وهكذا توجهنا جميعا الى هناك، وكنت لاازال بين مصدّق لتلك الاقوال او غير مصدّق لها...

وها انا ذا امام هذا النصب الهائل والغريب لشولوخوف وروايته (الدون الهادئ)، هذا النصب الذي لم اشاهد سابقا شيئا مماثلا له بتاتا، حيث يجلس شولوخوف فعلا – كما قالوا لي - في قارب، وهو رافع الرأس بشموخ، وعن يمينه مجذاف، ويجري (نهر الدون) تحت القارب هادئا كما أسماه في روايته، واسفل هذا القارب تحاول عشرات الحصن ان تعبر النهر سباحة وهي متعبة، ورؤوسها تبدو واضحة فقط ليس الا، اذ انها غاطسة باكملها في النهر، وامام هذا النصب المدهش تقف مصطبتان متلاصقتان ببعض من الظهر وبينهما جدارية تعلو حوالي المتر، ومحفور على تلك الجدارية مشاهد من المعارك التي كانت تحدث بين (البيض!) و(الحمر!) في الحرب الروسية الاهلية آنذاك، والتي تناولتها رواية شولوخوف الشهيرة (الدون الهادئ)، وكل ذلك مصنوع طبعا بشكل باهر، فماء نهر الدون الذي يجري هادئا فعلا، والقارب الذي يعلو النهر حيث يجلس شولوخوف شامخا من البرونز، والحصن التي تسىبح في ماء النهر متعبة وهي تحاول عبوره بعناد واصرار، والمصطبتان المتلاصقتان والجدارية الجميلة التي تفصل بينهما، والمليئة بالنحت البارز لاحداث الحرب الاهلية الروسية آنذاك. لقد أدهشني هذا النصب بافكاره الرمزية العميقة جدا وحجمه الهائل وغير الاعتيادي بتاتا وتصميمه الرائع المتناسق الجميل وتنفيذه بهذا الشكل الفني الحيوي المدهش، وفهمت بما لا يقبل الشك، ماذا يعني نصب تقوم الدولة بانجازه تخليدا وتكريما لأحد اعلامها الكبار مثل شولوخوف...

بعد ان مكثنا عند النصب اكثر من ربع ساعة ونحن نتأمّله من كل جوانبه بامعان واهتمام، قررنا الجلوس في مقهى قريب لتناول القهوة، وهناك بدأنا ندردش حول انطباعاتنا حول هذا النصب، فقال لي احد الزملاء، انه لاحظ باني لم انبس بكلمة واحدة بتاتا عندما كنّا هناك، فاجبته ضاحكا، نعم لاني كنت مندهشا أشد الاندهاش امام هذا الانجاز الفني الكبيبر لدرجة لم استطع فيها ان اقول اي شئ بتاتا، اذ اني طوال حياتي اهتم بالتماثيل والنصب، واطلعت على الكثير منها في مدن العالم التي سافرت اليها (وما اكثرها !)، وحتى بادرت بتنفيذ عدة تماثيل نصفية في روسيا والعراق لشخصيات عراقية (وحسب امكانياتي المتواضعة)، ولكني لم اشاهد ابدا مثل هذا النصب العملاق في اي مكان كنت فيه بالعالم. وأخذ الجالسون يحدثوني عن هذا النصب، وقد تبيّن من احاديثهم، ان الدولة السوفيتية اعلنت مسابقة عام 1980 لاقامة نصب لشولوخوف، وشارك طبعا عشرات النحاتين بتلك المسابقة، وفاز النحات روكافيشنيكوف بها، الا ان الدولة آنذاك لم تستطع تنفيذه، اذ كانت اوضاعها الاقتصادية والعامة في ثمانينيات القرن العشرين متدهورة، وليس عبثا ان الاتحاد السوفيتي نفسه قد انهار عام 1991، وهكذا بقي هذا المشروع الفني العملاق بلا تنفيذ، ولكن ابن النحات استطاع ان (يعيد الحياة الى هذا النصب!) لانه مشروع والده، وتمكّن من تحقيقه عام 2007، بعد اضافة بعض التعديلات عليه، وذلك بعد ان استقرت الاوضاع نسبيا في الدولة الجديدة، التي حلّت مكان الاتحاد السوفيتي، وهي - روسيا الاتحادية. امتدحنا جميعا موقف ابن النحات هذا، وقلنا يا له من ابن بار لذكرى والده. وتحدث بعض الزملاء ايضا عن اهمية هذا النصب مؤكدين، انه يجسّد موقف الدولة الروسية تجاه شولوخوف، اذ حاولت بعض الاوساط السياسية في خارج روسيا وحتى في داخلها تشويه سمعته الادبية والطعن بمكانته في مسيرة الادب الروسي، وقد جاء تنفيذ هذا النصب الكبير في موسكو لشولوخوف ولروايته الشهيرة (الدون الهادئ) جوابا حاسما على كل ذلك، اذ كانت تلك الحملة تدور بالذات حول هذه الرواية، ولهذا نرى شولوخوف في النصب يجلس بقاربه شامخا، وهو يعبر (نهره الهادئ)...   

***

أ.د. ضياء نافع

في الحنين الى اصوات عربية الجأ احيانا الى اليوتيوب بعد ما انتزعت الستلايت وتركت المحطات الفضائية العربية التي اتعبتني وكادت ان تقضي على ما تبقى من اعصابي.. فالبرامج الحوارية صار بعضها يقلد الاسوأ مثل برنامج فيصل القاسم واستعراض التهريج والتحريض فيه. بدل من متابعة برامج عمرو الليثي الحوارية الممتعة او برامج محمود سعد الغنية بمعلوماتها وغيرها من البرامج الحوارية الجميلة التي تعلم المشاهد كيف يصغي ويستمتع بما يسمع. من خلال تلك البرامج تعرفت على الكثير من المسلسلات الحديثة. وقد ادهشني مدى التطور فيها من ناحية المواضيع والاخراج والتمثيل والانتاج الذي يلعب الدور الكبير في اقناع المشاهد.

بدأت السينما المصرية قبل الايطالية او واكبتها في بداية الاربعينات من القرن الماضي. في البداية لم تكن هناك صناعة سينما وانما كان تقليد لكل ما ينتج في الخارج من افلام خاصة الامريكية. فيقوم فريق العمل من مخرج ومنتج وممثلين بتحويل نسخة من الفيلم الى مصرية لغة واسماء الابطال او شخوص الفيلم . مثل فيلم مرتفعات ويذرنغ وذهب مع الريح.. وغيرها العشرات من الافلام. بل كان يتم الحفاظ حتى على اجواء الفيلم من ديكور وملابس. ثم صار القائمون على تلك الصناعة بتمصير الفيلم الى حد ما. وهناك ايضا ملاحظة انه الكثير من الممثلين المصريين يختارون على اساس نقطة التشابه بينهم وبين ممثل اجنبي اخر. فعماد حمدي يشبه الى حد ما ممثل ايطالي قديم لا اذكر اسمه.

لكن اعتماد بعض المخرجين المبدعين مثل صلاح ابو سيف وعاطف الطيب على روايات لكتاب معروفين مثل روايات نجيب محفوظ ، خلقوا سينما لها وزنها وملامحها الواضحة والقوية.  اما بالنسبة للدراما التلفزيونية فهناك اعمال خالدة عديدة مثل مسلسل لحظة اختيار وزينب والعرش وثلاثية الساقية ورحلة ابو العلا ، والكثير من الاعمال المميزة. واخرى اعتمدت لقطات الكلوزاب واحيانا المبالغة والصياح. وطبعا كل مشاهد يراها وفق ثقافته ومنظوره للعمل.

بعد انقطاع عن المسلسلات الرمضانية، فرحت وانا اتابع مسلسلات اخرجها شباب وحتى منتجيها شباب ايضا ومعظم الممثلين شباب مبدعين. اراها طفرة في عالم الدراما المصرية من ناحية الموضوع والسيناريو والاخراج والتمثيل والتصوير ايضا. مثل مسلسل لعبة نيوتن بطولة منى زكي ومحمد فراج.. ومسلسل كأنه مبارح  بطولة رانيا يوسف ومحمد الشرنوبي  وخالد انور، ومسلسل افراح القبة الماخوذ عن رواية نجيب محفوظ بنفس الاسم، معالجة الرواية بشكل فريد وابداعي منحت المسلسل قوة لم نعرفها في المسلسلات المصرية سابقا. بطولة منى زكي ومحمد الشرنوبي وجمال اسماعيل وسلوى عثمان وصابرين ونخبة من الممثلين المبدعين. ومسلسل هذا المساء بطولة محمد فراج وخالد انور وحنان مطاوع واياد نصار وغيرهم من الممثلين الشباب. تلك الاعمال يجمعها وسبب نجاحها هو الانتاج الواعي الكريم والاخراج المميز واختيار الممثلين بتفوق واكيد اعتماد العمل والسيناريو الناجح بتفرده وتميزه.                      

***

ابتسام يوسف الطاهر

قراءة في بعض التجارب التونسية المعاصرة

ضمن مشاركاتها الفنية التشكيلية والأكاديمية العلمية شاركت مؤخرا الفنانة والباحثة آسيا الكعلي في الملتقى العلمي الدولي الذي أقيم بجامعة 20 اوت 1955 سكيكدة كلية الآداب واللغات بالجزائر مع مخبر التراث الأدبي الجزائري حول موضوع "الرحلة والرحالة ما بين المشرق والمغرب". وقدمت بالمناسبة مداخلة علمية تحت عنوان "الارتحال في الفنون المرئية وإنشائية الانتقال قراءة في بعض التجارب التونسية المعاصرة". وقد لقيت هذه المساهمة العلمية تقبلا مميزا من قبل المشاركين والحاضرين وهي محطة مهمة من محطات نشاطها العربية والدولية ..هذا وتواصل الفنانة التشكيلية والباحثة آسيا الكعلي أنشطتها الفنية التشكيلية من خلال الحضور والمشاركة في الندوات العلمية والمعارض الجماعية والورشات الفنية فضلا عن عملها الدؤوب لمزيد الابداع والابتكار والبحث والاعداد لمعرضها الفني الشخصي برواق فني بالعاصمة مع بداية الموسم الثقافي الجديد 2023/2024 ...و في هذا السياق الفني الثقافي والابداعي تم تكريمها لمشاركتها في أيام قرطاج الجهوية للفن المعاصر بولاية المنستير حيث أنجزت عددا من الأعمال الفنية لتعرض ضمن مختارات من مجموعة الاعمال الفنية للفنانين التونسيين المشاركين في أيام قرطاج للفن المعاصر 2023. وقد عرضت الأعمال في المحطة الثانية للايام الجهوية مرحلة المنستير من 11الى 13 اوت بالمركب الثقافي بالمنستير. بحضور مديرة أيام قرطاج للفن المعاصر والمندزب الجهوي للشؤون الثقافية وأعضاء هيئة المهرجان واطارات المنستير الثقافية وعدد من الفنانين التشكيليين وأحباء الفنون الجميلة. وانتظمت أيام قرطاج الجهوية للفن المعاصر بولاية المنستير خلال يوم الأحد 13/08/2023 بالمركب الثقافي بالمنستير حيث تابع الجمهور استعراضا للموضة والفنون كما انتظمت ورشة للفن والرسم وتم تدشين اللوحة الجدارية الفنية الجماعية في ساحة المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بالمنستير في اطار أيام قرطاج الجهوية للفن المعاصر تحت شعار " الفن طريق "...و قبل ذلك بأسابيع وضمن تألقها واشعاعها وضمن فعاليات الدورة الاخيرة لملتقى المبدعات العربيات بسوسة لسنة 2023 وفي سياق الأنشطة المتعددة من ندوات ومعارض ولقاءات بحضور باحثات وفنانات عربيات ومنهن بالخصوص ضيفة الشرف الفنانة المصرية الكبيرة الهام شاهين تم تكريم الفنانة والباحثة آسيا الكعلي حيث قدمت عددا من أعمالها الفنية ضمن معرض جماعي بمشاركة كل من الفنانات التشكيليات حيث كانت الدورة مجالا لعدد من المشاركات من دول عربية هي ليبيا والعراق ومصرو اليمن والمغرب ولبنان وسوريا وفلسطين...و قد كانت للفنانة التشكيلية آسيا الكعلي عدة لقاءات مع المشاركات والصيوف وخاصة سلمى بكار والهام شاهين حيث تقول "...مشاركتي في ملتقى المبدعات العربيات بسوسة حول أسئلة الجندر في إبداع المرأة العربية تميزت بعدد من اللقاءات والنقاشات مع المبدعات كما كانت اعمالي في معرض الفن التشكيلي للدورة الخامسة والعشرين مجال متابعة من جمهور وضيفات الدورة واحباء الابداع والفنون الجميلة...".والفنانة آسيا الكعلي تخيرت طرائق فنها وفق نهج مخصوص قائلة بالابداع والبحث والامتاع وقد انطلقت في تجربتها الفنية في الرسم باستعمال القلم الفحمي وقلم الرصاص، بغاية ونشدان لصفات تشكيلية وجمالية معينة بلغة بصرية ثنائية الأبعاد، ولتمثيل مواضيع كالمجسمات والمنحوتات النصفية والأجساد والطبيعة الصامتة بمختلف أشكالها، وهو مسار له صلة بالذاكرة وفق المتحوّل بين الحقب الزمانية ...هي سياقات جمالية انتهجتها الفنانة التشكيلية والدكتورة آسيا الكعلي وعملت عليها في تجربتها المفتوحة بين البحث الأكاديمي والرسم والتلوين.. آسيا الكعلي فنانة تشكيلية وباحثة في مجال الفنون المرئية وخرّيجة المعهد العالي العالي للفنون الجميلة بتونس، متحصلة على الإجازة في الفنون التشكيلية (اختصاص رسم) وشهادة ختم الدراسات المعمقة اختصاص "علوم وتقنيات الفنون" بالمعهد العالي للفنون الجميلة بتونس. وأستاذة بالمعهد العالي للفنون الجميلة بسوسة منذ سنة .2011 . وشاركت في العديد من المعارض الجماعية بتونس، المنستير، سوسة، القيروان، الكاف، المهدية. كما أنها شاركت في العديد من الملتقيات والندوات العلمية بسوسة والمنستير وتونس ونشرت لها العديد من المقالات في مجال الفنون المرئية المعاصرة. لها عديد المعارض الشخصية: معرض تشكيلي فردي بعنوان" تجليات" بدار الثقافة بقصر هلال مارس 2013، معرض تشكيلي فردي بعنوان "عود على بدء" بالمركب الثقافي محمد معروف بسوسة جانفي 2021. معرض تشكيلي شخصي بدار الثقافة القلعة الكبيرة مارس 2023. شاركت في الملتقى الدولي للمبدعات العربيات بسوسة بعنوان "الثالوث المحرم في إبداع المرأة العربية، في ماي 2022 .و شاركت في المنتدى الدولي للفنون البصرية تحت إشراف المعهد العالي للفنون الجميلة بسوسة وجامعة سوسة والجمعية الوطنية لتأطير الشباب من 21 إلى 26 سبتمبر 2022.و عن تجربتها تقول الفنانة آسيا "...انطلقت في تجربتي مع فن الرسم باستعمال القلم الفحمي وقلم الرصاص، لخلق صفات تشكيلية وجمالية معينة بلغة بصرية ثنائية الأبعاد، ولتمثيل مواضيع كالمجسمات والمنحوتات النصفية والأجساد والطبيعة الصامتة بمختلف أشكالها، هذا المسار الذاكراتي المتحوّل من حقبة زمنية إلى أخرى انعكس في هذه التجربة التي عكست بدورها مرونة هذه التقنية وانفتاحها ومطاوعتها للتوجهات الجديدة في مجال الابداع الفني. وهي رسوم تنتقل بنا من مرحلة إلى أخرى ومن زمن إلى آخر، لتشكل رؤية أو قراءة في ذهن القارئ، بل تنتقل لتحيك رؤية فنية تترجم وتألّف ما بداخلنا من أفكار وذكريات، هي ليست رسوم صامتة، بل فيها روح مني، وأسلوب يترجم أفكاري وطريقة تناولي للمواضيع. فذاكرتي مع الرسوم، في تصفحها، وتأمّلها مؤانسة وحنين وعود واستمتاع، فالماضي عود وإمتاع ومؤانسة في الحاضر..

الفنانة الباحثة ىسيا الكعلي ودآب مفتوح على الفن والمعارض والورشات بكثير من السعي والاجتهاد والرغبة في الابتكار حيث تعد لمعرضها الفني الخاص بالعاصمة.

***

شمس الدين العوني - تونس

إحدى المنشآت التي عملت بها سابقاً، كنت تحت إدارة مشرفة وتعد هذه كارثة بالنسبة لي أن تترأسني "امرأة" والكارثة الأخرى أن يرأسني "رجل" كذلك!، لعل الكارثة الحقيقية في أنا..

المهم أنني قرأت شخصية هذه الإنسانة منذ اليوم الأول قرأت لغة جسدها، نظراتها، تصرفاتها لمست مايفيض منها من حقد وكراهية وشر محتمل وفوراً رسمت الشخصية التي سوف أكون عليها عند التعامل معها منذ تلك اللحظة..

علمت أن ردود الأفعال المباشرة لا تجدي نفعاً مع من هم على شاكلتها ولا يجب أن يُرَد لها الصاع صاعين على الإطلاق، بعض الشخصيات يجب أن لا تتوقع ردود أفعالنا وعلينا التعامل معها بإستراتيجية الغموض يقتلها عدم الرد عن الرد، يحرقها الصمت والبرود الشديد والطاعة العمياء وذلك بحد ذاته يتطلب مقدرة كبيرة على ضبط النفس ومراقبة كل كلمة وكل تصرف وقد إستغرقني الأمر سنوات حتى تعلمت هذه المهارة.

مشرفتي هذه كانت تفعل كل شيء لتخرج مني رد فعل واحد متوقع، غضب، إحباط، بكاء، فرح، امتنان أي شيء..

لكنها لم تقابل إلا جداراً خشناً رمادياً لا شيء فيه ملفت لأي إنتباه..

للدرجة التي جعلتها تكلفني بأربع تقارير مفترض أن ينجزها أربعة موظفين كحد أدنى، كلفت بإدخال بيانات يصل عددها إلى ١٨٠٠ قبل بداية كل شهر وعلي إنجاز هذا التقرير خلال ثلاثة أيام.

كنت أبقى بالمكتب إلى ما بعد وقت الدوام الرسمي الذي يمتد من السابعة صباحاً إلى الساعة الخامسة عصراً لأغادر المكتب الساعة العاشرة والنصف مساءً ثم أستيقظ الخامسة فجراً، بقيت على هذا الوضع لقرابة العام..

أعمل بطريقة غير طبيعية، في يوم قال لي أحد زملائي أشعر إنك تعيشي على التمثيل الضوئي أتمنى أن أراكِ تأكلي، تشربي شاي، قهوة ماء أي شيء !عمل عمل عمل لا يصح أن تضغطي نفسك لهذا الحد..

كنت أفعل ذلك لأختبر حدودي بهذه الحرب الصامتة، كيف لي أن أحرقها غضباً وإظهار أسوأ ما لديها بدون أي ردة فعل مني وواجهت ضغطاً كبيراً من قبل جماعة التبرع بالنصائح والتدخل بحياة الآخرين دون طلب بضرورة تقديم شكوى رسمية، ربما كانت معظم تلك النصائح منطقية ولكن كما أسلفت من خلال تحليلي لتلك الشخصية ولتلك البيئة الموبوءة لم تكن المواجهه المباشرة خياراً جيداً بل هي الحرب الباردة والتكتيكات بعيدة المدى هي ما أطاحت بهم جميعاً، ولأنني كنت مضطرة أن لا أكشف شخصيتي الحقيقية تحملت إتهامي بالسلبية والضعف والخضوع

لم يجدي تنمرها معي نفعاً فقررت تحريض المدير ليبدأ هو الآخر تلك الحرب التي لا مسبب حقيقي لها سوى أنها لا تستسيغ شخصيتي!

كنت أحياناً أدخل المكتب وأقطع حديثاً عني بين زملائي والذي على ما يبدو كان مثيراً للشفقه..

في مرة دخلت المكتب ولم ينتبه لي أحد وسمعت مديري يتكلم عني عند مجموعة من أعوانه يخبرهم برغبته بطردي وأنه لا يستطيع نكران الكفاءة الإستثنائية التي أقدمها لكني "بومة" وأسد النفس ويفضل إستبدالي بسكيرتيرة غنوجة تفتح له نفسه..

لا أدري ماهو مفهومه الحقيقي للسكيرتارية عدا عن حقيقة كونه إنسان فاشل سواء فُتِحت نفسه أم سُدت؟

المهم أحد الزملاء كان يدافع عني بإستماتة قائلا: "اذا طردتها سوف تندم فلن تجد من يأخذ العمل بكل هذه الجدية والتفاني ويحتمل كل المهام دون شكوى أو تذمر" كان متحمس جداً بالكلام ولم ينتبه لدخولي، فجأة إلتفت خلفه ووجدني جالسة بمكاني، إصفر وجهه من الصدمة وقال:

- بسم الله ..! منذ متى وأنتِ بالمكتب؟

- رددت: منذ أن كنت بومة

فاجئه الرد وحاول طوال ذلك اليوم رفع معنوياتي بمدحي وإحضار قهوة وحلويات وغداء

بعد إنتهاء الدوام قال: كنت أراقب تصرفاتك أحاول أن أرى دمعة، كتمة، زعل أي شيء معقول لم تتأثري بالكلام؟

أنا رجل لكن إذا حصل وسمعت كلام عني بهذا الشكل ربما أختنق"

رددت عليه بكل برود: "تعتقد إني فعلاً ممكن اتأثر من هذا الإمعه؟ خيشة البصل الجالسة بالمكتب؟" ضحك وأطلق علي إسم "حديد" تعبيراً عن القوة والصمود..

اليوم التالي دخلت لمديري هذا لمناقشة مهمة عاجلة كلفني بها

وقبل أن اخرج من مكتبه قلت له على فكرة حتى أنا أكرهك وأحمل هم ضغط العمل ورؤية وجهك لكن دعنا نحتمل بعض إلى أن تجد الغنوجة وتفتح لك نفسك وإلى ذلك الوقت يخلق الله ما لا تعلمون..

بعد سنة وشهرين نقلت إلى قسم آخر وفي حفلة توديعي قالت مشرفتي: سمعنا إن عندك هوايات ومواهب كلمينا عنها

قلت: الفنون القتالية والكتابة والقراءة والتمثيل والصيد

قالت إحدى الزميلات: صيد ؟ كيف؟

قلت لها: "في الموية العكرة"

ضحكوا كلهم وقاطعتنا المشرفة قالت بما إن هوايتك التمثيل مثلي لنا مشهد، تحمس الجميع: وأصرّوا على تمثيل مشهد صغير أمامهم

لكني نظرت إليها وقلت:

غريبة .. ألم يعجبك آدائي سنة وشهرين!؟

***

لمى أبوالنجا – كاتبة وأديبة سعودية

" بلقيس ..

يا بلقيس ..

لو تدرين ما وجع المكان ..

في كل ركنٍ ..

أنت حائمةٌ كعصفورٍ ..

وعابقةٌ كغابة بيلسان ..

فهناك .. كنت تدخنين ..

هناك .. كنت تطالعين ..

هناك .. كنت كنخلةٍ تتمشطين... "

بهذه الكلمات رثۍ نزار قباني حبيبته وزوجته والأهم من ذلك كله، ملهمته “بلقيس الراوي” وذلك بعد أن وافـتها المنية على إثر انفــجار سيارة مفـخخة أمام مبنى السفارة العراقية في بيروت عام 1981.

في رثاء المغدورة بلقيس طبع الحزن وجدان نزار وأعماقه حتى كأنك تكاد ترى الألم الذي أثخن قلبه يلف كل حرف من حروف القصيد. إن الله فقط يعلم كم تألم الشاعر، مرهف الحس،  بعد رحيل بلقيس وكيف كانت أيامه ولياليه من بعدها.

  في حوار مؤثر أجري معه بعد وفاتها قال نزار : "كانت بلقيس واحة حياتي وملاذي وهويتي وأقلامي"..

لسائل أن يسأل كيف ستمسي حياة من فقد واحة حياته وملاذه وهويته وأقلامه؟

ماذا لو أنا خلقنا ونحن لا نرزأ بأي مصيبة في الحياة، ولا يلحق بنا أي أذى، لا تعترينا أية أعراض صحية أو مرضية، لا نشيخ، لا نموت، لا نحزن، لا نبكي ولا نتألم، فكيف تراه حالنا!

يبدأ الإنسان حياته لحظة خروجه من رحم أمه بصرخة. يخرج إلۍ الحياة ليواجه مصيره بنفسه. تحديات كبرۍ في انتظاره. هو لم يختر وجوده لكنه سيحاول جاهدا، وهناك من لا يحاول، أن يختار الصورة التي سيتشكل من خلالها هذا الوجود..سيختار صورة لوجود جميل أو قبيح..وجود حقيقي أو مزيف.

في سعيه إلى الإختيار سيواجه الإنسان مجموعة من القيود التي ستعيقه..تضغط عليه..والتي قد تقضي عليه.

 هذا ما سيسبب له المعاناة .. سيعاني من من الفجوة بين ما لديه وما يريده.. بين حقيقته وما يحلم به.. وبسبب هذه المعاناة سيلازم الإنسان الألم في حله وترحاله.

الألم شعور سلبي بعدم السعادة، وهو معطۍ من معطيات الحياة ولا يمكن لأحد أن يفلت منه. الألم كالموت. إنه فدية البعد الجسماني لوجودنا. إلا أن القول بأن الألم لايكون إلا ألم الجسم هو ضرب من التجريد لأن الألم كذلك نفسي.

الألم النفسي Psychological pain هو ذاك الذي ينتج بشكل أساسي عن عوامل نفسية، مثل الاكتئاب والقلق وفراق الأحبة والمشاكل العاطفية. ويُعرَف "إدوين شنايدمان" الرائد في مجال دراسة السلوك الانتحاري الألم بأنه «حجم الأذى الذي يتعرّض له الإنسان. إنها معاناة ذهنية، عذاب ذهني".

لقد برزت نظريات فلسفية عديدة بحثت في أسباب الألم.

 في كتابه Treatise of Man شبه رينيه "ديكارت" الجسد بالآلة.

فسّر "ديكارت" الألم على أنه اضطراب ينتقل عبر الألياف العصبية ثم يصل إلى الدماغ. فبعد أن كان يُنظر إلى الألم على أنه اختبار يجريه الخالق على النفس لتثبيت إيمانها حوّل "أبو الفلسفة الحديثة" إدراك الألم من كونه تجربة روحية إلى كونه إحساسا فيزيائيا. علاج هذا الإحساس يتطلب تحديد مصدر الألم عوضاً عن محاولة استرضاء القوة الإلهية للخلاص منه.

ومهما كانت أسبابه سواء كان جسديا أو نفسيا فالألم متأصل في عمق الوجود. هو موجود ليخبرنا أن هناك خللا يختبئ وراءه. خطب ما يتوارۍ في الجسد أو في الروح.

صحيح أن الشعور بالألم مرتبط بعدة عوامل كالهوية الجندرية والسمات الشخصية والثقافية، الأمر الذي يجعل نظرة المرء وتعاطيه مع الألم مختلفة عن نظرة وتعاطي غيره. لكن ليس هناك منا من لا يتألم لفقد حبيب أو مرض قريب.لا يوجد من لا يتألم لخذلان صديق. ليس هناك من لم يهرع إلۍ الطبيب ليخفف أوجاعه وطلبا للشفاء.  كلنا ننكسر ونسقط ونقوم وقد نبقۍ حيث أراد لنا الألم أن نكون.

مما لا شك فيه أن درجات الألم تتفاوت بين البشر لكن ما يجمعنا كافتنا هو الحاجة إلۍ مواجهته. مواجهة الألم هي أولى طرق الشفاء وأولى طرق النهوض بعد السقوط.

 إن قبول الألم ومحاولة التكيف معه هو ما يجعل منا بشرا فننسۍ كبرنا وغطرستنا. الألم يجعلنا بعد الفقد نتمسك أكثر بأحبتنا، هو كذلك ما يجعلنا نتذوق حلاوة اللقاء بعد الغياب وطعم الفرح بعد الحزن.

كم نحن مَدينون لك أيها الوجع فأنت ما تجعل لحياتنا معنۍ.

صدق من قال أنه لولا وجود عكس المعنۍ لما كان للمعنۍ معنۍ.

لكي يضفي الألم علۍ حياتنا معنۍ يتحتم قبلا أن لا يصرعنا ويلقي بنا في متاهات العذاب والحسرة. يجب أن يتحول النصب والوجع إلۍ محفز يدعم قدرتنا علۍ الحياة.

إن وراء كل إنسان عظيم ألما فظيعا!

***

درصاف بندحر - تونس

يقتحم الهلاك أنفاسهم، يتساقطون تباعا هكذا، تلتهم النيران أوجاعهم، ترتجف عروقهم، تجف بعدها على شاكلة أكداس تحترق، وبعد حين يغادر الجمع، يفترق الحضور، تُغتصبُ الحياة.

تهوى أحلامهم، تتلاشى، تتحول إلى صراخ يعلو، يرتحل بعيدا، معلنا انقطاعه عن الألم، تعود ذكرياتهم تلك البطاقات التي تتناغم حروفها مع رجاءات ذلك المبتغى خائبة، تتداعى جميع الكلمات التي يكتبها العاشقان قبل الحفل.

يفتقد المكان بطاقات هيبته متعثرا بفستان زوجة مرتقبة، يخر صريعا لحظة انشغاله بمصابيح أزمنة مقفلة، مفترقا عن أحداث ماض مرتبك.

تتعاقب مشاهد وقفتها المذعورة، متلازمة مع ارتباك فرحتها، تزامنا مع أحداث تشبه في تدفقها إيقاع كوابيس تحط مخالبها على حين غرة، لتسرق آخر ما تبقى لها من أمنيات.

 تكشف الحرائق عن لبوسها المضطرم دون اكتراث، يلتف اللهب الأسود حول حلقات ذلك الاشتعال مصرحا بحقيقة خبثه الماكر.

يمسك الخوف هراوة بغضه المقيت، أملا بتسجيل أكبر عدد من الضحايا، بينما في ذات اللحظة يختبئ الطاعون خلف أستار أبجدياته التي ما انفكت تستأنف مفردات بثها الغادر بطريقة ماكرة.

تنشغل الشابة بمفاتن حضورها الذي ما زال يتناغم مع مظاهر كأنما تم إعدادها لاغتصاب ثوب عرسها، تصبح مرتاعة لا تعرف اتجاه وقفتها، بينما يستحكم اضطرابها، تعدو تقصيا عن مخبأ تلوذ به، أملا ببقاء آمن.

تدب حركة المحتفلين مع صيحاتهم وفقا لأنباء عودة غائبة، تضج مساكنهم بالبكاء، يذاع الخبر على أسماع الجمهور، حيث يلوذ الجميع بسقوف مائدة أخلفت بوعدها.

يجد أحدهم نفسه على سرير حتفه المؤكد، يؤرق آخر ما تبقى له من عدةِ حياته الآمنة، يهوى ذلك الشاب مثل صخرة تتهشم شظاياها إثر زلزال عاصف.

يؤكد الطاغوت نفسه منتزعا جذور حدائق أريد لها أن تنبت عند محفل أرواح بهيجة

يتحول مهرجان المهنئين إلى ركام تلتهب أطرافه لتحترق على غرار أفران الموتى*

***

عقيل العبود

…....................

- عن حريق قاعة ابن الهيثم في الحمدانية.

- كتب النص بالفعل المضارع تأسيا لآثار الفاجعة التي ما زالت أحداثها ماثلة أمام الجميع.

- في الغربة عرفت أن هنالك أفرانا لإحراق الموتى عندما لم يتعهد أحد بتكاليف دفنهم، أما في العراق فصرت أعرف أن بعض المباني كالمستشفيات، وصالونات الأعراس تكاد أن تكون أشبه بتلك الأفران استعدادا لإحراق الأحياء قبل موتهم.

المرأة المغربية، بل وبصفة عامة، المرأة في المغرب، لم تقف أبدًا عاجزة أمام تحديات الحياة والمجتمع. إنها دائمًا ما تثبت نفسها كعامل فعال وفاعل في بناء وتطوير الوطن، وهي تمثل جزءًا حيويًا من عجلة التنمية في مختلف المجالات الحياتية. المرأة في المغرب ليست مجرد نصف المجتمع، بل هي كل المجتمع. منذ أسابيع قليلة، شهدنا الكثير من الشعارات والحملات التي رفعت شأن المرأة وأشادت بدورها المهم في المجتمع. هذه الشعارات ليست مجرد عبارات في الهواء، بل هي جزء لا يتجزأ من الثقافة الشعبية المغربية التي دائمًا احترمت المرأة. إنها المستشارة والحكيمة والمسيرة لشؤون الأسرة والمجتمع. في مختلف المجالات، تبرز نماذج رائعة للمرأة المغربية اللواتي أبدعن وتفوقن على المستوى الدولي. في مجال العلوم الاجتماعية، لا يمكننا إلا أن نتحدث عن فاطمة المرنيسي، السيدة التي جعلت اسم المغرب يلمع على الساحة الدولية. بفضل مثابرتها واجتهادها، أصبحت شخصية محترمة على الصعيدين الوطني والدولي. دراساتها ومحاضراتها تخطت الحدود الجغرافية للعالم العربي والإسلامي. هي شخصية تحظى بمركز مرموق بين الباحثين في مجال شؤون المرأة.

فاطمة المرنيسي ليست فقط حاصلة على جائزة أمير أستورياس، بل هي أيضًا عضو في حوار الحضارات الكوني، حيث تجلس إلى جانب كبرى العقول العالمية لبحث مكانة المرأة وتعزيز حقوقها. في مجال العلوم والتكنولوجيا، نجد نموذجًا مثل كوثر حفيضي، التي قادت أكبر مختبرات الفيزياء النووية في الولايات المتحدة. تعتبر كوثر استثنائية بامتياز، حيث وصلت إلى قمة قسم الفيزياء النووية بمختبر أرغون الأمريكي، وهو مرمى لوكالة الناسا. تعكس إنجازاتها وجهودها الكبيرة تحقيق النجاح في ميدان العلوم.

وفي مجال الفنون والإبداع، نجد الفنانة اللامعة الشعيبية، التي تعكس موهبتها وإبداعها من خلال أعمالها الفنية. انطلقت من قرية صغيرة لتجعل اسمها معروفًا في معارض العالم. إنها نموذج للإرادة والتحدي والنجاح الباهر في عالم الفن.

هؤلاء النساء ليسوا مجرد نماذج، بل هم أيضًا مصدر إلهام للجيل الجديد من النساء المغربيات. إن قصصهن وإنجازاتهن تعكس القوة والعزيمة والقدرة على تحقيق الأحلام بغض النظر عن العقبات. إن المرأة المغربية تظل نجمة تتلألأ في سماء التميز والإبداع.

***

زكية خيرهم

الامتاع سمة رئيسة في العمل الابداعي، والتجارب الابداعية الحقيقية تكتسب أهميتها ومن ثم انتشارها بقدر ما تقدمه من عوالم ممتعة ومشوقة منسوجة بأدوات مبتكرة يميزها ويفرد نكهتها عن غيرها من التجارب وكذلك في تجاوزها ما هو سائد من أنماط متوارثة في الصياغة تفتقر الى روح التجديد، والشعر قادر على تقديم هذا الامتاع والتميز فهو عالم زاخر بالجماليات من موسيقى وايقاع ولغة وصورة، والشاعر الحقيقي هو ذلك الذي يستثمر هذه المفردات ليرتقي بالذائقة ويؤسس لوعي راق من خلال ابتكاره لأنماط جديدة من التعبير ومن بينها اثارة الأسئلة التي تستفز القارئ وتأخذ به الى التأمل والبحث عن اجابات في شؤون كونية وحياتية، فالشاعر أدونيس يرى بان الشعر الذي لا يطرح الاسئلة لا يستحق ان يؤخذ مأخذ الجد، وقد تبنى هذا الرأي واشتغل عليه عدد من الشعراء من بينهم الشاعر (سيد حجاب 1940- 2017)، وهو شاعر عامية مصري عرف بكتابة أشعاره باللهجة العامية المصرية للكثير من الأعمال الدرامية والتليفزيونية المصرية ومن اشهرها مسلسل " الشهد والدموع " و" ليالي الحلمية " و " المال والبنون "، وامتازت اشعاره بوضوحها المجازي وفنيتها العالية وكذلك تناولها مشكلات كبرى تدور في ذهن الانسان، ففي عدد من قصائده انتهج الشاعر اسلوب الحوار بأسئلة ارتدت ثوب القصيدة كشف فيها عن استفهامات كثيرة تخص مشكلات كونية واجتماعية شغلت الانسان واستطاع من خلال اسئلته التي تبنى نيابة عن القارئ فك شفراتها والنفاذ الى جوهر الاشياء واحداث تغييرا بدرجة ما في الوعي ونمط التفكير فهو يسأل ويجيب:

منين بييجي الشجن

من اختلاف الزمن

منين بييجي الهوى

من اتلاف الهوى

منين بييجي السواد

من الطمع والعناد

منين بييجي الرضا

من الرضا بالقضا

كما ان شاعرا أخر هو " رسول حمزاتوف " لجأ الى ذات النمط من الكتابة وذلك في عدد من رباعياته التي ضمها ديوانه "طالما الأرض تدور" حيث تقرأ فيها حيرة الشاعر وانشغاله بأسئلة عن الحياة وصراع النفس البشرية:

ــ من هو أكثر الناس مشقة في حياته؟

ــ من لا يسمع نصيحة من أيما انسان

ــ من هو أكثر مشقة من هذا؟

ــ من لا يعطي نصيحة لأحد

.....

ــ من الأحقر بين البشر على الأرض؟

ــ الرجل الجبان الرعديد

ــ قل لي من هو الأكثر حقارة منه؟

ــ الرجل الجبان الساكت

.......

ــ من هو أكثر سعادة من رجل

لم يعرف الداء منذ ولادته؟

ــ من لم يعرف الحسد طوال عمره

لا لعدو ولا لصديق

........

ــ كيف نشأت القوة والتسلط؟

ــ ولدهما الضعف البشري

ــ ومن أين جاء هذا الضعف البشري؟

ــ ولدته القوة والتسلط

***

ثامر الحاج امين

تم اختتام سمبوزيوم سيسيليا العالمي للفنون التشكيلية وذلك يوم السبت 30 سبتمبر 2023 وذلك بحضور أكثر من 60 من فناني العالم وبعد أيام من النشاط الفني من لقاءات ومعارض وورشات منذ يوم 23 سبتمبر كان الاختتام في احتفالية مميزة حيث تضمن في فقراته التكريمية تثمينا بمثابة التكريم وتسليم جائزة الأوسكار للفنان التشكيلي التونسيب الطاهر عويدة وهي ضمن جوائز الجدارة الفنية والتقنية وتمثل تكريما مضافا للفنان ضمن تجربته الفنية الممتدة على عقود حيث سعى الفنان التشكيلي الطاهر عويدة الى الغوص أكثر في التجربة بحثا وابداعا لابراز أعماله بجماليتها ومضامينها الفنية من خلال معارضه التونسية والعالمية في عدد من البلدان حيث شارك في هذا الملتقى الدولي " الفن من أجل السلام " بقصر الأمراء بمدينة بلارمو صقلية الإيطالية ومع 60 من الفنانين من العالم وذلك للفترة من 23 الى 30سبتمبر 2023 وقد ضمت مشاركته أعمالا من الحجم الكبيرو هي أعمال من أجواء البحر.. وقبل هذا كان للفنان الطاهر عويدة معرض شخصي هو مرايا البحر بفضاء " بول " بضاحية قمرت وذلك للفترة من 3 الى 10 أوت الجاري حيث كان هناك اقبال من أحباء الفنون ورواد الفضاء وتنوعت الأعمال التي ميزت حيزا من تجربة سي الطاهر التي كان من عناوينها الجدية والدأب والبحث والامتاع والمؤانسة فنا وذهابا نحو الحلم والأقاصي.. هكذا هو الشأن الفني الجمالي عند الطاهر عويدة الذي يعمل وديدنه الجمال والابداع ضمن مسيرة لعقود في ساحة الفن.. وهكذا نلج الآن عوالم الفنان العميق كطفل سابح في سماء البراءة.. تربى في مدرسة البحر وفق قصة لذيذة خطها الوالد والأهل.. علاقة استثنائية مع البحر والتلوين حيث لم يقل " بس يا بحر ".. واصل المغامرة بكثير من الامتلاء بالفن والحياة. نعم من البحر أتت مواجعه والبهجة العارمة.. تشرب من عوالم الأزرق ومضى في أيام خطاه كائنا آخر يعرف الينابيع.. لم ينسها. من طفولة مبكرة عالج صاحبنا أحلامه بهواجس البحر بحثا عن أصواته وتلويناته فغدا غواصا يبحث عن الكنه والجوهر وتلوينات أخرى للأشياء.. خبر لغة البحر وحاوره وحاوله قتلا للنسيان والفجيعة.. في تجربته الجمالية وضمن أعماله الفنية قدم مشهدية الخيل والحرف في عنفوان من ذاكرة الأزرق باتجاه الآفاق.. لوحة كبيرة بعمقها وبساطتها وتوهجها كل ذلك على سبيل المحبة والوفاء تجاه المحرس مدينة الفنانين.. قبل ذلك قدم أعماله في معرض بسيدي أبي سعيد في تنوع جمالي عرف به في أعماله.. هو عضو بالرابطة الدولية للفنانين التشكيليين ورابطة الفنانين التشكيليين التونسيين.. من مؤسسي مهرجان الفنون التشكيلية بجرجيس في 2001.. نسق لقاءات الفن المعاصر بفلوريدا الأمريكية سنة 2017، وصاحب رواق " art’riadhبجربة منذ سنة 2018. تعددت معارضه الدولية بأوروبا وأمريكا.. غادركرسيه المتحرك بمستشفى صقلية بايطاليا ليمضي مع نشاطه الفني ومن ذلك معرضه تحت عنوان ” فن وحياة “ برواق سامية عاشور.. نثر ألوانه ولوحاته وفي قلبه شيء من الرغبة الجامحة في التحليق أكثر هنا وهناك. تعددت تقنيات فنه بين والرسم والكولاج والخط العربي.. كون من الأشكال والألوان حيث لا يغيب البحر والجنوب الساحر.. تنوعت مشاركاته في تظاهرة " البحر يحتفل ".. عانق المتوسط غوصا.. وسافر بالحرف العربي في فضاءات تونس وسويسرا وفرنسا وايطاليا وبلجيكيا والولايات المتحدة الأمريكية..

الفن حياة أخرى برغبة واصرار وجموح. وموسيقى هادئة.. وحده الفنان يتقن الانصات اليها والتوقف عند ألوان الأحوال والأمكنة.. تجربة فنية يرعاها صاحبها الفنان الطاهر عويدة بكثير من الشجن والفرح والصبر والمحبة..

***

شمس الدين العوني

ولد هنري ترويا (واسمه الحقيقي ليف ارسينوفيتش تاراسوف) في الامبراطورية الروسية عام 1911 بموسكو في عائلة غنية منحدرة من اصول شركسية وارمنية، وهاجر مع عائلته الى فرنسا عام 1920 (اي بعد ثورة اكتوبر 1917)، وتوفي في فرنسا عام  2007، واصبح هناك اديبا فرنسيا كبيرا، واصدر اكثر من مئة كتاب بالفرنسية بين روايات وقصص ودراسات تناولت السيرة التاريخية والفكرية لشخصيات بارزة، ومن بينها مجموعة من الكتب عن الادباء الروس الكبار، ومن جملة تلك الاصدارات كتاب عن غوغول صدر بالفرنسية وتمت ترجمته الى الروسية بعد اكثر من ثلاثين سنة على اصداره في فرنسا ( بعد انهيار الدولة السوفيتية)، وليس عبثا ان هنري ترويا حاز على تسمية (اكثر الادباء الفرنسيين روسيّة)، وان ابنته اهدت لروسيا بعد وفاته كل ارشيف والدها ووثائقه الفريدة، واعلنت، ان تراث والدها الفكري (..قد عاد الى الوطن الام ..) .

لم استطع في حينها ان اطلع على كتاب هنري ترويا عن نيقولاي غوغول، ولكني وجدت في احدى الاعلانات حول غوغول مقطعا من ذلك الكتاب، وقد ادهشني ذلك المقطع بصورته الفنية غير النمطية، اذ يؤكّد ذلك المقطع على جوانب غير اعتيادية بتاتا حول حياة غوغول وابداعه، منها مثلا، انه كان (... أغرب شخصية في تاريخ الادب الروسي...) وانه (....كانت و لازالت توجد اساطير عن حياته ومماته اكثر مما توجد وقائع محددة...)، وهذا ما جعلني انتبه الى هذا الكتاب، وان ابدأ باليحث عنه فعلا كي اطلّع عليه بدقّة وامعان .

 اصدر هنري ترويا كتابه عن غوغول عام 1971 في باريس، اما الترجمة الروسية، فقد صدرت عام 2004 (واعيدت طبعاتها عدة مرات لاحقا)، وتقع طبعة 2004 في(640) صفحة من القطع المتوسط، وبعد الاطلاع على كتاب هنري ترويا عن غوغول فهمت طبعا، لماذا لم يترجم (بضم الياء) هذا الكتاب في الفترة السوفيتية، اذ ان الصورة الفنية التي رسمها هنري ترويا لغوغول تختلف تماما وكليّا عن المفهوم السوفيتي (ان صح التعبير) لصورة غوغول الفنية ودوره في مسيرة الادب الروسي وتاريخه،  فالمنظّرون السوفيت كانوا يعتبرون غوغول  واضع اسس الواقعية الانتقادية (او الواقعية النقدية وفق بعض المصادر) في الادب الروسي، والتي انتهت بانتصار منهج  الواقعية الاشتراكية في آداب شعوب الاتحاد السوفيتي قاطبة حسب تلك المفاهيم، وقد لاحظنا كل ذلك في دراستنا للادب الروسي في الجامعات السوفيتية بستينيات القرن العشرين، اذ كان التأكيد دائما يدور حول واقعية غوغول وانتقاده للجوانب السلبية في المجتمع المحيط به، اي مجتمع الامبراطورية الروسية القيصرية، دون الاشارة الى ان هذه الانتقادات موجهة ضد الجوانب السلبية في الحياة الانسانية عموما، وبالطبع، دون الاشارة  الى غرائبية بعض نتاجاته الفنية وخياله الجامح في مضمونها، الا انه يجب القول رأسا، ان هذه المفاهيم قد اختفت تقريبا في النقد الادبي السوفيتي منذ اواسط سبعينيات القرن العشرين في الاتحاد السوفيتي نفسه، ولكننا كنّا نرى بعض انعكاساتها في بعض اوساط عالمنا العربي ليس الا، وذلك لان تلك الاوساط كانت بعيدة ومنعزلة تقريبا عن الوقائع السريعة الجديدة التي كانت تحدث في المجتمع السوفيتي آنذاك، ولهذا فانها كانت تكرر –  بعناد يرفض حتى النقاش - نفس المعلومات السابقة لديها ليس الا، بينما الوقائع الجديدة كانت واضحة المعالم جدا لمن يتابع مسيرة المجتمع السوفيتي واحداثه ويعرف طبيعة ذلك المجتمع وصراع التيارات الفكرية في اعماقه، هذه الوقائع التي ادّت في بداية التسعينيات الى تلك النتائج المعروفة من الظواهر الجذرية والحاسمة وظهور دولة  روسيا الاتحادية واختفاء الدولة السوفيتية وتحوّلها الى مجموعة كبيرة من الدول المستقلة والمتنافسة- بعض الاحيان - حتى فيما بينها، اذ ان تلك الظواهر الجوهرية الكبرى لا تحدث في المجتمعات بين ليلة وضحاها كما يقول التعبير العربي المعروف، وانما تنضج تحت نار هادئة وتستغرق زمنا طويلا، والادب هو احدى المؤشرات المهمة في تاريخ ومسيرة تلك المجتمعات، التي تحدث فيها التغييرات الجذرية الكبرى .

كتاب هنري ترويا عن غوغول هو نتاج فني ووثائقي في آن، فني لانه مكتوب باسلوب ترويا الحيوي وكأنه رواية يلتهمها القارئ بمتعة، ووثائقي لانه يعتمد على رسائل غوغول وابداعه الادبي وسيرة حياته، والكتاب باختصار كلمة جديدة بالنسبة للدراسات حول هذا الكاتب الكبير، اذ تناول ترويا حياة غوغول الذاتية متجانسة مع  خصائص نتاجاته، واستطاع ان يرسم للقارئ لوحة فنيّة لغوغول في مزيج هارموني يوحّد ابداعه ومسيرة حياته، لوحة تساعد القارئ ان يتفهم اسرار غوغول ولماذا اصبح اكثر الادباء الروس محاطا بالاسرار والاساطير عن حياته وابداعه، ومن الطريف ان نختتم مقالتنا هذه بالاشارة الى ان الترجمة العربية لهذا الكتاب قد صدرت في مصر عام 2010 بعنوان – (غوغول سيرة حياة ممزقة)، ويمكن القول ان هذا العنوان للترجمة العربية صحيح وملائم فعلا لمضمون الكتاب، ولم استطع ان اطلع على هذه الترجمة مع الاسف، وبالتالي، لا استطيع ان احدد، هل ان هذا العنوان موجود في النص الفرنسي للكتاب ام هو اجتهاد المترجم ليس الا، اذ ان عنوان الترجمة الروسية لا يشير الى تلك التسمية، وفي كل الاحوال، فان ظهور الترجمة العربية لكتاب هنري ترويا هو دليل آخر على اهمية هذا العمل الابداعي عن السيرة الذاتية لكاتب روسي وعالمي كبير مثل نيقولاي فاسيليفتش غوغول ... 

***

أ.د. ضياء نافع

نولد في هذه الحياة لنعيش فترة من الزمن قد تطول وقد تقصر..نحيا خلالها أحداثا  وقصصا  كثيرة..تفرحنا بعضها..نحزن لبعضها.. وقد لا نفهم مغزى ما يحدث لنا إلا بعد وقت طويل.

ظروف الحياة الصعبة قد تعلم الإنسان المقاومة..تعلمه الصبر وتمرنه على السعي الدؤوب.

الأحزان كما الفقدان  قد تلين قلوب الناس فتُصيّرُها ملجٱ  للناس.

كذلك الأنانية والتدليل المفرط يجعل من البعض أشخاصا  متواكلين..سطحيين..تافهين فتلقاهم نتاجا لحياة قدمت لهم على طبق من ذهب.. تربوا على قصص الأخذ  ففاتهم التدرب على العطاء.

إلا أنه ولئن كانت هذه الحقائق صحيحة إلا أنها ليست مطلقة..بعض الاستثناءات لا تخضع للنتائج المنتظرة.

ههنا تلعب إرادة الشخص دورها في أن تغير وجهة النتائج المترتبة عن "قصته" إلى ما لم يكن من المفروض أن يحدث.

يقول الفيلسوف " شوبنهاور":

"نحن لا نريد الأشياء، لأننا وجدنا أسبابا لها، بل نخلق أسبابنا لأننا نريد أشياءً معينة".

 كانت تلك فلسفة شوبنهاور باختصار، وكانت الحياة بالنسبة له كفاحا أبديا وصراعا لا يهدأ إلا بالموت.

ويحدث أن يكون  لقصتك التي صنعتك تأثير مباشر أو غير مباشر على من يحيطون بك..3771 درصاف

غير بعيد عن هذا، عثر الفيلسوف الألماني "فريدريك نيتشه" على كتاب شوبنهاور «العالم إرادة وتمثلًا» عن طريق المصادفة، في دار لبيع الكتب القديمة في مدينة "لايبزج" الألمانية، وعندما فرغ من قراءته اجتاجه دوار عقلي لازمه تسع سنوات، وجعل صورة العالم تتبدل أمام ناظريه، فكتب:

«هنا يصرخ كل سطر عن رفض ونكران زاهد للذات، وترويض للنفس، هنا رأيت مرآة لمحت فيها العالم والحياة وروحي، في تمجيد رهيب، هنا رأيت المرض والعلاج، المنفى والملاذ، الجحيم والجنة».

كل ما نقرؤهُ..كل ما نعيشه..كل القصص التي نكون أحيانا موضوعها ..أو نكون أبطالها وفي أحيان أخرى ضحاياها، هي مصدر ليس فقط للتعلم، بل هي المصدر الأساسي للمذهب الذي نعتنقه  في الحياة..هي المحدد لرؤيتنا لأنفسنا وللعالم من حولنا.

بالعودة إلى تاريخ فيلسوف الإرادة "شوبنهاور"

 نقرأ أنه نشأ في ظل علاقة  متأزمة مع أبيه.

كان والده تاجراً ناجحاً، يروم أن يكون ابنه مثله، فجاب به أنحاء أوروبا  وعمل  على إغرائه بكل الوسائل لكي يمتهن التجارة ويحقق الأرباح المادية الطائلة.

قبل شوبنهاور على مضض وخضع إلى إرادة والده التاجر إذ قد " نشاء غالبا مالا نشاء"..

لم يكن شبنهاور  يجرؤ على الإفصاح عن رغبته الحقيقية في مواصلة دراسة الآداب والفلسفة. لكن  مثلت وفاة أبيه المفاجئة حدثا يرمز إلى تحرره من طريق كان سيقضي على موهبته الواعدة.

  إثر هذه الوفاة باعت والدة شبنهاور كل مصالح الأسرة التجارية، وأنشأت صالوناً أدبيا كان يتردد إليه الأديب الألماني العظيم "غوته". كذلك انصرفت الأم إلى الرواية، ومهدت لتنشئة ابنها تنشئة فكرية ساعدته لقاءات الصالون الأدبي في تهذيبها وإثرائها.

هذه قصة شبنهاور ..ونحن مثله لكل منا قصته..قصة صنعت من كل واحد ما هو عليه..فوجهت إرادته إلى ما هو عليه اليوم.. ربما لولا تلك القصة لما كان الإسم هو الإسم.

تقول الروائية المصرية رضوى عاشور:

"لكل شيء في هذه الدنيا علامة قد لا يفهمها الإنسان أبدا، وقد يفهمها بعد حين".

***

درصاف بندحر - تونس

صدر حديثا عن دار الرعاة وجسور ثقافية (رام الله وعمان) الطبعة الثانية من ديوان " زفرات في الحب والحرب 3″، للأسير الشاعر والروائي هيثم جابر. ويقع الديوان في (230) صفحة من القطع المتوسط، ويتخذ الشاعر هيثم جابر من هذا العنوان "زفرات في الحب والحرب" عنوانا ثابتا لكل إصداراته الشعرية.

الديوان مقسم إلى ثلاثة أقسام القسم الأول بعنوان "زفرات الحرب" والقسم الثاني "زفرات حب" أما القسم الثالث فهو

مجموعة نصوص قصيرة بعنوان "الإشراقات" تميزت بالتكثيف الدلالي والإيحاء.

غالبا ما يكون أدب الأسرى وسيلة نضال يعبر الأسير من خلالها عن مشاعره ويوثق حياته داخل الأسر، الشاعر والأديب هيثم جابر كتب الرواية والمقالة وقدم القراءات النقدية لعدد من كتّاب الوطن وفي زفرات في الحب والحرب يقدم ثلاثة أجزاء بذات العنوان وكأن الزفرات المكتومة في صدره لا تنتهي، ولم يكتف ببوح جل ما في خاطره من قصائد، فكيف نبتت تلك القصائد واستحوذت على لب القارئ ومشاعره!

لكتابة الشعر على الشاعر التمتع بقدر كافِ من الحرية، فالشاعر حين يكون حرا، تعانق عينيه الوديان والسهول ويسافر بنظره نحو السماء، يتأمل ملكوت الكون ويتعبد في مدى حده الفضاء ليوحى له، شاعرنا فقد الحرية هو حبيس القيد نشأ وكبر وغزا شعره الشيب مع الوقت ، ورغم ذلك في ديوانه زفرات في الحب والحرب تجد نفسك أمام شاعر متمرد تمرد على الأسر، وعلى ذاته الحبيسة، حتى أنه إحياننا رفض الوزن والقافية وتمرد عليهما، يتمتع بحرية خاصة لا تقبل القيد.

تخذلني قافية عند مفترق قصيدة حرة

هاربة من وزن مرتقب

تلوذ بالفرار من ضوضاء النظم

المفتعلة في عصر السكون القسري

تهب نفسها لنبي لم يزره الوحي أبداً ...صفحة 152

يستحضر الشاعر هيثم جابر الطبيعة بجمالها ورونقها تراها في شعره وكأنك لم ترها من قبل، ممزوجة بروحه الحرة التي تستدرجك لترى الكائنات وتوحي لك بمقاصد الشاعر العميقة الملهمة للحياة، غريب أمر الشاعر وهذا التناغم الآسر مع الطبيعة البعيدة جدا عن رؤى عينية، عاش سنوات أسره التي بلغت إلى الآن 21 عاماَ في صحراء النقب، ومن خلال شعره خضّر الصحراء، يحق له أن يكرر كلمة "أنا" في قصائده فهو حالة خاصة للحياة، لقد نبتت لغته الشعرية معلنة اختراقها للأسوار، نعم الأسير يحرر جزءا منه بالكتابة وقد حرر الطبيعة التي يخفيها الزحف العمراني، ووجه وعي القارئ لإدراك قيمة الطبيعة.

في البداية ومع زفرات الحرب يبدو هيثم ناقما ممن يطمسون معالم الوطن، ويستهين بزمن الأسر وصبر الرجال خلف القضبان

هي أضغاث أحلام يا فتى

والواقع أسود شديد

لا عدل... لا حق يسود

سقط العدل ومعه طفله الوحيد.

وفي زفرات الحب يزهر الحب بعد الحرب

وبإصرار العاشق على اللقاء يقول:

انتظرك في الشتاء القادم

وكل الفصول الرحلة إلى عينيك

تنام تحت مروج سحرك

تعشش في مفاصل الكلمات الوردية

قالت: انتظرك تحت المطر

تحت ظل غيمة ثائرة

تلقي علينا حمم السحر

والفتنة والأقحوان

غيوم السماء لم تعد باردة حين التحقت بالثورة تأججت حمم سحرية، البلاغة هنا تكمن أن مع كل كلمة مضافة يتغير المعنى، هي حمم وأضاف إليها كلمة السحر ثم الفتنة والأقحوان لتغدوا ثورة الغيم مطر مشتهى.

فأين هي حبيبتك يا هيثم التي تنتظرك؟!

هل هي حبيبة على الورق أم ظل حبيبة؟

الأنثى في قصائده جميلة قوية كالعاصفة

ومن الملاحظ استخدامه كلمة ظل بصيغ متعددة

الموت أطبق ظله حتى اكتمل

تتساقط أوراق القصائد

في فصول الموت

ويصفر الغزل

غيمة مثقلة بالدمع تبكي نجما قد أفل

وشتاء لن يعود أبدا

قبيل الفجر رحل

هنا... في أروقة الحب الصامت

من الموت ما قتل

الموت لا يأتي دفعة واحدة، هناك فرق بين موته وموته، الموت على دفعات مؤلم والحب الصامت إحدى تلك الموتات.

حين يجمع الشاعر الثورة والعشق يستعمل ضمير المتكلم "أنا"

أنا يا سيدتي عاشق وثائر... وينهي القصيدة فأنا عاشق حر وثائر

يكررها مرتين في قصيدة "دعوة" صفحة ، 198 والعشق يسبق الحرية والثورة، وسبق وذكر في روايته "الأسير 1578" أن عشق الوطن أصل العشق.

يتساوى الحب والحرب كلاهما يفتحان أبواب جهنم

قرع باب الحب

قرع باب الوطن

فتحت عليه أبواب جهنم.. صفحة 227

هي صحراء النقب التي طحنت عمره وكما يتسلل الموت إلى الدم في العروق تسلل البياض إلى سواد شعره معلنا مرور الوقت خلف الأسوار.

في صحراء الموت والدماء

مطحنة الأعمار

الأبيض سيد الموقف وجدار.. صفحة 222

في الختام منك وإليك يا هيثم رسالة اكتفي بها: القيد في يدي شمس تنام في كفي

منك الأمل قهرت الصحراء وجعلتها مروجا خضراء، وزينت ليلها المظلم بالنجوم والظلال، عالمك ليس بُرش بل أنت تمشي على الموج.

وإليك يا صاحب الحب المعتق على مدى السنين، ستلهم صحراء القلب أن تلتجئ إليك، الجندي الوحيد في معركة الغياب، قصائدك نبض وروح ، ورمحك حكاية منطلقة حدودها مداك، ستنهض يوماً من عالمك الخاص، وتضيء ليل الأمسيات كقمر اكتمل.

و من الجدير بالذِّكر أنه صدر للشاعر هيثم جابر عدة كتب؛ عدا هذه الدواوين، فقد أصدر روايتين هما "الشهيدة" و"الأسير 1578"، ومجموعة قصصية بعنوان "العرس الأبيض" كتاب "رسائل إلى امرأة"، تحت النشر

***

إسراء عبوشي

قامت الحكومة المصرية بهدم مناطق تاريخية واثرية واسعة شملت مدينة الفسطاط عاصمة مصر القديمة، وشملت عملية الهدم مقابر أثرية مثل مقبرة الإمام الشافعي والتي تضم مقابر علماء بارزين كالامام المقريزي وابن خلدون و يرجع تاريخها إلى آلاف من السنين منهم حكموا مصر طوال تاريخها فضلا عن مقابر شخصيات بارزة كابراهيم باشا نجل الخديوي اسماعيل وفي مدينة الفسطاط التاريخية التي كانت تمثل عاصمة مصر القديمة قامت الحكومة بهدم قرية القواصير التي كان يتركز بها صناعة الفخار وهو ما أثار غضب العاملين في تلك الصناعة الذين أكدوا أن ذلك يعد خسارة فادحة لمصر نظرا للدخل الذي يمكن أن تدره من إقبال السياح على شراء تلك الفواخير. رغم اعتراض السكان فانه سيتم بناء على انقاضها بناء كافيهات وأبراج يمتلكها رجال أعمال مصريين ومستثمرين خليجيين معظمهم من الامارات فضلا عن محطات وقود يتبع معظمها المؤسسة العسكرية وعلى الرغم من أن لجنة التطوير أكدت في تقريرها أنه يمكن إيجاد مناطق بديلة للمناطق التي تقرر تطويرها, وقدرت مصادر اقتصادية حجم الديون التي تكبدتها مصر في عمليات التطوير 56 مليار دولار وهو ما أثار حفيظة عدد من الاقتصاديين والمعارضين الذين رأوا أن تلك الأموال كان يمكن استخدامها في إقامة مشاريع اقتصادية لتشغيل الشباب ، ومع إصرار الحكومة على استمرار هدم المقابر والأماكن التاريخية تحرك عدد من أعضاء مجلس النواب لوقف عمليات الهدمهخكخاةااىهىهخ هدم المقابر الأثرية يعد جريمة بكل ما تحمله الكلمة من معاني مؤكدة أن القاهرة تعد من المدن التاريخية الفريدة والتي تم وضعها على قوائم منظمة اليونسكو والتي يجب الحفاظ على تراثها التاريخي وتساءلت لماذا الاصرار على عمليات الهدم على الرغم أن اللجنة المشكلة وضعت حلولا لإيجاد مناطق بديلة وكشفت النائبة أن هناك عمليات سطو على القطع الاثرية التي تحتويها المقابر من قبل القائمين على الهدم واكدت النائبة أنها تقدمت باكثر من طلب إحاطة ولكنه لم يتم الرد عليها، فيما طالب النائب ضياء الدين داوود بضرورة توضيح الدراسات التي تشير إلى عمليات الإزالة ومن الذي وقع عليها مشيرا إلى أن المصريين والمهتمين بالآثار يتابعون بقلق وإحباط ما يجري في تلك القضية.

وتعاني المباني التراثية والأثرية بالعراق من تعرضها للإهمال والهدم والسرقة والتهريب، حيث أفادت إحصائية أن قرابة أربعة آلاف مبنى تراثي تعرض للهدم، وهو ما دفع الهيئة العامة للآثار لمطالبة الحكومة والبرلمان بتشريع قوانين صارمة تمنع هدم المواقع التراثية والأثرية, العديد من المباني تم هدمها، خاصة أن المنطقة مركز بغداد التجاري والصناعي، ويقوم مستثمرون جاء أغلبهم من خارج العراق بهدم المباني التراثية.

***

نهاد الحديثي

الاديب الاردني العالمي المتمرد.. المعايش للعواصم الحضارية الأربع (بيروت – بغداد – القاهرة – دمشق).. مبدع مشتبك مع واقعه ويمكن اعتباره وبحق مثقفا عضويا فلم تحتمله أي من العواصم العربية (بيروت وبغداد والقاهرة فدمشق) فارتحل بينها مرغما، وهذا الترحال الاضطراري أحياناأكسبه دراية عميقة بتلك العواصم فكتب عنها وكتبته، ولم يغب عنه الوطن الأم حيث مرابع الصبا، فكانت الأردن بكل جغرافيتها حاضرة دوما في وجدانه كما في ابداعه.

قاهرة الستينات بكل وهجها الثوري وثرائها الثقافي سكنته وسكنها على مدى عقدين ونيف من الزمان ولم يتوقف الأمر عند اتقان لهجتها والتحدث بها أينما حل، بل جاءت العديد من رواياته في مناخات تغلب عليها الاجواء المصرية؛ وفي هذا نذكر روايات الخماسين والضحك والسؤال وروايته الاخيرة المثيرة " الروائيون"، كل تلك الروايات تتردد في داخلها أجواء المثقفين المصريين ولم تخلو من اطلالات على الأجواء الشعبية الفقيرة وتوقف فيها أمام المرأة المصرية الشعبية.

أيضا سعى غالب في رواياته تلك كما في الكثير من رواياته الأخرى لاكتشاف معنى للحياة بالانغماس في الملذات الحسية، والاحتفاظ في الوقت نفسه بنزعة تأملية تحليلية للشخوص والمواقف تندرج في السياق الدرامي ولا تنفصل عنه، بما ينأى بالروايات عن الوقوع في فخ الذهنية، مع شحنة سياسية نقدية بل راديكالية وفي جميع الحالات تماهى مع الحياة المصرية واندمج في نسيجها الاجتماعي والسياسي والثقافي، كما تماهى مع الحياة العراقية في روايته ثلاثة وجوه لبغداد

كان غالب فضلا عن كونه روائيا وقصاصا، مثقفا عضويا، منشغلا بالواقع السياسي والثقافي والفكري في وطننا العربي والعالم، يحمل بين جنباته حلما بتحديث مجتمعاتنا العربية على كافة الصعد الاجتماعية والثقافية والسياسية. وفي سبيله لتحقيق حلمه هذا أنجز العديد من الروايات والقصص القصيرة، فضلا عن كتباته في النقد الأدبي، والفلسفة والفكر، وانجز العديد من التراجم.

فإلى جانب رواياته ومجموعتيه القصصيتين، كتب غالب هلسا عن "العالم مادة وحركة" (في محاولة لفهم بعض مفكري المعتزلة)، و"الجهل في معركة الحضارة" (في رد على كتاب لمنير شفيق)، و"قراءات في أعمال: يوسف الصايغ، يوسف إدريس، جبرا إبراهيم جبرا، حنّا مينه"، كما ترجم "الحروب الصليبية" للروائي الإسرائيلي عاموس عوز، و"الحارس في حقل الشوفان" للروائي الأمريكي جي. دي. سالينجر، و"جماليات المكان" للفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار.

ما يكشف عن اهتماماته المتعددة وقدراته الفكرية والإبداعية التي جعلته واحداً من الكتاب المؤثرين في الثقافة العربية في النصف الثاني من القرن العشرين.

وإذا أردنا التوقف قليلا أمام رواية السؤال التي كانت اعادة طباعتها في مصر محفزا على ندوتنا تلك، فأن أعتقد أن رواية“السؤال” مثلت وبحق معالجة روائية فذه للحياة المصرية في ستينيات القرن الماضي حتى أن البعض وجد فيها رداعلى رواية “اللص والكلاب” لمحفوظ، حيث أنها تعالج ذات الواقعة الحقيقية التي جرت أحداثها في ستينيات القرن الماضي وتناولتها الصحف المصرية آنذاك تحت عنوان السفاح .

لكن معالجة غالب جاءت ضمن رؤية يسارية، وبأدوات كتابة مناهضة للرواية البورجوازية التي مثلتها اللص والكلاب للأديب المصري الكبير نجيب محفوظ

لقد رحل المبدع الاردني العربي غالب هلسا عن عمرٍ ناهز الـ57 عاما في مدينة دمشق في العام 1989، تاركا للأدب العربي إرثا قيّما من الأعمال الأدبية والفكرية، أعمال عبرت ضمن ما عبرت عن النفس والذات والغربة، وعلاقتها بالسلطات وضيق أفقها السياسي، والبسطاء ومعاناتهم الاجتماعية.

غادرنا جسد غالب هلسا وترك لنا العديد من الأعمال الأدبية التي غاصت في أعماق مجتمعاتنا العربية وارخت اجتماعيا وسياسيا لواقعنا العربي الذي عاشه على مدى خمسة عقود ونيف فكانت : (الضحك عام 1971)، (الخماسين 1975)، (السؤال عام 1979)، (البكاء على الأطلال عام 1980)، (ثلاثة وجوه لبغداد عام 1984)، (نجمة 1992)، (سلطانة عام 1987)، (الروائيون عام 1988)… فضلا عن مجموعتين قصصيتين هما (وديع والقديسة ميلادة عام 1969) و(زنوج وبدو وفلاحون عام 1976).

ان المنجز الابداعي والثقافي الفكري لغالب هلسا يتطلب من المهتمين بالثقافة العربية أن يولوا اهتماما خاصة بهذا المنجز الذي يمثل اضافة نوعية للثقافة العربية .

وبما انني اتقبل جميع الآراء والتوجهات مهما كانت مختلفة عني

سواء اتفقنا مع اراءه او اختلفنا لا يسعنا الا ان نحترم شخصه النزيه الذي لم يكن غايته المال والمتاجرة بالقضايا انما كان رجل صاحب فكر ومبدأ عاش ومات لأجله

***

سارة طالب السهيل

بالفن يرى الكائن حيزا من ذاته وهو المسافر بكثير من التمني والأمل قبالة عالم مكتظ بالمشاهد والعناصر والحكايات التي تحيل الى سرديات ملونة طافحة بالمعاني وبالشؤون والشجون...هكذا نمضي الى عوالم الفنانة التشكيلية لبنى بوقلة التي تحلم بالعالم لتراه بمثابة علبة تلوين حيث أخذها الشغف بالرسم والتلوين منذ طفولة والى هذه الايام لترى في ذاتها تلك الأمنيات الملونة ...برز ذلك في مختلف أعمالها الفنية التي انطبعت من خلالها المشاهد ومنها قصر الجم الانيق وكذلك الحرفي المنهمك في خزفياته وشغلته الفنية مع الطين والطبيعة الميتة  والتراث والمراة وغيرها من الابداعات وما تحيل اليه من بهجة الفنانة لبنى وهي تنقل جمال الأشياء في صمتها وسكونها... وغير ذلك من مواضيع وثيمات اللوحات التي تنجزها.شاركت في معارض متعددة منها معرض "الفن والألفة " بسيدي بوسعيد وبمارينا المنستير سنة 2023 وفي معرض " استلهام ثلاثي " مع الفنانة نعيمة القيزاني والجامعي والفنان غازي حسني وذلك برواق فني بسوسة الى جانب أنشطتها المختلفة في الفنون بمدينة ليون الفرنسية.

لبنى بوقلة فنانة تشكيلية تكونت ضمن ورشات " الفنانون المبتدئون " بليون حيث دراسة التصوير والرسم والفن عموما وبالمعهد الفرنسي" في حصص الرسم والفن التشكيلي والابتكارات اليدوية فضلا عن تدريب مع الفنان التشكيلي سمير بن علية.Dagneux "

هذا الى جانب الحصول على البطاقة في الاحتراف من الديوان الوطني للصناعات التقليدية كما أنها كانت صاحبة العديد من المشاركات في المعارض والأنشطة الفنية التشكيلية. وعن جانب من علاقتها بالفن التشكيلي والرسم تقول الفنانة لبنى بوقلة ".. أنا أعتبر الفن تعبيرًا عن الذات أولاً وقبل كل شيء. حيث المشاعر من صميم الحياة وجوهر تفاصيلها وكل ما يحيط بي.. رسمت عوالم متعددة منها مشاهد الحياة والطبيعة والحيوانات التي أحبها قبل كل شيء ، وبالتالي تعبر لوحاتي عن جانب مهم من مزاجي وخيالي لأحكي قصة يمكن للجميع معرفة صميمها وهوامشها وذلك من خلال تجربة المعيش.قد يرى البعض اللوحة بالطريقة التي تتناسب مع متطلبات رؤيتها من خلال الألوان أو الموضوع. وما يهمني هو أنني أطلق العنان لخيالي تجاه تقبل الجميع.بالنسبة لي ، فأنا في بحث دائم عن نفسي في الرسم والفن بشكل عام ، ولا أتوقف أبدًا عن الحلم بالإبداع والابتكار. أنا أبحث دائمًا عن  مجالات جديدة للإبداع. لا أعرف ما إذا كنت قد انتهيت حقًا من العثور على أسلوبي ، ولكن على أية حال ، فأنا أعمل باستمرار على ذلك.بي طفلة في دواخلي هي لبنى بوقلة الفنانة الحالمة والرسامة المجتهدة المغرمة بالفن منذ الصغر، انضممت إلى نادي الرسم في اختصاص الرسم الزيتي ، حيث تمكنت من تقنية الرسم الزيتي وكان ذلك لمدة عام تقريبًا...".

هكذا هي المساحة الفنية للرسامة لبنى بوقلى حيث ترى في الرسم والتلوين مجالات للحلم والقول بجمال الأشياء وبهاء العناصر ضمن تخير أسلوبي ولوني تعمل عليه في سياق تعاطيها الجمالي أملا في عالم أجمل بالفن حيث الانسان ينشد جمال العناصر والتفاصيل في كون من الصراعات والتداعيات المربكة.

هذا ومن خلال تنوع لوحاتها وما تحمله من عناوين ومواضيع فنية تشكيلية تسعى الفنانة لبنى بوقلة لابراز خصوصيات تجربتها التي تشتغل عليها في عوالم التلوين وذلك بالاعداد لمعرضها الشخصي في احدى الأروقة المعدة للفنون بالعاصمة فالرسم لديها وعي وحب وجمال.

***

شمس الدين العوني

أن يكتب ليكتب فهو مجرد كاتب

وإن كتب ليحيا فهو كاتب حقيقي

أرفع ما في الكتابة هو قدرتها على اختزال الصور والمعاني، الأشخاص والمواقف، ويصبح مقامها أعلى حين تتمكن من جعل السطور الرقيقة على الأوراق عالم كامل يتحرك ويتحدث، يتفاعل أو يتمرد، ينسحب أو يبسط أجنحته في عالم الخيال أو يتجرد إلى أن يصبح صخره في واقع أقسى من ملمس الجبال.

هذا الكاتب المصور والرسام، المفكر أو المقلد لماذا يكتب؟ هل هي الموهبة فقط التي تدفعه لهذا العالم الموازي للعالم الحقيقي؟ الموهبة تكون السبب في بداياته في الكتابة، فهناك شيء ما دفين ولا يمكن تفسيره يدفعه للكتابة، شيء ما غامض يجعله ينفصل ولو لدقائق عن عالمه المجرد ليرسم عبر السطور عالم آخر ويبتدع أفكار أخرى، أو ربما يجد متعته بأن يُمسك القلم ويخط الكلمات بلا هدف ولا خطة.

ولكن مع مرور الوقت وحين يعلم أن الكتابة أصبحت جزء من ذاته، لا يكتب فقط لأنه يتمتع بموهبة الكتابة، فما كان يستمتع به أصبح مسؤولية تلازمه، لابد أن يفكر قبل ان يكتب، لابد أن يراقب ويدقق في الأحداث والظروف والمشاعر، يتحول دوره إلى المراقب والراصد ثم المحلل.

ولكن في مرحلة ما لابد أن يسأل نفسه أو بالأحرى تسأله نفسه: لماذا تكتب؟ فإن كان يكتب لأنه كاتب وهذه موهبته وربما حرفته فهو مجرد كاتب وسيبقى كذلك لأنه لم تُفتح له آفاق أخرى في الكتابة عدا عن الرصد والنقد والتحليل.

الفرق الجذري بين الكاتب الحقيقي والمجرد كاتب، هو ان تتحول الكتابة إلى حياة وليس مجرد انعكاس للواقع، أن تنمو في ذاته عوالم أخرى غير مرئية يتمكن من خلالها أن يكتشف ذاته وذوات الآخرين، فالإنسان في حالة اكتشاف لذاته وللآخرين كل سنوات حياته، فمن يعتقد أنه يعرف ذاته بشكل كامل سوف يكتشف أو حتى يُصدم في وقتٍ ما وبموقفٍ ما أنه على خطأ وكذلك فيما يتعلق بمن حوله، حين يدرك الانسان هذه الحقيقة يزول عنه عنصر الصدمة ويصبح أكثر حكمة بتقبل الأشياء؛ والكاتب الذي أدرك هذه الحقيقية يكون في حالة توقع لكل تغير وتقبل لكل تبدل في حياته أو حياة الآخرين؛ ولكن يبقى شيء ثابت في نفسه وهو قدرته على الانسحاب إلى عالم داخلي بناه بصورة فردية لم يشاركه به أحد، هناك حيث لا صديق له سوى قلمه واوراقه وهذا العالم الذاتي النائي عن الآخرين هو بالذات ما يجعله قادراً على الحياة بصورة مختلفة عن الآخرين، فهو يكتب ليحيا وليس ليكتب فقط، ومن هنا أيضاً يأتي صفاء الفكر واتساع الخيال، فلا صفاء بحضور الآخرين ولا اتساع بوجودهم الجسدي أو المعنوي؛ أن يتجرد الكاتب من حضور الآخر، وأن يتجرد من مفاهيم مكررة وان يبني مدينته الخاصة هو أن يحيا حياة إضافية، هو أن يكتب بعمق أكبر وأن يحتاج لهذه الكتابة لأنها تتحول مع الوقت ومع عمق الفكرة والسعي نحو الحكمة إلى إمداد معنوي وروحي لا يستطيع أن يعيش بدونه، فعوضاً عن أن يكتب لأنه هناك حاجة للكتابة بمواضيع كثيرة، فيكتب لأنه هو نفسه بحاجة للكتابة ليحيا في حيوات متنوعة، أو لينتقل إلى حياة أخرى، أو ليرحل لعالم آخر، فبدلاً من أن تكون الكتابة مركب شراعي صغير يطفو على مياه البحيرة الراكدة، تتحول إلى سفينة تجوب بحر أوسع وأعمق وأبعد.

مثلما لا يمكن لطفل ان يكتفي من البحر بأن يعبث برماله وتتبلل قدماه بمائه، فلابد له من أن يرغب بالذهاب لأبعد من ذلك، وكذلك الكاتب الحقيقي لا يمكن أن يحيا على الشاطئ لابد أن يُبحر بعيداً ولابد أن يكتشف أعماقاً أخرى، ولابد ألا يستطيع الحياة دون ذلك الإبحار البعيد والدائم.

***

د. سناء أبو شرار

أعلنت دائرة السينما والمسرح التابعة لوزارة الثقافة العراقية، ترشيح فيلم “جنائن معلقة” للمنافسة على جائزة “أوسكار” أفضل فيلم عالمي في الدورة السادسة والتسعين للجائزة، لعام 2024وذكرت في بيان صحفي: “ترشح الفيلم العراقي جنائن معلقة للمشاركة في جائزة الأوسكار لعام 2024 الحاصل على منحة وزارة الثقافة والسياحة والآثار لعام 2019 بعد النجاحات التي حققها في المهرجانات العربية والدولية وحصوله على جوائز عديد،، وتدور أحداث الفيلم حول قصة شقيقين خلال فترة الاحتلال الأمريكي للعراق، وآثار هذا الاحتلال السياسية والاقتصادية والاجتماعية. يعمل الشقيقان طه وأسعد في جمع المعادن والبلاستيك من مكب نفايات شهير يسمى (جنائن بابل المعلقة) في بغداد، وعندما يعثر أسعد على دمية مطاطية مهملة ويقرر امتلاكها، تتسبب الدمية في وضع علاقة الأخوين تحت الاختبار

وكان العراق  قد اعلن في شباط 2021 ترشيح الفيلم الروائي “أوروبا” للمخرج حيدر رشيد، لتمثيله في المنافسة على أوسكار أفضل فيلم دولي بالدورة الرابعة والتسعين للجائزة الأشهر سينمائيا يروي الفيلم ثلاثة أيام مأساوية من حياة الشاب العراقي كمال، الذي يحاول الوصول إلى أوروبا سيرا على الأقدام عبر الحدود التركية البلغارية ويقع فريسة لشرطة الحدود والجماعات المناهضة للمهاجرين، علما ان الفيلم الفيلم إنتاج عراقي إيطالي كويتي مشترك، وهو أحد الأفلام الروائية الخمسة المدعومة من قبل “منحة بغداد لدعم السينما العراقية” لعام 2021 المقدمة من وزارة الثقافة والسياحة والآثار العراقية.، وهو من بطولة، جواد الشكرجي، ووسام ضياء، وكان عرضه الأول في مهرجان البندقية السينمائي عام 2022 ليجوب بعدها مهرجانات مرموقة في السويد وكوريا الجنوبية والسعودية والأردن وجرى عرضه مؤخرا في دور السينما بالعاصمة العراقية بغداد. وكتب مخرج الفيلم، أحمد ياسين، على صفحته بفيسبوك "أنا كلي شرف وافتخار بعد الإعلان الرسمي لدائرة السينما والمسرح الذي أشير به بأن فيلمنا ‘جنائن معلقة‘ تم اختياره لتمثيل العراق في جوائز الأوسكار، ورشح العراق عام 2022فيلم "الامتحان" للمخرج شوکت امین کورکي، وإنتاج ممد اکتاش،  والذي يمثّل العراق في أوسكار 2023 حول قضايا المرأة ومشاكلها في الشرق الأوسط، في 3 ديسمبر 2022 في لوس أنجلوس وفي 6 ديسمبر 2022 في نيويورك وفي 8 ديسمبر 2022 في برلين بألمانيا، هو إنتاج مشترك لإقليم كوردستان العراق، وحصد الآمتحان هذا الأثر السينمائي البارز، جائزة أفضل فيلم في القسم الدولي من الدورة السابعة والثلاثين لمهرجان سانتا باربارا في الولايات المتحدة،، وجائزة أفضل سيناريو في قسم "المسابقة الرئيسية" للمهرجان السينمائي الدولي التاسع عشر كما فاز مهرجان السينما الدولي الثالث للسكان في مصر،، والامتحان هو رابع عمل روائي طويل للمخرج الكوردي "شوكت أمين كوركيالن وأدى الأدوار في فيلم "الامتحان"مجموعة من الممثلين المشهورين وذوي الخبرة من إقليم كردستان العراق، إلى جانب عدد من الممثلين الشباب منهم؛ ئافان جمال، فانيا سالار، حسين حسن، شوان عطوف، هوشیار زیرو نیروه‌یی، نيجار عثمان، كاوه قادر، عادل عبدالرحمن

وتتلقى أكاديمية فنون وعلوم السينما الأميركية ترشيحا واحدا من كل دولة للمنافسة على جائزة أفضل فيلم عالمي والمخصصة للأفلام غير الناطقة بالإنكليزية ويقام حفل إعلان وتسليم جوائز الأوسكار في اذار من كل عام، بمدينة لوس أنجليس في الولايات المتحدة.

***

نهاد الحديثي

يُتحف "المجلس الوطني للثقافة والفنون والآدب" في دولة الكويت، منذ سنوات بعيدة قارئنا العربي في كلّ مكان، بما فيه بلادنا، بالعديد من الهدايا الثقافية السخيّة، التي يقدمها إليه إما كل شهر وإما كل شهرين وإما كل ثلاثة اشهر، وتبرز من بين هذه الهدايا "سلسلة عالم المعرفة" الثقافية الشهرية واحدةً من العلامات الفارقة والمتقدمة في ثقافتنا العربية المعاصرة، فهي تحاول ربط هذا القارئ بالثقافة العربية الرصينة كما تصله بأفضل الاصدارات التي تصدر في لغات العالم المختلفة مترجمة إلى لغتنا العربية على ايدي طاقات مثقفة ومطلعة وذات خبرة واسعة في مجالات عملها، وهي في الوقت ذاته تقوم بمراقبة ما يُقدّم إليه وتحريره على أيد عربية متمرّسة، وتقدمه بأفضل ما يمكن وعلى حدٍّ عالٍ من الخبرة والمهنية.

صدر العدد الاول من هذه السلسلة الرائعة عام 1978، وتمحور موضوعه حول " الحضارة- دراسة في اصول وعوامل قيامها تطورها"، اما مؤلفه فهو الباحث العربي الدكتور حسين مؤنس، صاحب الدراسات الرصينة في ثقافتنا العربي. بعده صدر ضمن هذه السلسلة 484 كتابًا كل واحد من هذه الكتب يعتبر متفردًا بموضوع خاص ومن شأنه أن يثري من يطلع عليه بالمعرفة المتعمقة في موضوعه، ويذكر كاتب هذه السطور أنه تحدث ذات لقاء إلى عدد من محبي الثقافة وشداة المعرفة في بلادنا عن هذه السلسلة، طالبًا من كل منهم أن يقرأ خلال سنة واحدة اصدارات هذه السلسلة الاثني عشر، وان يرى إلى أي تغير حدث في حياته واية ثقافة باتت ملك ذاكرته واضافت إلى معرفته.

العدد الاخير من هذه السلسلة صدر هذا الشهر، ووصل إلى بلادنا، وقد حمل عنوانًا لافتًا هو " علم الاجتماع الرقمي- منظورات نقدية"، تحرير: كيت أورتون - جونسو، نيك برويور ترجمة: هاني خميس أحمد عبده، وواضح من عنوانه هذا انه يحاول ادخال قارئه العربي الى الاجواء الجارية في العالم المعاصر حول المجتمعات والرقميات، وان يطلعه على آفاق موضوع ملح يشغل افكار الناس في انحاء مختلفة من عالمنا، وان يضعه في صورة العصر الرقمي تحديدًا. هذا العدد يأتي استكمالًا وإضافة إلى الكثير من اعداد هذا السلسلة الهامة في مجال الرقميات والمجتمعات الحديثة، وبإمكان الاخوة القراء المهتمين الدخول إلى شبكة البحث العالمية العنكبوتية للاطلاع على ما ضمته وقدمته هذه الاعداد من الكتب في مجالها الخاص والهام في الآن. بل انه يمكن لهؤلاء قراءة اعداد من هذه السلسلة فهي حاضرة وجاهزة للتحميل المجاني، اما سعر العدد الواحد منها بعد وصوله الى بلادنا فانه بالكاد يساوي مقابل الارسال في البريد!!

لقد توزعت مواضيع المؤلفات والكتب التي ضمّتها هذه السلسلة خلال فترة صدورها المديدة، على العديد العديد من المواضيع في شتى العلوم والمواضيع، ونشير هنا إلى اعداد مختلفة منها مثل " التفكير العلمي"، للكاتب المبدع الدكتور فؤاد زكريا، كما قدمت اصداراتها الاولى كتابًا هامًا هو " اتجاهات الشعر العربي المعاصر"، للدكتور احسان عباس المعروف بموسوعيته الثقافية واطلاعه على اسرار وخفايا شعرنا العربي ببعديه المعاصر والقديم، ومن الكتب التي يشار اليها من هذه السلسلة الثقافية الشهرية كتاب حكمة الغرب تأليف الفيلسوف البريطاني البارز برتراند راسل ترجمة الدكتور فؤاد زكريا، وتراث الاسلام تصنيف: جوزيف شاخت وكليفورد بوزورت. ترجمة: كل من الدكاترة: محمد زهير السمهور، حسين مؤنس، احسان صدقي العمد. تعليق وتحقيق كل من الدكتورين: شاكر مصطفى وفؤاد زكريا، وكتاب " الذكاء العاطفي" تأليف: دانيال جولمان، ترجمة ليلى الجبالي، مراجعة محمد يونس، وكتاب "سيكولوجية فنون الاداء" تأليف: جيلين ويلسون، ترجمة: شاكر عبد الحميد. مراجعة: محمد عناني. اضافة الى مؤلفات الباحث في النقد الادبي الدكتور عبد العزيز حمودة، والباحث المبدع الدكتور شاكر عبد الحميد في الابداع وعلم النفس. اما المترجمون الذين تعاملوا مع هذه السلسلة الرائعة فيبرز من بينهم كل من الدكتورين امام عبد الفتاح، وشوقي جلال وغيرهم كثير.

كما سبقت الاشارة فان كل كتاب صدر ضمن هذه السلسلة يُعتبر وجبةً دسمة في موضوعه، علمًا أن مواضيع كتب السلسلة متنوعة ومختلفة وأهم من هذا تعمل ادارة السلسلة بدأب ومثابرة على مدِّ قارئنا العربي بأحدث الاصدارات العربية الموضوعة ونظيرتها الاجنبية المترجمة التي تضع هذا القارئ في صورة العصر وقضاياه الملحة، وتزوده بثقافة متعمقة، في كتاب انيق مُحرّر بأيدٍ وكفاءات ذات معرفة، خبرة وتجربة. يزيد في أهمية هذه السلسلة، اسوة بغيرها من السلاسل الكويتية المماثلة، أن اسرة تحريرها تشترط على ما يُقدم اليها من كتب مترجمة خاصة ان يزودها مترجموها او بالنسخ الاصلية المترجم عنها لغرض المراجعة، التدقيق والتعليق اذا اقتضى الامر.

من مميزات هذه السلسلة ايضًا، انها تصدر في تاريخ مُحدّد من الشهر، لا يتأخر يومًا واحدًا عن موعد صدوره، ويُذكر بكثير من الشكر والعرفان انها لم تتوقف خلال سنوات صدورها الا مرة او مرتين، احداهما عندما دخل الجيش العراقي إلى الكويت، وقد توقفت فترة عام على ما اذكر، والاخرى في فترة الكورونا سيئة الصيت، وقد افرح القلب واثلج الصدر، انها عاودت الصدور في تموز الجاري.

مُجمل القول ان هذه السلسلة تعتبر وجبةً ثقافية شهرية مميزة، وانها تضع القارئ في صورة العصر وقضاياه بعلمية ومهنية ملموستين، كما انها تُعتبر خطوة متقدمة في ثقافتنا العربية نحو العصرنة.. علمًا انها لا تنسى الماضي وتضعه في صُلب حساباتها معتبرة ان الحاضر ما هو الامتداد الطبيعي له.

إلى المجلس الوطني للثقافة والفنون والادب في دولة الكويت، كل التحيات على هديته القيمة هذه.. لكم منا فائق التقدير وخالص الامتنان.

***

ناجي ظاهر

الكاتب المصري المعروف احمد عباس صالح، اصدر قبل عقود، كتاباً عنوانه: اليمين واليسار في الاسلام.. عنوان كتابه ذلك، ألهَمَني عنوان هذه المقالة القصيرة.

في اوائل السبعينيات من القرن الماضي، ظهر جيل من الشعراء الشعبيين العراقيين ابدعوا في نظم القصائد العاطفية الجميلة التي تحول الكثير منها الى اغاني جميلة تداولها الناس..

السلطات صنّفت معظمهم باعتبارهم (يساريين)، اما لأنهم فعلاً يساريون او لأنهم رفضوا الكتابة السياسية لتمجيد تلك السلطات..

هؤلاء كتبوا صوراً شعرية تنقل عواطف الناس وظروفهم واحلامهم والعقبات والمرارة التي تطبع حياة الكثيرمنهم حتى في عشقهم.

بالمقابل، كان هناك جيل (أقل شأناً) من شعراء ترضى عنهم السلطات.  كانوا يكتبون شعراً عن الحرب والجماجم التي تعبد طريق الحرية والتنمية ودماء الشباب التي يجب ان تسيل كأنها نذر يقدم لألهة وثنية قديمة..

كانوا ينظمون شعراً عن نيران الحرب والسيوف البتارة والتضحية بالغالي والنفيس!!

لماذا كل ذلك الدمار والعذاب والنيران؟؟

لأن السلطات اعتقدت انها تستطيع تغيير العالم !!

المجموعة اليسارية، هم وعدد ممن غنّى لهم من المطربين، طوردوا وشُرِّدوا في اصقاع الارض. وبعضهم تعرض للاعتقال والتعذيب والعزل والاهمال والتهميش ومُنعوا من الكتابة والنشر ...

المحزن ان هذه الاجراءات حرمت المجتمع من نتاجاتهم الجميلة. واوقفت عصر الاغاني الخالدة التي كتبها هؤلاء ولم يستطع أحد من شعراء اليمين ان يأتي بمثلها..

من بقي منهم على قيد الحياة ويعيش في المنفى، توقف تقريباً عن الانتاج والعطاء .

كيف يمكن له أن ينتج نفس الجمال القديم وهو بعيد عن بيئته واهله؟؟

سؤالي: هل ان هؤلاء اليساريين كانوا اكثر حريةً وانفتاحاً وتحرراً من القيود الاجتماعية والموروثات، لذلك استطاعوا الابداع؟

***

د. صلاح حزام

صدر كتاب "مجالس الجٍنان في تجويد القرآن"، في سنة 2022م ، وهو عبارة عن مجموعة دروس ومحاضرات ألقاها سماحة الشيخ ميثاق محمد الزبيدي في جامع ومقام علي بن موسى الرضا (ع) في العشار/البصرة، قام بجمعها وترتيبها وإعدادها للطباعة الشيخ عباس محمد الأسدي. والكتاب بمئة وست وثلاثين صفحة تتقدمه كلمة تمهيدية للسيد طالب الحكيم صاحب كتاب "المراسلات"، ثم مقدمة للشيخ عباس الأسدي حيث قسّم الكتاب الى ثلاثة فصول. الفصل الاول: يتحدث عن التجويد لغة واصطلاحاً / اللحن الجلي والخفي / آداب التلاوة /مراتب التلاوة / العلامات في رسم المصحف /القراءة التفكيكية / مخارج الحروف / صفات الحروف اللازمة / وغيرها . والفصل الثاني: يتحدث عن صفات الحروف العارضة / التفخيم والترقيق / أحكام النون الساكنة والتنوين (الاظهار /الاخفاء / الاقلاب / الادغام / أحكام الراء (الترقيق / التفخيم) / أحكام الميم الساكنة / أحكام اللام الساكنة / أحكام المد وانواعة. والفصل الثالث: يتحدث عن الوقف والابتداء / السجدات في القرآن الكريم / ملحق بعض الكلمات الصعبة وتفكيكها، وغيرها.

طُبع هذا الكتاب بغلاف أنيق يليق بعنوان الكتاب، وعرض للمعلومات مميز ومريح للقارئين والقارئات، ومما لفت نظرنا في صفات الحروف عند الكلام عن صفات التوسط بين الشدة والرخاوة، أنه أثبت عبارة جديدة في الصفحة (43) تجمع حروف التوسط الخمسة، وهي (نُر عَلَم) بدلا من العبارات المعروفة (لن عمر / عن رمل / لم نرعَ) وإنّ شرح هذه العبارة مذكور في الحاشية.

ومع تقديرنا لهذا الجهد المميز في تأليف هذا الكتاب، وإعداده وإخراجه، إلا أن هناك بعض الملاحظات الثانوية، منها أنه بحاجة إلى فقرة قصيرة هي خاتمة أو خلاصة تتضمن نصائح وإرشادات عامة مختصرة عن أحكام التجويد ومراتب التلاوة وآدابها بخاصة للمبتدئين. أضف إلى ذلك أن المصادر التي ذكرت في آخر الكتاب، بحاجة إلى بيانات أكثر، كتاريخ الطبع، ومكانه، ودار النشر. كما أن الكتاب نفسه بحاجة إلى توثيق، وذلك بذكر أسم الناشر أو أسم المطبعة، ومكانها.

وفي الختام ندعو الدارسين لأحكام التجويد وآداب تلاوة القرآن الكريم، الاطلاع على هذا الكتاب أي كتاب: "مجالس الجنان في تجويد القرآن"، ففيه الجديد والمفيد، ومن الله تعالى نستمد التأييد والتسديد.

***

أحمد محمد جواد الحكيم - باحث وأكاديمي عراقي

في المثقف اليوم