أقلام فكرية

غياب الزمن في وهم الدلالة

علي محمد اليوسفهل الزمن وجود ادراكي للعقل ام هو موضوع يبتدعه العقل خيالا ام هو مفهوما ادراكيا ميتافيزيقيا لا يصل حقيقته عجز العقل الانساني المحدود؟ فرضية الزمان يمتلك قابلية ادراكه المغيّب فيزيائيا بدلالة قياس مقدار حركة الاجسام داخله ما يجعل امكانية التشكيك ان الزمن كموضوع او مدرك عقلي غير موجود إحتمالية واردة فلسفيا.

خاصة في الفلسفات المثالية التي تقول ما لا يدركه العقل غير موجود ولا اهمية الانشغال بمعرفته. ذهب نيتشة ان الوجود وليس الزمن وحده مفهوم افتراضي غائم لا يدركه العقل بوضوح محتوياته ولا بدلالة غيريته مع الاخر التي هي وهم افتراضي باعتبار الوجود مفهوم اخترعه العقل من عدم لا يمكن البرهنة عليه.. واعتبر الوجود بلا معنى نبحث عنها ليس في تعدد مباحث التفتيش عن معناه بل في طبيعته المعجزة الميتافيزيقية ما فوق ادراك العقل الذي لا يعي الا ما يدركه فقط..

كثيرة جدا المدركات من حولنا في الطبيعة والعالم ندركها ماديا بدلالة المغايرة المكانية او السيرورية بغيرها من دون ادراكنا ملازمة الزمن لها. الشيء بالشيء يدرك وليس الشيء بالشيء يذكر فقط. وهذا النوع من الادراك غير المباشر القائم على الدلالة المغايرة بالعلاقة الشيئية بين الموجودات والمواضيع هو ادراك لازمني اي غير زمني بمعنى هو يقوم على علاقة الشيء بغيره مكانيا دونما الحاجة الى زمان يؤطر وجودهما الادراكي المتعالق. وهذا الافتراض بمعيارية علم الفيزياء وبعض الفلاسفة محال. فلا يمكن ادراك المكان من غير ملازمة زمانية له. والبداية الفلسفية الجادة حول هذه الموضوعة كانت لـ(كانط) في كتابه الشهير نقد العقل المحض.

وبهذا الفهم المتشعب نفترق امام طرق متباينة مختلفة تجعلنا نشكك بالوجود الارضي كاملا على انه وهم من الخيال العقلي التأملي المصنوع خارج الزمن حاله حال جميع المفاهيم المطلقة مثل الهواء، الضوء، الاخلاق، العواطف، الضمير.. الخ. التي ندركها بدلالة وجودية مغايرة لها لازمنية.

فكل قيمة معرفية مدركة يمكن تفنيد وجودها الاصطلاحي حين تصبح مفهوما لا يدركه العقل بدلالة موجودية مادية اخرى تلازمها يعقلها العقل ويعبّر عنها المنطق اللغوي. المفهوم حقائق ميتافيزيقية غائمة لا حضورية الادراك كما في ملازمة العلاقة السيرورية المكانية ممثلة في ادراكاتنا الاشياء المادية كمصطلحات متفق عليها إجماعيا.

الزمان مفهوم ميتافيزيقي مطلق مدرك بالدلالة المغايرة له بالماهية والصفات للاشياء الاخرى. هنا يصبح التشكيك الخاطيء بهذا التفكير الفلسفي واردا ليس من جهل العقل معرفة التمييز بين تصادم اختلاف المجانسة النوعية التي تقوم على امكانية العقل معرفة كل تجانس نوعي (الماهية والصفات) للاشياء ومواضيع الادراك بغض النظر عن المفارقة او التوافق بين تلك الاشياء في المجانسة النوعية لكل منهما كطرفين يتبادلان التاثير المعرفي بينهما ولا يجمعهما الجدل الديالكتيكي.

المجانسة النوعية للشيء الجوهر والصفات الخارجية له ليس تاكيدا لوجود ذلك الشيء الذاتي المتمايز بل لتاكيد اختلافه عن غيره من الاشياء التي يتعامل معها. كل مدرك زمكاني عقلي هو في حقيته ادراك مكاني فقط مجردا عن زمانيته المغيبة وراء المكان كوجود مدرك بلا احساسات زمانية تلازمه.

لذا حين نقول المجانسة النوعية بالاشياء لا تشابه المجانسة النوعية للزمن تاتي من معرفتنا ماهية وصفات الاشياء من حولنا ونفتقد ادراكنا العقلي لمعنى المجانسة النوعية للزمن بغير حضوره كدلالة معرفية محايدة للتعريف بغيره من مدركات وليس كوجود يدركه العقل منفردا منعزلا عن دلالته التي ندركها شيئيا في الحس او الخيال ومنطق التعبير اللغوي لا كموجود انطولوجي ولا كموضوع خيالي..

الزمن ادراك دلالة لوجود غيره من الاجسام وليس دلالة ادراك وجود له كذات. كل موجود مكاني او موضوع مفهومي يحمل مجانسة نوعية تتوزعها صفات ذلك الشيء الخارجية وماهيته الدفينة. عليه يكون الزمن مفهوما مجانسته النوعية لا يمكن ادراكها حدسيا الا بمغايرة مرتبطة بمادة يحتويها الزمن بلا ادراك لها من قبلنا. الزمن ليس موضوعا يدركه العقل بل هو دلالة قياس مقدار حركة الاجسام داخله. نخطيء في اعتبارنا ملازمة الزمن لادرك الشيء هو توكيد لموجودية ذلك الشيء بل لقياس مقدار حركته داخل الزمن فقط.

ما يرجّح مناقشة مثل هذه الافتراضية الفلسفية الفيزيائية اننا لا نعيش وجودنا زمنيا بل نعيشه بعلاقات ترابطية مادية وسيرورية مكانية تربط بين الاشياء والظواهر خارج فاعلية وجوب حضور الزمن غير المدرك من قبلنا كما في ادراكنا المكان.

ويعود مبرر مشروعية التفلسف بهذا الافتراض الاحتمالي ليس غريبا ويرجع الى فلاسفة ماقبل افلاطون حينما قالوا ان الوجود الذي نعيشه ونحياه هو وجود زائف لا حقيقة له بمعيارية مقارنة عدم تجانس امكانية وجوده مع مطلق وعالم من المثل الاخرى التي لا ندركها في وجودنا الارضي لكنها هي الاحق بالوجود الحقيقي وكان افلاطون على راس قائمة هؤلاء الفلاسفة.

الوجود والزمن

قدماء الفلاسفة من اليونان والهند والصين ربطوا تفكيرهم الفلسفي بالزمان في تعالقه بالمكان واعتبروا هذا التعالق الثنائي لا انفكاك له في حال توفرنا على سلامة ادراكنا العقلي للعالم والوجود من حولنا. لكن الحقيقة تشير الى ان الزمان يلازم مدركات العقل بحيادية لا يمتلك العقل تفسيرا تأكيديا لها. دليل ذلك انهم يعتبرون ادراك الشيء مكانيا يكون محالا عقليا في حال انعدام الملازمة الزمانية له.

وانتقلت تلك المقولة من الفلسفة الى العلم التجريبي قبل دخولها معترك التجريب الفيزيائي المختبري وصولا الى علم الفلك الكوني. والحقيقة الماثلة في علم الفيزياء اليوم هي الزمن ملازمة دلالة ادراكية للعقل وربما يأتي في قابل السنوات من يحقق فرضية ادراكنا المكان ليس بالضرورة في ملازمة الزمن لها. اي يصبح الزمن وجود دلاله وهمي فقط. وخير دليل لتاكيد احتمال حصول ذلك هو اننا نعيش الزمن الماضي اليوم بمقياس تاريخية وقائعه التي حصلت في الماضي وانفكت العلاقة الادراكية بين الزمان كماض وبين التاريخ كوقائع حصلت لا يمكننا استرجاع زمانيتها الماضية اليوم.

الفيلسوف هنري برجسون فرّق بين خلط الزمكان الادراكي الذي قال به كانط وأيده علم الفيزياء بتحفظ. قائلا أن ما ندركه مكانا لا علاقة للزمان بتعالقه الادراكي معه. ولم يستطع فصل الادراك الزماني عن الادراك المكاني بثوابت فلسفية لذا اعتمد اقصر طريقة ان ما لا يدركه العقل (الزمان) لا يمثل حقيقة موجودية تستوجب الاهتمام بها. فالادراك يتم خارج ملازمة الزمن بالدلالة لتاكيد موجودية غيره موضوعا للعقل في المكان فقط. هنري برجسون ربما يكون اول فيلسوف اراد فصل الادراك الزمكاني الى مكان مستقل يمكن ادراكه، وبين زمن لا يشترط ملازمته مدركاتنا للمكان ولا يمكننا ادراكه.

هناك حقيقة فيزيائية فلسفية متداخلة ان محاولة علماء الفيزياء والفلاسفة منذ اقدم العصور كانت بؤرة مركزية اشتغالهم عن معنى الوجود وكيف خلق ومن هو خالقه ومن اوجده وعن الانسان والطبيعة وتنوع موجوداتها ودراسة العلاقات التي تربطها؟ وبذا اعتبروا معرفة الزمن من مباحث الفلسفة الميتافيزيقية المعجّزة للعقل يتوجب تركها لانها لا تقود الى نتيجة ممكنة التحقق فلسفيا كما هو الحال استطاعة الانسان معرفة كل شيء يتحدد بابعاد مكانية بدءا من الانسان والطبيعة والخيال وصولا الى منجزات فيزياء العلم في ادراك حسي عقلي تجريبي خارج مداخلة الزمن المحايد الذي لا يمكن ادراكه الغائب بغير دلالة مكانية لشيء يدركه العقل.

تعقيدات علم الفيزياء في دراسة الوجود والزمن ليست نابعة من مصدرقرار العلم ذاته ولا من مدركاته العقلية الاعجازية المحال منها والمتحققة. ولا في عجز القدرة العقلية المحدودة ولا في عدم كفاية وسائط التحقق التجريبي الفيزيائي. بل الاهم من كل ذلك هو ان العالم والطبيعة والوجود مواضيع غير قابلة ان تكون مواضيع متحققة بالدلالة مع غيرها في تجريدنا ملازمة زمنيتها العقيمة. عديدة بما لا حصر له امكانية تحقق النتائج العلمية في مختلف المجالات خاصة بالعلوم الانسانية في زحزحة ملازمة تأثير الزمن الادراكي الوهمي عنها. لعدم وجود قدرة اثبات تلازم مدرك المكان المنظور مع الزمان الغائب الخفي في حركة المادة التي يحتويها.

بالعودة الى مقولات افلاطون الصادمة منذ عصورها قبل الميلاد والى يومنا هذا مثلا قوله زمن الحاضر وهمي وليس زمنيا حقيقيا والماضي لا يمكننا استحضاره. والوجود الذي نعيشه زيفا وهميا تم استيعابه الفهمي بمرور العادة القائمة على ارتباط السبب بالنتيجة. وضرب مثلا على هذا الازدواج في حزمة النور الداخلة الى جالسين في كهف في تكوين صور من ذرات الاشعة التي لا تمثل حقيقة الوجود خارجها..بل في عالم من المثل التي لا تجانس الواقع الذي نعيشه.

لماذا لا يكون اثبات الزمن ادراكا زائفا بالدلالة مع غيره من الماديات المتحركة (الاجسام)؟ حين يطرح فلاسفة عديدون انكارهم ثوابت ادراكية يقبلها العقل ويمررها الادراك يصبح بضوء ذلك التشكيك بوجود الزمن على المستوى الارضي اكثر مقبولية احتمالية من تجريد الزمن الكوني معرفته الفيزيائية بالدلالة.

اي الزمن لا يدرك من غير حركة جسم داخله، وجود سرعة معينة له، يمتلك طاقة متواترة تتناقص بالاحتكاك الحركي تكفي لقطع مسافة معينة. بمعنى الزمن كمفهوم فلسفي في علم الفيزياء لا يتقدم ما هو اكثر اهمية في ادراكه العقلي من اشياء. بسبب امكانية التحقق الادراكي المعرفي للاجسام لها خارج مداخلة الزمن كوقت افتراضي يلازم جميع نظريات علوم الفلك والفضاء. ليس من المشكوك به قولنا الزمن ليس كفيلا بتحقيق حقائق العلم لا في عالمنا الارضي ولا في عالمنا الكوني.

الزمن خارج مفهومه الميتافيزيقي الذي لا يتمكن العقل ادراكه لا يكون موضوعا ماديا يغادر مطلقه النوعي كمفهوم ميتافيزيقي لا يدرك وهو ما لا يتوفر للزمن ان يكون موضوعا لا ادراكيا حسيا ولا ادراكا فكريا تجريديا للعقل. الزمن عامل دلالة ادراكية لحركة الاجسام لكنه ليس حركة ولا موضوع يدركه العقل.

بعيدا عن الحقيقة العلمية الراسخة في النسبية العامة لانشتاين ان الزمن يتلاشى ويصل مرحلة الصفر القياسية عندما تكون سرعة حركة جسم ما داخله تفوق سرعة الضوء. لكن اذا افترضنا عدم وجود جسم متحرك في الفضاء فبأي مقياس نستطيع إثبات مقدار الزمن الذي قطعه الجسم وليس الزمن نفسه فهو دلالة لا يدركها العقل بمعزل عن الحركة لجسم يحتويه لانه اي الزمن لا هو جسم معين ولا هو حركة توجهه نحو هدف معين. في حياتنا نحن نعيش ممارسة الزمن كتحقيب لا يلازمه الزمان الى ما لا نهاية له.الزمن عامل موضوعي محايد في الدلالة على قياس مقدار سرعة حركة الجسم والمسافة التي قطعها. سواء اكانت حركة الجسم على الارض او حركته بالفضاء. ويبقى الزمن ليس حركة يمكن رصدها كما في حركة الاجسام داخله.

فلاسفة ينكرون مصطلحات فلسفية ما هو متاح منها ادراكا للعقل اكثر من الزمن امثلة:

- تاكيد افلاطون ونيتشة وفوكو وعديدون من فلاسفة غيرهم ان الوجود الذي نعيشه زائفا غير حقيقي. ماجعل فوكو وهيدجر يذهبان الى ان عالم الجنون وعالم الشعر هما اكثر حقيقية سواء تخدم الانسان بالحياة او لا تخدمه لا فرق بعد ان انتهت ما بعد الحداثة من تاكيد هذا المنحى بأن عبث الفلسفة وأخطائها المتراكمة عبر العصور في تاريخ الفلسفة الطويل اعتبار بعض الفلاسفة (الانسان) مرتكز معيارية كل شيء في حالتي الخطأ والصواب. وكانوا يسعون إحياء مقولة بروتا غوراس اليوناني (500 – 428 ق. م) الانسان هو مقياس كل شيء. الحقيقة التي اصبحنا لا نتحرج الافصاح عنها ان كل شيء يدركه العقل يتجاذبه قطبي مركزية الانسان ومركزية ميتافيزيقا الوجود كل الوجود عبر العصور.

- انكر كلا من ديفيد هيوم وهوسرل وجود رابطة بين الذاكرة والخيال او بين السبب والنتيجة في اعتبارهما انهما متراكم خبرة اصبحت عادة بديهية في الادراك بمرور الوقت التكراري المستمر لكنها ليست حقيقة ثابتة.

- اعتبر كلا من الفلاسفة بيركلي وهيوم وجون لوك فلاسفة القرن الثامن عشر عصر النهضة، اعتبروا موضوعات العالم الخارجي هي انطباعات ذهنية وادراكها العقلي تجريدا يلغي احتمالية وجودها المادي خارج تفكير الذهن بها..

- انكر بيركلي وجود المادة وموجودات العالم الخارجي في وجودها المستقل معتبرين اياها انطباعات ذهنية زائلة بزوال التفكير الادراكي لها. بيركلي تنبأ بهذه المقولة ان كل ما ندركه حسيا ونؤيده مختبريا هو موجود فكري في تعبير اللغة ورموز الرياضيات والكيمياء وغيرها. معتبرا بيركلي الواقع هو ما يفكر به الذهن وليس مايؤكده الادراك الحسي له. وما تنقله الحواس لنا لا قيمة حقيقية يحملها ما لم يكن قابلا ان يكون موضوعا لتفكير الذهن العاقل.

- انكر هيوم ان هناك ما يسمى عقلا قائلا لا وجود لشيئ اسمه عقل وتبعه في هذه المقولة الفيلسوف الانكليزي جلبرت رايل قوله لا وجود لعقل ابدا. وشرح هذه الفرضية ليست سذاجة ادراكية بل غوص في عمق معنى الادراك العقلي. لماذا لا نستغرب من مقولة سيلارز كل شيء بالحياة هو لغة. وهي عبارة من الدقة العبقرية ما يجعل محاولة تفلسف تفنيدها هو الهراء الذي لا يقول شيئا له قيمة. مثلها مقولة الله هو الوجود. وهي تعبير ضمني لمذهب وحدة الوجود الصوفي.

- كما انكر هيوم العقل كما قلنا ليلحقها بمقولة افضع انه لا يوجد في عالمنا ولا في غير عالمنا نظاما يدعى السببية القائم على السبب والنتيجة العلة والمعلول. معتبرا السببية هي متراكم خبرة اصبحت بمرور الوقت (عادة) نتداولها بداهة. بمعنى يمكن لتجريد تفكير العقل خلق حقائق مادية على الارض لم تكن موجودة سابقا.

فيزياء الزمن

رغم اقراري المسبق اني لست عالم فيزياء بل طالب معرفة فلسفية، أعتبر تعقيدات علم الفيزياء وتضاربها حول معرفة كيف خلق الكون والطبيعة والوجود والانسان والكائنات هي اسهل معرفتها فيزيائيا علميا من محاولة معرفة كيف وجد الزمن ومن اوجده ولماذا لا ندركه بغير الدلالة الشيئية بغيره من حركة اجسام.؟ لماذا يعجز العقل ادراكه الزمن موضوعا حتى خياليا مستمدا من الذاكرة؟ ولماذا يعجز العقل اخبارنا عن المجانسة النوعية التي يحتويها الزمن من ماهية وصفات بغير الاقرار ان الزمن وجود بالدلالة بغيره فقط ولا يحمل مجانسة نوعية مادية تجعل منه موضوعا يدركه العقل كباقي الاشياء.. حتى فرويد دخل في هذا الموضوع من زاوية علم النفس قائلا (اللاشعور لا يحتاج الزمن).

الوجود الانساني والطبيعي والكوني لا يمكننا تصور انتظامهم بالحياة من غير تصور سابق عليهما هو ملازمتهم الزمن جميعا. اعتقد افلاطون ان نظام الطبيعة الاعجازي الذي تحكمه قوانين ثابتة هي سابقة الوجود مكانا على بعدية الزمن عليها. نحن ننبه من محذور إفتراض تصديق ان افلاطون كان يعلم ويعرف بوجود قوانين تحكم الطبيعة كما هي ثابتة بالفهم الفيزيائي العلمي المعاصر الذي اكتشفها اهمها قانون الجاذبية لنيوتن.. افلاطون وجد انتظام الطبيعة الثابت بثوابت تكرار ظواهره مثل شروق وغروب الشمس. الرعد، الزلازل، تعاقب الليل والنهار، توالي فصول السنة بمقياس البرودة والحرارة وهكذا. كل هذه وغيرها كان كافيا لمعرفة الطبيعة تحكمها قوانين لا يعلم ولا يعرف افلاطون كيفية اثباتها علميا لا هو ولا من سبقه او جاء من بعده من فلاسفة.

كما اعتبر افلاطون اعتباطية المكان في الطبيعة وجودا ازليا خالدا لا تستطيع تنظيم نفسها بذاتها. كما وهذه القوانين التي كانوا يرونها حسيا تعجزعن تنظيم الطبيعة لعشوائية المكان بالاستعانة بنظام الزمن الثابت.

يلاحظ افلاطون كان يعتبر نظامية الطبيعة وفق قوانين تكرارية خاصة تسبق عشوائية الزمن. لكن لم يستطع افلاطون اثبات عشوائية الزمان تنظمها قوانين الطبيعة. كما كيف نثبت ان الزمان بعدي على المكان او الطبيعة والاهم ان الزمان عشوائي يستمد نظاميته من نظام الطبيعة كما ذهب له افلاطون؟.

واكثر من كل هذا اعتبر افلاطون عشوائية المكان كوجود سابق على الزمن هي التي تقوم بتنظيم الزمن بما يلائم ملازمته موضوع الادراك. طبعا ارجو ان لا اكون مخطئا ان قوانين الطبيعة المعجزة للعقل البشري الثابتة لا علاقة لها بتنظيم عشوائية الزمان كما ذهب له افلاطون. وليس بدلالة نظامية المكان نحقق ادراكنا نظامية الزمن الملازم له. الزمان مفهوم ميتافيزيقي للعقل وليس موضوعا يدركه العقل.

من المهم الاشارة الى ان الفلاسفة الماديين جميعا من ضمنهم فلاسفة الوجودية والماركسية والظاهراتية كانوا يؤمنون بيقين قطعي ان الوجود سابق على الادراك والوعي والفكر، وان الفكر واللغة هو ناتج ادراك العقل للمادة. في وقت صدم اسبينوزا علم الفيزياء والفلسفة معا حين قلب المعادلة بمقولة ميتافيزيقية لا يمكن التحقق منها قوله بدلالة الجوهرالمطلق السابق على الوجود ندرك الوجود.

علما انه يعرف تماما ان مقولته ميتافيزيقية لا يتقبلها المنطق العقلي. كون الجوهر المطلق الازلي هو جوهر لا يدرك عقليا فكيف يكون بدلالته ندرك الوجود المادي وكي يتخلص اسبينوزا من مأزقه ابتدع مذهب وحدة الوجود الذي قال به البوذيين قبله صوفيا. الله وجود جوهر غير محدود ولا نهائي فلا تبحث عنه في السماء بل ادركه واعرفه بحلوله الروحي الجمالي المنتظم في جميع الاشياء على الارض الانسان والطبيعة والكائنات.

المجانسة النوعية للزمن

عن ارسطو كنت تاثرت جدا في مقولته الشهيرة (لا يقاس الزمن ولا يحد بزمن) وفي اعتقادي ان هذه العبارة لارسطو اثّرت جدا في نظرية نيوتن حول مفهوم مطلق الزمان التي اسقطتها نسبية انشتاين.

وذكرتها في اكثر من مقال لي ان الزمن وحدة كلية كونية ميتافيزيقية متماسكة بالماهية والصفات لا تتجزأ ذاتيا ولا تتقبل تجزئتها ادراكيا. وترفض المجانسة الكلية الواحدة للزمن تقبّل امكانية تداخل الاشياء تجزئة هذه الكلية التجانسية الموحدة وغير المدركة عقليا بدلالاتها الادراكية.

الزمن ليس حركة ولا جوهر ولا صفات يمكن للعقل معرفتها. الزمن بمختصر العبارة هو دلالة محايدة تلازم ادراك الاشياء ولا تتداخل معها.بعبارة بسيطة جدا الزمن هو العامل الموضوعي الذي يرافق كل حدث لكنه محايد لا يتداخل معه لا في التكوين ولا في العلاقة المعرفية له مع غيره.

ربما يستغرب بعضنا ان نقول المجانسة النوعية للزمن (الماهية والصفات) غير المدركة على الارض تختلف عن المجانسة النوعية للزمن الكوني. والحقيقة التي لا غرابة فيها هي ان الزمن الارضي تحقيب تاريخي يدرك بوقائع زمنية مكانية حدثت بالماضي. تحقيب الزمن الارضي بوقائع تاريخية لا يعني اننا نعيش ذلك الزمن الماضي وندركه مثال ذلك استحالة ادراكنا الماضي كزمن مجرد عن وقائعه التاريخية التي حدثت. زمن الماضي تاريخ مجرد عن زمانيته التداخلية المتغيرة مع وقائع التاريخ. والصحيح ان زمن الماضي تحقيب تاريخي لا يتغير ولا يتحرك ونحن ندرك الماضي كتاريخ وليس كزمن.

نيوتن والزمن

اسحق نيوتن عالم رياضيات وفيزياء وخيمياء وميكانيكي (1642 – 1727) مكتشف اهم قانون يحكم الطبيعة والكون هو (الجاذبية). الجاذبية كما هو معلوم قانون طبيعي ثابت لا يمكن التحكم به. المثلبة التي ارتكبها نيوتن قوله الزمان مطلق لانهائي ازلي، وبمجيء انشتاين في النسبية العامة اثبت فيزيائيا ان الزمن يتمدد ويتقلص وبذلك اعطى انشتاين للزمن بعدا غير مالوف هو حركة التمدد والانكماش الزمني تحت مؤثرات خارجية بمعنى امتلاك الزمن خاصية المادة التي يمكن التحكم بها. وهذا يعني يمكن في المستقبل ادراك خصائص للزمن يمكن ادراكها عقليا كما ندرك خصائص المادة.

من المسائل التي يتوجب الوقوف عندها هل الزمن الارضي المحدود بحركة الاجسام هو غيره الزمن المطلق الكوني ايضا بمقياس حركة جسم داخلهما سواء على الارض او في الفضاء. نعم الجواب هو وجود اختلاف بينهما نوجزه بالتالي حسب اجتهادنا التفلسفي وليس الفيزيائي العلمي.

خاتمة

1. كما سبق لي وقلت ان زمن الماضي على الارض اصبح يمكن اعتباره زمن ماض لا يتكرر على الارض لا كوقائع تارخية ولا استذكار خيالي. ولا يمكن تعميم آليات تحديده على الزمان المطلق. لكنه يمتلك المجانسة النوعية الواحدة مع مطلق الزمن الكوني. الزمن الارضي كما سبق لي ذكره هو تحقيب لوقائع تاريخية وقعت بزمن ماض لا يمكننا استعادته. وحين نتكلم عن الماضي نكون بالحقيقة نتكلم عن تاريخ وليس عن زمن.

2. زمن الماضي لا يمتلك ماهية وصفات هي غيرها التي يمتلكها الزمن الكوني. فكيف يتسنى لنا التعامل مع زمانين احدهما ارضي واخر كوني؟

3. كيف نفهم ما ورد بالقرآن والتوراة والانجيل وغيرها من ديانات وثنية ان الله خلق الكون ب(6) ستة ايام ثم استوى على العرش ليستريح. كيف عرف السومرين وهم اصحاب اقدم حضارة تاريخية بالعالم اليوم والاسبوع والشهر والفصول الاربعة، ليس بدلالة فيزيائية عصرية بل بوسائل فلكية بدائية علميا؟. هل الاسطورة الدينية عند السومريين قادت الى الاديان الوثنية وصولا الى التوحيد في اديان الوحي؟

4. التعليل العلمي الفيزيائي المعاصر الذي بدأه نيوتن بالجاذبية انما اراد ان يكون هناك زمن ارضي هو تحقيب تاريخي يحتوي زمنه وتاريخين حاضر وهمي ومستقبل تبنيه التنبؤات في توظيف الحاضر لبناء مستقبل افضل. هذا الانتظام التراتيبي في ايجاد قطوعات زمنية تاريخية على الارض تقاطع بالصميم مطلق الزمان الكوني الميتافيزيقي في وحدة الزمن اينما وجد عالم يدركه العقل. التحقيب ماض وحاضر ومستقبل ليس زمنا بل هو وقائع تاريخية اكتسبت زمانيتها في وقتها.

5. برأيي الشخصي وانا لست عالما في الفيزياء اقول تاكيد مسالتين ابدو غريبا بهما هما:

- المسالة الاولى هي اننا يجب علينا التسليم بخلق قطوعات زمنية هي بالاصل تاريخية وقائعية. لاننا بالحقيقة الفيزيائية اننا نعيش قطوعات زمنية على الارض بغيرها لا توجد حياة. وهذه القطوعات هي التقويم الزمني الوهمي في حقيقته لكنه الواقعي الذي نعيش الحياة بتراتيبيتها التنظيمية. بدءا من الثانية وصولا الى الفصول الاربعة والعصور التاريخية.

- التعامل بواقعية مع مطلق كونية الزمان الازلية التي تبرهن على ان الزمن الارضي هو تحقيب تاريخي وليس زمني. وهذا التحقيب التاريخي للزمن يقاطع المطلق الزماني الكوني ويستطيع الاستقلال عنه. من حيث اننا نعجز التفريق بين زمانية ارضية وهمية لانها تاريخية وبين ازلية مطلق الزمان الذي لا نعرف عنه شيئا بغير دلالة قياس مقدار حركة الاجسام داخله.

- الزمن لا يقوم على سببية تبين لنا خلقه. الزمان دلالة معرفية وليس الزمان وجود لاثبات حضوره الواقعي في حياتنا. حقيقة الزمن في حياتنا الارضية هو انه تقويم زمني زائف نتعامل معها بالحياة بكل مسؤولية في جعل ما نعيشه يقوم على نظام فيزيائي غير وهمي لكن جوهره تاريخي لازمني من حيث اننا يمكننا التحكم بالزمن كما هو تحكمنا بالمكان.

***

علي محمد اليوسف /الموصل 

في المثقف اليوم