أقلام ثقافية

أقلام ثقافية

تواصل الفنانة التشكيلية سنية الغزي المزغني عملها الفني التشكيلي وفق سياق حضورها ضمن المشاركات الفنية الجماعية وكذلك المعارض الشخصية التي أقامتها ومنها على سبيل الذكر المعرض الخاص برواق الفنون علي القرماسي وكذلك المعرض الشخصي بفضاء المعارض بدار الثقافة ابن رشيق فضلا عن مشاركاتها العربية الدولية ومنها تألقها في فعاليات ملتقىCANVAS الدولي للفنون التشكيلية بالقاهرة قبل فترة حيث تمت دعوتها للمشاركة في القاهرة من خلال انجاز لوحات فنية والمشاركة في المعرض لهذه التظاهرة الفنية التشكيلية العربية التي شهدتها القاهرة بحضور ومشاركة عدد من الفنانين التشكيليين والنقاد من عدد من الأقطار العربية. وبخصوص هذه الدعوة وكذلك تألقها في ملتقى العصاميات للتعبير التشكيلي المنتظم بالمنستير تقول الفنانة سنية الغزي المزغني ".. سررت بدعوتي للمشاركة في ملتقىCANVAS الدولي للفنون التشكيلية بالقاهرة. كل الشكر التقدير للساهرين على تنظيم هاته الدورة واخص بالذكرالدكتورة سناءعتيق والدكتورة رانية سيد.. وبشأن مشاركتي الأخيرة بملتقى العصاميات.. لقد ظللت شديدة الاشتياق للمشاركة في الملتقى الوطني للمبدعات العصاميات في التعبير التشكيلي بالمنستير بعد سنتين من الانقطاع بسبب جائحة كورونا.. كانت المناسبة مميزة وهامة في اللقاء بالمبدعات في المجال التشكيلي وما يمكن أن ينعكس على تجاربنا كعصاميات وهنا لا يسعني الا أن أشكر جزيل الشكر كل من ساهم في انجاح الملتقى وتنظيمه من المسؤولين والمشرفين والمشاركين.. ممتنة جدا بخصوص مشاركتي ودعوتي وخاصة العمل والنشاط وأجواء الفعالية بقصر المرمر قصر الحبيب بورقيبة وما في ذلك من حسن التسيير والتنظيم.. قدمت عملي الفني بما فيه من جمال ورونق لمجموعة نسوة وسط تجمع متناسق.. و لكن هوة المسافة والتنافر والتباعد تحدث المفاجأة بعد التدقيق والتركيز أكثر في فضاء اللوحة وأبعادها.. حشد متجاور متلاصق لا يجمعه في الحقيقة الا ايقاع ألوان نارية صاخبة حامية ولمسة فنانة ألهمها انعكاس مجتمعها اليوم وفق تنافر وتناحر وتفكك وسط ايهامات بالتجاذب والانصهار.. ".3280 سنية الغزي المزغني

سنية الغزي المزغني فنانة تشكيلية تواصل نشاطها بكثير من العمل والاجتهاد وفق دأب فني متواصل وبأعمال فنية متعددة فقد تعددت معارضها الفنية الخاصة والجماعية وفي سياق تجربتها الفنية والجمالية هذه وتشتغل الفنانة التشكيلية سنية الغزي المزغني على تنويع الأعمال الفنية في منجزها التشكيلي من حيث المواضيع وفق نظرة تقول بالرسم والتلوين كمجالي فعل للتواصل مع ما يوجد من حولنا من أشياء وعناصر تصلح كعبارات ومفردات للبوح الفني والثقافي.. فالفن التشكيلي هنا لغة اخرى تتعدد معانيها ودلالاتها ومن هنا فقد تخيرت الفنانة سنية الغزي المزغني في لوحاتها الزيتية وفي معرض شخصي سابق لها هذا القول بالانسجام كعنوان دال حيث اللوحة كون نظر وتأمل وبهجة وغيرها.. في رصيدها لوحات متعددة فيها دقة رسم وجمال تلويني لتسافر مع الشيخ وهو يغوص في تفاصيل الجريدة في حالة الشغف والغرام بالخبر ومنه القراءة.. كذلك في لوحة أخرى استراحة مع الجريدة والقهوة خلال شغل على الحاسوب.. عزف النسوة وحالة تفاعل مع الطرب والموسيقى..

الفنانة التشكيلية سنيا الغزي المزغني وفسحة أخرى من التجربة مع الفنون وأجوائها حيث تتواصل العلاقة بالألوان والقماشة قولا بالفن في حضوره البهي في حياتها ووعيها بالعالم والجمال والحلم.

***

شمس الدين العوني

 

إذا بحثت عن أصعب صحبة فى ظل عالم التقنيات اللاهث ستكتشف أنها صحبة أبنائك!

لا وقت لديك ولا لديهم للحديث الودى وتبادل الأفكار! وفى يد كل فرد من أفراد العائلة جهاز يشغله عن أحبائه ويفصله عن الواقع المعاش إلى الواقع الافتراضي. ولم نخرج من دائرة العزلة القسرية هذه إلا خلال فترات الحظر بسبب كورونا، تلك الفترة التي أظهرت سلبيات اجتماعية كثيرة لم نكن نفطن إليها.

نعم ثمة إيجابيات لا حصر لها للتكنولوجيا الحديثة التي سهلت الحياة  وأمكن من خلالها ممارسة التعليم عن بد والتدريب أونلاين وتطوير أية مهارة مختارة. واستطاع أصحاب الأعمال إنجازها فى وقت أقل كثيراً مما مضي. ثم إن البعض قد يزعم أن وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية تضمن نوعاً من التواصل مع الأقارب عن بعد فى حده الأدني، وقد يستخدمها بعض الآباء للاطمئنان على أحوال أبنائهم عن بعد فى حالة انشغالهم الدائم فى أعمالهم، خاصة لو كان الأبوان كلاهما يعملان.

وفى إطار المدح والإشادة أكدت منظمة الأمم المتحدة أن الطفرة الحادثة فى استخدام التقنيات فى بلدان العالم النامي خلال آخر عقدين من الزمان أسهمت فى إحداث تحولات كبري فى هذه المجتمعات. وأن أهم مكسب مادي لهذه الطفرة ارتفاع معدلات الخدمات التجارية سريعة الوصول، وأن جزءاً كبيراً من العالم العربي اليوم بات يستخدم الهواتف للطلبات التجارية اليومية والأسبوعية. وإذا كان مثل هذا الأمر قد أحدث منفعة لأصحاب المتاجر الإليكترونية وأصحاب خدمات التوصيل السريع، إلا أنها تسببت فى ضعف أصحاب الخدمات التقليدية وركود التجارة التقليدية فى بعض أنواعها. ثم إن الرفاهية التي ظللت البيوت فى المدن باتت سبباً فى ضعف المهارات اليدوية الشخصية، وأصبحت الأمهات والبنات فى البيوت المحافظة البسيطة أكثر ميلاً للكسل والدعة وعدم القيام بالخدمات المنزلية التي كانت معتادة فى جداول العمل المنزلي اليومية. فلا طبخ ولا غسل ولا تنظيف، وإنما أجهزة مبرمجة وخدمة توصيل سريعة أو فورية.

هناك اهتمام لدي المنظمات الدولية أن يصل الربط الإليكتروني لجميع القطاعات المحرومة منه، وبخاصة النساء وكبار السن وذوي الإعاقة والأقليات العرقية وسكان المناطق الفقيرة والنائية، وهم يستشعرون الفجوة بين استخدام الرجال والبنين للتكنولوجيا بنسبة أكبر بنحو 85% عن البنات والنساء. وهم يرون أن الاهتمام بتعميم التكنولوجيا يسهم فى التقليل من التحيزات الاجتماعية والفروق الطبقية.

هذا وتشير تقديرات منظمة العمل الدولية إلي أن الترويج للاقتصاد الأخضر من خلال وسائل التواصل قد يسهم فى توفير نحو 24 مليون وظيفة جديدة حتي عام 2030. وعلى الناحية الأخري قد يسهم تطوير التشغيل الإليكتروني وزيادة الاعتماد على التقنيات الحديثة بدلاً من العمالة البشرية فى فقدان نحو 800 مليون شخص لأعمالهم التقليدية حول العالم! فالتكنولوجيا سلاح ذو حدين فى مجال الأعمال..

الذكاء الاصطناعي أحدث طفرة إضافية خاصة فى مجالات البيانات الشخصية والعامة. ومثل تلك الطفرة لها بعض الإيجابيات، لكن لها سلبيات ضخمة قد تصل إلى حد الكوارث. خاصة إذا ضممنا إلى الفضاء الإليكتروني ذلك الفضاء المظلم فيما يعرف بعوالم الهاكرز وقناصي المعلومات والبيانات، وهؤلاء منهم من يستخدم تلك البيانات فى جرائم سرقة ونصب وابتزاز وربما تجسس وتهديد شخصي أو أمني.

أما نحن الآباء فإننا قد نقف فى حيرة أمام تلك الطبيعة المزدوجة للتقنيات الحديثة؛ حيث يصعب علينا تحقيق التوازن المطلوب بين سلبيات وإيجابيات التكنولوجيا. وفى رأيي أن أهم وأخطر سلبياتها إحداث تلك الفجوة الاجتماعية التي قد تؤدي بأبنائنا لحالات متفاوتة من العزلة والتوحد وربما الاكتئاب.. أخطر من هذا ما ظهر حديثاً من دراسات حول مرض شهير له اسم مختصر هو: (ADHD) والذي اتضح أنه قد يكون من إفرازات عصر التكنولوجيا وتأثيرات الموجات الكهرومغناطيسية على أدمغة الأطفال، فنجد أطفالنا وقد أصيبوا بكوكتيل من أمراض نفسية وذهنية تضطرب فيها أفكارهم ويتشتت انتباهم ويقل تحصيلهم العلمي وقد تزداد لديهم ميول العنف والعصبية والعناد والحدة فى التعامل فتزداد بهذا صعوبة علاجهم من الآثار السلبية للتكنولوجيا! فما عساه الحل الأنجح أمام مثل تلك المعضلة؟!

خبراء علوم النفس والاجتماع يتحدثون عن ضرورة العودة للطرق القديمة فى الدفع بأبنائنا بعيداً عن تأثيرات التقنيات.. وأن تشجيع الطفل على تطوير علاقاته الاجتماعية بأقرانه من الجيران وزملاء الدراسة، وأن يهتم بتطوير قدراته البدنية واليدوية بممارسة الرياضة واكتساب المهارات وإشباع الهوايات، كلها وسائل أثبتت فاعليتها فى هذا المضمار.. ويبقي على الآباء هنا توفير جزء من نفقاتهم على التكنولوجيا وتوجيهها نحو الأنشطة الرياضية والفنية والتدريب على اكتساب المهارات، ثم يبقي على الدولة دور فى تقليل تكلفة مثل هذه الأنشطة، إذ باتت أسعار اشتراكات النوادي باهظة، وقلَّ عدد الحدائق العامة التي تستوعب طاقات الشباب والنشء. ونتمني ألا يستغرق تطوير حديقة الحيوان وحديقة الأورمان زمناً طويلاً فقد كانا متنفساً للكثير من الأسر المصرية المتوسطة .

إننا على أعتاب افتتاح معرض القاهرة الدولي للكتاب، وهي فرصة للآباء فى استصحاب أبنائهم والاستمتاع برفقتهم للتحدث وتبادل الأفكار معهم، حتي يتسني لهم اكتشاف طريقتهم فى التفكير وسبر أغوار مشاعرهم الحقيقية نحوهم، ثم الأهم أن نبني جسراً للصداقة الأصعب فى هذا الزمان .. صداقتنا مع أبنائنا!

***

د. عبد السلام فاروق

(استرَقَ سمعي أنينَ الجسر فكتبتُ النصَّ في مقهى الشَّابندر على ضفاف دجلة)

إِيِهٍ بَغدادَ!  وَيْهاً دَارةَ الرَّشيدِ...

صَومُ العَوَامِ شَهرٌ كُلَّ عَامٍ مُتَوَاكِلٌ مُتَنَقِّبٌ، وصَومُكِ كَوَمُ أعوامٍ متَوَاصِلٌ مُتَعَقِّبٌ!

عُذرَاً بغدادَ، إِذ أُنَاجِيكِ وإذ يَغشَاني غَمٌّ شَارِدٌ مُتَرَقِّبٌ. وَلَئِن كَانَ لِلأفئِدةِ أن تَهوى مَدَائِنَها، فأنَّى لِفؤاديَ ارتِقاءٌ في هواها مُتَيَّمٌ مُتَهَيِّبُ.

أَمَّن يُفتِينِي في رَسمٍ كَرَسمِ بغدادَ مِن لُؤلُؤِ البَحرِ انبَجَسَ وَجهُها فَتَجَسَّم، فَعَلا ثمّ علا ثمّ علا فتجلّى في بأسِ التّبَرُّمِ فَعَرَشَ هنالك فَنَجَم.

"مَن لِي بِبَغدادَ أبكِيها وَتَبكِيني1".

أَمَّن يَأتينِي باِسمٍ كاِسمِ بَغدادَ مِن بُؤبُؤِ الزَهرِ اقتَبَسَ حَرفُها فَتَبَسَّم، فدنا ثمّ دنا ثمّ دنا فَتَدَلى في كأسِ التّبَرعم ففرشَ هنالك ووَشَم.

"قَد عَشَّشَ الحُزنُ بَغدادَ حَتى في رَوَازيني2".

وَيْهَا بغدادَ، مَا بَالُ جَبينُكِ يَتَصَببُ عَنبَراً يَا شَمعةَ الأعيَادِ. أَفَعَليلَةٌ أنت ومَا بَرحتِ تَسخَرينَ منَ عِلَلٍ وكُلِّ ضَمادِ، فَإن غَزاكِ دَاءٌ كَفَرتِ بهِ بِلَمزٍ وإلحادِ. أَم هُوَ ضِغثٌ مَرَّ بغَفوَةٍ، كيف وأنتِ الشَّاهدُ على النّجمِ والأشهَادِ.

تَأَهَّبي بَغدادَ وتَوَثَّبي حِسَّاً يا مَربَضَ الآسَادِ بَينَ الأممِ

تَوهَّجي بَغدادَ وتَأَجَّجي بسَاً يَا سُؤدَدَ الأجنادِ فَوقَ الحِمَمِ

انهضي فادحَضي رِجسَاً يا مَقبضَ الأوتَادِ بَينَ الخِيَمِ.

شُدِّي عَلى الأحزَانِ وَتَبَسَمي يَا هَديرَ الرَّوْحِ وَالأجسَادِ

مُدِّي عَلى الأفنَانِ وتَنَسَمي يَا غَدير الدَّوْحِ والسَّوادِ

شُدِّي ومُدِّي فمَا أنتِ بِرَقمٍ نُكْرٍ عَابِرٍ، بَل أنتَ مَن صَكَّ الرَّقمَ للأفرَادِ وأنتِ مَن دكَّ العظمَ للأوغادِ.

وَيْهَاً بَغدادَ، حَدِّثيني ولا تَذريني أغَمغِمُ يا كبرياءَ والدي وأولادِي. حَدّثيني وبُعداً لصَمتٍ وهجرٍ وإبعاد، فَثَنايايَ لا تَتَبَسَّمُ إلّا بكِ وإليكِ يا بَهاء

نَسبي وأجدادِي، وحناياي لا تَتَرَسَّمُ إلّا منكِ ومعكِ يا رِداءَ الفخرِ للأحفادِ. وعلامَ الصَّمتُ والسَّبتُ يا بغدادي. أفَأنتِ غضوبٌ من خنوعي يا سَماءَ عنفواني وأمجَادِي. فما كانَ سَمتُكَ إلّا نابِضاً بِتَغرِيدٍ وإنشَادِ، وَنَحتُكَ  رَابِضاً عَلى توحيدٍ بإسنادِ، وَنَبتُكَ قَابضاً في عُلُوٍّ على أطوَادِ، وَنَعتُكَ رَافِضاً لسبتٍ وإلحادٍ وَحِيادِ.

وَيْهَاً بغدادَ تَفَوَّهي وأنت المُهَلِلُ للعاكِفِ والمُضَّيفُ للبَادي، ولا تَتَأوَّهي فأنت أمُّ الضّادِ وضادُ الضَّادِ لِكُلِّ ضادِ

تَفَوَّهي وكفى صمتاً وسبتاً يا مَثوى الرَّشيدِ ومأوى السّندباد، فإنَّ صَمتَكِ مُكَمِّمٌ لِأنفاسِ الأجنادِ وَأقبَاسِ الرَّشادِ، ومُوجِعٌ لِخَافِقِي وَكُلِّ جَوارحِي تُبَّعٌ

لهُ بانقيادِ، بل ومُغَمِّمٌ ومُوجِعٌ حَتَّى لِمَن كانَ وإياكِ في تَضَادِ. وهاهمُ أولاءِ أَهلُ الضَّادِ مَا انفَكُّوا يَتَحَسَّسُونَ أَنباءَكِ بارتداد، يَا شَذاهُمُ وَشَذْو العِبادِ والبِلادِ ويا شَداهم وشَدْو المَناقِبِ للضَّادِ وهُدَى المُعاقِبُ للضَّادِ.

فكفى صمتاً يا عَبيرَ الأورادِ ويا نميرَاًلأسيادِ.

وها قد أطبَقَ أنينُ الجِسرِ في صَمتٍ كَظيم، فَتُهتُ في صَحارى أنينُ صَمتَيهما؛ الجِسرِ وبغداد، وبَدَأتُ أتَحَسَّسَ سبيلاً لِأنجَادِي؛

"لعلَّه مِن عارِضِ رِيحٍ صَرٍّ جَاءَ بها زُرّاعُو ضوضاءَ وإلحادِ، وأذنابٌ مِن خَلفِهم غوغاء وأوغَادِ، ولا رَوْمَ لهمُ إلا في إِحرَاقَ "سرجونَ" ومتونِهِ ذا العمادِ، ولا عَوْمَ لهمُ إلا في إغراقَ عرجونِ نخلتي ذاتِ العِنادِ. وإِيهِ بغدادَ...

ألم يأنِ أوَانَ فَتحِ البابِ وصَدِّ الرِّيحِ بتكاتفٍ واتِحَادِ فلا عَزاءَ ولا مراسمَ من حداد 

ألم يأنِ لساحةِ التَّحريرِ أن تقدَحَ؛ نحنُ الأصابعُ على الزِّنادِ وسيفٌ كارِهُ الأغمادِ

ألم يأنِ لساحة الميدانِ أن تمنَحَ مُستَبشِرَةً "سوقَ السّرَايَ" قِلادَةَ الحَرفِ والمِدادِ

ألم يأنِ لرَنّات "سوقِ الصّفافيرِ" أن تجنَحَ لِصُنعِ مَفاتِحَ القيدِ والأصفادِ

ألم يأنِ لِاستكانات "مقهى عزّاويّ" أن تصدَح بِملعقةِ الشّاي لتُضَيّفَ أكارِمَ الخِلّانِ والرّوادِ

ألم يأنِ لشَارعِ "الرَّشِيدِ" وخِلُّهُ "السَّعدَون" أن يتَهامَسا أمرَهم بينَهم؛ "نحنُ المُنتُدى للوِدٍّ ونحنُ المُفتَدى للجَهادِ"

قد آنَ أوانُ "حَجي مُقدَادَ" لينَادي على عُكازَتِهِ المُزَخرَف بتَنادِ: "إنّي لَفي شَوقٍ لخُطوةٍ رُوَيدَاً رُوَيدَاً على "الكورنيش" مُتَأنِقاً بسِدارتي الحَنونِ السَّوداءِ ورفيقتي عُكّازتي من أنفسِ الأعواد".

وقد آنَ أوانُ "جَمُّولِي" صغيرُ الحيِّ المُلَقَّب "قِمبيزَ" لينادي بينَ العِباد: "إنّي لَفي تَوقٍ لِسَطوَةٍ على صَدرِ مَقعَدِ طابقٍ علوِيّ لِحافلتي الميمونِ

الحمراء وأنا على أهبَةِ الاستِعدادِ".

وقد آنَ أوانُ زَغْرَدَةِ الحيِّ "بَسعادَ" لتنادي في تَهَاد؛ "إنّي لَفي جَذوَةٍ لِسُوقِ حَيّنا ذي البَرَكاتِ والإمدادِ، فأعودُ مٍنهُ تَمايِلاً بتَهادِ؛ أَقبِضُ بِشِمالي حقيبَتي على رَأسي وبِيَميني على عباءتي تُشبِهُ المِنطادِ، وبأنفاسٍ مُجتَرَّةٍ لاهِثَةٍ، وخُدُودٍ مُحمَرَّةٍ وبَاعِثةٍ ، وببسماتِ بَسعادَ تتراقصُ الأزقَّةُ بإسعادِ".

  إنَّك بَغدادَ في ذَرى العَافيَةِ، مَا كَذَبتُ أنا ومَا هي بشِيمَةٍ ليَ. فَهَيّا بغدادَ لتَسمَعَ دلدلُ منكِ ولنَستَمتِعَ كلُّنا بِنَبَراتِ صَوتِكِ مُؤَطَّرَةً بألحانِ زِريَاب ومُعَطَّرَةً بِألوانِ الأحسابِ والأنساب، فأمُري "عَزاويّ" بِصَحنِ كاهيّ وقَيمر، وليَعزِفَ بِمِلعَقَةِ الاستكانِ نَغَم "البستنگار" الشَّجيِّ؛ "يا حلو يابو السِّدارة"، ولتَتَهادى مَسابِحِ مقاهينا هُوَيناً هُوَينا، حَبَّةً على حَبَّةٍ، وَلِيَصدَحَ المَقهى عَالياً بمقام البيات؛

"وفراكُهُم بَجَّانِي جالمَاطِليَه بالضِّلع.. بِيك أشتِرَك دَلّالِي يكلُون حُبِّي زَعلان.

آآآآه.. يا كَهوِتَك عَزاوي بِيها المدَلَل زَعلان".

آه.. وإِيهاً بغداد، أَوَمِن رَحلِ استِبدادٍ خَرَجتِ إلى وَحلِ أَوغَادٍ وَلَجتِ!

فَدَتكِ عَينُ العَينِ وَفَلَذَةُ الأَكبَادِ.

***

علي الجنابي

........................

[1] من قصيدةِ (مَن لي ببغداد) للشاعر عبد الرزاق عبد الواحد (1930 -2015).

[2] بحثت على مفردةِ (روازيني) فلم أعثر لها على معنى في معاجم الضاد، لعلها موجودة في المعاجم أو ربما هي من اللهجة العراقية أضطر الشاعر لحشرها بين القوافي فتبعتُهُ أنا فنشرتُها على الخوافي. ويُذكَرُ أن شاعر العراق عبد ألرزاق عبد الواحد قد قالَ وهو على فراش المرض من المهجر في قصيدٍ رفيعٍ رغم أنه موجعٌ:

دَمعٌ لِبَغداد دَمعٌ بالمَلايين    

مَن لي بِبَغداد أبكيها وتَبكيني؟

*

مَن لي ببغداد روحي بَعدَها يَبِسَتْ

وَصَوَّحَتْ بَعدَها أبْهى سَناديني

*

عُدْ بي إلَيها فَقيرٌ بَعدَها وَجَعي  

فَقيرَة ٌأحرُفي خُرْسٌ دَواويني

*

قد عَرَّشَ الصَّمتُ في بابي وَنافِذ َتي

وَعَشَّشَ الحُزنُ حتى في رَوازيني

*

والشِّعرُ بغداد، والأوجاعُ أجمَعُها

فانظُرْ بأيِّ سِهام ِالمَوتِ تَرميني

وغالب ظني أنَّ ألسنةَ العربِ لا تعلمُ شيئاُ عن (الروازين) بل ينطقُونها (رَوَازِن)، [والرَّوْزَنة في "لسان العرب": الكُوَّة، وفي المحكم: الخرق في أَعلى السقْف، وفي التهذيب يقال للكُوَّة النافذة الرَّوْزَن، قال: وأَحسبه معرَّباً، وهو الرَّوَازِن] وهكذا تكلمت بها العرب، ولأني لستُ بمختصٍّ بصنعة الضاد فقد وجب علي التماس النصح من خبير فيها، فأبانَ لي الآتي؛ (الذي أعرفه أن الأمر في (روازين) طبيعي لأن الكلمة معربة فإننا أضفنا إليها صبغة عربية حين أضفنا الياء دليل على تملكنا لها ودخولها في لغتنا لأنها جرت على أوزاننا، ومن المعلوم أيضا أن كل جمع على فواعل يصح فيه فواعيل بزيادة الياء). أنتهى كلام المختص، وفهمتُ منه أنه قد سُمحَ لحرف (الياء) اقتحام فواعل (روازن) لكي تُمنحَ "روازن" نسبٌ وجواز سفر عربي" . ولئن ارتضينا ياءَ "روازيني" فما عسانا قائلين في قول الشاعر في (سناديني) إذ لا وجودَ لها في المعاجم  الا بمعنى الحَدِيدَةِ العَرِيضَةِ يَطْرُقُ عَلَيْهَا الحَدَّادُ الحَدِيدَ، ولا رابط بين المفردة وبين الورود البتة.

 

من فكرة بالدواخل حيث الذات في هيجانها الرجيم نظرا وحلما وتقصدا لما به تفصح الأحوال عن معانيها وهي في حلها وترحالها.. أخذا بناصية الفن وهو يعلي من شؤون وشجون شتى.. هو الكائن يحمل قلبه في الدروب يحاول ما تداعى به من خوف وشغف وألم.. وأمل قديم معتق يفضي الى الراهن في ارباكاته وانكساراته حيث التلوين مجال قول مفتوح على الأساطير والموحش والمبهج في سير المخلوقات..

كون من أحاسيس وهواجس عبر زمن مفتوح ومتواصل في هذيانه تجاه العناصر والأشياء والتفاصيل حيث جدة قديمة من بدايات قديمة أيضا تروي الما يحدث.. وتماما.. مثل شجرة قديمة في أزمنة نائية تحكي شجنها للأغصان.. تفصح عن نواحها الخافت.. هي تفعل ذلك بينما.. حطابون ينعمون.. بموسيقى الفؤوس..

هي لعبة الحكي في أرض الفن تعري ما تداعى من حال الكائن وهو ينعم بالألوان تغري القماشة بالقول في حميمية فارقة.. في تقابل بليغ بين ما أسطرته الشواسع في الانسان.. والحلم اذ يكفي أن يحدث ذلك ليمضي الهائم بالفن الى ركنه يلتقط سرديات ملونة من الفجائع وسوريالية بطعم الشجن وما الى ذلك.. ولكن في ضرب من التلقي والبث المبهجين حيث أن هذا ما يغنمه الفنان في صفائه تجاه الآخر.. العالم..

انها فتنة الحكي الجمالي في عالم معطوب منذ القدم ومفعم بعناصر السقوط المريع وفق تداعيات من أمزجة وقيم معكوسة ورداءات سائدة ومن ثمة وفي هذا الحكي وبحسبه لم يبق غير.. الحلم.. نعم الحلم هذا ابن النوم.. واليقظة.. وليس من مجال غير المواءمة الرائقة في سمو ذهني وابداعي بين الواقعي والمتخيل والأسطوري كحامل للاعتمالات والعواطف وما يتطلبه كل ذلك من نظر عميق في تأويل لى يخرج عن جماليات شتى هي محصلة الفن.. والفنان.

و الحلم هنا ذهب ليكون عنوانا لافتا محيلا الى قراءات مولدة ومتحركة في حدث فني جمالي بمضامين لها من عطور الشعر نصيبها المتخير.. مورفيوس (Morpheus) احالة ضمن الأساطير الإغريقية إلى إله الأحلام وباعتبار كونه أحد أبناء هيبنوس إله النوم.. حيث كان يعتقد أنه يأخذ شكلاً آدميًا ويظهر للناس في نومهم.. ومن هذا الاطار وغيره كان الفن وما يزال يتطلب الحلم الشاسع لتغذية الخيال والذات لأجل الابداع والتجدد واعادة النظر تجاه الأشياء وابتكار صياغات أخرى ومختلفة للمرغوب في قوله واستدعائه جماليا وأدبيا بما يحيل الى المنجز في خصوصياته التي منها وهذا الأهم ابداعيته.

هكذا نلج عوالم التجربة المفضية الى معرض مهم للفنانة التشكيلية والباحثة شيماء الزعفوري التي خلصت في معرض جامع لحيز لافت من أعمالها الفنية الى فكرتها الفنية حيث اللوحات في تعدد أحجامها وأشكالها تجتمع في السياقات المذكورة وعليها وبها لتفضي الى هذا العنوان الدال اسطوريا وأدبيا وجماليا الذي اتخذته كتعلة عميقة للقول برغباتها تجاه الفن والكامنة فيه نبشا واجتراحا وتوغلا في.. الحلم.. هذا الذي أرهق الانسان والكائنات.. الكل حلم ويحلم.. حيث يبقى الفن هذا الملاذ الممكن للحفاظ على الحلم ولشحنه وللقول بوجهه.. اننا نتقصدك ونحبك أيها الحلم.. لا تتركنا يا حبيبنا الحلم.. نحن هنا سيدنا الحلم..

و الفنانة شيماء الزعفوري متحصلة على الدكتوراه في علوم وتقنيات الفنون سنة 2019 بتونس العاصمة ودرست بالمعهد العالي للفنون والحرف بصفاقس وتدرس حاليا بالمعهد العالي للفنون والحرف بسيدي بوزيد ولها مشاركات متعددة في الفعاليات الثقافية والتشكيلية والعلمية ضمن الندوات وذلك فضلا عن معارضها الفردية ومشاركاتها في معارض جماعية كما أنها شاركت في العديد من الملتقيات داخل تونس وخارجها من ذلك حضورها في بوركينا فاسو والكونغو وتركيا والمغرب والكاميرون وكوريا وفرنسا.

مورفيوس (Morpheus) العنوان الحاضن لهذا المعرض الخاص للفنانة التشكيلية شيماء الزعفوري المنتظم بالمعهد العالي للفنون والحرف بمدينة سيدي بوزيد وقد شهد اقبالا من قبل طلبة المعهد ورواد الفنون الجميلة وأحباء الابداع الفني التشكيلي حيث قدمت منجزة الأعمال بانوراما لشغلها الابداعي بما يحيل الى جانب من تقصدها الجمالي ضمن رؤيتها المخصوصة والتي رافقتها من سنوات في تعاطيها مع الرسم والتلوين وغيرهما من التعبيرات فهي فنانة مسكونة بهواجس الاختلاف والذهاب في الطرق غير المطمئنة بروح مغامرة فيها الكثير من الرغبة في الفن وتفاصيله وبحلم دفين فيه الكثير من شاعرية الأحوال وبمناخات من سرديات بينة وأسطورة موحية ومحركة وباعثة على المضي أكثر في أرض فنية تخيرتها شيماء.. تقصدا لدرب جميل للانسان يخلص فيه وبه الى عالم الأحلام قتلا للانكسار والصدام والسقوط المريع.. انها انتظارات فنانة ضمن مسارات تعبيرية في مجالات فنّ تشكيليّ معاصر وفق رؤاها المختلفة .. أعمال بتنوع في الشكل والحجم بتقنيات و بتصرف فيه الكثير من التعبيرية والحركة ضمن الفضاء العام للوحات فنحن أمام شخوص وأصوات في تعددها لتشكل بالنهاية نظر ولغة وحواس ورسائل الزعفوري في امتداداتها الزمنية قديييييما وراهنا حيث الفن هنا حمال معان وكلمات هي عين هذا " الحلم الزعفوري " المفتوح على الدهشة والبهجة والقلق وال ...أمل .

الفعل التشكيلي هنا مساحات خيال ضمن عوالم الإنسان والكون والطبيعة وفق الاحالة الى ديناميكية بها حركة الحياة الأشياء والعناصر والشخوص والمفردات يمكنها الحلم من التواصل جماليا في كل ما هو بينها.. هي فسحتها في أرض الفن الشاسعة في ضرب من النظر الجمالي والفلسفي والشعري تقصدا للكنه وما يعلي من شأن الجوهر.. جوهر اللعبة الفنية في مقابلتها الشاملة مع الكينونة..

معرض به أعمال هي ثمار سنوات من البحث والتفكير حيث الجمال الخفي والبين والتقنيات في بهاء توظيفها ليلنس المتلقي هذا النزوع تجاه تيارات السوريالية والتكعيبية الى جانب بروز حال القسوة وتبين مظاهرها بيسر وهو ما يطلبه جانب من مضمون اللوحات على غرار الوحشية..

عالم ومزيج من الأحاسيس تزخر بها أعمال مختلفة لشيماء الزعفوري في احالة الى عنفوان الوعي والادراك ساعات انجاز العمل الفني في سياقاته هذه بين الثقافي ولاجتماعي والانساني والوجداني والحضاري وفق المألوف والمختلف والثابت والمتحول ..

هكذا هي التجربة ضمن هذا السياق من المعرض الفردي لشيماء الذي حوى (22) عملا فنيا بنباهة من الاحساس وبجمالية تعمل ضمنها وتواصل فيها في شواسعها من الرمزي والأسطوري واليومي فكأننا تجاه ملحمة ملونة تستدعي الأسطوري لتدعم قولها في هذا الراهن المربك والموحش ولعل ما يحدث لغزة وشعب فلسطين المقاوم والصامد امام صمت كوني مريب من قبل آلة الابادة الصهيونية حيث بشاعة الأفعال.. شكل مجالا قديما متجددا من فعل الطغيان والخراب الانساني الذي واجهه الفن والملاحم بالادانة جماليا ووجدانيا وهذا المعرض في حيز مهم منه كان ضمن هذا السياق أو تزامن معه ولكنه يعيد للذاكرة الفنية فعل الوعي ودور الفن في مواساة الانسان..

تجربة فنية تفضي لهذا المعرض الفني المخصوص حيث تمارس شيماء الزعفوري شغفها الفني كما تقصدته مخاطبة الحواس والناس والكائنات بما اعتمل بدواخلها من شجن ووعي وجمال لأجل الحلم.. الفن هنا هو ذلك الحلم البليغ.. المؤلم.. الممتع.. والباذخ.

***

شمس الدين العوني - تونس

 

أعلام: من عَلَم، أي لواء أو راية لبلد أو ولاية أو مدينة.

صفي الدين الحلي عراقي من الحلة (1277 - 1339) ميلادية، شاعر معروف وإشتهر بقصيدته التي كنا نحفظها في المدرسة، ونرددها يوم رفع العلم كل خميس ومطلعها:

سلي الرماح العوالي عن معالينا

واستشهد البيض هل خاب الرجا فينا

ومنها:

إن الزرازير لما طار طائرها (قام قائمها)

توهمت أنها صارت شواهينا

***

قوم إذا استخصموا كانوا فراعنة

يوما وإن حكموا كانوا موازينا

*

تدرعوا العقل جلبابا وإن حميت

نار الوغى خلتهم مجانينا

*

إنا لقوم أبت أخلاقنا شرفا

أن نبتدي بالأذى مَن ليس يؤذينا

*

تغشى الخطوب بأيدينا فندفعها

وإن دهتنا دفعناها بأيدينا

*

بيض صنائعنا سود وقائعنا

خضر مرابعنا حمر مواضينا

البيت الأخير وضع ألوان أعلام دول الأمة، فكأنه رسم راياتها قبل أكثر من ستة قرون، وما إستطاعت دولة واحدة أن تشذ عن تلك الرؤية السلوكية المعبرة عن جوهر قيم وأخلاق إنسانها.

بل يبدو أنه إستطاع أن يختصر دوافع السلوك ويرمز لها بأربعة ألوان، وكأنه غاص في أعماق النفس وكشف عن مطموراتها المتناقضة، المتوطنة أعماق البشر.

والعجيب أن معظم أعلام الدول يبرز فيها اللون الأحمر الذي يرمز للدم.

ترى هل أن هذا البيت صار وهما، أو ولد من رحم خيال وتأسي، لأن الشاعرعاش في الفترة بعد سقوط بغداد (10\2\1258)، وكان ما جاء في القصيدة من أفكار وتصورات، تعويض عن الواقع الخسراني الإنهزامي الأليم الذي عاشته الأمة، فأصبحت فريسة للوحوش المنقضة عليها بين حين وحين.

إنه بيت خيالي وضعناه على أعلامنا، لنهرب من آلياته وندّعي بوجودنا، وما لدينا القدرة على التحدي والإستبسال، وأمعنا التغني بأمجاد الأجداث!!

فهل سنرتقي إلى مقام البيت الشعري، أم سنضع على رؤوسنا قبعات ألوان؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

حين نظرت صُبْحا إلى المرآة لم أعد يومها أَتذكر شكلي بكل تفاصيله الخارجية المُمِلَّةِ، لم أَعُدْ أُجري تلك الحركات التي كانت تُحفزني على خلق التوافق بين روحي وجسدي. ساَلِفَ الذكر، كانت رُؤيتي تجاه المرآة يَمرُّ عبر اهْتمامِي بذاتي كنمط من عصر اليقظة. فقد كان نوع من اهتماماتي بذاتي ومعرفتها بغاية رأب صدع الماضي المزدوج بين فَوالق الفرح والألم، ولما لا استيعاب عمليات تسرب الفكر الذكي نحو الوعي الخارجي الكفيل بتدبير القلق. اليوم قلقي مع ملمح المرآة صنع عدة تساؤلات من طينة الزوبعة الذهنية، بمؤشرات رَتقِ فُتُوقِ التباينات العمرية، وبكل أَنَاةِ استعادة الحالات العمر الزمني التي استعصى استحضاره للمحاكمة أمام المرآة.

انسحبت تاركا ذاتي باعتبارها كيانا مستقلا ومختلفا لاصقة على مُسطح لوح المرآة، وفي تلك العلاقة التقابلية ولما لا التناقضية. فقد كان هدفي الأول، أن أتعلم بِنْيةَ علاقة الانعكاس والتناظر بين تَضَاد الفطنة والسذاجة. اليوم، تحررت من فئة خوارج تفكير سلطة الذات بالثورة، ومن كل مُفرقعات الحياة السلوكية التي تصنع تجليات الوهم في صورة لوح المرآة. اليوم، أرنو طواعية إلى امتلاك جزء ميسر من الذات، والأنا، والفلسفة، والهوية بالواقعية، ولما لا كَسْبِ قسط تزكية من الوعي المنتج للأخلاق الخيرية، ولو عبر قناة مفهوم الراحة النفسية. اليوم، فكرت مليا على أن أفكر من الخارج إلى الداخل، و ضمن وضعيات استنطاق (الأنا) الأعلى بنهايات الذات الحاضرة، وكذا امتلاك المتعة الجمالية في الفهم والتخطيط الحياتي، وضبط تجليات الآخر الغائب. اليوم، كونت معرفة للعالم بمتغيراته، والتي تُفضي إلى معرفة فلسفة الذات، وصناعة القدرة على رؤية الوجود (المعرفة التوافقية والاصطلاحية)، والبحث عن أثر الحرية وتحريرها من ربقة العصيان.

أروي لكم سادتي الكرام ما استعصى عليَّ من الفهم والتدبر بالتفسير والسؤال، فقد كنت أتنقل داخل غرفة (الذات) بتلك الأحلام المستقظة، والتي كانت تُجسد سياقات متعة الخدع الحسية (السحر المعرفي)، ومراوغة المنطق والعقل بالتنويم. فحين أردت انتقاد صورتي المتبقية داخل لوح المرآة، رأيت أني لا أتسلح بالآليات المنهجية الحصينة بالتجرد عن الذات، وملاحق الزمن العمري. وجدت أن النقد العنيف، قد لا يقدم سوى فقاعات من الوهم والزيف، ووضع الحقيقة في غرفة الإنعاش. تعلمت بالفطرة، ربط ثنائيات فُتوقَ (الداخل والخارج) حتى لا أنزلق في إنتاج تفاهة الوهم. فلا غرو اليوم سادتي الكرام، أن تحمل تخوفاتي الأولية، ضُعف وجهي الذي بقي عالقا على لوح المرآة بلا رقيب ولا حسيب، وهو يتوجس قسطا من الخوف على مفارقتي بالبتة.

استيقظت لحظة باسترجاع (الأنا) المفكرة عندي، وجعلت منها لِحافا قُطنيا لتدثر روحي الزائدة من التآكل والتغيير المفرط في التجريد. حينها شعرت بالأمن، وأضحيت أبحت عن نفسي وهويتي وذاتي، وكيفية الاهتمام بهم إزاء التعيينات القاسية للنقد والسلبية. من فرحتي، أن المذياع صدح بمتنوع أغان من الماضي، من تم شعرت أني لا أمارس الانعزال عن العالم الخارجي، بل صارت ذاتي تُعلن الثورة على لوح المرآة، وسحب وجهي بالوجود الحقيقي المتنور بأخلاق الخير والقيم الاجتماعية.

اليوم، تحررت من سلطة المرآة (الآخر) ومن كل الأبعاد الثقافية والأخلاقية، ومن غيث سيولة انسياب الحداثة السائلة المفزعة. اليوم، تحررت من تلك النواة الصلبة في التحجر الفكري والسلوكي، والتي كانت لا تقبل معرفة ماهية اختلاف تصورات الكينونة والكونية. اليوم، وذاتي المتحررة تتناول وجبة الوعي والتفكير في الاتجاه الصحيح لا المنعرج في الغائر. اليوم تعلمت أن التغيير لن يتأتى حتى يمتلأ العقل والذهنيات بأنماط الوعي والسلوك الحضاري المتنور.

***

محسن الأكرمين

برعاية كريمة من لدن السيد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني للمدة من العاشر ولغاية الرابع عشر من شهر شباط فبراير 2024، ستشهد بغداد انطلاق مهرجان بغداد السينمائي (دورة المخرج الكبير محمد شكري جميل) الذي تقيمه نقابة الفنانين العراقيين بالتعاون مع وزارة الثقافة والسياحة والآثار ودائرة السينما والمسرح، أعلن ذلك نقيب الفنانين العراقيين رئيس مهرجان بغداد السينمائي الدكتور جبار جودي، وقررت اللجنة التحضيرية للمهرجان قبول ستة عشر فيلماً للمشاركة في مسابقة الأفلام الروائية القصيرة من بين الأفلام العربية والعراقية المتقدمة للمهرجان، وتشمل أربعة أفلام من جمهورية مصرالعربية، وفيلمين من مملكة البحرين، وفيلماً واحداً لكل من: تونس، وفلسطين، ولبنان، وسوريا، والمغرب، فضلاً خمسةأفلام عراقية, وأوضح جودي أن الأفلام التي ستشارك في مسابقة المهرجان للأفلام الروائية القصيرة هي أفلام: (ترانزيت) - باقر الربيعي- العراق. (خطاف)- ياسر الاعسم – العراق. (يد أمي) – كاردينيا هيمن – العراق. (دويرة) - سيف صباح – العراق. (كيمر عرب) - رانيا حمزة – العراق. (16 مللي) - عبدالله جاد – مصر. (عيسى أعدك بالجنة) - مراد مصطفى – مصر. (فطيمة) - أحمد عادل – مصر. (الترعة) - جاد شاهين – مصر. (نصف روح)- مروان طرابلسي- تونس. (فلسطين 87) - بلال الخطيب- فلسطين. (الحفرة) – علي بازي- لبنان. (العزلة) – جمال غيلان- البحرين. (عروس البحر) - محمد عتيق – البحرين. (فوتوغراف) - المهند كلثوم – سوريا. (الموجة الاخيرة) - مصطفلى فرماتي – المغرب, وأكد جودي أن المهرجان سيعلن قريباً عن الأفلام المشاركة في مسابقة المهرجان للأفلام الروائية الطويلة، وكذلك قائمة بأسماء نخبة من النجوم وصناع ونقاد السينما العرب البارزين بما فيهم مديرو المهرجانات السينمائية العربية، فضلاً عن كوكبة من صناع ونقاد السينما من العراقيين في الداخل والخارج، ناهيك عن عدد من الفعاليات والبرامج والأنشطة السينمائية المتنوعة. وتابع جودي وهناك (مسابقة فضاءات سينمائية جديدة) التي تشمل عشرة من الأفلام الروائية العراقية القصيرة والجديدة والتي أنتجت بموجب منحة نقابة الفنانين العراقيين في سابقة فريدة من نوعها تحصل للمرة الأولى في تأريخ المهرجانات العراقية والعربية، وتهدف الى تفعيل الحراك السينمائي وإنعاش المشهد السينمائي في العراق ودعم الطاقات والكفاءات السينمائية ودوران عجلة الانتاج السينمائي العراقي,, مضيفا / أن المهرجان سيعلن قريباً عن الأفلام المشاركة في مسابقة المهرجان للأفلام الروائية الطويلة، وكذلك قائمة بأسماء نخبة من النجوم وصناع ونقاد السينما العرب البارزين بما فيهم مديرو المهرجانات السينمائية العربية، فضلاً عن كوكبة من صناع ونقاد السينما من العراقيين في الداخل والخارج، ناهيك عن عدد من الفعاليات والبرامج والأنشطة السينمائية المتنوعة. وتابع جودي وهناك (مسابقة فضاءات سينمائية جديدة) التي تشمل عشرة من الأفلام الروائية العراقية القصيرة والجديدة والتي أنتجت بموجب منحة نقابة الفنانين العراقيين في سابقة فريدة من نوعها تحصل للمرة الأولى في تأريخ المهرجانات العراقية والعربية، وتهدف الى تفعيل الحراك السينمائي وإنعاش المشهد السينمائي في العراق ودعم الطاقات والكفاءات السينمائية ودوران عجلة الانتاج السينمائي العراقي.

ومن جانبه أوضح مدير مهرجان بغداد السينمائي الدكتور حكمت البيضاني، أن اللجنة التحضيرية تواصل مناقشة المهام التنفيذية واللوجستية المتنوعة لإقامة المهرجان على أحسن وجه، وقرارات اللجان الفرعية بما فيها قرارات لجنة قراءة وفحص سيناريوهات مسابقة إنتاج الأفلام العراقية القصيرة (فضاءات سينمائية جديدة) التي تضم عشرة أفلام وتهدف الى تفعيل ودعم الإنتاج السينمائي العراقي، وتابع الدكتور البيضاني أن اللجنة التحضرية تنتظر صدور القرارات النهائية للجنة مشاهدة وفرز الأفلام المرشحة للمشاركة في مسابقات المهرجان بغية الإعلان عنها في القريب العاجل في بيان خاص، إضافة الى مواصلتها مناقشة وإقرار الأسماء المقترحة لعضوية لجان التحكيم الرسمية، والندوة الفكرية حول (سبل تعزيز الانتاج السينمائي العربي المشترك)، وورشة الإخراج السينمائي، فضلاً عن الضيوف والشخصيات المقرر دعوتها، وجميعها ستضم نخبة من أبرزالمعنيين بالسينما من مخرجين وكتاب ونقاد ونجوم عراقيين وعرب

***

نهاد الحديثي

 

الفنُّ هو أحد الفنون التي يمارسها الإنسان في حياته الشخصية، القدرة والإتقان بمستوًى عالٍ من الجودة والكفاءة العالية في العمل أكثر جمالًا وتنظيمًا، الوظيفة ليست صعبة ولا بسيطة، إنّها مجمل التفكير في قرار ساحله أزرق العينين. توظّف قدراتك في التجادل مع الحياة، روية وهدوء.

هذه الأحداث الوصول إليها يغلب عليه التكاثر المعرفي التجريبي الواعي في تزويد ذلك العقل الباطن، بالرؤية التي تحلم بها في موطن حياتك. الأزمات ليست قليلة وقد لا تتوقف، لكنها طاقة أثيرية، توطّن إحساسك بالحياة، تلك هي الفلسفة التي تنير صفحاتك المتبقية قبل الرحيل من عالم إلى آخر مقدّس بما وراءه من صور ووعود جميلة وتحت رحمة لا تتوقف من العالي المُعيل، غدًا وما بعده يحمل كلّ الأمنيات.

لا تثقل نفسك بين عقول تناثرت عليك قاسية مؤذية، عندما تستوعب القاعدة الطبيعية للبشر في السباق بين الماراثونات المتعدّدة في الفوز الأول، حلّق مع أحلامك بهدوء وقدرة عالية، عليها أثر البسمات الجريئة النابضة بالحياة، قسمات قدرت، يغلب عليها التعب، لكنها طبيعية في حالاتها، انتصر عليها في وقتها.

التبعثر شقاء، القناعة جمال داخلي، أمثال البشر بين يديك، بين سقوط ونهوض، انهض بوعيك الذي ينبض، الغبار لا يتوقف والمطر لا ينتظر المظلات المهترئة، اضرب بين جناحيك، حلّق كما تستطيع، بين الإقلاع والإقلاع حياة وخبرات جديدة، الحياة جميلة رغم بعض محطاتها الحزينة، إنّها رواية لا تتوقف عند سطر حزين، صعابها قد تكون النهاية سعيدة وجميلة، متى ما ضغطت على أيقونة القبول، تبقى القناعة الأمل الأول والأخير.

الطائرة تنتظرك في الصعود بين رحاب العالم، يأتي الخيال بين الصخور الحافرة الصلدة، تخطو خطوتك، تشعر بأمانها تجلس بعد أن تطمئنّ الروح بأنّ غدك سوف يكون بين يديك، الموت لا ينتظر أحدًا والعزاء مستمر، بين القافية ينابيع تفجّرت من أعماق لا تدركها الأرقام، جميع المحطات منسجمة مع الطبيعة التي ولدت أمامك وقبلك.

منذ الأزل، البشر لديهم القدرات والأقدار التي تحطم طواحين الألم في خيال بعده واقع، تذكر بأنك ذلك الإرث الذي تخلفه يبقى ومن بعدك سوف يقرئه، إنّها المعارف المستمرة في النضج، ذلك المدّ الغائب يتحدّث إليك أن ترفع تلك الأشرعة أمام الأمواج العالية، بعيدًا عن الأرض ترى الوجود لم يكن من قبل، أيُّها القبطان، ابتسم أمام الريح التي أمامك، أنت الآن في الأمان الذي انتظرته وقت طويل.

***

فؤاد الجشي

 

في مقهى ينأى عن ضجيج المدينة ومتابعات مباريات الدوري الاسباني (لا ليغا/ La Liga). في مقهى يقع بالمحاذاة من بدال الطريق السيار الشرقي لمدينة مكناس. كعادتي، جلست منفردا لأحتسي فنجان بُن أسود يفوح بنكهة مرارته وبلا قطعة سكر. كان كل مَنْ بالمقهى المطعم في انشغالات أحاديث دائرية منغلقة، فيما كانت الخدمات في متناول الجميع، وبتلك الابتسامات والترحيب والسرعة المتناهية.

كنت في غفلة من أمري، وأنا أمارس صناعة فكر الانعكاس والتناظر، وفق علاقة التقابل والتناقض في نوعية المشاهد بين حركة من يلج وبين من يغادرها. كنت أمارس فِطْنة تأمل سقراط المعلم الأول (اعرف نفسك، اهتم بنفسك)، وتحرر من جاذبية السلطة الخارجية، ثم تخلص من الهيمنة المادية. كنت مرات أفكر من خارج الصندوق ثم أعود باللاوعي إلى داخل نفس الصندوق لأفتش عن ذاكرتي الذهنية الماضية.

كان كل من يقربني بالمجاورة في مجلس طاولتي المنفردة، في انشغال تام بالمأكل والمشرب، وتناول قسط من بذخ الحياة، وترف الحضارة المستحدث. مرات بالقلة، كنت أسمع ضحكات من مائدة يتحلق عليها ثلة شباب من متنوع الأعمار وصنف الجنس. هذا، لا يعني أني أمارس الانعزال عن العالم الخارجي، بل مشاهداتي المتنوعة كانت تفكر في المتغيرات ، حين كان المكان مزرعة فلاحية تنتج القمح والخضروات، لكن تحولات المدينة الجديدة، غيرت (بلاد الفلاحة) إلى منتزه رحب بالأداء، وتقديم خدمات للميسورين من الطبقات المتوسطة.

حين انتهيت بالعياء الفكري من تقابلات ثنائية (الداخل والخارج) و(المتغير والخالد)، كان مدخل المقهى المنير يستقبل أسرة تُدخلُ شابة أنيقة وجميلة على كرسي متحرك، كان كل من الأب و الأم والأختين في خدمة تامة لهاته الشابة العليلة، والتي يبدو الإنهاك على ملامحها الخارجية. لحد هذا المتغير، كل الأمور تسير وفق نظام الترحيب بالأسرة، وتيسير ولوجها بأخلاق العناية الفضلى لهذه الشابة في ذاك الكرسي المتحرك، بحق كانت الأخلاق الخيرة لمن يشتغل بهذا المطعم المقهى ترتقي إلى رفع القبعة لهم احتراما.

لم تُغْنِ عَنِّي المشاهد بدا، من متابعة الشابة التي باتت تتحرك إلا من خلال كرسي متحرك وهي ليست من ذوي الاحتياجات الخاصة. كانت تَعْتمر قبعة الرأس شديدة البياض، في ملمح وجهها النحيف، رأيت أن المرض أنهكه باستدامة الألم والمعاناة، وأفقده احمرار الشفاه والخدود. كان يبدو على تلك الفتاة أنها تجابه الداء والدواء، وقسوة الألم منذ زمن. كانت لا تبتسم، ولا تتكلم طويلا، ولا تعير المكان متابعة وأية اهتمام، فيما أسرتها الصغيرة فقد كانت بحق الله خدومة وتقدم لابنتهم العليلة كل المساعدة والابتسامة والفرح.

لحد جلوسهم وعناية النادل بهم، لم تَبُحْ هذه الشابة بأي كلمة تجاه مرافقيها، بل كانت تحول نظرات إلى شرود عن المكان ودون استطلاع. لحظة كشفت عن هامة رأسها، وأزالت القبعة الشديدة البياض، خطفت نظرة متأنية عنها والألم يُشعرني بالحرج، هنا كادت عيناي تسبقني إلى الدمع دون أن أناديه بتوجسات ذاكرة ألم الداخلي الماضي. كان شَعر الشابة قصيرة المورد والمنبت، كان خفيفا ويتسم بالرقة وقلة الكثافة، هنا جاء تفكيري ليربط العلاقة الخارجية للشابة والألم بمرضها، فقد كانت تبدو منهكة بالتمام، وكأنها خرجت تَوَّهَا من حصة العلاج الكيماوي      (  chimiothérapie). هنا زاد الوجود الحقيقي المتنور بالخير من أمها حين كانت تلهو بخصلات شعرها القصيرة، وهي تخاطبها بابتسامة لا تفارق ملمحها، فيما الشابة فقد كانت تنظر في عيني الأم حبا وعطفا، وكأنها تناجي قلب أمها بالفقد والافتقاد، لماذا  يا أمي يقتلني المرض يوما بعد يوم؟ لماذا يا أمي يعتصرني الألم، ويخنقني حتى في أمكنة اللعب والمرح؟ لماذا يا أمي أحمل مرضي على كرسي متحرك؟ لماذا يا أمي لا ينتهي الألم بنهاية زمن الحياة، حينها أشعر أنِّي انتصرت على المرض بقتله؟

كما وضع النادل قهوتي السوداء بنكهة البن المستفز، تركتها ولم أتناول منها غير رشفة بَلَعْتُ من خلالها ألمي الذي بات يعتصرني داخليا من شدة المشاهد المتكلمة بلا أصوات. تذكرت رثاء الخنساء وقلت: أعينيَّ جودا ولا تجمدا، ألا تبكيان هذه الشابة الجميلة العليلة الندى... تركت الشابة العليلة بنظرة دعاء، و ترجلت خارجا بمتغير زفير آهات لذاتي المتألمة، حين مددت ورقة نقدية للنادل، سألني ألم يعجبك اليوم فنجان قهوتك المفضل ؟ فقد لاحظت أنك لم ترتشفه !! ولم تمدده بقطعة السكر الوحيدة كعادتك !! اليوم، لم أبتسم في وجه النادل، ولم أشكره على خدماته، وتركت له ما يزيد مِمَّا تَبقى من الورقة المالية، وانسحبت نحو أبتغي العودة إلى المنزل، ورَتْقِ فُتُوقِ الألم بالبكاء.

***

محسن الأكرمين

 

أدركنا بحمده تعالى صبح عاما جديدا عبر الزمن الكوني المطلق.. بحلول 2024، وقد تقاطرت على أهل الأرض العواصف إعصارا تـلو إعصارا، ولا يتسع المقام هنا لذكر جميع أسبابها، مع ان إستقرائها يوضح أبرزها ممثلا؛ في تهافت الأنسان طمعا بمنافع الإثراء لموارد الأرض بباطنها وسطحها وسمائها، وبذلك تسابق الأنسان في كل دماره وصراعه وحروبه الدامية منذ فجر التأريخ ولحد اللحظة.. ظالما في تجاوزه لقوانين الكون طبقا لما فصلها الواحد الخلاق.

بعيدا عن ما سبق، وفي خضم أمواج بحار الحياة التي تلقيني احيانا على بعض من شواطيها، وقبل أن التقط أنفاسي؛ تأخذني بعيدا تلك المتربعة تـاجا بأعماق الذات.. ذاكرتي.. الى حيث كانت هناك مرابع الطفولة والصبا والفتوة لتكشف في ثناياها عن أناسا من الأستحالة وصفهم بالصداقة مدى السنيين، إنما وصفهم وتوصيفهم يرقى الى الأخوة  المطلقة بكل معناها .. وعندها تـرحمت على من غادر منهم دنيانا.

ثم ينفتح بابا لم يوصد يوما أمام تسجيل ما صقلته الأيام بالساعات حراكا في الحياة؛ مرة بالأفكار، وبالأبدان مرة أخرى.. تكريما وفاء للوالدين في كدحهم بين الصخور وعبر السنين السابقات بحلوها أحيانا وقسوة مرارتها بأحيان أخرى.. والى أن تسلق الوعي لإدراك كل معانيها.

لقد مضت بلمح البصر تلك السنون.. فكان الطائر كالصقر يجني ويجني بغابات الحياة ليس نفعا، إنما على الدوام تقضه عقولا قد تفتحت براعمها الندية ترنو نحو حرفا أو قولا من الجني ذاك، إذ إن من الحماقة أن يدفن بالموت الحصاد المثمر بالعلوم معارفا وأفكارا.. وقد حجبت عمدا عن عباد الرحمن .. وهو العظيم الذي علم الأنسان ما لم يعلم.

هـكذا.. تتمادى الذاكرة مرة أخرى لتخبرك عن من تكرمو خيرا عليك ساعات وأياما.. سواء بالمشورة الراشدة مرة، وبالجهد البناء مرة أخرى.. ليبصروك فقط للأخذ بذاك الأحسن من ذاك، ولأجل ذلك لا زالو في القلب بمحبة وإحتراما، ومن المؤكد هم مع تلك المحركات نحو السمو نجاحا وللهفوات تفاديا.. فمنها من مر كالأطياف يأخذ بالأحوال من هذا إلى ذاك، ومرة تكون للهمة حافزا، وفي أخرى تكون للطاقات الإثارة والإلهاما، وجميعها مماثل للسيوف البارقات شموخا في سماء قد تألق بضياء القمر العملاقا.

لا تبتأس.. عزيزي القاريء الكريم، فأنت أن علمت أو لم تعلم.. فأنت بصفاء قلبك من المؤكد أنت منهم.. وقد أتيت لنا فخرا وإلهاما، ولكم ما يليق من الأماني الباسمات نجاحات وأفراحا.. المقرونة بالإحترام الأسطع بياضا.

*****

د. مجيد ملوك السامرائي

جغـرافـي، كاتـب ومـؤلف وأستاذ جامعي

 

أبي رحمه الله وأغدق على قبره شآبيب الرحمة، كان يصرف نهاره في وظيفة عادية هي قوام عيشه، وينفق أول المساء إلى الهزيع الأول من الليل في جهد ونصب دائم، وهو قوام مركزه ومكانته التي حازها وسط دائرته، كان رحمه الله يصل الرحم، ويقري الضيف، ويكسب المعدوم، ويغيث الملهوف ويعين على نوائب الدهر، كما قالت السيدة خديجة الكبرى، وسفاتة بنت الطائي، وكنت رغم صغري أضيق بهذا كله، و أفصح عن ضيقي في وضوح وجلاء، كنت أنتظر مقدمه من عمله وأنا فرح مسرور، حتى أستقي من عواطفه ومشاعره الجياشة، فأنا آخر العنقود، وليس من اليسير على آخر العنقود أن يألف تسلط الناس عليه، واعتدائهم على حقوقه، كانت لدي خواطر تجيش في دواخلي، أريد أن أقولها لوالدي لحظة رؤياه، ولكني لا أستطيع أن أوثره بها، فأهل الوصل من أقطاب الصوفية، وأصحاب العلل الروحانية، كانوا ينكرون حقي في والدي، ولا يبيحونه إلا بمقدار، وبمقدار ضئيل كما قال الدكتور طه حسين، وفي الحق كثير ما كان  يقع بيني وبين هؤلاء تنازع وشجار، خاصة حينما أطبق بيدي الصغيرة البضة على أصبع أبي وأتشبث به في قوة واهية وخشية، وأسير مع الشيخ الجليل، الباد الوقار،بخطى متعثرة خلفه، فيأتي أحدهم غير مبال بعواطف صبي أغر تجاه أبيه، تمثل الضعف الذي ليس بعده ضعف، فيدفعه دفعاً عنه، بل لا يرضى أو يقنع بهذا، فيغلظ عليه القول، لإلحاحه في أن يكون بمعية والده، ويستهجن تهالكه عليه.

رغم كرور الأيام، وتعاقب الحدثان، مازالت الصور هادئة مستقرة في مكانها، وما زال حنيني إلى والدي كثيراً غزيراً، لا يستغنى عن فؤادي، ولا يستغنى فؤادي عنه.

***

د. الطيب النقر

 

سقطت ورقة من حياتنا وجاءت أخرى وحتماً ستسقط الثانية عاجلاً أم آجلاً هذه سنة الله في أرضه وهكذا دواليك يستمر الحال يولد إنسان ويموت آخر والحياة تمضي نحو الامام ويمضي معها الكثير ولا يبقى سوى الاثر ومع مرور الوقت سينتهي الاثر وتتعاقب الامم والحضارات أنتَ في القيمة أسمى العَالَمَيْن كليهما فماذا يمكن أن أفعلَ إذا كنتَ لا تعرفُ قَدَرَك؟؟لا تبعْ نفسك رخيصاً، وأنتَ نفيسٌ جدا في عيني الحقّ فإذاً لا تكلف على ذاتك وتضطرب وتهجس ضجيج الحاضر وحزن الماضي وقلق المستقبل كن على يقين بأن الله لطيف رحيم لم يخلقنا ليشقينا حينما تصرخ الروح يستجيب لها الإله فتمطر السماء بهدايا الرب اللطيف لتحمل في طياتها الأمل فيسري السلام على سائر كياننا لنشعر بالمحبة والوئام، لأن الله كلّ الجمال المطلق هذا هو الإله الذي أعرفه، ولكننا نظلم أنفسنا بأشياء لا داعي لها كن راضيا بقدر الله فكما جاء في الاثر لو عرضت الأقدار على الإنسان لأختار القدر الذي أختاره الله له، فاﻟﻴﻮﻡ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ نجلس ﻣﻊ أنفسنا .. لنعلم ﻫﻞ ﺣﻘﻘنا ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻣﺎ نريد؟.. ﻣﺎﻫﻲ أخطاؤنا وهل ﺃﺻﻠﺤناها؟.. ﻭﻣﺎ ﻫﻲ ﺃﺣﻼﻣنا ﻭﻫﻞ ﺣﻘﻘناها!! .. ﻓﻬﻜﺬﺍ ﺳﻴﻤﺮ ﻋﻤﺮنا ﻓﺈﻥ ﻟﻢ نحاسب أنفسنا سنظل ﻛﻤﺎ نحن ! .. ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ نعلم ﻫﻞ نحن نسير ﻋلى ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ لتحقيق حلمنا وذواتنا أم اننا أخطأنا الطريق! ﻓﺎﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺣﻘﺎً ﺣﻴﻨﻤﺎ نكتشف ﺑﻌﺪ ﻓﺘﺮﺓ ﺃﻥ عمرنا لم ﻳﻀﻊ .. ﻭﺃﻧنا ﻧﺠﺤنا ﻭﺣﻘﻘنا ﻣﺎ نريد لنواصل ﻓﻲ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺍﻟﻤﺰﻳﺪ .. ﺟﻤﻴﻞ ﻫﺬﺍ اليوم لأننا سنبدأ عام جديد .. ﻭﻛﻢ ﺳﻴﻜﻮﻥ ﺃﺟﻤﻞ ﻭﺃﺭﻭﻉ ﺣﻴﻨﻤﺎ نحقق ﻓﻴﻪ ﻣﺎ نريد.. ﻭﻟﺪ هذا اليوم لتشرق حياتنا بالأمل الجديد, وما أجمل أن يولد بداخلنا ﺍﻹﺑﺪﺍﻉ ﻭﺍﻟﺤﻤﺎﺱ ﻭﺍﻟﺘﻔﺎﺅﻝ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ .. ﻓﻬﻮ ﺃﺷﺒﻪ ﺑﺎﻟﻄﺎﻗﺔ نأخذ منه لنمضي ﻭنحقق ﻣﺎ نريد .. في أول يوم من عامنا الجديد.. كل أمنياتي و دعواتي لكم بأن يجعل الله عامنا هذا عام صلاحٍ وفلاحٍ و نجاح و أن يحقق فيه الأحلام و الطموح والأهداف وأن يصلح الله لنا النفس و السريرة .. و لكل من يتمنى للناس الخير .. جعلكم الله دائماً في رضا وسلام ووئام .أتمنى لي ولكم عام حافل بالعطاء، والنجاح والمضي قدماً نحو العزة والمجد وعلو المقام وسلامي إليكم لا ينتهي ..انتهى

***

زكريا الحسني -  كاتب من سلطنة عمان

اصحاب الثروات الضخمة التي تقدر بعشرات الملايير من الدولارات يقرأون بنهم ويخصصون ساعة أو اكثر للإبحار في عوالم الكتب وكيف لا وهي التي تلهمهم الأفكار التي يحولونها إلى مشاريع تدر عليهم ثروة طائلة

و حسب  الباحث الأميركي توم كورلي الذي قضى سنوات في دراسة له ببحث عن الاختلافات الجوهرية بين أصحاب الثروات وغيرهم من الناس، فتوصل  إلى نتيجة وهي  أن أهم ما يميز الأثرياء عن غيرهم من الناس العاديين  هو التركيز على أوقات الفراغ والعادات اليومية التي يستغلونها في القراءة والتأمل..

ويرصد موقع "فينانثاس بيرسوناليس" (finanzaspersonales) الكولومبي في هذا التقرير أهم تلك العادات اليومية التي تميز الأغنياء، والتي لا يدرك أغلب الناس أهميتها ولا يُقبلون عليها رغم أنهم يمتلكون الكثير من أوقات الفراغ يوميا.

وفي  كتاب "عادات الأغنياء"  لتوم كورلي الذي وثق  الأنشطة اليومية لحوالي 233 شخصا ثريا و128 شخصا يعيشون في ظروف عادية.

وخلال البحث حدد أكثر من 200 نشاط يومي يميز الأغنياء عن غيرهم، وخلص إلى أنهم يستفيدون بشكل رائع من أوقات فراغهم.

وحسب هذه الدراسة التي قام بها كورلي فإن 80% من الأثرياء يخصصون ستين دقيقة (60 د ) لتنمية مهاراتهم وتثقيف أنفسهم .

فمثلا بيل جيتس يقرأ 50كتابًا في السنة، بما يعادل كتاب كل أسبوع، وينشر على مدونته قائمة نصف سنوية بأفضل 5 كتب قرأها ليستفيد منها جمهوره، أما مارك زوكربيرج فأنشأ في عام 2015  ناديًا للكتب قدم من خلاله توصية لكتاب كل أسبوعين لملايين من متابعيه، فيما أعلن الثري المعروف وارين بافيت أنه يقضي معظم وقته في القراءة والتفكير (80%من يوم عمله).

والملياردير الأمريكي وارن بافيت الذي تبرع مؤخرا ب 3.6مليار دولار من أسهم مجموعته بيركشاير هاثاواي لخمس منظمات خيرية ، يقرأ كل يوم بين خمس وست ساعات في اليوم ويبلغ ما يقرأه يوميا خمسمائة صفحة(500 ص) ويطالع خمس جرائد يومية وعددا من المجلات والتقارير. 

 ومن بين الأثرياء رجل الأعمال الأمريكي مارك كيوبان الذي عرف بشغفه الشديد للقراءة والذي يقرأ أكثر من ثلاث ساعات يوميا ..

وأوبرا وينفري اكتسبت عادة القراءة منذ الصغر وكانت زوجة أبيها تحثها على تخصيص نصف ساعة للقراءة يوميا وهكذا أسست نادي أوبرا للكتاب الذي تشجع من خلاله الناس على القراءة أو اقتراح كتاب أو مجموعة كتب لمطالعتها...

فلا تستغرب إذن من نجاح هؤلاء الأثرياء الذين أسسوا لتقاليد النجاح باستغلال أوقات فراغهم بالقراءة النافعة بينما الفقراء يضيعون أوقاتهم في المقاهي والملاعب وفي القيل والقال و اتهام الأغنياء بأنهم فاسدون ولصوص و أموالهم من حرام بل حتى نظرتهم للمال بأنه وسخ الدنيا و أن السعادة في القليل ويعيشون على الأماني والأحلام الكاذبة فكن قارئا حتى لو لم تكسب المال فستكسب الغنى النفسي والثراء الروحي.

***

الكاتب والباحث في التنمية البشرية

شدري معمر علي 

...................................

المراجع :

1- أسرار يومية للنجاح ، هذا ما يفعله الأغنياء وقت الفراغ، موقع الجزيرة.

2- فوائد قراءة الكتب وكيف ساهمت في نجاح أشهر رواد الأعمال؟موقع خمسات.

3- محمد عبد الرحمن ، الوظيفة رجل أعمال والهواية القراءة،.اليوم السابع .

هذه انا اليوم في سابقة ادبية جديدة حيث أقدّم عملي بنفسي متقمّصة في نفس الحين دور النّاقد ومسؤولية المؤلّف. ابدأ بالإفصاح وأقول: هذه الرّواية واقعيّة. جذعها غَرسٌ في أحد اريافنا في الكاف. وأبطالها يعودون إلى عائلتي. ابدأ إذن بتناول الحديقتين: الأمامية والخلفية اللتين تحيطان بمتن الكتاب اي العتبات.

1- الحديقة الأمامية وهي العنوان والصّورة.

العنوان: وهو أوّل ما يلتقطه المتأمًل في الكتاب ابن العاقر هذا العنوان المخاتل الذي يستفز القارئ فيجعله يتساءل في الحين: كيفاش ابن العاقر؟

كيف يكون هذا الابن ابن امراة عاقر. وكيف يكون لامراة عاقر ابن؟ ما هذا الهراء!. وفي لمح البصر تلوح الصورة:

امراة بلباس ريفي حولي احمر او حولي خمري (ولنضع كلمة خمري نصب اعيننا). تظهر لنا من الوراء. مغطّاة الرأس. تسرع الخطى نحو الجبل

انظر خطواتها: ساق على الأديم والأخرى في الهواء!، تكاد تجري!/ لا يظهر لنا وجهها الذي ولّته شطر الخلاء مسرعة. فكأنّما قد خاتلت الكامرا فلم تستطع اللحاق بها لأخذ صورة لوجهها. أو ربّما كانت المرلفة تطاردها لتستفسر منها الأحداث وكانت تفرّ من أسئلتها.

ماهي الأحداث الممكنة:

المراة تمسك بيد طفل وتجرّه لسرعتها. الطّفل في خطاه المضطربة يلتفت إلى الخلف

ما باله؟ لماذا يلتفت

ما الذي يشغله؟

ماذا ترك وراءه؟

هل ترك أمّه؟

هل ترك أباه؟

ما الحكاية؟؟

وهنا تتدافع التأويلات2184 زهرة الحواشي

1- الإمكانية الأولى:

امراة عاقر تختطف صبيا من الدّوار الذي تسكن فيه وتهرب به إلى الجبل حيث يصعب اللحاق بهما.

2- امرأة ساورتها الشكوك في ادّعاء زوجها بأنًها هي العاقر فسعت إلى علاقة ثانية وأنجبت ولدا وهاهي تهرب من زوجها الذي لن يغفر لها فعلتها

3- امراة عاقر تزوًج عليها زوجها من امرأة ثانية انجبت منه هذا الولد... وهاهي العاقر تهرب به من فرط حرقتها بنار الحرمان من الأمومة.

عديد التأويلات تبعث عنها هذه الصّورة.

نمرّ إلى الحديقة الخلفية:

إذن هي رواية مربكة، تثير التساؤل تارة والحيرة اخرى

كما تلهب الروح شجنا في بعض مواقعها.وسنرى ذاك في تعاريج المتن.

الآن تعالوا معي ننصب السلالم لتسلق جدرانها والاطلاع على كهوفها. وهنا أشير إلى ما شعرت به وانا اكتب بعض المقاطع:

حين تتسلّل إلى دواخل الاماكن الاي تدور فيها رحى الرّواية أي "تتجسّس" على ابطال الرّواية كي تنقل أخبارهم إلى خارج تلك المغاور وتفشي أسرارهم وسرائرهم تشعر أحيانا بالخياتة...خيانة هؤلاء الابطال

تختطفها من واقعهم وتركبها صهوة قلمك قلمك فرحا بالغنيمة، ثمّ تحطّ بها الرّحال فوق بياض الورق مفشيا أخبارهم ينتابك السؤال ملحّا:

من سمح لك بذلك؟

نمرّ إذن إلى المتن:

يحتمل هذا المتن 138 صفحة.فقط

اي ان الرولية من نوع النّوفلّا..La nouvella

بحيث هي رشيقة القوام، محمرّة البشرة كلون مهرة أصيلة من ذاك الريف الزاخر بالجمال، لكنّها مكتنزة الأحداث، صاخبة تحملك إلى سهول يحاكيها خرير الجداول. عامرة المراعي بثغاء الأغنام وصوت الضّاوي والد ربح صادحا بأغاني عذبة من موروثنا الشعبي الذي يحكي قصص العاشقين التي تأجّجت نيرانها بين شبّان تلك المنكقة حينا مثل أغنية الضّاوي والد البطلة ربح "يا فاطمة لاث ريڨي... يا رفيڨي..." وعديد الأهازيج الرائعة من جهة وبينهم وبين أندادهم من " الهطّايه " اي أهالينا الذين يقبلون من الجنوب التونسي إلى الشمال "فريڨا" مع مواشيهم طلبا للعمل في فصل الصّيف موسم الحصاد فيعملون "حصّادة" عند أصحاب المزارع وكذلك للرّعي أي يُسرّحون مواشيهم في بقايا التبن وما تخلّفه آلات الحصاد من جهة ثانية.

ولطالما كانت هذه الرّحلات مورد رزق وحركة معيشية كبيرة تصل حنوب الوطن بمشاله وتعقد أواصر الأخوّة والمودّة والنّسب بين الطّرفين

- بل تظلّ موجودة إلى يومنا هذا في الأرياف .

وقد حدث شيء من هذا القبيل لبطل الرّواية علي بالخمري، شيء بقي في ذاكرته كالوشم تذكي حراحه ربح كلّما غنّت بصوتها الشّجيّ أغنية "وحش الصّرا وبروده".

هذا جانب من جوانب الرّواية

الخاصية الثانية

2- الحوار بين أبطال الرواية

اعتمدت فيه وسيلتبن:

كتبت الحوار الذاتي او الآحادي le monologue باللغة العربية الادبية.

امّا الحوارات الثّنائية فقد اعتمدت فيها اللجهة الأصليّة الريفية للأبطال والخاصّة بتلك الرّبوع حتّى يكون القارئ قريبا اكثر من الأبطال فيحسّ أنّه لصيق بهم يعيش معهم في حوشهم... يتابعهم و يراقب تصرّفاتهم ويتعرّف إلى عاداتهم.

وهنا نبلغ العنصر الثّالث الثالث، التّعرّف إلى بعض العادات والتقاليد عند أهالينا في ريف الرّواية من ربوع الكاف.

عادات حميدة تثري معرفة القارئ وتمتّعه في سرديّة سلسة الأسلوب صاخبة الوقع تطوّقه برفق حتّى لكأنًه يعيشها على عين المكان.

الميزة الرّابعة 4 للرواية:

تؤرّخ الرواية لبعض الأحداث الوطنية المهمّة التي مرّت بها تونس مثل أحداث معركة الجلّاز الأليمة.وإشارات أخرى.

ويبقى السّؤال قائما

صارخا

محتجّا عن هذا العنوان المخاتل المراوغ

ملحّا على الوصول إلى الإجابة:

كيف يصير للعاقر ابن؟

بل ربّما أبناء!!

أحداث رواية ابن العاقر مليئة بالمفاحآت المفاجئة حتّى أنّي انا شخصيا ما كنت لأصدّقها لولا أنّي عايشت ابطالها.

ومكتضّة بالحوادث المأخوذة من ارض واقعها.

أرجو ان يجد القارئ متعة في التعرّف إليها والتّواصل مع أبطالها.

وفي الختام

اقول بتحفظ:

ربّما يحسن بكل امرإة مازالت في طور الانجاب ولم تنجب بعد أن تطّلع على أحداث ابن العاقر وتسبر أغوار الرّواية...

***

زهرة الحوّاشي

 

اعلن مندوب فلسطين بــ«اليونسكو»: إسرائيل تعمدت استهداف 200 موقع تراثي وأثري في غزة، واتهم منير انسطاس المندوب الدائم لفلسطين لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، إسرائيل، بتعمد استهداف نحو 200 موقع أثري وتراثي منذ بداية الحرب على غزة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، رغم علمها بإحداثيات تلك المواقع، وقال انسطاس: «الاستهداف متعمد، ليس فقط للمواقع الأثرية كالمساجد والكنائس والمتاحف والمنازل الأثرية وغيرها من مواقع التراث، لكن أيضاً للمدارس والجامعات والمستشفيات، وأضاف أن المديرة العامة لليونسكو أودري أزولاي، أبلغت السلطات الإسرائيلية بإحداثيات مواقع التراث العالمي الموجودة في غزة بعد اندلاع الحرب كي لا تستهدفها، ومن ثم فإن إسرائيل «تضرب المواقع وهى لديها إحداثياتها، وأكد على أن القصد من وراء هذا التعمد هو «مسح البنية التحتية لغزة كي تصبح غزة أرض صحراوية غير قابلة للحياة»، مشيراً إلى أن المواقع التراثية والأثرية في القطاع واضحة مثل «المسجد العمري الكبير الذي يمكن رؤيته على بعد كيلو مترات وكذلك قصر الباشا الذى تم تدميره وكنيسة بروفيريوس، وأشار إلى أن مسؤولية اليونسكو لا تندرج تحتها حماية مواقع التراث العالمي فحسب، بل كذلك المدارس والجامعات والمراكز الثقافية ومراكز الصحافة والإعلام وأيضاً حماية الصحافيين الذين قتل منهم أكثر من 100 صحافي حتى الآن،، وعبر المندوب الفلسطيني عن أسفه لعدم قدرة اليونسكو على اتخاذ إجراءات عقابية تجاه إسرائيل كونها ليست عضوا في المنظمة، وإن كانت لا تزال طرفاً في الاتفاقية المؤسسة لها،، وعن تحريك دعوات جنائية ضد إسرائيل بشأن استهداف المواقع التاريخية، قال «الدعوات يتم تقديمها من قبل الدول المعنية أو الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، لكن اليونسكو لا يمكنها رفع دعوى أمام الجنائية الدولية بهذا الشأن

دمرت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، عشرات المعالم الأثرية التي كانت شاهداً على تاريخها الثقافي والحضاري الحافل والممتد طيلة قرون،، ووفق دراسة حديثة أجرتها مجموعة "التراث من أجل السلام"، دمر العدوان الإسرائيلي على غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أكثر من 100 موقع أثري وتاريخي،، ومن أبرز المعالم التي تعرضت لأضرار كبيرة المسجد العمري الكبير، أحد أهم وأقدم المساجد في فلسطين التاريخية، وكنيسة القديس برفيريوس، التي يُعتقد أنها ثالث أقدم كنيسة في العالم، ومقبرة رومانية عمرها 2000 عام في شمال غزة، جرى التنقيب فيها العام الماضي فقط، ومتحف رفح، في جنوب غزة، الذي كان مكاناً يقصده الدارسون لتاريخ وتراث قطاع غزة الطويل، ولم تكن الحرب الأخيرة، هي الحدث الأول الذي تتعرض فيه المعالم الأثرية في غزة للدمار، إذ تعرضت عشرات المواقع، بما في ذلك المسجد العمري الكبير الذي طمست معالمه الآن، لأضرار في عام 2014 كما يشير تقرير صادر عن اليونسكو2021، أيضاً إلى المزيد من الدمار للمواقع الثقافية والتاريخية في غزة من جانب أخر، أقام فنانون فلسطينيون، معرضا للفنون التشكيلية يحاكي تاريخ قطاع غزة ومعالمه الأثرية، شارك في المعرض الذي أطلق عليه تسمية (شظايا المدينة)، نحو 28 فنانا وفنانة ضم أكثر من 100 عمل وأقيم داخل المركز الثقافي الفرنسي في غزة، وتخلل المعرض أعمال فنية صممت بتقنية الحفر والطباعة اليدوية لمعالم أثرية في قطاع غزة، وطوابع بريدية استخدمت في فلسطين خلال الحقب الماضية، بالإضافة لمعالم الحياة العامة القديمة، كما قامت وزارة السياحة والآثارالفلسطينية بأصدار الدليل المعالم الأثرية والشواهد العمرانية التاريخية في قطاع غزة، ويُفصح عن أسرار المقتنيات الحضارية المكتشفة من واقع الحفريات والتنقيب الأثري في باطن الأرض وظاهرها، ويحتوي الدليل على الشواهد التاريخية للحياة العامة، من أسواق وخانات وأسبلة وحمامات عامة، وأسبطة (السباط ممر ضيق مقوس بين منزلين) وزوايا، ومقامات ومقابر، ويُفرد الدليل مساحة مفصلة عن تاريخ المواقع الأثرية بشقيه الإسلامي والمسيحي، "ويوثق جزءا من الحضارة الإسلامية الأيوبية والمملوكية والعثمانية، إضافة إلى نماذج عن أنماط الحياة التعليمية والاجتماعية، من خلال دراسة تاريخ القصور والبيوت الأثرية.

***

نهاد الحديثي

حين بَلغتْ سنة (2023) العد العكسي في حياتها الفانية، اكتشفت ليلتها أن التاريخ ليس تعاقبا لعصور وأزمنة متتالية وبالدقة المتناهية، وإنما هو اقتراب لفهم ذات الشيء عند انفصال عن الماهية، وتعلم معرفة حدود التطابق والاختلاف. حقيقة، لم أَكنْ قَبْلها أعرف أن الزمن يتعاقب ويتطور من خلال الانتقال من حالة اللاتعيين إلى وضعية التعيين (تعريف الذات من خلال الآخر)، لم أكن أمتلك فكرة عن تلك الآليات العقلية لضبط ذاتي وهويتي وذاكرتي من شدة الخواء الذي احتواني في سنة (2023) نحو روح الامتلاء بقدوم عام (2024). وقفت عندها، على أن التطور في حركة عقارب الزمان يزدحم بدون تأن ولا توقف، أحسست بعدها أن الخواء في تفعيل بنية العقل، قد ُيلغي الماضي من ذاكرتي الضيقة بالتذكر، ومرات أخرى بالنسيان المُرْتَمي في التجريد.

لكن، تيقنت بدا، أن الاستسلام للعدمية الفكرية، قد يُمِيت الذات العارفة (الأنا)، فيما الامتلاء قد يحافظ في ذات الوقت على تعاقب تراث الأثر وتحركه من السكونية نحو التفاعل مع غياهب المستقبل، وقد يُنعش رمز التمثل (النسقية)، ويجعل أي موضوع ماثلا وحاضرا بقوة المنطق والعقل ويجابه ذات الهوية المنفردة، ويرسو عند طابع الوحدة المشتركة في الهوية الكلية لا الضمنية.

حين فكرت في نهاية سنة (2023)، عاينت أن الرجوع إلى الوراء يقودنا إلى ميدان أَهْمله فكر التخزين (الأنا الداخلي) حتى الآن من الاستذكار، وبقي استذكار النسيان هو المحارب الجدي للتذكر والبقاء. وقفت على رمزية بروز فجر الفكر (الحداثة البعدية)، الذي حتم لزوما نوعية منابر الاشتغال في المستقبل والحاضر، واستحضار الماضي، وليس بالرجوع إلى الوراء لاستذكار ذات متذكرة ومتفحمة بالمأساة، والعمل على إحياء وبعث الماضي (مهما كان)، ولكن لنشل الذاكرة من ذات التحجر، ونقد الذات المعرفية نحو فهم العولمة الكونية.

بحق الله، أننا نَضَعُ ذواتنا مرارا ضمن خندق ذهنية دوغمائية / متحجرة خَطِرة بالانعراجات، وقد تكون منتشية بالرسوبات التراكمية المتحركة. وقد تجعلنا الذاكرة المتكهربة (الاختلاف في خلق التوازن بين الماضي والحاضر والمستقبل) نتهرب من المسؤوليات البَيْنية، ونشعر باستحقاق الركود التام، ونفقد طرق الاحتفاظ والاحتضان بفكر الاختلاف والتغاير، فيطفو  حتما الاختلاف الباطني أو الجوهري من فرضية غياب التطابق السفلي،  ومرات عديدة تتبعثر الأفكار حدة بحدود وحدة التطابق والتنوع. فالتناقض الحارق، هو تلك المجابهة التي تَفقِدُ فيها الأزواج (الاختلاف والتغاير) طريقها نحو الوحدة الوهمية. أما المفارقة القاتلة، فإنها تعمل على تصدع الوحدة النمطية التأملية، وبعدها  قد لم يعد بوسعنا تمثل الهوية بأنها الوحدة بذاتها في الفكر والذاكرة المشتركة.

فالتنوع التجانسي، هو اختلاف الانعكاس المقعر، وهو الاختلاف نفسه !! وبلا مناورات فلسفية تجريبية. إنه اختلاف متعين لوضعية خلخلة الذات وهز وحدتها تجاه صناعة المتغيرات التأملية. فيما استعراضات الاختلاف (الذات/ الآخر)  فهي مجرد اختلافات خارجية لا جوهرية (تُرَيِّبُ وَتَبْنِي). لحظتها لن يكون لرمزية المساواة والإنصاف اللغوية والاصطلاحية، إلا التطابق في حدود الرمزية والحساب الذهني الآلي، وليست هي المساواة العادلة في ذاتها (المقايسة والمعادلة)، إنها بحق حدود اكتشاف اللاتطابق من التطابق (الذات والهوية والفكر)، وتم يكون احتمال حدوث الانجراف الخاطئ في بناء المعرفة الجديدة.

***

محسن الأكرمين

- الفن عالم نوفره لأنفسنا فيعطينا ألوانه وتنوعه ووسعه..لا نكتفي منه ولا يتوقف عن تطويرنا..

- لوحات وحركات وأضواء لتجتمع المادة والتقنية في أعمال تشكيلية ثرية للتخلص من الأدوات التقليدية للرسم..

الفن والتلوين والذهاب الى التجدد والاختلاف مجالات حلم وبحث حيث الابتكار حيز للتعبير عن الدواخل والافصاح عن ما به تسعد الذات وهي تقول عوالمها الملونة منذ شغف بالفن من طفولة مقيمة والى الآن وبتناغم بين نظرات متعددة للعناصر والأشياء في كثير من الوعي بجماليات شتى وممكناتها الابداعية...

من هنا وهكذا مضت الفنانة في بداياتها الفنية في حوارها المفتوح مع القماشة لتكون عوالمها على اللوحة بتقنيات مختلفة كالرسم الخطي بالقلم أو الألوان المائية والأكريليك والطباعة وما الى ذلك...المهم ان تدعو الى عملها الفني المبتكر رغباتها في الاختلاف والتجدد..فالفن عندها عالم ابداع وجمال وتجدد.

الفنانة التشكيلية شيماء بن سليمان  تنوعت لوحاتها وأعمالها الفنية التي كان لها عبرها حيز من الحضور في النشاط الثقافي والمعارض عبر المشاركات المتعددة ومنها مشاركتها الأخيرة ضمن معرض صالون الشبان الذي أقامه اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين بفضاءات العرض برواق يحيى للفنون بالبالماريوم حيث تميزت بخصوصية لوحاتها المعروضة وفق اشتغالها الجمالي المتخير من قبلها ومنذ فترة في تعاطيها الفني التشكيلي.

هي فنانة تعد بالكثير في مجال الابداع التشكيلي وهي تحرص على تطوير تجربتها الفنية من خلال رؤيتها للفن والرسم والابداع التشكيلي عموما...

هي خريجة المعهد العالي للفنون الجميلة اختصاص رسم، رسامة مختصة في فن الطباعة باستعمال الأقمشة وهو موضوع تخرجها، أي استعمال الأقمشة بالإستعانة بمواد مختلفة كالأكرليك والحبر والماستيك لتحقيق أشكال مختلفة ناجمة عن ثراء الأنواع المختلفة من الأقمشة الحاملة للملمس والخيوط وأليافها المتنوعة الناجم عنها حركات مختلفة وأضواء لتجتمع المادة والتقنية في صنع أعمال تشكيلية متنوعة وثرية وذلك في سعي نحو التخلص من الأدوات التقليدية للرسم فتأخذ الأقمشة مكان ودور الفرشاة التقليدية.. مختصة في الرسم الغرافيكي باستعمال أقلام الرصاص مع الاتقان لابراز التفاصيل وابراز الملمس texture  في أعمال ثنائية الأبعاد وذلك بالاعتماد على ثنائة الضوء والظل...

وعن عملها الفني وبداياتها في التجربة تقول شيماء "...قمت بمجموعة صغيرة من الرسومات المعتمدة على الألوان المائية لإعجابي الشديد بالطبقات العديدة التي تسمح لي بابراز العمق والتباينات اللونية... مختصة في رسم portrait لاعجابي بتفاصيل الملامح البشرية والتي تعبر على هوية الشخوص.. أقوم برسم الأشخاص التي أحبها كتعبير عن المحبة والوفاء.. لا أقوم برسم ما لا يحمل فضولا داخلي.. كان ذلك في علاقة بالأعمال المجردة أو الواقعية... جميعها أعمال تنتمي لي على مستوى الفكرة أو التقنية التشكيلية... أحب تدريس الأطفال لمادة الرسم، ففي ذهني هم أساس التطور الفني في العالم العربي والذي يعتمد على ارادتهم وابداعيتهم... البحث في خبايا الأطفال وأحلامهم وتشجيعهم على التعبير عليهم وعرضهم بكل جرأة... الإرادة، الحلم والإبداع هي ألفاظ تتكرى في ذهني وهي التي تدفعني نحو القيام بأعمالي وتقودني للأطفال فالأطفال شديدو الحساسية والابداعية ويمثون المرحلة العمرية الممتازة التي وجب أن يطور فيها الطفل مهاراته وأن يكتسب المعارف الأساسية التي سيبني فيها مشروع حياته ومسيرته وهذا الرأي ينطبق على الموسيقى والمسرح والرياضة وحتى العلوم والأدب.. فكل المجالات وجب لمسها برغبة وشغف.. فلن تتميز في القيام بشيء إلا وان كنت تعطيه من قلبك فلا تتعب ولا تستسلم.. وبعد التضحية من أجل الحلم تجد نفسك اكتسبت زادا معرفيا وحياة تحيطك بكل الأشياء التي تحبها... الفن هو عالم نوفره لأنفسنا فيعطينا ألوانه وتنوعه ووسعه... لا نكتفي منه ولا يتوقف عن تطويرنا..".

شيماء بن سليمان فنانة تشكيلية من جيل الشباب تعمل في دأب وحرص وشغف فني حيث الرسم والفن عندها عالمها المخصوص الذي تطور من خلاله تجربتها التي تعمل على تتويج مرحلتها المنقضية بمعرض شخصي يضم جانبا من لوحاتها الفنية المنجزة الى الآن في هذه البدايات المتواصلة مع الفن التشكيلي.

***

شمس الدين العوني

صاحبة الوحي مجموعه قصصيه تعد من أشهر أعمال الكاتب الإصلاحي الشهيد أحمد رضا حوحو، وهي تعكس أسلوبه ونظرته وهدفه من الإبداع، وانك لتتعجب أن تجد كاتبا إصلاحيا ينتسب إلى جمعيه العلماء المسلمين،  ينتمي إلى ذلك العهد، يكتبُ بذلك الانفتاح وبالأخص الانفتاح على عالم الحب والعلاقات العاطفية بين الرجل و المرأة!

وقصص المجموعة عددها تسعاً، كلها تقريبا تعالج هذا الموضوع، الحب والتقاليد، وتدخل الآباء، ودور المال في التفريق بين المحبين، إذ طالما استخدم الأغنياء سلطانهم المالي لمحاولة شراء قلوب الصبايا المتعلقة بمن تحب من الفقراء المعدمين!

ثلاث قصص فقط حادتْ عن هذا الموضوع، وهي أيضا قصص جميله وممتعة؛ ثري الحرب التي يمكن أن تكون عنوانا كبيرا لكل أولئك الانتهازيين الذين يثرون فجأة مستغلين الظروف والفاقة، قصة مسرحية عنوانها أدباء المظهر! وتبحث الفروق بين الأدب الحقيقي والأدب المزيف، وقصة الفقراء التي نسجها على منوال رواية البؤساء لفيكتور هيغو ...

قصص المجموعة كلها اجتماعيه يغلبُ عليها الطابع الإصلاحي، ومحاولة إصلاح نظرة المجتمع الظالمة إلى عواطف الحب وأحاسيس المحبين..

صاحبة الوحي، خولة، القبلة المشئومة، جريمة حماة، فتاة أحلامي، صديقي الشاعر؛ قصص تتناول موضوع الحب كعاطفة سامية تختلف تماما وتبتعدُ جدا عن الإباحية والجنس، الحب في أجمل صوره، في ذلك الزمن ليس في الجزائر وإنما في كل البلاد العربية كان الكاتب يتحرج من الحديث عن الحب كعاطفة جياشة وذلك بسبب عصور الانحطاط، بينما تراثنا الأدبي العربي والإسلامي مليء بقصص الحب كضرورة من ضروريات الحياة، والحب ليس الجنس والإباحية أو الخيانة والتلاعب بعواطف الصبايا!

في مجموعة صاحبة الوحي عالج الكاتب سلوك الناس الاجتماعي والنفسي داخل مجتمع محافظ، يحاول أن يصون تقاليده وقيمه الدينية والاجتماعية، ولم يشر الكاتب في المجموعة القصصية، لا من بعيد أو من قريب إلى تأثير الاستعمار الفرنسي في المجتمع ...

ربما لأن المجموعة نشرت سنه 1949، قبل اندلاع الثورة التحريرية الكبرى بسنوات....

***

بقلم عبد القادر رالة

الروَايَةُ الَّتِي لَيسَت حَاضِرا هِيَ رِوَايَةٌ لَا اخلاقِية...،، مِنْ كتب سِيرَتَة بِاقدَامَةٍ غَير مَنْ كَتبَهَا بِقَلمةٍ...!

الثلْج يَشتَعِلُ تحتَ اقْدَامِ نِسَاءِ غَزة غَابَ كِتَابُ الروَايَةِ العَرَبِيةِ فِي إِظهَارِ كِفَاحِ نِسَاءِ غَزة الصابِرِينَ تحتَ القَصف وَالحِصارِ والقَتلِ وَالهَدمِ ورِعايةِ الِاطفَالِ، فِي حَياة تُشبة يومَ القيَامةِ، فِي حَدِيثٍ مَعَ صَدِيقِي عَنْ غِيَابِ الروَايَةِ العرَبِيةِ فِي تَجسِيدِ وَاقِعٍ حَقِيقِي، لِنِسَاءِ غَزة مُنْذ 17عَامًا مِنْ الحِصَارِ وَإِخفَاءِ دَورِهِمْ فِي الكِفَاح الْمُسَلح الثورِي الْآنَ الذِي تَخَوضَةُ المُقاومَةُ الفِلَسْطِينِية فِي غَزة وَالضفّةِ، فِي نِهَايَةِ حَدِيثِنَا تَبادلنَا النقَاش حولَ رِوايةِ (رِيجِيسْ دُوبرِيه) الثّلْج يَشتَعِل.، وتناقشنَا حَوْلَ شَخصِيةِ إِيمِيلَا، قَد تكُون شَخصِيةً حَقِيقِية... التَقَى بِهَا رِيجيسْ دُوبِرِيهْ رَفِيق دَرَّب" تِشي جِيفَارَا وكاسترو" الذِي أُعتقلَ مع (جِيفَار) فِي ادغَالْ بُوليفيَا وَلَعِبَ الرئِيس الفرنسي دِيجُولْ دورًا كَبِيرًا فِي اطلَاقِ سَرَاحِهِ بعدَ حُكْمِ الِاعدَامِ وسنوَاتٍ فِي السّجنِ قَامَ فِيهَا بِمُراجعةٍ شَامِلَةٍ هُوَ مُؤلف: ثَورَة فِي الثّورةِ، لِجِيلِ الحركَاتِ الثّورِيةِ المُسلحةِ، وكَتَبَ عَنْهَا رِوَايتهُ \"الثّلْج يَشتَعِل\".

لَكِن مَنْ يتعرف عَلَى شَخصِيةِ إِيمِيلَا، لَا يَملِكُ غيرَ الوُقُوعِ فِي حُبهَا.

امرَأَةٌ مِنْ جِبالِ النمْسا تَترُكُ خَلفَهَا حياتهَا المُرَفهَ

مِن أَجْلِ قَضِيةٍ،

تُلتقَى فِي هافانَا بِبُورِيسْ الذِي:

(نجَا مِنْ ثَوْرَةٍ أُخرَى فَتخسرهُ، ثُم تَلتَقِي بِزَعِيمٍ ثَوْرِي آخر هُو كَارلُوسْ، فِي الفرَحِ وَالخَفَاءِ حَتى اغتِيَالهِ، تَفَقِدَ كُلَّ شَيْءٍ، الرجُلُ الَّذِي تُحِبُّهُ، الطفْلُ الَّذِي انتظَرَتهُ، والمعرَكَةُ التِي تَخُوضهَا، لَكِنهَا لَا تَترُكُ الدَّربَ الَّذِي سَلَكَتْهُ، سَعَادَةُ بُورِيسْ وَإِيمِيلَا مُستحِيلةً، لَكِنَّ أُنَاسًا آخَرِينَ سيكُونُون يَوْمًا بِفَضلِهِمْ أَقَلَّ شَقَاءً،،.

مِنْ الْمُؤكدِ أَنَّ دُوبْرِيهْ فِي رِحلتِهِ الطوِيلَةِ فِي صُحبَةِ نِسَاءٍ كَبِيرَاتٍ وَرِجَالِ كِبَارٍ قَد تعرَف عَلَى إِيمِيلَا، وهُناك من يَقُولُ إِنَّ علاقةً وثِيقةً ربِطتْ الِاثنَينِ وَإِنَّ بُورِيسْ هُوَ دُوبْرِيهْ نَفسُهُ وقد تنكرَ خلفَ شَخْصِية أُخْرَى مُستعارة، فَالعوَاطِف وَالمَشَاعِر المُتبادَلَة بِهَذَا القُرب والوُضُوح والحساسيَةِ والشفَافيةِ والرقَّةِ لَا تَصدر مِنْ شَخصِية مُتَخيلَة بَلْ مِنْ تَجرِبَة، وَلَا يَعنِي القَارِئُ ذلِكَ فهُو يتعاملُ معَ شَخصِيةٍ رِوَائِيةٍ مُقَنعَةٍ وحَيةٍ وَنَابِضَةٍ بِالْحَيَاةِ وَالْقُوة والبسَالَةِ وَلَا يَعْنِيهِ انْ تكُون الشخْصِية حَقِيقِية أَمْ مُتخَيلَة وَكُلُّ مَا يَعْنِيهِ هَلْ هِيَ مُمتِعَة وَمُقنِعَة...؟.

كَيفَ تستطِيعُ إِمْرَأَةٌ تُجاوِز شرطهَا البشَرِي فِي حيَاةٍ مُرَفّهَةٍ فِي جِبَالِ النمْسَا، الَى أَدْغَالِ حَرْبِ الْعِصَابَاتِ الثّورِيةِ مِنْ كُوبَا الَى تِشِيلِي، وَمِنْ بُولِيفْيَا الَى انجِلترا ومنْ بارِيس الَى هامبورج وهِي تَحمِلُ حُلمًا بَشرِيًّا نَظِيفًا، وشُعُورًا نَقِيًّا فِي أَنَّ سعادتهَا نَاقِصَةٌ وهُنَاكَ بَشَرٌ أَشقِيَاءَ...؟ لِماذَا تَلَاشَى هَذَا الصّنْفُ مِنْ النسَاءِ العظِيمَاتِ، فِي زَمن صَارَت التفَاهَة فِيهِ حَفل وعادةٌ، ونمط حَيَاة، وشَطارة...؟

بِلَا شَكٍّ أمثَال إِيمِيلَا كَثِيرٍ فِي العَالَمِ وَخَاصتًا فِي غَزّة وَالضفةِ الْآنَ لَكِنْ مَا يَجمعنَا بِهَذَا الصنْفِ مِنْ النسَاءِ هُوَ نَفْسُهُ مَا يَربطُنَا بِالحيَاةِ مِنْ مَبادِئَ وعدَالَةٍ وَجَمَالٍ، وَالتوقُ الَى فَرَحٍ بَشَرِيٍّ نَظِيفٍ وَصَادِقٍ:

لَيس كُلُّ رَجُلٍ هُوَ بُورِيسْ، وَلَيسَتْ كُلُّ إِمْرَاةٍ هِيَ إِيمِيلَا. إِيمِيلَا حُلْمٌ حَقِيقِيٌّ مُمْكِنٌ ومَفقُودٌ وكذلِكَ بُورِيسْ لَكِنْ لَيسَت كُلُّ امْرَأَةٍ وَلَا كُلُّ رَجُلٍ يَكُونُ بِمُستوَى حُلْمِهِ البَشَرِيِّ الْعَادِلِ وَالنظِيفِ وصِناعةِ أُسطُورَةٍ كَبِيرَةٍ فِي خِدْمَةِ البشَرِيةِ.

ذَهَبَت إِيمِيلا نَحْو قَدرِهَا وخسَارَاتِهَا بِرأْسِ أُنثَى بَاسِلَة مَرْفُوعٍ لِأَنَّ مَعْرَكَةَ الْحُريّةِ لَيْسَتْ فِي النتِيجةِ بَلْ فِي الغايَةِ، كَمَا ذَهَبَ دُوبْرِيهْ نَحْوَ حُكْمِ الِاعدَامِ بِأَقدَامِ ثَابِتِهِ مُعتَزَأٌ بِقَدرِهِ وَمَصِيرِهِ.

فِي عَامِ 1967 بعد القبضِ عليْهِ مع جِيفَارَا فِي غَابَاتِ بُولِيفْيَا وَأَعدَامِ جِيفَارَا وَحَكَمَتْ الْمَحْكَمَةُ عَلَى رِيجِيسْ بِالِاعْدَامِ لَكِنْ انْقَذهُ الرئِيسُ شَارْلْ دِيجُولْ وَأُطلِقَ سَرَاحَهُ عَامَ 1973 وَعَمِلَ مُسْتَشَارًا لِلرئِيسِ فَرانسُوا مِيتْرَانْ وَكَتَبَ سِيرَتَهُ بِأَقْدَامِهِ قَبْلَ كِتَابَتِهَا فِي رِوَايَاتِ. مَنْ يَكْتُبُ لِلْمُقَاوَمَةِ وَنِسَاءِ غَزةَ إِيمِيلَا هِيَ كُلُّ نِسَاءِ غَزةَ

فِي الروَايَةِ رَغْمَ انْ الروَايَةِ حَقِيقِية...!!

***

محمّد سعد عبد اللطيف

كاتب وباحث مصري في الجغرافيا السياسية ..

 

أضحى عقله يطلب منه شيئاً، ويسعى إليه، ويلح فيه، فعقله يريد أن يصون قلبه من تباريح الهوى، ويعصم مهجته المنهكة من الضياع، فهو إذا سار في ذاك الطريق المدلهم بالخطوب سوف يعاني في دهره مرارة الألم اللاذع، وفداحة الحزن المضني، يجب أن يستأصل ما لصق بسويداء فؤاده من عشق جارف، وغرام نبيل، تجاه من لا مرمى وراءها في جمالها، وكريم خلالها، تلك الحسناء التي فتّر النعيم أطرافها، وأرهف الظرف أعطافها، ينبغي أن يتحاماها ويسلو حبها، ويرق لعين أرقها السهاد، وكبد مزقه ترقب الميعاد.

لقد جنى عليه لسانه الذي يخاطبه، وعينه التي تراقبه، ومهجته التي تعاتبه، فخيالها الآسر الفتّان لا ينزل عليه في هدأة الليل البهيم إلاّ بعد أن يطنب لسانه في ذكرها، لا يتسيد قوامها الأهيف، وطرفها الأحور حماليق عينيه، إلا بعد أن تغرق نفسه في عميق سحرها، ما ضرّهُ إذا تدله في هوى مقلة تجرح ألحاظها، وشفة تفتن ألفاظها، وصيارف تومض ألماظها، أنىّ له أن يتغاضى عن قد يتمايل، وأعضاء تتزايل، ورموش تتحايل، حتى لا تصرع قتلاها.

2-

تعساً لعاطفة حادت عن النهج المعروف، والسنن المألوف، عاطفة متأججة لم يستبيحها صاحبها لنفسه لأنها تجحد فضله، وتطمس مناقبه، ولكنه حملها رغم أنفه في حنايا قلبه، لقد قاتل عساكر اقبالها دهراً حتى قهرته جحافلها على الاستسلام، هي الان متغلغلة في مسالك أنفاسه، متصلة بأعصابه وحواسه اتصال الروح بالجسم، فكيف له أن يتعافى منها؟، وحتى متى يخمد هذا الصوت المفعم بالمشاعر والأحاسيس؟، ليت شعري متى يتاح له أن ينداح في بوحه، أن يكشف لجارته الغيداء التي ترفل في ثوب السعادة والهناء مع “زوجها” مكنون سره.

3-

يضايقه الان نكول جنانه، وقصور لسانه، عن الإفصاح لزوجته التي أودع الله فيها أشتات المناقب، وانتظمت عندها عقود المحامد، الأسباب التي جعلته ينتزعها من جارتها الودود انتزاعا، ويحجب عنها رقة طبعها، ودماثة خلقها، مازالت زوجته الحانية تجهل الدوافع التي أجبرت زوجها لترك ذلك الحي الراقي الذي كانوا يقطنون فيه والفرار إلي الآجام والدّحال ورؤوس الجبال.

***

د. الطيب النقر

 

في كل نهاية رأس السنة.، أتذكر الملاك في منطقة فيلانوف / في العاصمة البولندية "وارسو" عام 1999/ في إجازة أعياد الميلاد، جلست بعد الغروب أمام مقابر بالقرب من المركز الثقافي الإسلامي مكان إقامتي في بولندا، يأتي زوار المقابر بوضع الشموع والأزهار علي القبور قبل الغروب ، ذهبوا جَمِيعًا، وأنا جالس أتأمل فقط للطقوس في حالة صمت رهيب وحيد غريب،

الشوارع متوحشة من الثلج والضباب وشتاء قارص، والبواخر راسية في الميناء، وأشجار عيد الميلاد تَضَىء في النوافذ، والأجراس تقرع لمن تقرع الأجراس...؟

لماذا نحن غرباء في أعياد المدينة...؟

لا أحد يأتي، لا أحد يذهب \"

مازلت أنظر على الطريق، ما عندي عمل غير أنظر على الطريق، الثلج والضباب والمطر، وفجأة توقفت الحافلة أمام محطة الحافلات أمامي ونزلت الملاك، صبية كاملة الأركان أنها (راهبة) بالزي الأسمر والأبيض اتجهت ناحيتي، انتفض جسدي أنها لوحة" لصورة ملاك"،

ابتسامتها العريضة تقاسيم وجهها لم أرى هذا الجمال من قبل، الأجراس تقرع وصوت "فيروز" في مسامعي وهي تنشد في مشهد يَاقُدُسُ

أمام كنيسة المهد، ما زالت الملاك تنتظر وتنظر ناحيتي،

اقتربت مني وتحدثت أنا أتحدث بعض الكلمات البولندية قليل جِدًّا، من لغة الإشارة عرفت أنها تسأل عن مكان (الدير) وكان في شارع جانبي قريب في نفس الشارع الرئيسي، مازالت تبتسم، وتتحدث فهمت أنها سوف تأتي فترة الأعياد كل يوم إلى الدير في نفس الميعاد، وإنها من مدينة 'كراكوف"، بدأنا السير إلى الدير، واستمر الحال كل يوم انتظر بعد الغروب علي محطة الحافلات، حتى جاء يوم الوداع، طلبت منها "قبلة عذرية"، لقد سَكَرَتْ مِنْ الْهَوَى سُكْرًا،، فبتعدت وقالت اعقل يافتي فأنا حورية... إنها ملاك في معقل عاصمة الشيوعية سَابِقًا،،وذهبت الملاك، وسافرت بعد شهور إلى " ألمانيا" وجاء عيد الميلاد ولكن دون الملاك، بدأت الأحلام وتخيلت أن تأتي في نفس الميعاد ومن ذاك الطريق،

لماذا لا تأتي من النوافذ...؟

لماذا أنتظر في الصيف وأنتظر في الشتاء،

وليس فيه أحد  يذهب ولا أحد يجيء...؟ احتمال تطلع من الأحراش، ونذهب  نلعب في البرية لعل نسمع صرخة  النبي يحي (أنا صارخ في البرية ) ، ونكتب على الأحجار لكن جاء الثلج وذهب الثلج وعشرين مرة جاء وذهب، ما أحد جاء ولا أحد ذهب.، أنا من عشاق المطربة" فيروز" ومع الأحداث الجارية في فلسطين،دَائِمًا استمع إلى أغنية يَاقُدُسُ

والموسيقي التصورية "للبيت العتيق" وصوت الأذان مع أجراس الكنائس وصور الراهبات في القدس،  (الأحلام التائه) معي في المنام  بعد أنصار فيه قتال، ومع القصف وصوت فيروز، ماتت الملاك في القدس: هم قتلوا الملاك في النهار، لماذا قتلوا الملاك الصهاينة؟ ما عاد فيه ناس وما عاد فيه شتاء، ولا ثلج ولا شارع وسقط البيت العتيق، ما عاد فيه وطن ولا عاد فيه أشجار، وجف دمع الزهر وما في فوانيس. أين ذهبت فوانيس الشارع من القصف. قلت فيروز تكذب، مؤرخة الحارة وزمن الفوانيس ونواطير العنب وشايف البحر شو كبير كبر البحر بحبك.

ذاك زمن القلوب الكبيرة التي تقيس بحجم البحر. زمن الفن الجميل وزمن الحب العذري...؟ نحن في زمن شايف حجم السيارة والبيت والبطاقة المصرفية شو كبير...؟ حسب حجم السيارة بحبك.،،، انتهى زمن الأطفال الكبار ورقصات الشوارع ومواسم الحصاد ودخلنا في زمن الأقزام والزبائن في مقاهي صفحات التواصل الاجتماعي وطابور يدخل وآخر منتظر. ومازالت تحكي البنت المجنونة فيروز عن :صيف وشتاء،، وعن مواسم العصافير وعن صبي يأتي من الأحراش ..!

كل شيء كان\" غير الشكل \"، غير شكل الزيتون وغير شكل الليمون وكان غير شكل اليانسون وحتى أنت غير شكل، حتى رفيف العصافير كان غير شكل. أين ذهبت العصافير...؟ لماذا انطفأت فوانيس الطرقات...؟ ما في أحد ينظر حدا. كان زمن يأتي العصفور جاب سلام وينفض جناحه على الشباك وهو يحمل سلام ويخفي الأسرار في جناحه، قبل زمن الزبائن خلف الشبابيك وخلف غرف النوم في انتظار الدور...!!

لا أحد راح ولا أحد جاء، ما فيه أحد صار يظهر في الطريق، لكن عيون الملاك الصبية تأتي من الأشجار، وتأتي من الضباب وتأتي من الأحراش، وتأتي من الأيام وتأتي من الأحلام، وتأتي في سنوات الغربة، وتأتي من المشاوير ومن ورق الخريف. أنا أَيْضًا سألت شجر اللوز، ورسمت على المشاوير، ونتظرت في الصيف ونتظرت في الشتاء، ونذرت شمعة وقلت خليني دمعة بدربك، وشفت بالصحو وجاء من الصحو في مواسم العصافير، لكن، لا أحد جاء ولا أحد ذهب،

ومازلت أنتظر وعيني

على الطريق في انتظار الملاك من الدير.

***

محمد سعد عبد اللطيف -  كاتب وباحث مصري

 

كلنا بشر مهما كان ديننا أو لوننا أو عرقنا أو ثقافتنا. كلنا بشر سواء كنا أطباء او مهندسين أو عمال في مصانع الحديد. لكن كلمة إنسان وإنسانية تتطلبُ قيمةً إضافية كي يتحول البشر إلى إنسان بمعنى الكلمة. أما الثقافة فهي من حيث الأساس معلومات، تتحول إلى ثقافة حين يضاف لها قيمة إنسانية حضارية. وأنا سعيد الحظ لأنني تعرفتُ وإن كان في خريف حياتي على ذلك النوع من البشر: إنسان يمتلك معلومات ثقافية يوظفها في خدمة الإنسانية، وبالتالي فهو الإنسان المثقف الأمثل. ولست مُبالغاً فيما أقولُ قولي هذا، وليس من باب الصداقة، وليس تحزباً أو مناصرةً طائفية أو عنصريةً أو مناطقيةً، لأنها جميعاً غير متوافرة هنا. ولكن الذي اوصلني لهذا التقدير هو تجربتي القصيرة، بل القصيرة جداً في عمر الزمن. فلقد تعرفتُ على الدكتور محمد عبد الرضا شياع، وهكذا يفضل أن يُنادى باسمه الكامل على ما أعتقد، تعرفتُ عليه يوم 6 أيلول من عام 2020، الموافق 18 من شهر محرم الحرام عام 1442 هجري، حينما قدمتُ بحثي الموسوم " الدور السياسي والوطني للمواكب الحسينية" في منصة "الصالون العراقي- لوس انجلس". كان الدكتور محمد عبد الرضا شياع أول المعقبين، وقدم مداخلته ولم يكن لي معرفة مسبقة به. وكما هو متوقع في معظم المنصات الحوارية، يجتهد بعض المحاورين للبحث عن النقاط السلبية أو يطرحون أسئلةً لأحراج المتحدث. على العكس من ذلك كان الدكتور شياع. لم يكن تقييمه للبحث إيجاباً فقط، وإنما أبدى إعجاباً بحماس، داعياً منصة الصالون العراقي لنشر هذا البحث على أوسع نطاق، لأنه بحث يُسلط الأضواء على الدور الإيجابي للمواكب الحسينية. بطبيعة الحال تقييمه أبهرني وأسعدني وشجعني، لأن البحث لم يكن سرداً لما هو مألوف عن واقعة الطف ومراسيم إحياء ذكراها، خاصة إن البحث مُقدم من قبلِ شخصٍ علماني يساري. بعد ذلك بحوالي أربعين يوماً قدّم الدكتور محمد عبد الرضا شياع، وعلى منصة الصالون العراقي، بحثه الموسوم "تداخل الأنواع الإبداعية وتشكيل النص: بابلو رويث بيكاسو وعبد الوهاب البياتي أنموذجاً". وكنت أحد المشاركين في اللقاء. بدأ الدكتور بالحديث بلغته العربية الفصحى، والتي كانت فوق المستوى اللغوي لمعظم الحاضرين وأنا واحداً منهم. كلماته ليست من مفرداتنا اليومية، بل حتى ليست مفردات عربية مألوفة في لغتنا العربية او أي مؤلف باللغة العربية. كانت لغته أقرب إلى اللغة الشعرية للعصر الجاهلي أو مفردات لا يستعملها سوى كبار الأدباء أمثال المتنبي والجواهري. أحسَ الجميع من ان المتحدث فوق مستوانا ليس بقليل، وانما بفارق شاسع. لم يتجرأ أحد أن يكتب تعقيباً في الدردشةِ أو يرفع يده لطلب المداخلة. أمر غير مُعتاد ومخجل وربما سوف لن يحاور أحد ضيف البرنامج. قبل انتهاء الدكتور من محاضرته، وصلتني رسالة على الخاص من أحد مديري الصالون طالباً النجدة، بقوله: "اترجاك أبو عامر حضر سؤال أو سؤالين، وإلا سوف نشعر بالخجل مع الدكتور". حقيقة الأمر إن الدكتور في الجزء الأول من بحثه عرض صوراً لبيكاسو وفي الجزء الثاني قرأ نماذج شعرية وأحداثاً ومفارقات استأنس لها الحضور. لحسن الحظ أني مُطلع على بعضٍ من شعر عبد الوهاب البياتي خاصة ترجمته لشعر الشاعر التركي ناظم حكمت، وبعض أعمال بيكاسو خاصة الرسوم التكعيبية منها. لم افتعل الحوار لأني فعلاً وجدتها فرصة لا غنى عنها كي استفيد من معلومات ثقافية، هي ليست معلومات مجردة.  لأن المحاضر يُحللها ويقارنها ويقيمها ويمنحها قيمة ثقافية في الميزان العام للثقافة. بدأت كلامي من أن هذه المحاضرة قد حققت طفرة ثقافية في مستوى المحاضرات والبحوث التي تُقدم في الصالون العراقي، ورجوته أن يزيدنا مستقبلاً منها. كنت صادقاً في ذلك لأنني شعرت من إضافة المحاضرة لي معلومات جديدة، وتعرفت على مصطلحات لم تكن لها سابقة في قراءاتي. طرحت عليه أربعة تساؤلات، أجاب عليها بكل سلاسة ووضوح وكان متفقاً مع معظم تساؤلاتي بدلاً من أن يكون مناهضاً لها، وهذا ما شجع الآخرون للمشاركة في العديد من المداخلات. كان لهذين الحدثين وقعاً مؤثراً في نمو العلاقة الثقافية بيننا، والتي تحولت إلى علاقة صداقة شخصية وعائلية أعتز وأفتخر بها.  دعاني أبا إيناس لزيارته في سانت دياغو وكانت دعوة كريمة التقينا فيها العائلتين مع الأستاذ عقيل العبود وعائلته ومجموعة أخرى من العوائل الكريمة. كانت نزهة على الشاطئ الذهبي لجنوب كاليفورنيا، تمتعنا بالسمك المسكوف الذي أشرفت عليه إيناس البنت البكر للدكتور. كذلك تعرفنا على أبنائه مهند ومرتضى وابنته الصغرى فاطمة. عائلة يصعب وصفها. الأبناء والبنات يدورن حول أبيهم ويحضنون الضيوف بقلوب صادقة وبنية صافية تتحسسّها من أول لحظة. ثم جاءت المفاجئة الكبرى حينما أعلن الدكتور شياع المباشرة بإنشاء منصة "مجموعة زينب كحل الفردوس الثقافية". اعتقد انني كنت من الأوائل الذين اطلعوا على هذا الأمر، وتمنيتُ مخلصاً النجاح لهذه المنصة الثقافية والتي كنت متأكداً من إنها ستكون مصدر إشعاع ثقافي وعلمي نحن بأمس الحاجة إليه. وهذا ليس كل ما في الموضوع. إذ يبرز دور الدكتور شياع كونه مخلصاً ووفياً لزوجته التي رحلت ليس بالأمد البعيد، حين سمى المنصة باسمها وباسم مشروع كتاب كان يعمل معها لإنجازه. إلا أنها رحلت بأمان الله، فشيد لها زوجها الوفي حسنةً جاريةً تستمر مادام هناك أثير في الكون. والدكتور محمد عبد الرضا شياع لا يشبه   معظم المثقفين والأدباء والشعراء الذين انفردت أو انعكفوا على ذواتهم ولحالهم في صومعة مغلقة على أنفسهم. كلاً فإنه من اليوم الأول قدم مشروع زينب كحل الفردوس على إنه مشروع عائلي يُساهم فيه أبنائه الأربعة إيناس ومهند ومرتضى وفاطمة. كل واحد منهم له دوره في البحث والأعداد والتنسيق وتقنية الزوم ومصاعب العالم الرقمي في النشر والتوزيع. يا لها من عائلة مباركة متعاضدة مُتآزرة لإنجاح مشروع ثقافي حيوي. ومع ذلك يبقى الفضل الأكبر لربان السفينة التي آمن من إن مرساها ومجراها لا يعتمد فقط على الربان وانما كذلك على سواعد وهمة الكادر المرافق له. ولم يكتفِ هذا المثقف الأنسان بذلك، حيث ان مشروعه كان ليس ندوة أو محاضرة وسؤال وجواب، انما جاءنا بمفهوم جديد، ففي كل جلسة تحتفل المجموعة بالمحاضر، تبرز أعماله ونشاطاته وإنجازاته الأدبية والفكرية. حيث يقدم الدكتور شياع دراسة موثقة عن المحاضر تتضمن معلومات واسعة ومنظمة عما قدمه المحاضر من استحقاقات إسهامات تحسب له في مجال المعرفة والثقافة. وهذا جهد مُضنٍ ومتعب إلا أنه مُجدٍ يقدمه الدكتور لنا لا عن نفسه وإنجازاته التي ليست بالقليلة، إنما عن الآخرين الذين يستحقون التقدير والذين تقديمهم من على منصة مجموعة زينب كحل الفردوس فيه مساهمة وخدمة للمثقفين والثقافة عموماً. وأنا لا أنكر بهذا الصدد كم استفدتُ من هذه اللقاءات وكم تعرفت على أشخاص ومفاهيم لا يخلو قسماً منها من الغرابة والاندهاش في بعض الأحيان بالنسبة لي على أقل تقدير. والمفهوم الآخر الذي اجتهد في تنميته الدكتور شياع هو عدم اقتصار المشاركين على النخبة الثقافية العراقية في المهجر. إذ انه ربط ربطاً جدلياً بين النخبة داخل الوطن والعراقيين في المهجر. هذا من جهة ومن جهة أخرى فتح وباعتزاز واضح باب منصته على مصراعيها للنخب الثقافية ليس في المشرق العربي متمثلاً بمصر وسوريا والأردن وفلسطين فقط، وإنما في المغرب العربي لمفكرين من تونس ومصر والمغرب والجزائر. أليس هذا ما يسمى بالوحدة العربية!!! نعم إنه تطبيق حي للمفهوم الوحدوي العربي عن طريق الثقافة ولم الشمل إنسانياً وليس قسرياً كما تُفرض من قبل السياسيين. وللدكتور محمد عبد الرضا شياع فضل عليّ شخصياً. أولها إنه وعائلته منحوني وزوجتي صداقة لا مثيل لها، وكأننا نعرف بعضنا من عشرات السنين. صداقة يصعب تقييمها، أستطيع القول من أنها صداقة لا أستطيع الاستغناء عنها. وثانيهما إنه شجعني بحرارة على استكمال ونشر كتاباتي، حيث ساعدني في تقديم الكتابين "المناضل الصغير" و "شموع لا تُطفئها الرياح"، وفي تصميم الغلافين، وكثير من الإرشادات التي لا يراها إلا ناقداً متمرساً وصديقاً مهتماً بإنجازٍ لصديق له. وثالثها إنه مكنني ولا زال من ان أثقف نفسي أكثر واتعرف على نخبة أدبية ومفكرين مبدعين من خلال منصته ذات الاعتبار، منصة "مجموعة زينب كحل الفردوس الثقافية" التي أرى انها تسير باتجاه ان تكون أكاديمية ثقافية عُليا عبر الأثير بجميع أشكال وأنماط وسائل التواصل الاجتماعي. كما إنني أتمنى أن تجد هذه المحاضرات طريقها للنشر على شكل مطبوعات لتكون مصدراً مهماً للباحثين وطلاب الدراسات العليا. الأستاذ الدكتور محمد عبد الرضا شياع إنساناً متميزاً وقامةً أدبيةً لأنه يمثل صورة المثقف الأنسان بأبهى صورها، لما يملكه من نكران للذات وحبه المتناهي للغير وليس للأنا. إنه منار وقدوة لمن يريد المسير في هذا المشوار الثقافي الإنساني.

***

 محمد حسين النجفي

رئيس تحرير موقع أفكار حُرة

4 آذار 2023

للوهلة الأولى تبدو القضية عاطفية نوعاً ما، فمن الصعوبة أن يتصور الصحفي الذي قضى عمره بين هدير المطابع ورائحة الحبر وسخونة الورق، حلول اليوم الذي تشرق فيه الشمس على الأرض من دون صحف ورقية، لكن هذا الأمر قد يكون مستساغاً للأجيال الجديدة من الصحفيين والقراء الذين استغنوا عن الورق واستبدلوه بشاشة الكومبيوتر والهاتف الذكي، يُقَّلبون صفحات الصحف والمجلات بيسر وسهولة مع تحديثاتها المستمرة للأخبار التي لا تتوقف مثل سيل متدفق، أضف إلى ذلك أخبار الفضائيات والمحطات الإخبارية التي لا يمكن أن تمنع نفسها عن إذاعة الخبر مهما كانت اهميته حتى مطلع الصباح.

ومناسبة الحديث عن مستقبل صحافة الورق ومدى صمودها أمام الصحافة الإلكترونية، هي قيام متحف الاعلام العراقي بتنظيم جلسة نقاشية عن مستقبل الصحافة الورقية، وذلك ضمن جلسات نصف شهرية أعد لها المتحف لتكون تحت عنوان" أمسيات عراقية " بعد مضي عام على افتتاحه، وحضوره الملحوظ في المشهد الثقافي العراقي بفضل الجهود المثابرة لمديرته مينا أمير الحلو التي تديره بحماسة ومحبة وكأنها تدير مشروعاً خاصاً تحقق فيه حلماً من أحلامها الجميلة. 

كثيراً ما يطرح السؤال عن مستقبل الصحافة الورقية على الكُتاب والصحفيين وأساتذة الصحافة والإعلام، من دون أن تكون اجاباتهم قاطعة بنعم أو لا، وذلك أمر بديهي بسبب طبيعته التي تنتمي إلى نمط من الأسئلة الاستشرافية التي لا يمكن البت بأجوبتها بصورة يقينية ومؤكدة وقاطعة. صحيح أن معطيات الحاضر تشير إلى سيادة المواقع الإلكترونية الخبرية، وعزوف ملايين القراء عن متابعة الصحف الورقية، وموت الخبر على أيدي الوكالات الخبرية، ومعها القنوات الفضائية التي تنقل الأحداث مباشرة، وتتقصى الأخبار وتتابع الأحداث أمام أنظار ومسامع المشاهدين في كل بقاع العالم، غير أن ذلك كله لا يعني موت الصحافة الورقية، ولا انسحابها النهائي عن مسرح الحياة، ولو إلى حين لم يحن أوانه بعد.

أمام هذه الحقائق، اختفت الكثير من الصحف الورقية، أو انخفضت مبيعاتها وتقلصت أعدادها ، وأكتفى الكثير منها بالموقع الإلكتروني، تقليصاً للنفقات وللجهد البشري، ومن أجل الصمود أمام الغول الإلكتروني الرقمي الذي ابتلع العشرات من الصحف والمجلات، وما زالت شهيته مفتوحة لابتلاع صحف ومجلات أخرى قد تجد نفسها مُجبرة في النهاية على الانصياع لمنطق السوق، منطق العرض والطلب الذي يحدد مدى الحاجة للسلعة.

هل نصحو يوماً على عالَم بلا ورق؟. قد يكون السؤال واقعياً، لكنه على أي حالٍ سؤال مزعج لعشاق الورق والصحافة الورقية .

***

د. طه جزاع

 

(النَّصُّ منقولٌ بتَصرّفٍ عن «خربشاتٍ مَسائيةٍ» لأخي أستاذ النحو؛ أحمد الرَّاشدي من بلاد الشام)

أيَّامَ ما كانَ العَاَلمُ كلُّهُ مُنهَمِكاً بتَبَتُّكٍ وتَهَتُّكٍ وبِصَلافة، يَتَقَصَّى عن أسلحةِ دمارٍ في أرضِ العراقِ بكَثافةٍ وكَسافةٍ وسَخافَة، وكأنَّ العالَمَ رَاهبٌ هُمامٌ وديعٌ في دَيْرِ سلامٍ بَديع مُتَنسِّكاً باعتكافِه، كانَ «أبو حذيفَةَ» مهندساً شَغوفاً بعلمِ «المِيكانيك» وبأصنافِه، يعملُ في دائرَةٍ حذوَ دجلةَ جاثمةٍ على ضِفافهِ، فَتَوَجَّهَ صَديقُهُ منَ الشَّامِ الصُّحفيُّ «حُسام» محترفُ الصَّحافة رفقةَ «أبي قيس» مُتَدربٍ في فنِّ الإعلامِ والصَّحافة، الى بغدادَ ليحلّا على «أبي حُذيفةَ» في ضيافة، وبغيةَ إجراء حِوارٍ معهُ إذ هو مُتَوَرِّكٌ حذوَ النَّهر على أردافِه.

قالَ أبو قَيس لحُسامَ؛ دَعْنيَ أكُ المُحاوِرَ، فإن أخطَأتَ فقُمْ بالسّعالِ بلَطافَة، فأجَابهُ الحُسامُ أن نَعم، قدِ اتفَقنا وحذارِ من غَثِّ الحِوارِ أو انحِرافَه، فَوَصَلا إلى بَغدادَ فَاتَّجها صَوبَ شَركَة أبي حُذيفةَ فَطَلبَا لقاءَهُ بِظَرافة، وبعدَ السَّلامِ والتَّحياتِ قدَّمَ لهما أبو حذيفةَ لبنَاً وتمرَاً ثمَّ عصائرَ وشَطائرَ وكُنافة، ثمَّ قالَ حُسامُ لأبي قيس؛ إليكَ بنودُ اللقاءِ فيها حُدودُ الحِوارِ وقيودُ تطوافِه، فردَّ أبو حُذيفةَ؛ ما من داعٍ لقيودٍ في بنودٍ ودعِ اللقاءَ عَفَوياً بارتِشَافهِ وائتِلافِه، فَهَزَّ حسامُ رأسَهُ مُؤيِّداً باصطِفافِه، ثُمَّ انعَطفَ الثَّلاثةُ والتَفُّوا حولَ طاولةٍ بالتفَافة، وَبينَما كانَ حسامُ يضَبَطُ التَّسجيلِ غَمَزَ لأبي قَيس أنِ انطلقْ يا صاحُ في عالَمِ الاعلامِ والصَّحافة، فانطلقَ مُغرِّداً أبو قَيس باستشرافِه؛

نُرحِّبُ بالمُهندسِ أبا حُذيفةَ وخيرُ ما نُبْدَأُ بهِ ذا الحوارِ آيٌّ من قرآنٍ وألطافِه، فَسَعَلَ حسامُ فناوَلَهُ أبو حذيفة كأسَ ماءٍ بودٍّ ورَهَافة، فانتَبَهُ أبو قَيس فأعادَ الكَرَّةَ برَصانةٍ وحصافَة؛ يُسعِدُنا أن نبدأَ حَديثَنا بالنَّشيدِ الوَطنيِّ العِراقيِّ تَبجيلاً لأعرافِه، فَسَعلَ الحُسامُ ثلاثاً مُتَتابِعاتٍ بارتجَافة، فجَفَلَ أبو قَيس فأحضَرَ أبو حذيفةَ الكَأسَ لحسامَ المُتَبَسِّمَةِ أوصافه وهو يقولُ؛ أبو قيس فَتى من فتيانِ الصَّحافةٍ لكنَّهُ ذو ظَرافة، ومجبولٌ على حبِّ المناكفَةِ والطَّرافَة، والتَفتَ إلى أبي قَيس يَهمسُ بِشَنافَة؛ «فَضَحتَنا أبا قيس».

اسْتَأْنَفَ أبو قيس الحِوارَ واستكتِشافَه: هلّا حَدَّثتَنا عنِ العَملِ هنا «كابتنَ» أبو حُذيفة وعن أكنافِه؟ فَسَعلَ حسامُ خمساً وهوَ يَتَلعثَمُ ﻷبي قَيس: أستاذٌ أستاذٌ ﻻ كابتن، ثمَّ كأسُ ماءٍ آخرٍ لحسامَ المُغَلَّفِ بارتِجافِه. فَرَدَّ أبو حذيفة: عَملُنا يا كابتن هو هَندسيٌّ ويتمَحورُ كُلُّهُ حولَ علمِ المُسَنَّناتِ وأطيافِه، فأردفَ أبو قيس: فهَلّا أخبَرتَنا نبزَةً عن آليةٍ المُسنَّنِ والتفافِه؟ فَاحمَرَّ وجهُ حُسامَ فَسَعَلَ سَبعاً وفمُهُ مُرتعِشٌ إذ يهمسُ ﻷبي قيس بارتجافَة؛ هي نبذةٌ وليسَت نبزَةً، وقد بلغتَ بالحِوارِ ذروةَ انحرافِه، وصَيَّرتَ الحِوارَ تَخَرُّصاً وخُرافة، فقَدَّمَ أبو حُذيفةَ كأسَ الماءِ لحُسامَ بتَوَدّدٍ لإسعافِه.

أمسكَ أبو قَيس ورقةَ الأسئلةِ فقالَ؛ هلّا حَدَّثتَنا أبا حُذيفةَ فيما هَهُنا عنِ القنابلَ كما قالَ القائدُ باعترافِه؟ فتَشَرْنَفَ الحسامُ فسَعلَ تسعةَ عَشْرَةَ سَعلةً ولاتَ حينَ ثقافَة، فاسْتَطْرَدَ أبو قيس غَمزاً بحَاجِبَيهِ يَهتفُ بهتافِه؛ أعني هل لنا بنُبذةٍ عن تَصنِيعِ القَنابلَ وما عَنيتُ خِلافَه، فأصابتِ الحَازوقةُ الحسامَ واختَنَقَ منَ سعالِ بكثافة، فأحضرَ أبو حَذيفةَ صنبورَ ماءٍ بأُنْبُوبٍ الى دجلةَ مَمدُودةٌ أطرافِه.

كانَ أبو قيسَ ينظرُ لحسامَ مُدَندِناً يودُّ شرحَ أهدافِه؛ قلتُ نُبذةً نُبذةً وما قلتُ نبزةً واختلافَه، فانتفخَت أوداجُ حسامَ وهوَ يَشيرُ بإصبعِهِ إلى كلمةٍ في ورقةِ أبي قيس وإذ تَهتَزُّ أكتافَه؛ «مَنَاقِل»، فَهرعَ أبو قيس مُحاولاً رتقَ ما انفتقَ وايقافَه؛ هل لنا أن نَرى مَناقلَ قنابلِكمُ الظَّريفةِ بلمحةٍ واختِطافة؟ فَصَكَّ حسامُ الفَكَّ، وحَكَّ أبو قيس رأسَهُ وهوَ لا يَشكُّ باحتِرافِه؛ قُلنا نبذةً لم تُعجِبْ، قُلنا مَناقِلَ لم تُعجِبِ الحسامَ المُحتَرفَ للصَّحافَة.

أدرَكَ أبو حُذيفة إذ ينظرُ بِعينِ عَطفٍ لسعالِ حُسامَ وارتجافِه، أنَّ الحسامَ يبغي نطقَ كلمةٍ عالقَةٍ وتأبى الخروجَ من حِقافِه، رُبَما علقت مِن غَضبٍ على أبي قيس وانجِرافِه، رُبَّما من كثرةِ التقامِهِ للتَّمرِ دونَ الكنافة، فانكَبَّ أبو حذيفةَ لإسعافِه، فَرفعَ يَمينَهُ فدَفعَ بها بقوةٍ على ظَهر حُسامَ وتحتَ وأكتافِه، فخَرجتِ الكلمةُ العالِقةُ بزُعَافَة؛

«فَضَحتَنا».

[ وهكذا فإن كثيراً من الإعلاميين الذين يتصدون لإجراء الحوارات مع ضيوفهم، نراهم يفهمون في كل شيء إلا فن الحوار وأطيافه، فتكونُ محصلةُ الحوار كلمةً يتيمةً خرجت من فمِ الضيفِ في زحمةِ ألفِ كلمةٍ للمحاورِ مُتَعجرفةٍ جهولٍ وبصلافة].

***

علي الجنابي

 

يستمد نقاش الهوية الثقافية كنموذج مكناس أسسه اللازمة من النظريات الاجتماعية المتنوعة، والتي حتما تتوزع من حيث مكونات البنية الإثنية، وكذا من وضعيات أصناف الطبقات الاجتماعية. لكن، وازع القيم والمعتقدات المشتركة التكاملية قد وحدت المدينة بالجمع لا الإفراد. فالمدينة انطلقت قديما وحاضرا من الهوية الانفرادية (الفهم الذاتي الإثني) إلى الهويات المشتركة، وتطويق غياب التجانس والاختلاف.

فأنساق الهويات الجماعية قد نقلت المدينة من الهويات الخشنة الثقيلة نحو الهوية الناعمة والخفيفة، سواء في سلاسة اعتناق الهوية الوطنية الموحدة (تمغربيت). من تم نصل بدا نحو مفهوم الحديث عن الهوية والتطابق والاختلاف (علم التاريخ النقدي)، وهي مسألة نقاش الذات والهوية، التي يكون فيه الزمان صيرورة بين حاضر منفصل عن الماضي وعن المستقبل، مع حتمية الخوف من إمكانية ضياع الوعي من داخل الذاكرة التاريخية المشتركة.

حقيقة، لم يعد تراث مدينة مكناس رؤية عين مجردة واصفة، فاليوم أُحب الحديث عن مسألة تراث مدينة، ولن أنجر نحو حد التأصيل، وذكر التقسيمات والتعريفات، بل أرغب في مناولة تراث ماضي المدينة كخصوصية حضارية ولما لا تحويل الزمان الماضي إلى حاضر متحرك، وجعل الاختلاف في خدمة التطابق (عبد السلام بنعبد العالي / كتاب هايدغر ضد هيجل التراث والاختلاف).

من صدق الدفوعات، أن تاريخ مكناس تجده موشوما (التراث المادي) على جسم الساكنة وسمع آذانهم (التراث اللامادي)، من خلال ألقاب وأنساب تلتصق بشواهد المدينة العتيقة، وهذا طرح تقليدي لمفهوم التراث الذي يبحث عن التأثيرات والاستمرارية والامتداد. وقد يكون نفسه غائبا في وعي أحفاد السلف، من خلال النسيان الذي قد يسببه التقادم في مُركبات ذاكرة مدينة مكناس.

مسألة التراث تنتعش شدة في ملابسات سياسية وفكرية تخلط الحق بالباطل، ويمكن أن تكون ذات قيمة تحليلية وتفكيكية لقضايا مكناس التاريخية، و يمكن أن ترتعش الملابسات عند شط تقويض وتكسير ماضي المدينة باعتبار أن تراث نُخلفه من ورائنا، والحاضر يَسرقنا ضمن الذاكرة المضادة للمستقبل، حينها يتم التطويح الصريح بالمدينة في المستقبل بلا سند من  المرجعية التاريخية الذي ما ينفك يمضي.

 إن خلخلة تلك المركزيات المنهجية (الملابسات السياسية والفكرية) من تاريخ الماضي، وتهميش المدينة في الحاضر ما يفتأ يحضر بالمنغصات الشديدة، وهي خلخلة مَعيبة من حيث حساب الهوة السحيقة بِأُبَّهَة التاريخ الحقيقي بالمدينة، وهذا لا يتم كذاتية تعويضية لتقوية الوهم بخلود الحقيقة (نقد خرافة التراث)، وكسب رهانات الاختلاف والانفصال والتباعد في الزمن الحاضر والمستقبل كفرص مضادة، وتهديدات تدمر امتداد تراث المدينة.

فمحاربة التضخم في المفاهيم الماضوية (خرافة الوهم بالخلود)، وجعل المدينة تلتصق بالماضي فقط (الزمن الذهبي)، يُعتبر مدخلا أساسيا لتجفيف مستنقع العلاقة الفارقة بين ماضي المدينة وحاضر مكناس التي تبحث بُدا في امتلاك التنمية الذكية، وقد يغيب مفهوم الوحدة التاريخية (التقليد والحداثة)، لهذا لا زال تراث مكناس ينطوي على الخواء رغم امتلائه كقيمة مادية حضارية وطنية.

إن قراءة تاريخ المدينة بنيويا لا يقوض حاضرها ولا مستقبلها بالترهل، لذا يجب أن تمتد القراءة نحو كشف اللامنكشف، و تأصيل الذات قراءة بنيوية، لا يَنْخرها التباعد ولا الفراغات في الزمان و لا بياضات الأمكنة، ولا حتى الاختلاف المنصهر بلا معالجة صادمة للشوائب. فإذا كانت معايير القيم المتحركة تتجدد ضمن حوض المدينة المتحول اجتماعيا ووظيفيا، فإنه من الحتمي الاستفادة من الطاقات والإمكانات الكامنة ضمن مسألة التراث الصامت، في أفق نظرية إعادة التوظيف والتسويق المتكلم. ولما لا، محاولات ترتيب عمليات الإصغاء للأصوات المتعددة (التنوع والاختلاف) لتقوية خلود تراث مدينة مكناس في الحاضر والمستقبل، على اعتبار التراث يمثل ميزة الثقافة العالمة.

 نعم، هنالك قناعة بإمكانية التغيير على المدى القريب (تثمين المدينة العتيقة لمكناس، وإعادة التوظيف النموذجي) في حاضر ومستقبل مكناس، وذلك على مستوى المعرفة التامة بالسياسات العمومية للمدينة. فالنجاح في هذا الصنف من التحول يتمسك بجدوى نواجذ الدراسة الاستشرافية، ويمكن اعتبار هذا  الموجه الأساس لصناعة مكناس الجديد.

***

محسن الأكرمين

من البداية نُقر بأن البرنامج الغنائي والفني لمهرجان وليلي بات مستهلكا ومتهالكا بعدة مهرجانات وطنية، ولم تعد له قيمة نوعية إضافية خاصة في برمجته في فصل الشتاء !! اليوم أسترق عنوانا (كِيفْ كُنتِي وكِيفْ ارْجَعْتِي). فمن الحقيقة بالصدق التام، أن نصفق لجيل الرواد من مكناس الذين كانوا يخططون لمهرجان وليلي بقوة حضوره الوطني التنافسي والموضعي. فمن ثقافة الاعتراف أن نُفْصِحَ للمتلقي والمتتبع أن برنامج المهرجان كانت تسهر عليه المديرية الإقليمية لوزارة الثقافة بمكناس وبرعاية لصيقة من عمالة مكناس ومجلس المدينة، وبعدها بشراكة مع الجهة بالتنوع. من قوة المهرجان أن اللجنة المحلية كانت تعقد جلسات حتى مع ممثلي الإعلام المحلي لأجل إبداء والرأي والتصويب وأمام أعين مؤسسة العامل. لكن، من المؤسف الحديث عن جواب سؤال: (كيف ارجَعْتِي)؟ لأن التدني بات يُصيب تنظيم هياكل المهرجان برمته، حتى أنك تحس (كم من مرة أريد التخلص منه/ لولا الرعاية المولوية ). فالتحكم الجهوي (قطاع الثقافة) في تمفصلات أيام المهرجان، حتى بات البرنامج يُرسل إلى عمالة مكناس عبر إرسالية ورقية من الصنف الإداري، لإخلاء الذمة والدعوات بمواعيد الافتتاح !! والتسويق بأن المهرجان ثمرة شراكة ورعاية من عمالة مكناس، في حين أن هذه الشراكة والرعاية ما هي إلا بروتوكول إداري لا إلا !!

قد تكون المدينة في ظل موجة البرد القارس غير في حاجة إلى مهرجان يوثق (للنشاط والترفيه) وصناعة الالهاءات الجانبية. قد تكون المدينة في شغل آخر من أولوياتها الداخلية والاجتماعية والاقتصادية والتنموية، فيما وزارة الشباب والثقافة والتواصل- قطاع الثقافة- بالقطب الجهوي الأول (فاس)، فهي تتسارع مع الزمن لإنهاء برنامجها السنوي المتأخر بفعل (اقْضِي وعَدِي هاذي هِي مَكناس !! ). 

فحين نضع في الديباجة التقديمية لورقة برنامج مهرجان وليلي ( بشراكة مع مجلس جهة فاس -مكناس، وبتعاون مع عمالة مكناس..)، فيجب استشارة المتعاوين في الرأي والتفكير والتخطيط ، واحترام مبدأ الشراكة ليس في الكلفة المادية، بل في الكلفة المعنوية والتنظيمية والإشراف والرعاية. فمن معرض النشر والكتاب الذي همش المنتجات الثقافية والفنية والأدبية بمكناس، إلى مهرجان وليلي الدولي لموسيقى العالم التقليدية، وكأن مكناس باتت للعرض والاستهلاك، لا مدينة الإنتاج الهندسي للتنظيمات الفنية والثقافية. فما الحكمة من هذا التزاحم ما دامت (2023) سنة غير كبيسة، وتتوفر على عشرات الأسابيع الفارغة من المهرجانات خاصة في فصل الصيف والعطلة؟

حقيقة وجيهة، أن مدينة مكناس لها من المكتسبات الثقافية (مهرجانات حصرية/ مهرجان الدراما التلفزية...)، ومن الأطر والكفاءات لصناعة دورة ناجحة من مهرجان وليلي، فالمدينة بطبعها التاريخي لا ترضى استهلاك (ما تم مَضْغه خارج مساحتها الجغرافية) !! فمن ملاحظات الأمور البسيطة في برنامج حفل وليلي يوم الافتتاح (الأربعاء 20 دجنبر 2023 الموقع الأثري وليلي)، غياب الرؤية التقديرية الزمنية: فكيف لزيارة منظمة للموقع الأثري التاريخي وليلي رفقة ضيوف من خارج المملكة أن تنطلق بداية من الساعة 17:30؟ فالفصل فصل شتاء وموجة البرد ضاغطة على المدينة، والظلمة تأتي مسرعة، لكن بفضل موجهات المدينة تم تغيير وقت بداية الافتتاح إلى الساعة الثانية (14,00) بعد الزوال، إنها بحق الفطنة التنظيمية بمكناس المدينة.

سأكتب، لأني بحق لا أثقن غير الكتابة الموضوعية البريئة من الممتدات والخلفيات النائمة، سأكتب لأسعد نفسي والمتتبعين الأوفياء لمقالاتي، كما يمكن أن أُنبهَ حتى الفئة الثانية التي تُقلقها ملاحظاتي بالتصويب والتعديل الإيجابي. لنعلن، رفضنا الجماعي لمائدة طنجرة ضغط تُطبخ في فاس المدينة العلمية، ويتم استهلاكها بمكناس العالية !! فمكناس قد تصوم أياما وأسابيع، وتتهرب طوعا عن تنظيم المهرجانات الفنية والثقافية، ولكنها لن تُفطرَ البتة على وجبة مهرجان وليلي البارد في التخطيط والتوجيه.

***

متابعة محسن الأكرمين

يمضي الكائن الى نشيده المفعم بالرغبة في الفعل تجاه الذات والعوالم بكثير من ألق الحال وهي تنشد بهاء اللحظات حيث طفولة مفعمة بالشغف الملون وبالغناء .. انها فكرة الحلم في تلويناته المتعددة حبا وحلما وتقصدا للجميل في كون من التداعيات.. هي رحلنه وهو يقيم بين قلقين وفرحين .. الوردة .. و الشوك .. و هكذا..

من هنا كانت اللعبة الفنية مجالا للافصاح عن هذه الذات الفرحة القلقة وهي ترنو الى رسم حيز من تفاصيل القلب وهو المحتشد بالأحاسيس وبما يمكن أن يقال نحو الآخرين والعناصر والأمكنة من عبارات ضاجة بالمعاني التي من عناوينها الشتى.. الفن مجال حب وسلام وعلو في سماء مثل فراشات من ذهب الأزمنة ..

و هكذا.. كانت فكرة الفن التي منها التلوين والتشكيل عند فنانة رأت من عقود ومنذ طفولة قديمة متجددة أن اللوحة مجال رسائل للانسان الكامن في دواخلها والقماشة مساحة وجد وجمال تعلن الجوهر في الفكرة القابعة بالكينونة.. و من هنا كانت رحلتها النبيلة مع الرسم والفن والمعارض في تونس وخارجها وفق يقين مقيم لديها مفاده أن الفن جزيرة وواحة وصحراء للتواصل والحلم والامتلاء في عالم تهزه الصراعات التي عنوان مجاريها الظلم.. ظلم الانسان لأخيه الانسان والدوس على الحقوق.. و تعددت اهتماماتها في مواضيع اللوحات والأعمال الفنية التي أنجزتها لعقود حيث كان الحق الفلسطيني بارزا في هذه المواضيع التي تعاطت معها بروح الفن ورسائله العالية .. حيث اللحظة الراهنة القائلة بالتوحش الجنوني للكيان الاسرائيلي تجاه الحق البين للشعب الفلسطيني.. هكذا هي فنانتنا في أعماله بين الراهن وتنويعات الحياة من مشاهد وأمكنة وأحوال شتى..

الفنانة التشكيلية الهام تقتق التي كانت تجربتها الفنية متعددة المراحل والأنشطة التي كان منها وو انتظم مؤخرا ونعني معرضها الفني الشخصي بالفضاء الثقافي والفني "دادا" برواقه للفنون.. هذا الفضاء الخاص الأنيق المفتوح على الأنشطة الثقافية.. DADA

في هذا المعرض لوحات متنوعة في الاحجام والمواضيع ومنحوتات ضمن عنوان لافت هو " أنا وأنت والآخرون " وانتظم في الفترة بين 25 نوفمبرو 11ديسمبر الجاري وبحضور وزيارات متفرقة لعدد من الفنانين والمهتمين بالفنون الجميلة ومن المعروضات لوحتان فنيتان بعنوان " صرخة شعب " وذلك بمثابة دعم لفلسطين وشعبها الصامد ولغزة وبطولات نضالها ضد المحتل الغاشم .. تقنيات متعددة وأعمال سنوا فيها الجديد وفيها المنجز منذ مدة في معرض تقول عنه الفنانة التشكيلية الهام تقتق ".. هذا المعرض هو حوصلة لمجمل التجربة الى الآن حيث عشت الفترات الأخيرة عديد الأحداث من الكورونا الى الحرب الظالمة على غزة مرورا بعديد المجريات في المجتمع التونسي ومعرضي هو رسالة بعينها لكل الفنانين وما أعجبني هو الاقبال المميز للفنانين وفئة الشباب على زيارته الى جانب حضور فلسطين بثقلها الثقافي والحضاري والنضالي والوجداني كحق مشروع بالنظر لما يعانيه الناس هناك .. " وعن بدايات الفنانة مع الرسم والتلوين تواصل القول ".. منذ فترات طفولتي كان لي ميل وحب للرسم و" البريكولاج " ونما معي هذا الولع والاحساس الفني حيث تخيرت الرسم على ميول فنية أخرى فيها تعبيرية عالية كالرقص ثم كانت مرحلة ما بعد البكالوريا ليكون اتجاهي الى المعهد العالي للفنون الجميلة لتكون لي تجربة مميزة حيث مررت بعدة اختصاصات كالرسم والنحت والحفر فكنت أقضي حوالي أربعين ساعة في الأسبوع في هذه الممارسات الفنية ضمن الدراسة وتتالت أنشطتي لتكون أيضا في فصل الصيف بعد الدراسة وعند العطل ومن ذلك الاشتغال الفني في أطر وورشات وفضاءات على غرار فضاء الفنان الحصايري ومتابعة أنشطة رواق شيم ومرسم محمود السهيلي .. و مرزوق ورفيق الكامل الى جانب مشاركاتي ضمن أنشطة الجمعية التونسية للتربية التشكيلية خاصة في التسعينيات وهذا فضلا عن مشاركات مع جمعيات عالمية و قمت بالتدريس في المعهد النموذجي ومررت الاهتمام بالفن والولع به الى التلاميذ كما شاركت في فعاليات مع فنانين أجانب برواق يحيى ثم سافرنا الى فرنسا وشاركت في المهرجان الدولي للفنون التشكيلية بالمحرس في مناسبة سابقة ومن معارضي كانت مشاركتي في لقاء 2022 بسيدي بوسعيد ضمن تظاهرة دولية .. ".

الفنانة الهام تقتق تعمل في مجالها الفني الابداعي وكما تقول باحساس ومعايشة للأشياء والعناصر والناس والأحداث ومن مناخات لوحاتها تمضي الى عوالم شتى عناوينها الأمل والحنين والفرح والشجن .. عرضت ضمن العديد من المعارض ضمن مشاركات جماعية الى جانب المعارض الشخصية وكان ذلك في تونس بقرطاج وسيدي بوسعيد وابن خلدون وابن رشيق وسوسة والقيروان والمنستير وتوزر.. وفي الخارج على غرار مصر وفرنسا كما أنها كانت مسؤولة عن المعارض الفنية بالكريديف .

هكذا تواصل الفنانة التشكيلية الهام تقتق نشاطها الفني التشكيلي حيث مثل هذا المعرض الفني مرحلة مهمة في مسيرتها بالنظر لما حواه من أعمال تشير الى الذائقة الجمالية والفكرة التشكيلية التي تعمل ضمنها الهام وفق ما تختزنه من وعي بالفن في حياة الناس وبما تسعى اليه في التواصل مع المتلقي حيث كانت الأعمال الفنية المتعددة ضمن رغبات الفنانة المشتغلة على منجزها الفني لعقود ..

معرض " أنا وأنت والآخرون " فسحة تشكيلية راوحت بين أعمال تنتمي لفترات مختلفة ولكن يجمع بينها شغف الفنانة تجاه الفن التشكيلي والعمل على أن تعكس الأعمال الفنية حالات انسانية وجدانية ثقافية لم تغب عنها فلسطين التي تخيرت لها الهام لوحات فنية تعلي من شؤون وشجون حقوق شعب يقاوم محتليه.. معرض يستح التوقف عنده لما تطرحه معروضاته الفنية من أسئلة وهموم .. وجمال.  

***

شمس الدين العوني

استقراء أدبي لأسطورة سيزيف وفقا لـ البير كامو*

بهذه الطريقة يواصل أحكامه مصيري البائس، لحظة استماعي  إليه بصمت  إرادتي.

*

ما زالت الصخرة تجنح بي صوب عالم العتمة، لكني مازلت أكافح من أجل مواصلة ما يجب عليَّ أن أفعله، جبروتي يقودني لمواجهة رحلة هذا المصير، وجودي يتطلب مني أن أحقق ما أسعى إليه!

*

أيتها النفس المفعمة بالشوق والهوى، لم أرفع راية الاستسلام رغم هذا البؤس!

*

ايتها  السماء امنحيني بعضا من مجدك، وخذيني نحوك،

فهنالك حالة واحدة فقط، لا شك في ذلك، تأخذ بيدي لأدرك هذه العظمة من الكمال.

إن قلبي مثقل بقوة هذا الشوق للوصول إلى الحقيقة!

وبرز سيزيف كعملاق متمرد، معلنا انتفاضته مخاطبا؛

'ها أنذا أتولى أمر السلطة في هذا العالم،  لأواصل المضي قدمًا دون توقف، وذلك هو الهدف'.

*

وهكذا واصل إله التمرد رحلته الابدية حاملاً معه شعلة الثورة السامية وهو يعد خطاه نحو عالم الخلود هاتفا؛

"أينك  أيها القدر من ثورتي وأنا أحمل هذا الحجر من القاع

إلى القمة، لأعود به نحو القاع مجددا!

***

عقيل العبود - سان دييغو

١٢/١٧/٢٠٢٣

......................

ملاحظة: هذا النثر مجرد استقراء لمفهوم اللاجدوى، عند البير كامو حول أسطورة سيزيف، إذ لا يوجد مصدر محدد!

 ........................

THE CONCEPT OF REBELLION IN A WORLD OF FUTILITY: A LITERARY EXTRAPOLATION OF SISYPHUS MYTH  ACCORDING TO

ALBERT CAMUS*

Akeel Abboud

***

My miserable fate judges me like this when I listen to it, and when I surround it with the silence of my will.

*

The rock still pulls me into the world of darkness, but I still struggle to continue what I must do. My greatness leads me to face a journey of this destiny. Yes, my existence requires me to obtain my quest!

*

O glowing soul full of passion and longing, I did not raise the flag of surrender, despite this misery!

*

Oh heaven, give me some of your glory and push me toward you. There is no doubt that there is only one characteristic that takes me by the hand to achieve the greatness of infinity.

*

My heart is burdened with the power of this longing to reach the truth. Sisyphus emerged as a rebellious giant, and declared his rebellion openly. "Here, I am, taking over this world to keep moving forward without stopping, and that's the goal".

*

Like this, the God of Rebellion continued his eternal journey, carrying the sublime spirit of his revolution, saying, ‘Where are you, O Destiny, in my revolution while I am carrying this stone from the bottom to the top to raise it again from the top to the bottom!’

*

Note: This prose is just an extrapolation of Albert Camus's concept of absurdity about the Myth of Sisyphus, as there is no specific source!

*

Akeel Abboud

San Diego

12/17/2023

يبدو أن مدرسة المقارنة والمفاضلة بين الأشخاص والأشياء، خاصة في الأفكار والأحداث الجدلية والخلافية، تُمثّل حالة شائكة ومعقدة لا يمكن الهروب من حبائلها أو تفادي تداعياتها، حتمية المقارنة في بعض الأحيان، حقيقة لا بد منها للوصول إلى بعض الغايات والقناعات التي يمكن البناء عليها، بل والانطلاق منها، بعيداً عن المماحكة والمناكفة، المقارنة بين مصادر المعرفة والثقافة بين زمنين أو شكلين، قضية معقدة وشائكة، ولكنها ضرورية وملحة. في العقود الماضية، كانت الأجيال المتعاقبة تستمد أفكارها وثقافاتها وآدابها وعلومها وفنونها وكل تفاصيلها الأخرى من المصادر والمراجع التقليدية كالتلفزيون والإذاعة والصحيفة والمجلة والكتاب والموسوعة والندوة والمحاضرة وغيرها من الأشكال والنماذج التقليدية، منذ 3 عقود وربما أكثر وظهور وسائل ووسائط وتقنيات العصر الحديث والذي تقوده عولمة كونية حوّلت هذا العالم الضخم إلى قرية صغيرة، برزت فيها حالة إنسانية عالمية واحدة، وتحطمت على أعتابها كل الحواجز والحدود، وتضخمت الأنا الاقتصادية والنرجسية الرقمية، لتتشكل مرحلة جديدة تُهيمن فيها ثقافة المال وقيادة الإعلام، هذه المصادر والوسائل المعرفية والثقافية الجديدة والتي تقودها شبكات ومنصات التواصل الاجتماعي، هي من تجذب وتؤثر في الفكر الجمعي والمزاج العام لكافة البشر، لا سيما الأجيال الصغيرة والشابة والتي تُمثّل النسبة الكبيرة في أغلب دول العالم

المقارنة بين الثقافات اصبح شائعا منذ بدء عصر العولمة الحديثة، وتتضمن الحوار بين الحضارات بشكلها السلمي الجميل الاكثر ملائمة لطبيعتنا البشرية،وايضا تتضمن صراعات الحضارات وهي النظرة الاكثر تشاؤمية والتي يقودها الاشرار ومن يقتنع بمنطقهم المنافي لسمات التحضر والاخوة الانسانية المشتركة!.

نعم، بلا شك هذه المنصات والمنابر الثقافية والمعرفية والإعلامية الجديدة، تتصدر المشهد وتحطم الأرقام والنسب، وهذا الأمر لم يكن غير متوقع، بل على العكس تماماً، فهو طبيعي ومنتظر، فالتحولات والتطورات في كل القطاعات والمجالات، لا بد لها أن تحدث، فتلك طبيعة الحياة وضرورة الزمن، ولكن الأمر الذي يستحق التوقف والتأمل هو حالة الثقة والاطمئنان التي ما زالت تحظى بها الوسائل والمصادر الثقافية والمعرفية والإعلامية الكلاسيكية، رغم تراجع بعض أرقامها وإحصائياتها وتداولاتها، قبالة ذلك التسونامي الهائل من المصادر والوسائط الثقافية والمعرفية والإعلامية الحديثة.

***

نهاد الحديثي

تنظم بعض الملتقيات التي تعنى بالأدب ورشات في كتابة الشعر. وقد لاحظنا انها لا تختلف عن ورشة النقد في شيء إذ يقرا خلالها الشاعر قصيدته ثم يفتحها أمام أنظار الحضور، وعادة ما يكونون من المشاركين أمثاله، فيتناولونها بالنّقد الانطباعي السّريع الذي يكون اما محبطا او مجاملا. فلا يفيد صاحب النص ولا يرضي السامع. وقد رأينا ان نقدم طريقة جديدة جرّبناها فأثبتت جديتها وجدواها غايتنا من وراء ذلك تعميم الفائدة والجدّية في العمل.

يعرف المبدعون والنّقّاد أن للنص لغة خفية يتكلم بها وسمات ظاهرة يعبّر بها عن دواخله وما على القارئ أو النّاقد الا أن يحسنا استنطاقه وترويضه ليخرج ما فيه من دمالية وابداع.

تقوم الطريقة أساسا على استنطاق النص وفسح المجال أمامه للتّعبير عن جنسه أولا قبل أن يبوح بخفاياه سواء تلك التي استطاع صاحبه أن يصرّح بها أو التي ظلت عصيّة عليه.لأن النّص يترجم نفسه بأكثر صدق ممّا يترجمه صاحبه أحيانا.

إضافة إلى وضع النّّص على طاولة السّؤال فإنّ الطريقة تختبر القارئ نفسه وتقدّر درجة تمكنه من قراءة الشعر قراءة صحيحة. هي تشبه امتحان قراءة.

تعتمد الطريقة على تعرية النّص مجرّدا وكشف تفاصيله أمام القارئ وإخراجه خاليا من كل تأثيرات مركّبة أو مضافة كالتّوزيع على الورق أو الفصل بين الكلمات أو نقط التّوقف وإشارات نهاية المعنى.بحيث لا يتبقّى من النّص غير الصّورة المختفية وراء المعاني والالفاظ، ونحن نعتقد أنها عمود الشّعر وهي أداته.

الشعر لا يمكن تعريفه مفردا ومجردا فالشّعر جامع لعناصر عديدة منها الذاتية ومنها الموضوعية. وقد سبق أن شرحنا في موضع آخر كلمة شعر كما يلي: شعر= ش+ ع +ر

أي شعور وعبارة ورؤية. ويكون الإيقاع كالعصب الذي يشد العناصر إلى بعضها فتكون الصّورة الشّعرية الجميلة ترجمة سيميائية لكيمياء الكلمة.

عمل الورشة

هو اختبار تطبيقي حقيقي للنّصوص المنشورة فقط لأنها أصبحت ملكا للقرّاء.

1 ــ تكتب النّصوص أفقيّا بطريقة متواصلة بدون فواصل ولا نقاط بين الكلمات ويسند رقم إلى كلّ نصّ.

2 ــ توزّع الّنصوص على المشاركين في الورشة ويطلب منهم تصنيف النّصوص: شعرا أو نثرا أو خبرا تقريريا.ووضع علامة في خانة أمام كلّ نصّ.

3 ــ تجمع العلامات التي تسند للنّص ونقيس من خلالها نسبة الشّعرية فيه ودرجة التمكن من فرز النّصوص عند القارئ المشارك.

4ــ تسند نسبة مائوية للنّص. تحدّد نجاحه أو فشله. وتسند أيضا لكل مشارك نسبة مائوية لقدرته على تمييز وقراءتها.

لقد جرّبنا هذه الطريقة فأدركنا جودتها وأهمّيتها. لكنّها تشترط الاعداد الجيّد وحسن اختيار النصوص التي ينبغي أن تكون مختلفة في الشكل والموضوع وغير ذلك.2093 جدول شعر

***

إعداد المولدي فرّوج

ازراج عمر الشاعر الكبير والمفكر العميق الذي طردته قصيدة وشردته  لثلاثة عقود وأبعدته عن أرض طفولته التي شرب منها حليب الحرية والتمسك بالهوية .. وإن كانت تلك الغربة القاسية القسرية في مدينة الضباب سببت له معاناة وجدانية إلا انها كانت نافذة أطل منها على ثقافات الغرب..

الكاتب المفكر ازراج عمر يحمل الهم الثقافي عبر كتاباته النوعية المستمرة فمقالاته الثقافية والسياسية اليومية على مدار عقود تشهد له بهذا الحضور الفاعل المؤثر ولو جمع هذه المقالات لكانت نتيجتها عشرات الكتب في الفكر والثقافة ..وفي الآونة الأخيرة أصدر مجلة مثقافات الفصلية وقد أشار في عددها الاول إلى أنها:

"تَسعى للمساهمة الجادّة في عمليات المثاقفة مع الثقافات والحضارات العالمية. مِن خلال هذا المشروع، نسعى إلى ردم الفجوات الكثيرة التي فصلت وما فتئت تفصل بيننا وبين الغرب والحضارات الأخرى في آسيا الوسطى وآسيا الأقصى والأمريكيتين الشمالية والجنوبية"، و"إلى فهم واستيعاب الثقافات الأجنبية... إدراك الروح التي تصدر عنها، في محاولة لغرسها في تربة ثقافاتنا وفق تركيبة تتحاور وتنسجم مع هويَاتنا".

وفي حوار اجراه معه الكاتب الصحفي بوعلام رمضاني المقيم بباريس يعترف فيه بهذا الثراء والتنوع الذي يطبع مسيرته فهو مارس الصحافة والنقد والتنظير الفكري ويعترف أن بريطانيا منحته القدرة على التأمل وإعادة ترتيب حياته واستطاع ان يتغلب على الأمية لينفتح على ثقافات العالم فيتعمق في الفلسفة وعلم النفس يقول:

"أنا لست صحفيا بالمعنى التقني للكلمة أنا تسللت إلى الصحافة بقفازات الشاعر والكاتب النقدي. أما لقب مفكر فاعتبره عبئا ثقيلا وضعه على كتفي قراء لا أراهم في الحياة اليومية لأعاتبهم على ذلك  ربما لأنني في السنوات الأخيرة من حياتي صرت ميَالا إلى الحركة ببطء ضمن أفق التفكير أكثر من القفز بسرعة في منعرجات الشعر. أكتب بنهم، وأقرأ بشراهة. أذكر أنني جئت، في عام 1986 من الجزائر معبأ بهواجس الشاعر وبعد 35 سنة من الإقامة والتعلم ببريطانيا فقد نبت لي جناح التأمل والإمعان في مساءلة أبعاد الأشياء. في بريطانيا تغلبت على الأميَة التي أورثتني إياها الجزائر وصرت أقيس الكون بميزان العقل النقدي وربما خسرت بسبب ذلك بعض البراءة التي كانت تسكنني في مدارات الطفولة البعيدة عني الآن.

عملت في الصحافة ببريطانيا من البيت غالبا، وكتبت التعليق الأدبي والسياسي والفكري. وهذا لأنني لا أحب أن أنافس بغير حكمة أصحاب المهنة الصحفية الحقيقيين. يعود الفضل في الكتابة عن القضايا الشعرية إلى إعادة تكويني ثقافيا وفكريا هنا ببريطانيا حيث درست بجامعة لندن الشرقية النقد الثقافي (النظرية والتاريخ) والفلسفة في جامعة ساسكس بجنوب إنكلترا، والفكر السياسي ما بعد الاستعماري بجامع, كانتبري، وكذلك التحليل النفسي الفرويدي وتطوراته على يدي جاك لاكان وميليني كلاي وتيار علاقات الموضوع بمعهد فرويد بمدينة لندن . لقد “زوَجت” هذه الأركان الفكرية ببعضها وتدربت كثيرا وبصعوبة من أجل فهم العلاقة بين الذوات والتاريخ. لقد منحتني هذه المحاجات الثقفية / الفكرية الفرصة لفهم أكثر لكيف يعقل العقل البشري الذات والطبيعة الأمر الذي أثر كثيرا على إعادة تشكيل سلوكي وشعري معا"

وهذه نبذة عن حياة هذا المفكر المغترب:

انطلقت مسيرة الشاعر الجزائري أزراج عمر في الجزائر كمستشار تربوي مكلف بالتربية الفنية بولاية البوبرة بين عامي 1973 و1980 بعد ذلك تم انتخاب في عام 1981 كأمين وطني مكلف بالعلاقات الدولية في اتحاد الكتاب الجزائريين بالجزائر وقد شغل هذا المنصب إلى غاية عام 1985.

وفي نفس الفترة تلمس طريقه الصحفي حيث عمل في مجلة المجاهد الأسبوعي (1981- 1981. اتقل بعد ذلك إلى العمل كصحفي ومعلق سياسي وثقافي في مجلة الدستور بلندن، بريطانيا ما بين عام 1986 وعام 1990.

ومنذ عام 1990 أصبح يعمل لفائدة صحيفة العرب اللندنية كصحفي وكاتب زاوية يومية، ومازال يجود بكتابته في صحيفة العرب إلى اليوم.

كما شغل العديد من المهام من ذلك عضو اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا، في الاتحاد السوفياتي سابق، عضو مؤسس لجمعية الفلسفة القلرية في بريطانيا، عضو جمعية الثقافة العربية في بريطاني، وعضو الأمانة التنفيذية لمنظمة الأحزاب الاشتراكية والتقدمية لدول البحر المتوسط في مالطا.

كاتب وشاعر جزائري وكاتب مقالات في الصحف اليومية ومن النقاد المعروفين في الساحة الأدبية والثقافية العربية ولد في 28 أيلول/سبتمبر 1949 بمنطقة بني مليكش بولاية بجاية ولاية بجاية التي تقع في منطقة شرق/شمال الجزائر العاصمة وهو مقيم منذ عام 1986 في لندن. شاعر متمرد في الشعر والسياسة من أصول أمازيغية طفل لتاجر خضر درس في المدارس الفرنسية، وبالتالي تعلم الأمازيغية ثم الفرنسية، ويقول "إلى أن بلغت عمر 12 عاما لم أكن أعرف من اللغة العربية إلا ما أسمعه من آيات قرآنية". ويقول إن والده قال له ذات مرة أنه إذا امتلك اللغة الفرنسية سوف تفتح له أبواب الدنيا في حين إذا امتلك اللغة العربية سوف تفتح له أبواب الجنة، ويفيد أزراج بأنه اختار الخيار الثاني. كاتب دائم في صحيفة العرب اللندنية في قسمي الآراء السياسية وفي الشأن الثقافي، ومساهم في مجلة الجديد التي تصدر من لندن..

وله أعمال ادبية وفكرية كثيرة منها:

كل كتابات أزراج عمر باللغة العربية التي يعشقها ومن بينها:

- ديوان وحرستي الظل 1975

- الحضور (مقالات أدبية) 1977

- الجميلة تقتل الوحش ديوا شعر 1978

- أحاديث في الفكر والأدب (حوارات فكرية وأدبية 1984)

- العودة إلى تيزي راشد (ديوان شعر) 1984

- منازل من خزف (دراسات في السياسات الثقافية الجزائرية) 1995.

- ديو ان الطريق إلى أنمليكش وقصائد أخرى  2005.

- يوميات الحراك الشعبي 2019.

***

الكاتب والباحث في التنمية البشرية شدري معمر علي

 

التلوين والرسم في مرحلة من توهج الذات حيث الاستعادة للحلم والرغبات قولا ونظرا وتقصدا للعبارة التشكيلية وهي في عنفوان معانيها تجاه الذات الأمارة بالابداع والآخرين والعالم في طقس من الحوار والافصاح عن الحس الدفين بالكينونة ..هي احلام الطفولة العائدة الى واقع الحال بعد سنوات لتكبر وهي ترى في الأكوان شيئا من ألوانها الرائقة والمحبذة...

من هنا كانت فكرة التلوين عد الرسامة التي تخيرت في زيتياتها رصد ما هو جميل وأصيل في افريقيا عبر الاشتغال على المرأة لتبرز اللوحات حاضنة هذا البهاء الافريقي مشيرة في هذه الأعمال الى الموضوع في تعدد تلويناته وحالاته التي عنوانها المرأة الافريقية بما في كل ذلك من رمزية وجدانية وثقافية وحضارية لتقول بالمرأة التي في خيالها عن حالها وكيف بدت لها وكيف رأتها...و هكذا هي هذه الفكرة التشكيلية عند الفنانة مريم العود.

بعد دراسة الحقوق كان الولع بالفن ومنه الفن التشكيلي حيث عوالم الرسم والتلوين وفق الرغبات الدفينة والولع بالرسم ليكون المجال مع تلقي الدروس في التدرب وتعلم فنون الرسم  وم هنا مضت الفنانة مريم العود في تعاطيهامع القماشة كمساحة للقول الجمالي تعبيرا عن الكامن في الذات من أحتسيس وانطباعات تجاه النظرة الجمالية التي تستبطنها ومن خلالها تلك التعبيرية الملونة وفق ما بدا لها جميلا وأخاذا لتتنوع مواضيع لوحاتها وتغوص عبرها أكثر في عوالم افريقيا الجميلة ومنها المرأة الافريقية بمختلف أحوالها ضمن الهيئات والوجوه المعبرة عن الجوهر والعمق والأصيل في قارة تعج بممكنات الحياة وبهائها وجمال تفاصيلها وعناصرها ...

انطلقت منذ عقدين تجربة الفنانة التشكيلية مريم العود التي افادت من هيامها بالفن لتكون لها مصافحات مع المعارض الفنية التشكيلية الفردية الخاصة وكذلك الجماعية وكانت تجربتها  " للمعارض ونعني فضاء "الفن الجميل" بالمنزه سنة  2007bel art في رواق "

و خلال معرضين الى جانب معرض آخر بصفاقس سنة 2006 ما شكل المناسبة الثقافية والفنية للفنانة وفق التفاعل مع ما تنجزه من قبل جمهور الفن ورواد الرواق وأحباء الرسم وكانت اللوحات الزيتية متعددة في تعاطي الفنانة مع ارتسانات الوجوه للمرأة الافريقية في ذاتها وشواسع حالاتها وهنا تذكر الفنانة هواجسها الفنية لتقول " ...بعد دراسة الحقوق استهوتني لعبة الرسم والفن التشكيلي التي كانت معي منذ طفولتي من خلال الرسوم والخربشات على الورق ليعاودني هذا الحلم فكانت ممارستي الفنية الجزء الهام في كياني حيث الفن مجال حلم وحنين وملاذ حين نهرب من الروتين واليومي وضغوط الحياة ..فالرسم مثل لي عالما بأسره فيه ممارسة التعبير عن الذات والحرية والخيال والقول بما هو جميل ومن هنا اشتغلت بتقنية الرسم الزيتي عبر الغوص في موضوع قدم الي وفرض نفسه واقتحم مجالات نظري وخيالي وهو التجوال الفني الملون في عالم المرأة الافريقية هذه التي تأخذنا الى كثير من الجمال والبراءة والانسانية بالنظر لما عانته القارة الافريقية المكتظة بالخيرات والثروات من ويلات الصراعات والحروب لاتهض من جديد مقترحة علينا عالمها المحب للسلام والعمل والابداع ومن هنا كانت رغبتي في ابراز حيز من أحوال افريقيا عبر المرأة التي هي عنوان الحياة والصبر والنضال هناك في القارة التي ننتمي اليها..الفن له رسائل ومحبة وغرام وعشق وحلم لأجل الانسان والجمال ..".

هكذا تواصل الفنانة التشكيلية مريم العود العمل ضمن ورشتها في كثير من الحرص والرغبة لتنويع مجالات النظر والمواضيع حيث تعد لمعرضها الشخصي بالعاصمة وهو الأمر الذي تشتغل عليه بعد مشاركتها في المعرض الجماعي للفنون التشكيلية بسوصة في فضاء " الرواق " ضمن يوم ثقافي فيه الفن التشكيلي والشعر والنقد والموسيقى بعنوان " قلق " وذلك بحضور عدد من المحبين للفنون والشبان والفنانين التشكيليين والشعراء.

تجربة الفنانة التشكيلية مريم العود مناسبة للقول بالفن في علاقة الذات الحالمة والمغامرة في دروبه حيث الفن باسوار قلاعه العالية التي تجلب البها المحبين ليمكثوا في الحلم والرغبات والتجريب ديدنهم الذهاب الى الجمال والابداع بعناوين شتى...انها لعبة الفن في عالم متسارع النبض والايقاع والأحداث ..الفن فكرة القلب التي ترنو اليها الفنانة مريم بكثير من الدأب والبهجة والامل.

***

شمس الدين العوني

في عام 2020 التقيت (سيد وهاب) أو العريف (وهاب خضير عبد الباري). وجدته يشوي البقصم في السوق ليبيعه،. كان آمر فصيلي. استذكرنا أيام حرب الثمانين وجرّنا الحديث الى قساوة الحرب وما تركت من ضحايا ومآسٍ وخسائر مستمرة.

قلت له:

(الان توضح لي أن الموت في الحروب غير الموت الذي قدره الله سبحانه، وتكلم عنه الفلاسفة. أنه محوَّر الى (لعبة قذرة)، فيكون هو والحرب وجهين للعبة واحدة. وفي الحروب يظهر الانسان حقيقة كونه (حيوانا مفترسا) لأخيه الانسان فقط، بعكس الذئب الذي يفترس كل المخلوقات عدا أخاه الذئب، بل هو كما يقول الشاعر (يعطي أخاه الذئب ان شبعا).

قال سيد وهاب:

(أتذكر (الزغار)؟ التحقوا بالجيش عام 1985 بعمر 18 سنة، يعني لو عاشوا الى الان لأصبح عمر أحدهم (53) سنة.. وتمتم بحسرة (حرامات).

 تفارقنا ومضى كل منا لطيته. وحين رجعت الى البيت تعاصى عليَّ النوم، ورحت أقلب تلك الاوراق العتيقة التي أصبحت صفراء من القدم والاحتراق، وقلبت ببطء وحذر أوراق (الاصدقاء الصغار) الذين كنا نسميهم (الزغار) وقد زجهم قدرهم في تلك المحرقة.

 خمسة خرجوا توا من شرنقة الطفولة والجهالة الى باحة الشباب والادراك، فقطع عليهم الطريق الى الحياة الجميلة والمستقبل الزاهر مسعرو الحروب فرسموا على رؤوسهم طاقيات بلون التراب اسمها (البيرية) أو صبغوا رؤوسهم باللون الخاكي (الترابي) أو وضعوا عليها التراب ليعيشوا هاجس الموت طول الوقت.

 لقد عرفت (لاحقا) أن لفظة الخاكي أصلها كردي من (خاك) وهو التراب، و(لاحقا) عرفت ان العسكرية والعكسر اصلها فارسي من (لشكر) فادركت (لاحقا أيضا) ان العرب لم يهتموا (بالتنظيم الحربي) لانهم لم يفكروا أبدا باحتلال الآخر، حنى (الديوان) أو (سجل الجنود) عرفوه في الاسلام عند الفتوحات، وأخذوه من الفرس أيضا.

 شباب بعمر الورد وعنفوان العطاء بدلا من أن يكملوا دراستهم ويعينوا للعمل في الدوائر والمؤسسات لبناء البلد وتكوين النفس، قذفوا الى صحارى قاحلة وانفاق مخيفة يعيشون مع الحيوانات والحشرات ويحصد ارواحهم الرصاص والشظايا. كانوا صغارا في كل شيء وعلى كل شيء، ولاسيما على الموت.. كان يجب أن يقضوا في بيوتهم مدة اطول كثيرا قبل الذهاب الى مكان أقل كثيرا من هذه العسكرية. فجلبوا عنوة وأجبروا أن يقبلوه واقعا.

 هم :(قاسم قيطاز) و(فلاح عباس) و(عماد رسول) و(نجم طاهر) و(اسماعيل ولي) هذا ما أذكر من اسمائهم. التحقوا من التجانيد مع مواليدهم  1985 الى مركز تدريب تكريت، وفي المركز التدريبي تعارفوا وجمعتهم مودة كبيرة، فكانت صداقتهم مشهورة يتداولها الجنود، وبعد التدريب وزعوهم على الالوية والقطعات، وبقيت بينهم صلات ولقاءات في الجيش او عند الاجازة.

 كان عماد يقهقه عاليا ويمزح بصوت مرتفع يسمعه كل المعسكر، وكثيرا ما طلب الضابط احضاره وثم معاقبته ولكنه قليلا ما كان يرتدع فتلك عادته حتى في المدنية. بعدها نقل عماد واسماعيل الى منطقة (ميدان) وهناك عرفتهم وعرفنا سيد وهاب أو العريف وهاب. وميدان قريبة من جبلين عملاقين متقابلين هما (بمو) و(خوشك) وبينهما (فتحة سرتك) التي تقود الى الجبهة الشمالية، وفد حفرت بالديناميت. وبعد أيام الدورة وزعونا، فصرت أنا ومجموعة من الجنود على جبل بمو، وصار عماد واسماعيل ومجموعة معهم على جبل خوشك.

 كان جبل خوشك وعراً جدا ليس فيه الا طريق واحد ضيق للصعود، ويستغرق صعوده ست ساعات اذا يحمل الجندي سلاحه الشخصي فقط (البندقية وجعبة العتاد)، اما اذا حمل الماء والارزاق فقد يستغرق نهارا كاملا. وهو ما كان يحدث، لان وعورة الجبل لم تسمح بالنقل على الحيوانات. جربوا البغل فانتحر؛ وكانت البغال (عزيزة النفس) اذا حملوا عليها فوق طاقتها ترمي نفسها من الجبل، اما الحمير فلا تنتحر، ولكنها ليس لها طاقة البغال، وقد استعملوا أكثر من حمار فمات، ولم يعد الا حمل الماء والارزاق يدويا.

أما بمو فهو، وان كان صعوده بست ساعات ايضا، أقل وعورة من  خوشك، لذا فتحوا عليه طريقا دائريا بالديناميت يصعد الى قمته، وكان يُصعد اليه بـ(التركترات) سابقا حتى انقلب احدها ومات من عليه، فتركوها واستعملوا البغال والحمير فقط. وقد مارستُ الصعود والنزول كثيرا على بمو. ولم نكن نستعمل القدم كلها، بل نستخدم عند الصعود مشط واصابع القدم فقط، وعند النزول كعب القدم فقط، وهذا يزيد من المشقة.

 حين صعدتُ على قمة جبل بمو فوجئت أن أرضه مستوية وليست مدببة كما تبدو من الاسفل، كانت مفتوحة على مد البصر، وفيها تضاريس مختلفة: وديان عميقة، وهضاب وتلال مرتفعة، وجبال أعلى منها. وشاهدتُ صخورا ملونة خلابة، واشجار البلوط العملاقة وكانت رخوة سهلة الكسر، فحين صعدت على احد اغصانها الضخمة انكسر وهوى بي، وشاهدت اشجار السماق، وأشجار الجوز، واشجار الچقچق التي يشقون لحاءها فتقطر مادة (علك الماء = علچ ماي) واشجار الحمضيات والزعرور وغيرها، فضلا عن نباتات البطنج والريحان والادغال والحشائش. وشاهدت البوم، ورأيت سهام الدعلج على الارض، يبدو ان عدوا هاجمه فرماه بها، ولاول مرة ارى أفاعي حمراء وخضراء وسوداء، ورأيت حشرة الحُباحُب (المضيئة). وشاهدت الغزلان، والورل (الأرول)، وبدا قطيع من الخنازير يعدو امامي فرميت عليه شاجورا كاملا فكانت تتقافز واصبت بعضها ولكنها لم تسقط، قيل انها تحتمي بطبقة شحم تحول دون قتلها ولا تموت الا اذا رميت في منطقة الرأس، وقالوا احذر من (القصير) فهو يظهر كثيرا، يقصدون (الذئب). فأحسست بالانفكاك والانعتاق من قيود العسكرية ولو مؤقتا، وتملكني سحر المكان فصرت أمشي وأعدو وأركض وكأني اليسا في بلاد العجائب.

 ولكن نغَّص كل فرحتي المؤقتة أو الزائفة خبر مؤلم من اصدقائنا الذين صعدوا على جبل خوشك. فقد قتل عماد صديقه الحميم اسماعيل بالخطأ.  كان عماد مع مجموعة من الجنود يصعدون إلى أعلى الجبل، وكان إسماعيل قد وصل القمة قبله. وحينما وصل عماد إلى القمة أراد الجلوس من فرط التعب، وكانت الملاجئ تبنى منخفضة حيث يحفر لها مقدار متر او يزيد في الأرض لتكون أوطأ من الساتر، وهكذا جلس عماد على الملجأ بينما كان يجلس أمامه على ارتفاع يوازي ارتفاع الملجأ جنود سبقوه في الوصول ومنهم إسماعيل. فجلس عماد على بندقية مفتوحة الأمان، فصارت أصابع يده اليمنى على الزناد، فانطلقت أربع رصاصات لتضرب إسماعيل: واحدة في حنكه وواحدة في جبينه واثنتان في صدره.

 وحين وجد عماد صديقه وهو يسبح بالدم الفائر وجروحه الفاغرة تشخب، ثم دقائق وأسلم الروح لبارئها، حاول الانتحار بإلقاء نفسه من أعلى الجبل فامسكوا به.  بعدها قدم الى محكمة عسكرية حكمت عليه بالسجن ستة اشهر يقضيها داخل الفوج ويمنع من الاجازات، لعدم قصديته. وقد عايشته في محكوميته، كانت فيه بقايا هستيريا، ويتهرب من الكلام في الحادث، ولكنه لم يعد يقهقه كعادته ولا يمزح بصوت عال.

 في (كفري) التقيت العريف وهاب مجددا، ونقل الينا بقية (الاصدقاء الصغار)  قاسم قيطاز وفلاح عباس ونجم طاهر. جمعتنا عشرة طيبة. وعلى الرغم من ان العريف وهاب من اهل الكوت الا ان علاقتي به كانت سطحية. حتى تشاجر معه ضابط السرية، عندها قال لي سأعطي اسمك شاهدا، لان القانون مع الضابط، ولا يدافع عني الا (ابن ولايتي) وقد دافعت عنه في المحكمة العسكرية ولكن ظهر الحكم لصالح الضابط.

 كان الجنود مذعنين يساقون الى حيث يؤمرون، وكأنهم قطع شطرنج يلهو بها لاعبون بكل قبول استسلام، ويعاقبون بشدة واهانة على أخطاء عسكرية تافهة. والمفروض ان جنودا يبذلون ارواحهم يعاملون بكل احترام، وتكون لهم شخصية قوية. كان الجنود يخافون من الضباط والانضباطية خوفا نهائيا بحيث لو ان ضابطا او انضباطيا سحب جنديا لراح معه الجندي الى حيث يريد بلا مقاومة، كما يطيع الخروف الذئب حين يعضه ويركض به حيث يريد.

 كنا ذاهبين في كوستر بإجازة دورية، فصعد الانضباطي وقال بصوت خشن (شنو أنتو.. وين رايحين؟) فأجاب الجميع بصوت ضعيف مستخذٍ (مجازين). فتخيلت - انسجاما مع حالة الضعف وجرس لفظة مجازين- انهم قالوا (عجايز) ورحت في نفسي اصوغ على وزن اغنية فيروز (شتي يا دنيي تيزيد موسمنا ويحلى / وتدفق مي وزرع جديد بحقلتنا يعلى) كلمات تناسب الحالة هي (عجّوزه بنت العجايز گاعدة ومتعجزه/ عجّزوها وسميعده همين انطوها) واقصد بالسميعده المساعدة التي تعطى للجندي يوما او يومين على اجازته الاعتيادية وهي سبعة ايام.

 في الجيش تتعرف الى اصدقاء وتجمعك معهم صداقة ومودة ثم تنقل الى مكان آخر فتتركهم الى غيرهم، فالعسكري لا يعرف الاستقرار. وهكذا تشتت شملنا. وفي مقر السرية رأيت فلاح مسجونا، وحين سألته عن السبب قال تشاجر معي العريف لأني استلمت (القصعة) ولم استلم الصحف، فجن جنونه لانه شغوف بالصحف لا يهمه منها الا الصفحة الاخيرة لان فيها صور فنانات وبنات. وعرفني الى صديق تعرف اليه في السجن يسمونه (ايگزي) وهو تجميع من (Eggs = بيض) وياء النسب، لانه يشبه كتكوت خرج من البيضة توا.

 (قاسم قيطاز) كان موتورا من الدولة؛ فقد اعدم أبوه واخوته. قال: (في كفري لا أهتم فانا استحم في السوق وآكل زهمول گيمر وأنام بقية الوقت) يقصد ان كفري وتوابعها ليست في الجبهة، ولكن تقع عليها غارات البشمرگة بين الحين والاخر، (اما اذا ارسلت الى الجبهة فلن اقاتل). وكما توقع طلعت له نقلة الى الجبهة في الشلامجة فأعلن ما كان يخفي.

 عند حلاق الوحدة (وكان مكانه مكتظا دائما بالجنود) جاهر بالقول وقال (لن اقاتل من اجل مع أعدم عائلتي) انه صار على محك مع الموت الطوعي من اجل من امات اهله، ولم يعد السكوت مجديا. فوشى به الحلاق. وفي غرة يوم قبل طلوع الشمس جاءت مجموعة من بغداد وكبلت يديه بالجامعة واخذته. بعد ذلك صار الجنود لا يذهبون الى غرفة الحلاق. وبمرور الوقت أحس الحلاق بالعزلة وانه منبوذ من الجميع، وفي احدى الصباحات سمعت طلقة مخنوقة من غرفة الحلاق، فهرعنا الى غرفته فوجدناه مضرجا بدمائه وقد وضع البندقة على صدره واطلق منها رصاصة... أما قاسم فلم يعد أبدا.

 ونجم، وهو من البصرة، كان ذا خيلاء وزهو على اتفه الاشياء. فقد أخذ بالملابس العسكرية فيكات ووضعيات صور مختلفة وكأنه شخصية مشهورة. ودخل دورة اتصالات ليصبح مخابرا لانه يعجبه أن يحمل على ظهره جهاز المخابرة ويضع في اذنه السماعات ويمسك الحاكية بيده بتظاهر وتفاخر. وحدثني مرة عن نفسه فقال انه من عائلة فقيرة وانه يتقاضى مخصصات مخابرة (40 دينار) ويقرأ (أربِعين) بكسر الباء، وانه يوميا بسهر الى الصباح او كما يصف نفسه (حيوم قيوم).

وفلاح، وهو سيد ياسري، كان طويل القامة يسكنه الخوف لصغره وقلة تجربته. نجح من السادس الاعدادي بمعدل قليل، ليس ذنبه، بل ان الدولة في سنوات الحرب كانت تصعّب الاسئلة وترفع معدلات القبول لزج الطلبة في اتون الجندية والحرب. كنا وقافين أنا وهو قرب برج طيور نتحدث في هدوء الليل، وفجأة دخل كلب حقل الالغام، كنت اراقبه بعيني وخشيت ان يضرب لغما فينفجر، وبالفعل ضرب اللغم وحين انفجر ودوى صوت الانفجار لم اسمع الا صيحة استغاثة (يمه) وحين بحثت عن فلاح لم اجده، فعجبت أين اختفى بعد انفجار اللغم. وبعد قليل خرج فلاح من برج الطيور وهو يقول (هذا لغم).

 كان فلاح ونجم لا يتفارقان، ويذكران دائما أصدقاءهما الثلاثة: عماد فُقِدَ في قاطع البصرة، واسماعيل قتل، وقاسم أعدم حتما. وزج فلاح في دورة اسناد (مقاومة الطيارات) على سلاح الرباعية (لها اربع سبطانات) والشلگه  (سبطانتان) والاحادية (سبطانة واحدة) وكنتُ معه في الدورة. كانت حياة المعسكر في الدورة قاسية، والضباط قساة، فقد اجبروا الجنود على المبيت على (اليطغ فقط) وهو قطعة نايلون غير سميكة، قالوا الغرض تعويدكم على الحياة الصعبة! ويصيحون على الجندي (قشمر).

كان الجنود متذمرين من الدورة يتمنون ان تنتهي عدا جنديا واحدا اسمه رعد من الكاظمية قال (أعد هذه الدورة فرصة للحياة والنجاة) وتمنى ان تطول أو لا تنتهي! قال (أنا في قاطع ديالي في (عارضة سانوبة) وهي خطرة جدا، ففي ايام الهجومات تأكل يوميا (500 شهيد) في الاقل، ولا ينقطع سيل الدم حتى في الاوقات الاعتيادية).

 بعد الرجوع من الدورة بمدة قصيرة أبلغ امر الوحدة فلاح بأنه منقول الى عارضة سانوبة!! نزل هذا الخبر عليه كالصاعقة، وخاف جدا لاسيما ان عارضة سانوبة تخوض غمار هجوم!. وهنا أقنعه صديقه نجم بضرورة التشجع فدخول المعركة لا يعني الموت الحتمي، ولا يخيفك ما سمعت من تهويلات عن سانوبة,, هي جبهة كالجبهات. واضاف: (اذا كنت خائفا فأنا سأتطوع للنقل لاجيء معك وأعلمك كيف تواجه الحرب بالتحدي والاستهزاء)! كان فلاح يطمئِن نفسه ويتقوى بصديقه المغرور، وغاب عنه انه مقاتل وصديقه مخابر فحتما سيفترقان في ساحة المعركة.

 ذهبا معا، ووصلا الخلفيات معا. في الخلفيات كانت ملاجئ الجنود كانها جحور من الضيق، واصوات قذائف المدفعية والاسلحة الثقيلة الاخرى لا تنقطع، وحين تنزل القذيفة ترجّ الارض تحت الاقدام رجَّا. كان فلاح ممسكا ببندقيته والفوهة الى الاسفل|، وكلما نزلت قذيفة ودوت يضغط فلاح لا اراديا على الزناد فتثور طلقة من بندقيته فيصيح مذعورا (هاي شنو) فقال له أحد الجنود (اضبط نفسك.. لو تروح للمتقدم شلون)؟؟

 حين أركبا ناقلات الاشخاص تفرقا هناك. قال فلاح لنجم (راح اهرب) قال له نجم (وكيف تهرب)؟ قال (سآخذ شهيدا الى اهله ولا أعود) قال نجم سيلاحقونك، وتؤذي أهلك واخيرا يصيدونك كالفأر ويقتلونك.

 ما يخص فلاح، تقدم مع مجموعة من الجنود الى الامام، وكان الرمي يخبط خبط عشواء فيمشي الحي ويسقط الميت بين الصياح والانين. كانت يد فلاح ترتعش خوفا مما جعله (يخرط) مجموعة من اصحابه دون قصد فجرحهم. عندها سحب الى الخلفيات، ولانه لا يقصد لم يحكموه بل ادخلوه دورات تأهيلية.

 وهناك تعرف الى العريف (طرخوم مايع مهلس) وهو قروي قال له: (فقط عندما لبست في الجيش عرفت البنطرون). كان طرخوم يائسا لذا كان يقتل الوقت بالنوم، وكلما أراد ان ينام يقول جملة حفظها الجميع (اللي ما بيه خير نومه اَخَير)، وعندما يجلس على الساتر في الواجب (يگمبص) وهو نصف نائم وكأنه ديك هرم ينتظر الفجر حتى (يعوعي). ومرة وهم مجتمعون على القصعة سأل احدهم صديقا له هل تعرف  (فلان) قال لا، فوصفه له فلم يعرفه، ثم زاد في التوصيف فتذكره مع صوت (أووووووو) فاندفع طرخوم صائحا به بغضب (عويت بباب اهلك). وانفض المجلس ركضا على (ربدة قذيفة). صار فلاح يفكر بحدية في الهروب، والحقيقة ان طرخوم هو الذي زرع فكرة الهروب في رأسه.

انتهى الهجوم وتنفس الجنود بعض الراحة، والتقى الصديقان نجم وفلاح. كان يبدو على نجم زهو النصر وابهة الظفر، مذكرا صاحبه بما قاله له (أن دخول الحرب ليس يعني الموت)، و(الجبان يموت والشجاع لا يموت)، واشياء اخرى ذكرها نجم لم تقنع فلاح، فالهروب صار قراره المؤكد وهو ينتظر أن تسمح الفرصة فقط.

 وجاء الهجوم، كان عاصفا هذه المرة، ماطرا بالموت والنار، لم تكد نقطة واحدة في الارض لم تصبها رصاصة او شظية. كان فلاح يتحين الفرصة فوجدها في شهيد حمله الى اهله ولم يعد بعدها. لم يحسده الجنود على خلاصه لانه ترك خطرا واحدا ليواجه اخطارا كثيرة، وترك نوعا من الموت ليواجه انواعا كثيرة محتملة. ولم يعرف نجم ان صديقه فعلها وهرب لانهما لم يلتقيا بعدها ولا سمع خبر صديقه الهارب من احد.

 أما نجم فكان يخابر فوق المدرعة فأصابته شظايا كثيرة في جسده فسقط ارضا. عندها استيقظ هاجس او احتمال الموت القوي لديه، لم يقلقه الدم الذي أخذه والجروح الفاغرة الشاخبة بل خاف أن يموت. وعن شهود عيان أنه (مات وهو يبكي).

***

د. محمد تقي جون

ألفت كتابي (اللغة العربية الخامسة – الفصحى الهجينة) مبينا ان لغتنا العربية محتلة من قبل اللغة الانكليزية، وما نتكلمه ونظنه عربيا هو في كثير منه ترجمات وتحريفات من الانكليزية، فما وجدتُ آذانا صاغية، ولابد للحقيقة أن تظهر وتزول كل المغالطات، وان المنادين بحب العربية والحفاظ عليها أولى بهم مراجعة ما حدث للغة العربية لإصلاحها وليس المكابرة والابقاء على الحال التي ستزداد سوءا، وبالفعل بعد كتابي أضاف مجمع اللغة في القاهرة الى القاموس العربي مفردة (ترند trend).

في هذا المقال البسيط أتناول تعبيرا شائعا لدينا وهو من اصل انجليزي.

نقول (يا ترى كيف جرت الامور). تعبير (يا ترى) مبهم وسياقي، وغير عربي. وهو ترجمة لـ(on earth). وهذا التعبير (on earth) يأتي في الانجليزية بمعنى (على أرض) ويأتي سياقيا فيعطي المعنى المترجم الى (يا ترى). مثل:

(where on earth did you buy that hat)

(أين با ترى اشتريت تلك القبعة). أما اجدادنا العرب فلا يقولون (يا ترى)، بل يقولون (ليت شعري، وليت علمي) فيقرؤون الجملة السابقة (ليت علمي كيف جرت الامور) وقال الشاعر:

مقيم على رعي العهود وحفظها

فيا ليت علمي كيف حالكم بعدي

وهذا التعبير شاع في العصر الحديث وأشاعته مصر لذا نقرأ لأحمد شوقي:

فقلت أهلا بالعروس وابنها

ماذا يكون يا ترى من شأنها

 (يا ترى الى متى تغالط مجامع اللغة العربية ولا تعترف باننا غارقون في اللغة العربية الخامسة)

أو (ليت علمي الى متى تغالط مجامع اللغة العربية ولا تعترف باننا غارقون في اللغة العربية الخامسة)

***

الاستاذ الدكتور محمد تقي جون

اطلق رئيس مجلس الوزراء السيد محمد شياع السوداني، مشروعاً ثقافياً وفنياً كبيراً في العراق، لدعم السينما والدراما والمسرح والفن التشكيلي والأدب والكتاب وأدب الطفولة، وأعلن عن تخصيص مبلغ ثلاثة عشر ملياراً وخمسمئة مليون دينار عراقي لتنفيذ المشروع

جرى خلال استقبال جمعاً كبيراً من نجوم الفن العراقي وممثلين عن اتحاد الأدباء وعدد من الكتّاب والمثقفين، إكمال الإجراءات الخاصة بالتخصيصات المالية المطلوبة للنشاطات الفنية والأدبية، التي عانت من الركود بسبب غياب الدعم والمبادرات، وشدد على ضرورة دخول القطاع الخاص في الإنتاج الفني وعدم الاعتماد فقط على الدعم الحكومي، وأشار إلى ان المجالات الثقافية والفنية تكتسب أهمية بالغة لدى الحكومة نظراً لتأثير نتاجاتها ومهرجاناتها الفنية والأدبية في خلق انطباع إيجابي عن استقرار البلد، وإمكانية استثمار الفن والثقافة لمحاربة مختلف الظواهر الخطيرة كالعنف والتطرف والمخدرات، وأكد السيد رئيس مجلس الوزراء إكمال الإجراءات الخاصة بالتخصيصات المالية المطلوبة للنشاطات الفنية والأدبية، التي عانت من الركود بسبب غياب الدعم والمبادرات، وأكد ضرورة دخول القطاع الخاص في الإنتاج الفني وعدم الاعتماد فقط على الدعم الحكومي، مشيراً إلى أنه ليس مطلوباً من الفنانين والأعمال الفنية مراعاة مزاج الحكومة أو أية جهة، بل شرطنا الوحيد هو أن تكون بجودة كبيرة ومستوى فني عال، وأشار السيد السوداني إلى أن المجالات الثقافية والفنية تكتسب أهمية بالغة لدى الحكومة؛ نظراً لتأثير نتاجاتها ومهرجاناتها الفنية والأدبية في خلق انطباع إيجابي عن استقرار البلد، وإمكانية استثمار الفن والثقافة لمحاربة مختلف الظواهر الخطيرة كالعنف والتطرف والمخدرات، مؤكداً أنّ واجب الحكومة رعاية الفنانين والمبدعين، مضيفا وسبق أن خصصت 5 مليارات دينار سابقاً لنقابة الفنانين تخص صندوق تقاعد يُشار إلى أنّ المشروع خصص مبلغ 5 مليارات دينار لدعم الدراما العراقية، ومبلغ 5 مليارات دينار لدعم السينما العراقية، فيما خصص مليار دينار عراقي لطباعة النتاجات الأدبية والفكرية للكتّاب والأدباء العراقيين، وفي ضوء المشروع أيضاً تم تخصيص 200 مليون دينار، لدعم الفنانين التشكيليين في إقامة المعارض الخاصة، وتخصيص 300 مليون دينار لدعم الفنون الموسيقية المختلفة، وكذلك تخصيص مليار ونصف دينار لاتحاد الأدباء والكتّاب في العراق، لإقامة المؤتمرات والمهرجانات الرسمية، فضلاً عن تخصيص 500 مليون دينار لدعم أدب الطفل، المشروع خصص مبلغ 5 مليارات دينار لدعم الدراما العراقية، ومبلغ 5 مليارات دينار لدعم السينما العراقية، فيما خصص مليار دينار لطباعة النتاجات الأدبية والفكرية للكتّاب والأدباء العراقيين، الفنانين، وكذلك 3 مليارات لصندوق التكافل الاجتماعي الخاص باتحاد الأدباء

الثقافة العراقيّة تشقُّ طريقها في صفوف الشباب، والناس عمومًا، ليس بلا متاعب ومعوِّقات، إنّما أيضًا بنشاط وإصرار من قِبَل المهتمّين بها. هناك نشاط واضح على مستوى النَّشر، الذي تفاوت بالمستوى، بيد أنّه يُسجَّل لإرادة تَقوى تدريجيًّا، وقد تنجح بتقديم أسماء تحظى بمزيد من المتابعة والاهتمام، فقد شهدنا ارتفاعًا للصوت النقديّ للنّظام السّياسي، وإنْ لم يرتفع هذا الصوت بما فيه الكفاية. كما شهدنا الكثير من النشاطات، وأبرزها معارض الكتب التي لم تقتصر على بغداد، العاصمة فحسب، بل وانتقلت إلى مدن أربيل، والبصرة، والنجف. تَمَيَّزت هذه المعارض بإقامة العديد من الجلسات التي شارك فيها مختصّون، ومثقَّفون، وسياسيّون، وصحافيّون. اتّخذ بعض هذه المعارض وِجهةَ إحياء الذِّكر لقامة عراقية معروفة، مثل عالم الاجتماع العراقي علي الوردي، الذي خصّصت وزارة الثّقافة مؤتمرًا له، والروائي العراقي غائب طعمة فرمان، الذي أُطلق اسمه على "معرض العراق للكتاب"، المعقود بالتعاون بين "مؤسّسة المدى" الثقافيَّة و"الاتّحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق". وهناك الكثير من المجالس الثّقافية والمحاضرات التي عُقدت في أماكن متنوِّعة، وبخاصّة في "شارع المتنبي"، نهاية الأسبوع، وعلى صعيد المؤسَّسات، فقد أعلن "الاتّحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق" عن اطلاق منتدى الثَّقافة النسويّة، وهو الأوّل من نوعه منذ تأسيس الاتّحاد عام 1959

ويسعى المثقفون في العراق إلى التجاوز، وإلى التمرّد على عتمة المشهد العمومي. فرغم مركزيّة الخطاب السياسي وانعكاس ذلك على حيويّة الثقافي، فإن ما يجري يحمل معه هاجساً استعاديّاً لوظيفة المثقَّف الذي يواجه المراكز القديمة، عبر أحلامٍ جديدة. أحلام على مستوى توسيع فاعلية المنجز الثّقافي، أو إثارة اسئلةٍ مغايرة، تخصُّ إشكاليات الحرّية والهوية، والعلاقة مع السّلطة والآخر، والتي ظلّت جزءاً من ذاكرة "المسكوت عنه"، لا سيّما في إطار حريَّة الكتابة والسّفَر والتّظاهر والمشاركة، والتي يمكن ملاحظة بعض علاماتها الناجزة، فوجود أكثر من خمسة وعشرين دار نشر وطبع في العراق، يمثّل ظاهرة كبيرة لاستعادة صورة المدينة المؤلِّفة، وانتظام أربعة معارض للكتاب خلال سنة 2021 في البصرة، وأربيل، والنجف، وبغداد، ومئوية القصّة العراقية في النجف،، وبمشاركةٍ عربيّة لافتة، يمثّل ظاهرةً أخرى لحيويّة المشهد العراقي الثقافي. فضلاً عن دعم القطّاع المدني لإعادة إعمار "شارع المتنبّي الثقافي"، وإقامة "مهرجان المسرح العربي"، وكذلك "مهرجان المربد" في البصرة، و"مهرجان الجواهري" في بغداد، وبقدر ما نجده حيويّاً في هذه الظواهر خلال العام المنصرم، فإن ما يهدِّد الثقافيَّ يبقى قائماً، ويُنذر بأخطار محتملةٍ، ومهدِّدةٍ لما تَحَقّق في مجال الحرّيات العامّة، وعلى مستوياتٍ متعدِّدة، أبرزها الدونيّة في النظر إلى الثقافة وإلى مؤسّساتها، أو على مستوى دعم استراتيجيات التنمية الثقافيّة، وبرامجها، ومشاريعها، مقابل تغوّل الطائفية الثقافيّة، وإشاعة بعض هواجس الخوف من المُختَلِف، أو ما يتعلّق بحرّية الرأي والخصوصيات الثقافية، والتي تُعيد إنتاج السؤال الإشكالي القديم، حول العلاقة ما بين السّلطة والمثقّف، أو بين الحرّية وذاكرة الاستبداد والعنف.

***

نهاد الحديثي

 

سير جمالي بين الفن والبحث والابداع والابتكار تقصدا لقول ما في الذات فنيا وجماليا.. ذات ترى في الفن مجالا طافحا بالكثير من رغباتها والحلم..هذا الحلم الذي هو بمثابة أرضها الملونة والمزدحمة بالرؤى..و الأفكار..

قدمت عملا فنيا مميزا جماليا وأسلوبيا ضمن فعاليات الدورة الثالثة لأيام قرطاج للفن المعاصر ..

الفن بما هو عالم بأسره حيث الذات الفنانة في حوارها المخصوص تجاه الذات والآخرين والعالم في ضروب من التقصد والتشوف والحلم أمام عالم بتبدلاته القديمة والحديثة اذ تبرز العناصر والأشياء كينابيع لتوليد الرؤى والأفكار وما به تسعد الذات وهي في جوهر اشتغالاتها الانسانية والوجدانية والجمالية بكثير من حرقة النظر والسؤال ...و القلق المبين.

انها لعبة الفن الدالة الى الدواخل وهي تزخر بالرغبات الجامحة حبا في القول والافصاح وفق تعبيرية تنحت من ظاهر التفاصيل حوارا ملونا بممكنات الفن من تلوين ورسم مثلما تملي علينا هذه التجربة التي نحن بصددها والقائلة بالابداع الفني في رصد الأحوال على هيئاتها الشتى حيث الفكرة وتقاطعات التعاطي معها لينتهي الأمر الى ما يشبه سحرا سرديا ديدن الذات المنتجة له الذهاب بعيدا في دروب الفن وبخصوصية وتفرد هما العنوان المشتغل ضمنه والمبحوث عنه ليصار الى حلم مفتوح...

هكذا هي الممارسة الفنية التي نظرت الى بعد من أبعادها وفي زاوية من زواياها المتعددة فنانة عملت من سنوات وضمن شغفها الفني المأخوذ بالرغبة في الابتكار والبحث الدائم ليصير العمل الفني عبارة الذات .. ذات الفنانة وهي في عنفوان اشتغالها على بهائها التشكيلي المتقصد والموزع على أعمالها الفنية المنجزة من سنوات فضلا عن الغوص في بحار البحث الأكاديمي لأجل منجز يفصح عن خصائصه وبضفتين مهمتين عموما في مجالات الفنون التشكيلية...2031 صابرة

ولع فني وذهاب ضمن الآفاق الجمالية تجاه الطفلة حيث المسافات الملونة بين الذكرى و الاستعادة والحلم في كون يمضي من الذات ليعود اليها في تجواله مع الآخرين.. حلم مزركش وفضاء ملون بما فوق واقع النظر وهو ما ترنو اليه منجزة اللوحات متعددة أحوال الفتاة في ضرب من الارغام على القراءة واعادتها والنزر ومداومته بتعدد الأسئلة عن الفكرة والأسلوب وتفاصيل العمل ..الموضوع..التيمة.

.. وهكذا هي اللعبة الفنية الجمالية عند الفنانة التشكيلية والباحثة صابرة بن فرج التي تقدم عملها الفني في سياق رؤية تعمل عليها بعيدا عن الاعتباطية والعفوية فاللوحة لها كونها الجمالي والتعبيري في سياقاته المتخيرة من قبل منجزتها التي ترنو الى الاضافة ضمن عملها الفني الدؤوب حلما بتجربة ثرية ومؤثرة في مسارات الفن التونسي المعاصر، وكذلك في المشهدية التشكيلية الوطنية والعربية .

الفنانة والباحثة صابرة بن فرج كانت لها مشاركات فنية وثقافية في عدد من الفعاليات ذات الشأن الفني الجمالي فضلا عن معارضها الفردية ومشاركاتها في المعارض الجماعية الى جانب المساهمات العلمية والنقدية في الندوات الأكاديمية كما كانت لها مشاركة متميزة لفتت اليها أنظار الفنانين والنقاد وجمهور الفن التشكيلي وطلبة الفنون الجميلة في فعاليات المعرض الدولي الذي نظم في إطار أيام قرطاج للفن المعاصر في دورتها الثالثة خلال شهر ماي الفارط بعد استمرارها لخمسة أيام بمشاركات واسعة تونسية وعربية ودولية ضمت عددا مهما من الفنانين وأصحاب الأروقة الخاصة التونسية والعربية والعارضين ضمنها بالمناسبة.و من خلال قراءة لعملها المشاركة به وهو "حوار" من خلال وسائط مختلطة على قماش، والحجم: 120 * 75 سم نلمس في تعاطي الفنانة صابرة معه فنيا وجماليا جدية فائقة فهو عمل فني تميز بأسلوبه ومضامينه ضمن حيز من الاشتغال الفني تخيرته صابرة وعملت عليه حيث الفن لديها عناصر جمال وابتكار ورسائل وجدانية وإنسانية متعددة ضمن عنوان الفن كحالة إبداع وإمتاع....هذه المشاركة النوعية للفنانة صابرة تمت بحضورها ضمن قرطاج الثالثة للفن المعاصر في إشراف لوزارة الشؤون الثقافية وبعيدا عن هذا العمل الفني المميز تعددت أعمال الفنانة والباحثة بن فرج . هذا وتواصل الفنانة التشكيلية تجربتها ضمن العمل والنشاط، حيث مشاركاتها المتعددة في المعارض، فضلا عن الفعاليات الثقافية والجمالية...و ضمن التعاطي والرأي الفني بخصوص تجربة الفنانة صابرة " ... لاحظت لأول مرة موضوع الطفولة. فكانت مجموعة من اللوحات التي تم إنتاجها باستخدام “تقنية مختلطة” وذلك بين عامي 2014 و2017. حيث نرى أن هناك فتاة صغيرة وغالبًا من الخلف وأحيانًا في أوضاع أخرى ويصعب التعرف عليها، إن لم نكن نعرفها على الإطلاق ومظهرها ونموذجها. الثابت الآخر لهذه السلسلة هو الخلفية المتنوعة التي تظهر عليها الزخارف المرسومة   وربما أيضًا "منقولة" مثل الملصقات، وهذه الزخارف قادرة على أن تكون "واقعية" إلى حد ما فيما يتعلق بالتقليد المحاكى لإعادة إنتاج المرئي. . لقد قلت "خلفية" ولكنها في الواقع عبارة عن تشابك يسمح فيه الورق الشفاف بشكل أو بآخر بظهور هذه التفاصيل ويمكن للمرء أن يقول إن كل شيء "مقلوب" بدلاً من استحضار "الطرس"- عنوان معرضي الفردي الأول في عام 2017. ومع ذلك، لا يمكن رفض هذه الفكرة بشكل كامل لأنه إذا كان الأمر يتعلق بالفعل باستحضار الطفولة، فهناك بالضرورة عملية استكشاف من خلال الطبقات المختلفة من ذاكرتها، مما يعيد في بعض الأحيان تعبيرات طفولية وأحيانًا الصور، وأحيانًا الرسوم التوضيحية مثل تلك الموجودة في بعض الموسوعات، أو حتى جوانب أخرى من البيئة التي عاشت فيها...ثم تتبادر إلى ذهني عدة إشارات: الحلم الذي تظهر لنا فيه الذكريات مرتبطة بشكل مختلف بتركيبات غالبًا ما تكون غامضة؛ بعد ذلك، من هذه الإشارة الأولى وهذه المرة إلى مجال الفن، تظهر السريالية نفسها لأن إحدى أساليبها كانت على وجه التحديد الارتباط الحر، الذي اقترحه سيغموند فرويد في البداية لتعزيز ظهور الذكريات المؤلمة المحتملة. لكن في الممارسات الفنية، تأخذ هذه الارتباطات منحى أكثر عمومية ولا ترتبط بالضرورة بأحداث غير مرغوب فيها. باختصار، إن جزءًا من تاريخنا المشترك هو ما نجده في هذه السلسلة من اللوحات التي تستحضر العصور الأولى لوجودنا...". تجربة مفتوحة على عوالم هي آفاق العمل الفني للفنانة صابرة التي عانقت منذ ولادتها بحر روسبينا نظرا وامتلاء لتنهل من تفاصيل المهدية حيث الاقامة ولاحقا مشكلة فكرتها الفنية التي قادتها الى حضورها البارز بحثا وفنا ومشاركات متعددة فهي حاليا أستاذة مساعدة متعاقدة بالمعهد العالي للفنون والحرف بالمهدية بعد سنوات من التدريس لمادة التربية التشكيلية بالمدارس الاعدادية كما كانت لها أنشطة بعدد من النوادي والتربصات على غرار نادي الفن التشكيلي، إختصاص رسم زيتي بدار الثقافة إبن شرف بقصور الساف والتربص في ورشة الحفر في إطار ملتقى الإبداع الفني والحرفي بالمكنين و. تربص في ورشة صناعة الأقنعة بالمهرجان الدولي للمسرح الجامعي بالمنستير في دورته السادسة عشر وصولا الى القيام بتربص بحث علمي بجامعة باريس 1 (بتيون سوربون) / institut  سنة2018  مع تجربة التنشيط في ورشة الفنون التشكيلية بالمركز الثقافي والرياضي الجامعي يحي بن عمر بسوسة والمشاركة في ورشة الرسم الزيتي المنظمة من طرف المندوبية الجهوية للثقافة بأريانة بمناسبة اليوم العالمي للزيتونة وكانت لها مواكبات علمية منها مواكبة محاضرة تكوينية مقدّمة من طرف الأستاذ "Bernard Darras"  تحت عنوان: "Formation polytechnique et pedagogie de projet en Master métiers du multimedia interactif" المنظمة في إطار الندوة الدولية "تدريس الفنّ والتصميم والوسائط".و بخصوص معارضها فقد كانت بين الفردية والجماعية ومنها

المعرض الفردي بعنوان: "طرس/ Palimpseste" سنة 2019برواق دار الثقافة ابن شرف بقصور الساف. والمعرض الجماعي في إطار الملتقى الأول للفنانين التشكيليين بالمهدية سنة 2014 والمعرض الجماعي حول التراث المنظم في إطار المهرجان الدولي لفلم التراث بسوسة برواق المتحف الأثري والمشاركة في المعرض الجماعي "الواصلة" المنظم من طرف إتحاد الفنانين التشكيليين بالمركز الثقافي محمد معروف بسوسةسنة 2019 و المشاركة في المعرض الدولي الجماعي "الدّولِي يُنْجَزْ" المنظم في إطار أيام قرطاج للفن المعاصر بمدينة الثقافة تونس والمشاركة في المعرض الدولي الجماعي "ثلاث نقاط بعد النقطة" المنظم من طرف الرابطة التونسية للفنون التشكيلية بدار الثقافة المغاربية ابن خلدون خلال سنة 2020 والمشاركة في المعرض الجماعي "بدايات" برواق المكتبة الوطنية بتونس و المشاركة في "صالون الحمامات الأول للفن الراهن" برواق المدينة للفنون المنظم من طرف الجمعية التونسية للفنون البصرية والمعهد العالي للفنون الجميلة بتونس  وفي العروض القياسية قدمت سنة 2016 عرضا قياسيا بعنوان"الكلام عليك والمعنى على جارك" في إطار الأيام الدراسية والتطبيقية للمسرح والفنون المرئية بالعهد العالي للفنون الجميلة بسوسة..و بخصوص مشاركاتها العلمية فانها عديدة ومنها المشاركة بمداخلة علمية تحت عنوان: "الطرس: طمس وترميم للذاكرة الطفولية" في الندوة الوطنية "عفوية الطفل وعقلنة الفنان" المنظمة من طرف "جمعية إبن رشد للفكر والإبداع" وذلك في إطار مهرجان علي بن سالم للفن التشكيلي بالقلعة الكبرى سنة 2018 ...و المشاركة بمداخلة علمية تحت عنوان: "التكنولوجيا الحديثة في الفنّ التشكيلي العربي وإشكالية التلقي" بالندوة الوطنية "الفن المعاصر بين المضمون والتقنيات" المنظّمة من طرف الرابطة التونسية للفنون التشكيلية سنة 2018 والمشاركة بمداخلة علمية تحت عنوان: "المحسوس المُعزز وخصوصية التواصل في تجربة "سينوكوزم" الرقمية" بالندوة الدولية "أي محسوس في الفنون؟" المنظّمة من طرف الجمعية التونسية للجماليات والإنشائية "ATEP" والمعهد العالي للموسيقى والمسرح بالكاف، جامعة تونس، جامعة جندوبة وجامعة باريس8 سنة 2021  ولها اسهامات من خلال مقالات علمية منها صدور مقال لها بعنوان "الحياة المعاصرة: من خلال قراءة لأسلوب التبسيط في أعمال الفنان التشكيلي التونسي وسام العابد" في مجلة "فنون" التونسية الصادرة عن وزارة الشؤون الثقافية سنة 2019 وصدور مقالها بعنوان "منزلة العمل الفني والمشاهد من خلال قراءة في تجربة الفنان البصري وسام العابد" في مجلة "التشكيلي" المغربية وهي مجلة دورية تهتم بالفنون الجميلة الصادرة عن مدارات للثقافة والفنون خلال سنة 2022...و لها بحوث جامعية منشورة منها بحث جامعي منشور في صيغة كتاب بعنوان "الصورة الفيديوغرافية والحميمي المصغّر: تقليص واحتواء" عن دار نور للنشر. ومن مشاركاتها في الملتقيات الثقافية نذكر مثلا المشاركة في ملتقى الشعراء الطلبة بالمركز الجامعي للتنشيط الثقافي والرياضي برقادة القيروان والمشاركة في ملتقى المبدعات العربيات بجنان بومرداس...و هي حاصلة على عدة جوائز منها الجائزة الأولى في إطار المشاركة في المسابقة الجهوية للفن التشكيلي بين المدارس الإعدادية والجائزة الثانية في إطار المشاركة في مسابقة الرسم المنظمة من طرف جمعية البحث والمعلومة حول السرطان للمركز التونسي وذلك تحت شعار "le cancer vu par l’artiste".كما أنها شاركت في تنشيط البرنامج الثقافي والفني المواكب لمعرض تونس الدّولي للكتاب سنة 2017 وفي الأمسية الفنية الثقافية ليالي رمضان 2017 بنادي الكشافة بقصور الساف والإشراف على ورشة الرسم التوعوية والتحسيسية الموجهة للأطفال بالمدرسة الإبتدائية إبن خلدون والمشاركة في ورشة "الرسم الزيتي" المنظمة في إطار سمبوزيوم عيد البحر للفن التشكيلي بالمهدية واقتنت لها الدولة من خلال وزارة الشؤون الثقافية عددا من الأعمال الفنية في نتاسبات متفرقة منها لوحة بعنوان "تمثلات"، التقنية: ألوان زيتية على قماش، المقاييس: 80/60 صم، 2013، في المعرض الجماعي المنظم في إطار الملتقى الأول للفنانين التشكيليين بالمهدية ولوحة بعنوان"خربشات في الذاكرة"، تقنيات مزدوجة على قماش، المقاييس: 1.20/1.80 صم، 2014، في المعرض الجماعي "مقامات جمالية" ..

تجربة فنية ومسار مفتوح على البحث والحرص على الابداع والابتكار تقصدا لقول ما في الذات فنيا وجماليا..ما في ذات الفنانة صابرة بن فرج التي ترى في الفن مجالا طافحا بالكثير من رغباتها والحلم..هذا الحلم الذي هو بمثابة أرضها الملونة والمزدحمة بالرؤى.. والأفكار.

***

شمس الدين العوني

كنا نقضي معظم أوقات طفولتنا في بيوتنا او نلعب في الحارة مع أبناء الجيران. كنا ننام مبكراً ونستيقظ مبكراً، الى ان دخل التلفاز الى بيوتنا وأصبح مهماً في حياتنا، وبدأنا نشاهد الأغاني والأفلام والمسلسلات العراقية والعربية والاجنبية. كانت القصص تدور حول البطل والبطلة والمجرم، وتنتهي بانتصار البطل، وكنا نسميه "الولد" لأنه مع الحق، ويخسر المجرم لان الشر يجب ان يخسر. كان هذا السيناريو مفهوم ومقبول ومحبوب اجتماعياً ومن قبل الإباء والابناء.

تطورت التكنولوجيا وتغير الزمان، ولم تعد قصص الماضي تشد القارئ او السامع او المُشاهد في القرن الواحد والعشرين. والإنتاج الفني صناعة تجارية لا بد من استمرارها وضمان ربحيتها، وهذا حق مشروع لا ننازع فيه أحد. ما يمكننا ان ننازع فيه هو ما الذي يقدمه هذا الفن الذي دخل بيوتنا ولا نقدر على منعه وعدم مشاهدته. نعم انه لهو وتسلية بالدرجة الأولى، انه ليس مُنتج إرشادي ديني او علمي أكاديمي، انه "بزنس" (تجارة)، نعم انه بزنس، ولكن ما تأثير هذا النوع من وسائل الترفيه علينا وعلى الشباب وعلى الكيان العائلي! هل يقدم لنا النموذج الأفضل من ان الجريمة لا تجدي، وان المجرم سيُقتل او يسجن!

لا أنكر من انني أحد المشاهدين للمسلسلات اللبنانية والسورية والمصرية والتركية المدبلجة. كذلك اشاهد الأفلام والمسلسلات الامريكية. لا تندهشوا إذا قلت من ان الأفلام والمسلسلات الغربية ذات قيمة معنوية واخلاقية أفضل وأرقى من المسلسلات العربية. الغرب أضاف الرعب والدماء والغموض والالفاظ البذيئة الى انتاجه الفني، إلا انه لم يفقد بوصلة النهاية، "الحكمة من الحكاية".

تُقدم لنا المسلسلات الحديثة سيناريوهات تعيد نفسها، اخوة يتصارعون على نفس الفتاة، خيانة زوجية مع اخ الزوج او اخت الزوجة، الكل لديهم أبناء غير شرعيين يظهرون فجأة في منتصف المُسلسل، غنى فاحش، سلطة ونفوذ غير محدود، قصور فارهة لا يملك مثلها حتى الامراء والملوك.

كي يطلب اليد للخطبة يحجز المطعم برمته، مصحوباً بغابة من الورود وموسيقى تعزفها شابة انيقة، يختات في البحار، طائرات خاصة، اما الملابس فحدث ولا حرج، كلها ماركات مشهورة وغالية، لم تظهر الفتاة بنفس البدلة أكثر من مرة واحدة، احياناً نفس اليوم بدلتين او أكثر. بذخ مفتعل وسخيف ورخيص، ونفس السيناريو يعيد نفسه مرات ومرات ومرات، وتتحول قصة قصيرة الى خمسين او ستين حلقة او أكثر.

دعك من كل هذا لان ذلك ربما حشوٌ لتسويق عدد أكبر من الحلقات! المهم القيمة والحكمة والدرس والإرشاد الذي سيستفيد منه المشاهد الكريم في النهاية. سابقاً كان المجرم وحده الذي يرتكب الجريمة، اما في مسلسلاتنا العربية والتركية، فإن الجريمة حق مشروع للجميع! وكأنها جزء من العادات والتقاليد الموروثة.

أما الخيانة الزوجية، الجريمة النادرة المخلة بالعرض والشرف فإنها لم تعد حكراً على الرجل الذي كان يمارسها مع بنات الهوى، وانما أصبحت ضمن حقوق المساوات بين الرجل والمرأة، والخيانة أصبحت خطأ او زلة لابد من تفهمها وتقبلها وعدم تحطيم اسرة اُسُسَها مرصوصة بالمجوهرات والجاه والقصور والمال والبنون.

أما "البزنز"، فكلهم يتعاملون بمليارات الدولارات، وكلهم نكتشف لاحقاً، انهم يتاجرون في المخدرات والأسلحة والأدوية المغشوشة، وانهم متغلغلين في أجهزة الشرطة والقضاء، ولا أحد في الدولة لا يُشترى او يُباع. والعجيب كلهم خبراء في الكمبيوتر والنت والفوتوشوب والتزوير والمكائد.

يُعرض حالياً مُسلسل لبناني "كريستال" ومُسلسل تركي مُدبلج "فريد"، ومُسلسل مصري "أنا شهيرة_ أنا خائن". دعني احدثكم عن الأخير أنا شهيرة، وشهيرة دكتوراه صيدلة، اعترف لها زوجها بندم انه خانها، لم تُضع وقتاً ابداً ذهبت في نفس اليوم وضاجعت زوج صديقتها المقربة اليها، وهي بذلك سددت الدين وانتقمت من زوجها بهتك عرضها وعرضه. مُسلسل فريد يتزوج من فتاة جميلة زواج عائلي علماً ان لديه حبيبة وهي لديها صديق، لا ينامون على فراش واحد وحوار لا نهاية له بينها لم ينتهي بالموسم الأول وانما مُستمر الى الموسم الثاني. أما مُسلسل كرستال الرائع! مبنيٌ على صراع بين فتاتين بنت العائلة الغنية مصممة الأزياء المشهورة مع بنت السائق التي تخدم في البيت، نافستها في مهنة التصميم وعلى الدكتور الذي يُحبها. مسلسل طويل عريض مليء بالخيانات والسرقات والمكائد والصراخ وأجمل عرض للأزياء، حتى الخادمات يلبسن ماركات مشهورة.

نتيجة هذه المسلسلات ان "كلوا محصل بعضوا" ليس مُهماً ان تكون طيباً او حريصاً او شريفاً، المهم ان تعيش برفاهية وتملك قصور وسيارات وطيارات وووو. وإذا كان هذا يتطلب ان نغش بمنتوجاتنا فبها، او نتاجر بالمخدرات والأسلحة ماكو مشكلة إذا لم نوفرها نحن سيوفرها غيرنا ويكسب مكسباً نحن أحق به.

هل فكر المجتمع، ما هو تأثير هذه المسلسلات التافهة على الشباب وعلى الروابط العائلية. أنا شخصياً لا أؤمن بالرقابة الحكومية الصارمة، التي مهمتها كتم الأصوات، وحذف الانتقادات الموجهة للحكام، ومنع مشاهد الخلاعة، وحذف الكلمات البذيئة، وغير ذلك. ولكن هناك رقابة تربوية واجتماعية، وتوجيهية لمجمع أفضل مفقودة من المعادلة. لا أتوقع ولا أشجع تلقين مجتمعنا ما هو صح وما هو خطأ، لكن ذلك لا يعني ان اخضعهم لغسيل دماغ مستمر صورة وصوت وتشويق، كل دلالاتها تشير ان لا تكون غبياً في هذه الدنيا، لأنها لا تؤخذ إلا غلاباً.

لا أدرى هل لاحظ اساتذتنا في علم النفس والاجتماع هذه الظاهرة، هل بحثوا مدى تأثيرها على العلاقات الاجتماعية، هل هناك بحوث اكاديمية على مستوى الماجستير والدكتوراه، هل درسوا ما تأثير ان تكون الخيانة الزوجية مجرد خطأ، يُحل بالاعتذار، وما هو تأثير ذلك على خريجوا الجامعات الذين لم يحصلوا على وظائف، ويشاهدون في المُسلسلات كيف ان المجرمين يعيشون حياة بذخ دون حساب او كتاب. أسئلة كثيرة نطرحها امام المختصين بالسلوك الإنساني كي يُبدوا رأيهم، لأننا امام كارثة سلوكية حالية ومستقبلية من أجيال متأثرة بما تتعلمه من المُسلسلات التافهة التي احكمت سيطرتها على الإنتاج الفني الأكثر رواجاً. المُسلسلات أضحت المؤثر الأقوى على تربية الأجيال الحالية والقادمة.

***

محمد حسين النجفي

رئيس تحرير موقع أفكار حُرة

 

تاريخُ ميلاده غيرُ ذلك الّذي في دفاتره المدرسيّة والجامعيّة ولا حتّى في أوراقه العسكريّة والإداريّة وليس ذاك المُسَجّل في البطاقة الشّخصيّة وفي جواز سَفره.

تقول أمُّه إنّها وضعته عند الحصاد ولم يكن والدُه حاضرًا وقتَها فقد كان يعمل في تونس العاصمة… ذلك عهدٌ لم تكن الإدارة موجودةً ولا قريبة من – بئر الكرمة – القريبِ من بلد ـ غُمْراسِنْ ـ حيث رُبوعُ أهله الممتدّةُ على مدى البصر في الجنوب التّونسيّ.

كان الثّالث في المواليد.

أختُه ـ آسيا ـ هي الأولى وقد تُوفّيت بعد شُهور.

أخوه ـ الحبيب ـ مات وقد قارب عامه الأوّل.

وشاء اللّهُ للمولود الثّالث أن يعيش مِنْ بعدهما شهورًا حتى بلغ عامه الثّاني وبعد أن تأكّدت العائلةُ أنّ الموت لن يخطفه ـ مثل أخته وأخيه ـ قرّرتْ بالإجماع تسميته باِسم جدّه فقصد أبوه يومَ السّوق الأسبوعيّة شيخَ البلد وسجّله في دفتره بتاريخ ذلك اليومِ ـ وهو اليومُ السّابع من الشّهر الثّامن من سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة وألف ـ لذلك يرى لزوم ما لا يلزم أن يحتفل بعيد ميلاده الذي لم ينتبه له أحدٌ قبل بلوغه العشرين وشكرا على كلّ حال لمن يُهنئنه ويذكّره بالمناسبة.

أمّا اِقتراحُ اِسمِه فقد اِتّخذه مجلسُ العائلة برئاسة الجدّات اللّواتي اِتّفقن بالإجماع أن يكون اِسمُ الحفيد الأوّل على اِسم جدّه وذلك على سُنّة قومه وتقاليدهم منذ سابق الدّهور جيلا بعد جيل.

وحكاية اِسمه…ما حكاية اِسمه؟

تَسَمّى على اِسم جدّه الّذي تَسمّى على الفارس والشّاعر اللّيبي ـ سُوف المحمودي ـ الّذي ذاع صيته وقتذاك أي في النّصف الثّاني من القرن التّاسع عشر وكلمة ـ سُوف ـ في اللّغة العربيّة تعني الرّمل الرّقيق الليّن أمّا في اللّغة الأمازيغيّة فهي تعني ـ الوادي ـ والكلمة هي اِسم مدينة – وادي سُوف – في الجزائر وتعني كذلك اسم مدينة ـ سُوف الجين ـ أي الوادي الكبير وهي تقع في جنوب ليبيا وثمّة مدينة في بلاد الأردن قرب عَمّان تُسمّى أيضا ـ سُوف ـ وهي قائمة على وادٍ كذلك وقد زرتُها برفقة الصّديق الشّاعر يوسف رزوقة سنة 1992 بمناسبة مهرجان ـ  جرش ـ فظهر من غدٍ في إحدى الصّحف  خبرٌ عن هذه الزّيارة بعنوان “سُوف في سُوف”.

ومن طرائف المواقف التي وجدتُني فيها بسبب نُدرة اِسمي أنّه بينما كنت ضمن مجموعة من الشّعراء والشّاعرات العرب في أمسيّة شعريّة أقامها أحد الأنديّة الثّقافيّة على هامش مهرجان المربد بالعراق سنة 1986 إذ بمديرة الأمسيّة تقف على المنبر وترحّب بنا ثم تَفتتِح القراءات الشعريّة داعيّة في البداية – شاعرة تونسيّة – تكريمًا للمغرب العربي ّولتونس الخضراء قائلةً مرحبًا بالشّاعرة التّونسيّة الجميلة والأنيقة القادمة من بلاد الياسمين والزّيتون بلاد أبي القاسم الشّابي فتعجّبتُ واِستغربتُ حينها لأنّ المجموعة الّتي جئت معها إلى الأمسيّة لا شاعر ولا شاعرة فيها من تونس إلاّ أنا ثمّ أردفتْ قائلةً لتتفضّل ـ الشّاعرة سَوْفَ عُبيد ـ فاِنطلقتِ الأكُفّ بالتّصفيق الحارّ خاصةً من اِلّشباب فتسمّرتُ في مكاني لحظةً ثمّ عزمت ووقفتُ وقصدتُ خطوةً خطوةً المنبر ووقفتُ وقد ظنّ الحاضرون أنّني الشّخصُ المكلّفُ بتثبيت المِصدح والعناية به وعندما مكثتُ بُرهةً واقفا اِستثقلني الجمهور وأشار لي البعضُ بيده أن أنصرف بينما اِشرأبّتِ الأعناق باحثةً عن الشّاعرة التّونسيّة ـ الجميلة والأنيقة ـ فما كان منّي إلا أن اِقتربتُ أكثرَ من المصدح وقلتُ أهلا بكم أنا هو ـ الشّاعرُ التّونسيُّ سُوف عبيد ـ  فاِهتزّتِ القاعة الكبيرة والمكتظّة بالضّحك والتّصفيق غير أنّ تصفيق الفتيات كان أقوى وأحرّ وأظهرن الشّماتة بالفتيان…وكانت أمسيّة..!!

***

سُوف عبيد ـ تونس

سألت الذكاء الإصطناعي أن يكتب لي قصيدة حب بالعربية، مستخدما أحد تطبيقاته، ففاجأني بقصيدة مع ترجمتها وهذا ما كتب:

"في عيونك تسكن النجوم

وفي قلبك ينبض الحب

أنت نوري وأنت حلمي

أنت الوجود وأنت الغيب

*

معك تتلاقى الأرواح

تتراقص القلوب بالأنغام

يا حبيبي العزيز أنت

الشمس التي تشرق في الأفق الهام

*

أنت روحي وأنت حياتي

أسراري وأماني العميقة

دعنا نمضي سويا في الزمان

متشابكين في حب عاشق ورقيقة

*

أعشق عينيك الساحرتين

تنيران طريقي في الظلام

أنت لي القمر والنجوم

أنت لي السعادة والأحلام

*

دعنا نبني عالما لنا

مليئا بالحب والوفاء

أنت وأنا، يا حبيبي

نكتب قصة حياة جميلة

*

في عيونك أجد السلام

ومعك تصبح الحياة جنة

أنت حبي الأبدي يا حبيبي

أنت لي ملاذي وأماني الحقيقة

*

أحبك في كل لحظة

وسأظل أحبك إلى الأبد

أنت روحي وأنت قلبي

في حبك يا حبيبي نجد الأبد"

لم أحرر ما كتبه، وأخذت أتأمله متسائلا عن مستقبل الشعر، والحاجة للقشرة الدماغية، التي ربما ستصاب بالإضمحلال والضمور، لإنتفاء الحاجة إليها، ما دامت الآلة ستغني عنها.

ترى ما هو الشعر عند حضرة الذكاء الإصطناعي؟!!

وهل من مُفندٍ لِما كَتَبْ؟!!

فهل هو شعر أم ما يشبه الشعر؟!!

***

د. صادق السامرائي

2\12\2023

يكون الإبداع لأول وهلة ناقص الصورة غير مكتمل، لذلك يلجأ الشاعر ضرورة إلى مراجعته وتصفيته وغربلته، ويحذف منه الفضول والزوائد التي يمكن أن تنقص من قيمته، وتتحكم في مرحلة التنقيح والتثقيف "القوة المستقصية الملتفتة، ويعينها حفظ المعاني والتواريخ وضروب المعارف "، ويدل التنقيح في حقيقته على رغبة المبدع في أن يخرج إبداعه مبرأ من العيب، خالصا من الشوائب، مصفى من كدر العي، كاملا لفظا ومعنى ونظما و إيقاعا وتصويرا، ويدل التهذيب في جانبه الآخر على إحساس بالنقص، واتهام للإبداع، فالمنقح أو المحكك لا ينظر بعين الرضا لإبداعه لذلك نجده يعيد فيه النظر؛ ينقص منه ويزيد فيه، ويعد له، ويثقفه، حتى تكتمل صورته ويصير في حلة بهية وصورة مقبولة شكلا ومضمونا.

إن مقولة الطبع وربط التفوق الشعري بالقدرة على القول دون صعوبة أو معاناة، لا يتنافى البتة مع مراجعة الأشعار بعد أن تخرج إلى الحياة، إذ يأخذها بالرعاية والتهذيب حتى تستقيم متونها وتكتمل صورتها مشتملة على شروط الجودة، لهذا السبب وغيره رأينا جملة من الشعراء يربطون جودة الشعر بالتهذيب والتصفية، إذ كان الحطيئة يردد" خير الشعر الحولي المحكك"، والحولي هو الذي مر عليه الحول، وسبيل شعر ينظر فيه صاحبه حولا كاملا أن يخرج مستويا ناضجا صالحا لأن تلتهمه الجماهير، ومعروف أن الحطيئة ينتمي إلى مدرسة زهير بن أبي سلمى المعروفة بالصنعة، حيث كان المنتمون لهذه المدرسة يولون أهمية كبيرة لتنقيح أشعارهم وتهذيبها وإخراجها إخراجا واعيا متأنيا، وكان زهير قد أخذ هذه الطريقة عن أوس بن حجر وطفيل الغنوي، ومثل هؤلاء الشعراء يدخلون تحت مسمى" الشاعر المتكلف" وهو"الذي قوم شعره بالثقافة و نقحه بطول التفتيش وأعاد فيه النظر كزهير والحطيئة"، ولا شك أن تقويم الشعر وتنقيحه بطول التفتيش و المدارسة وإعادة النظر يعكس في حقيقته قناعة لدى الشاعر مفادها أنه لا يرضى بأول خاطر فيعمل على سد ما في إبداعه من ثغرات ورتق ما فيه من فتق قد لا يظهر للوهلة الأولى، لذلك حذر النقاد من مغبة إخراج الإبداع دون مراجعة، خاصة وأن الشعر عقل المرء يعرضه، كما حذروا من أن يغتر الشاعر بإبداعه ويحسبه بالغا مرقاة

التمام ويخرجه دون غربلة، فتكون النتيجة وبالا عليه.

٢ - اقتران الجودة بالتنقيح:

يقرن الحذق والجودة عادة بالتنقيح وتفقد الشعر إذ " لا يكون الشاعر حاذقا مجودا حتى يتفقد شعره، ويعيد فيه نظره، فيسقط رديه، ويثبت جيده، ويكون سمحا بالركيك منه، مطرحا له، راغبا عنه، فإن بيتا جيدا يقاوم ألفي رديء".

إن مراقبة الشعر وتفقده وإعادة النظر فيه يكون الهدف منه في الغالب إسقاط الرديء وإثبات الجيد لفظا ومعنى وتركيبا، وكان أبو نواس من الذين يفعلون هذا الفعل" فينفي الدني ويبقى الجيد"، وكان " يعمل القصيدة ويتركها ليلة ثم ينظر فيها، فيلقي أكثرها ويقتصر على العيون منها، فلهذا قصر أكثر قصائده "، وغالبا ما تكون القصائد الجياد قصيرة، وكان الحطيئة الذي يدخل ضمن خانة" عبيد الشعر" " يعمل القصيدة في شهر وينظر فيها ثلاثة أشهر ثم يبرزها"، وهنا تكون المدة بين الإنتاج والإخراج أربعة أشهر، وهي مدة طويلة تعطي للشاعر الفرصة لإضافة ما يمكن إضافته، وحذف الزوائد والفضول، وتغيير التراكيب، وتقديم ما ينبغي أن يقدم، وتأخير ما يجب أن يؤخر، حتى يستوي الإبداع ويصير مستحقا للعرض على الجمهور.

***

قلم: احمد عزيز الدين احمد

كاتب وروائي وشاعر

 

في المثقف اليوم