أقلام فكرية

ميتافيزيقا ادراك الوجود بدلالة الجوهر

علي محمد اليوسف(يذهب المثاليون أن أي شيء يكون موجودا، أو يمكن معرفة أن له وجود لا بد أن يكون متمثّلا في معنى ما عقليا او ذهنيا).. باحث فلسفي.

يمكننا بناءا على هذا الاقتباس تثبيت ما يلي:

- أن يكون الشيء موجودا يترتب عليه أن يكون مصدر تحقق موجوديته في العالم الخارجي هو أن يكون له معنى عقليا أو ذهنيا يتوفر عليه كما ورد في نص الاقتباس.

- بضوء الفقرة السابقة تكون أفكار الذهن والعقل المجردة لا تستطيع خلق مدركاتها من الموجودات المادية المستقلة في العالم الخارجي. فالفكر المجرد لا يخلق حقائق مادية على الارض.كما ان ما لا يدركه العقل له معنى لاوجود له حسب النظرة المثالية.

- وجود أي شيء في عالمنا الخارجي لا يتوقف وجوده من عدمه على إدراكنا الحسّي والعقلي أو عدم إدراكنا له. فالاشياء موجودة مستقلة انطولوجيا حتى لو إختفت العقول المدركة لها. لكن من المهم التذكير أنه لا يوجد شيء يدركه العقل بلا معنى له. فالموجود الذي لا معنى له لا وجود له حتى بغياب إدراك العقل له.

- النزعة المثالية الفلسفية تكتفي أن تدرك الموجود المادي أو أي شيء آخر في العالم الخارجي بصورة إدراكية حسية " فوتوغرافية"، صورة تحمل المدلولات الصفاتية الخارجية للشيء فقط ولا تحمل معها الاصل بما وراء شكل المدرك، ولا يعنيها الاهتمام بما يحتجب وراء هذه الصفات الخارجية مما يطلق عليه "ماهيات" أو "جواهر" سواء اكانت موجودة في الاشياء أم غير موجودة. وهذه اشكالية تنازع حولها ديكارت وبيركلي وجون لوك وهيوم.( تنظر مقالتنا المنشورة / اشكالية الادراك :الاصل والصورة).

الاشكالية المادية

هنا أود الاشارة الى اشكالية سبق لي أن تطرقت لها في أكثر من مقال لي منشور هي أن الفلسفة المادية الماركسية تلتقي الفلسفة المثالية في اربع مناحي بما يخص موضوعة الادراك المادي والجوهر :

- تلتقي الفلسفتان المادية والمثالية في مرجعية إدراك أي موجود مادي مستقل هو العقل، ولا يعني هذا أنه بغياب حضور العقل الادراكي لايكون للموجود وجودا انطولوجيا في عالم الاشياء المستقل. فليس ضرورة وجوب حضور العقل الادراكي يجعل من الاشياء موجودة مستقلة. ومن غير حضور العقل ينتفي وجودها.

- تذهب الفلسفات المادية كما هو الحال مع المثالية الى أنه يكفي معرفة صفات الاشياء في إدراكها الحسي بما يغني ويسقط أهمية التفتيش عن ماهية أو جوهر تلك الاشياء وراء صفاتها.

- تتفق الفلسفتان المادية والمثالية على أن جميع مدركاتنا من الاشياء هي بلا جواهر تحتجب خلف صفاتها، وميزات صفاتها الخارجية المدركة هي جواهرها، علما أن هذا التوصيف ينطبق على الحيوان والجمادات وبعض النبات ايضا بخلاف الانسان الذي يمتلك كينونة وجوهرا نوضحه لاحقا.

- تقر الفلسفتان المادية والمثالية على أن الانسان من دون جميع كائنات وموجودات العالم والطبيعة يمتلك ماهية وجوهرا هما غير صفاته المدركة خارجيا. في حين تكون جميع الموجودات في الطبيعة صفاتها الخارجية هي ماهيتها المتطابقة معها.

تعالق مشترك كيف الحل؟

هنا أود إثارة سؤال ربما يمتملك مفتاح الحل ويبسط الاشكالية من تعقيدها، هل هناك في الفلسفتين المادية والمثالية إتفاق غير معلن أو عدم اتفاق معلن أن جميع موجودات الطبيعة والعالم الخارجي تمتلك جواهرا وماهيات تحتجب خلف صفاتها المدركة أم لا تمتلك؟ وهل الجوهر ثابت أم متغير كما هو حال الصفات في تغيراتها الدائمية؟.

الفلسفات المادية من ضمنها الماركسية لا تهتم بالموجودات والاشياء التي ندركها سواء تمتلك جواهرا أو ماهيات هي غير صفاتها الخارجية التي تغنينا عن ملاحقة ما تدّخره هذه الصفات داخليا. كذلك هي الفلسفات المثالية لا يعنيها أمر البحث والتفتيش عن ماهيات وجواهر خارج الادراك الخارجي لها. إذن كيف نعلل هذا التوافق المتضاد بينهما؟.

الفلسفة الوجودية والبنيوية

نشير سريعا الى أن تاريخ الفلسفة البنيوية التي أعقبت الفلسفة الوجودية أنكرت العديد من مرتكزات تاريخ الفلسفة في ماضيها وحاضرها منها إنكارها الحداثة بكل إشتمالاتها، وأنكرت العقل، والذات، والانسان، وكل ما يمّثل مرجعية فلسفية ثابتة مثل السرديات الكبرى الاديان والايديولوجيات .

أما الوجودية فهي بالرغم من أنها تأثرت بكل من الماركسية والفينامينالوجيا "الظاهراتية " لهوسرل والتي جميعها بتفاوت فلسفي بينها أنكرت وجود الجوهر بالاشياء لا بل هوسرل أبدى تحفظا كبيرا في تمرير نزع الجوهر أو الماهيات عن الاشياء لكنه لم يأت بجديد يتجاوز به طروحات الوجودية خاصة في فلسفة هيدجر التي سنعرضها.

وهوسرل لم يعمد في تناوله مسألة الجوهر التفريق في وجوده بالاشياء وفي الانسان بخلاف سارتر الذي إعتبر جميع موجودات الطبيعة والعالم الخارجي بلا جوهر ما عدا الانسان. وليفاجؤنا إنكاره أن يكون للانسان جوهرا هو ايضا.نناقش لاحقا مقولة سارتر حقيقة جوهر الانسان أنه لا يمتلك جوهرا مناقضا رأيه إمتلاك الانسان لجوهر من تصنيعه هو له..

سارتر في الوقت الذي تماهى مع الماركسية في عدم وجود ماهية أو جوهرا في الاشياء إلا أنه استثنى الانسان من هذا التعميم في إعتباره الانسان من بين جميع كائنات الطبيعة يمتلك كينونة موجودية مادية تدخر جوهرا نوعيا خاصا يحتازه الانسان النوعي الفرد وحده. وإعتبر سارتر جوهر الانسان ليس معطى وجوديا يلازم صفات الانسان الموروثة بالولادة بل جوهر الانسان هو تصنيع فردي في تنمية الذات وبنائها مدى الحياة من قبل الانسان الفرد. وجوهر الفرد ليس مشابها جوهر المجموع فلكل فرد جوهره الخاص به من صنع يديه. وجوهر الفرد لا يكون موضوعا مدركا من غيره.

وأضاف سارتر إننا بدلالة أسبقية كينونة الانسان الوجودية على الجوهر نعي امتلاك الفرد جوهرا مختلفا عن باقي جوهر الافراد من نوعه كبشر. وفي هذا الطرح تجاوز سارتر كلا من رأي اسبينوزا في ذهابه أن الجوهر الانساني وفي موجودات الطبيعة يسبق الكينونة الموجودية التي تحددها الصفات الخارجية للانسان والاشياء. وأخطر من ذلك أن اسبينوزا إعتبر معرفة وجود الانسان يتم بدلالة الجوهرالذي لا يدرك ولا يتم معرفته بدلالة وجوده كما يذهب له سارتر ومن بعده ما لا يحصى من فلاسفة. اسبينوزا على خلاف الوجودية يرى الجوهر يسبق الكينونة.ولعل الاخطر في ذلك ذهاب اسبينوزا أن جواهر الاشياء في الانسان وموجودات الطبيعة لا يمكننا ادراكها لأنها جواهر مستمدة من جوهر خالق لها يحتويها جميعا لا ندركه بمحدودية العقل الادراكي لنا ذلك هو الجوهر الازلي الله.

وعلل إسبينوزا عدم إمكانية الانسان إدراك جواهر الاشياء لأنها موزعة في صفات الموجودات الخارجية، وهذه المعلومة الفلسفية إعتمدها كانط قوله الجوهر هو الوجود بذاته الذي لا يمكننا إدراكه بالعقل المجرد المحدود لذا يكون السعي لأدراكه ومن ثم معرفته تبديد جهود بما لاطائل منه.

موجودات الطبيعة والجوهر

العبارة التي وقفت عندها متأملا هي مقولة سارتر ) جوهر الانسان الحقيقي أنه بلا جوهر) وأعود تثبيت ما قلته لاهميته من السهل جدا أن نحسم خطأ العبارة بمصادرتها من نهايتها، ونقع نحن أيضا بالخطأ مع سارتر أن الانسان لا جوهر له في حين هو يمتلك جوهرا قيد التكوين والتصنيع مدى الحياة حسب فلسفة سارتر الوجودية نفسه.

وكي نناقش تناقض العبارة نقول الانسان يمتلك كينونة وجوهرا، لكن متى يكون الانسان فاقدا جوهره ومتى يكون مالكا له؟ وهل الجوهر خاصيّة ثابتة لا تتغير أم خاصية وهمية زائلة؟ وهل الجوهر الانساني يحكمه الزمن أم لا؟ وهل الجوهر يستبق الكينونة ام بالعكس كما تذهب له الوجودية.؟

هذا يتوقف على المرحلة العمرية للانسان ويتوقف على موقفه النفسي الصحّي، فالطفل يولد موجودا بلا ماهيّة ولا جوهر، والجوهر الانساني في جميع المراحل العمرية هو عملية تصنيع ماهوي تلازم الانسان منذ الولادة والى الممات. أما المجنون فهو يمتلك وجودا لا جوهر حقيقي طبيعي سوّي له. على خلاف من فوكو وهيدجر ونيتشة من قبلهما في إعتبارهم ادراكات الجنون للوجود هي اسمى من ادراكاتنا لوجودنا الزائف بالحياة. لكن حتى في حال اقرارنا هذه الفرضية الفلسفية الخاطئة فهذا لا يمنح المجنون جوهرا فوق /اسمى من جوهر الانسان السوي الطبيعي.

تصنيع الجوهر عند الانسان يقوم على ركيزتين الاولى أنه يعي ذاته عقليا طبيعيا كموجود في عالم طبيعي ومجتمعي والثاني الانسان يعي مدركاته الخارجية  والعالم من حوله بنوع من المسؤولية المجتمعية التي تتطلب قدرة إمتلاك الحرية في إتخاذه القرار الصائب. والجوهر الانساني ماهيّة يشّكلها الوعي الذاتي والمحيطي الطبيعي والمجتمعي وتتجلى في صورة سلوك هادف بالحياة.

ولتوضيح أكثر نجد:

- الوجودية تؤمن أن الانسان موجود طبيعي نوعي قبل أن يكون جوهرا خفيا، فالانسان يوجد أولا وبعدها تتشكل ماهيته أو جوهره ذاتيا حسب مؤهلاته وقدراته وإمكاناته الفردية ومميزاته الخاصة به كفرد.

- يمتلك الانسان جوهرا ماديا مكتسبا مصدره الحياة التي يعيشها وتجاربه وخبراته ومميزاته الثقافية والسلوكية في تكوين شخصيته. بمعنى الانسان يصنع جوهره بقواه وإمكاناته الذاتية كفرد.

- الانسان كائن نوعي موجود بالطبيعة جزء منها متمايزعنها بصفات العقل والذكاء والوعي بالذات والمحيط،و،إمتلاكه لغة تواصلية معرفية، شعوره بالزمن، إدراكه أن الطبيعة تحكمها قوانين عامة ثابتة، كما أن الانسان يعي حاجته للطبيعة ولا تعي الطبيعة حاجتها للانسان. وغيرذلك مما تفتقده الطبيعة ويمتلكه الانسان مثل الوعي، المخيّلة، العواطف، الاحساسات، والمشاعر، الذاكرة، الخيال، الضمير، الاخلاق الخ.

- سارتر يقر أن الانسان هو الكائن الوحيد الذي يصنع ماهيته الجوهرية بقواه الذاتية النوعية مدى الحياة، والجوهر ليس معطى فطريا يلازم الانسان بالولادة، فكل المفردات التي يتشكل منها الجوهر الانساني الذي يتم تصنيعه من قبل الانسان الفرد لوحده مثل الضمير، الاخلاق، الحب، العواطف، القيم وقابلية التديّن وغيرها عديد التي بمجملها تشكل السلوك الانساني بالحياة وتحدد مواقفه منها، لا تمثل صفات خارجية مدركة للفرد، بل يدركها هو ذاتيا انفراديا كجوهر لا يشاركه به أحد.

أصبحت لدينا مقولة سارتر أن جوهر الانسان الحقيقي بلا جوهر، صحيحة تحمل إمكانية تخطئتها كما مر بنا توضيحه. وفي منطق الفلسفة لاتكون العبارة اللغوية تحمل صفتي الصواب والخطأ معا والثالث المرفوع بينهما حاضر بقوة بمعنى لا يجوز قولنا الانسان يمتلك جوهرا والانسان بلا جوهرفي وقت واحد. وتوضيحي الاجتهادي غير القاطع تجريد سارتر الانسان من الجوهر يمثّل حقيقته الوجودية لسببين :

الاول الجوهر الانساني خاصية انفرادية خارج النوع في الطبيعة وداخل النوع في الجنس البشري ولا يتكرر في المشابهة لدى المجموع. وهو مدرك من الانسان صاحبه الذي قام بتصنيعه ولا يدرك من آخرين غيره. الثاني أننا حسب الفهم السارتري بعيدا عن عبارته الحدّية حقيقة الانسان أنه بلا جوهر يجعلنا الذهاب الاخذ بالجوهر الانساني تصنيع من السيرورة التطورية المتنامية في الذات لا تتوقف مدى الحياة.فالجوهر يصبح نوعا من الحركة والتغيير بملازمة زمنية يتعذر علينا إدراك ثباتها.

لذا لايمكننا الحكم على جوهر هو حالة من الحركة والتغيير المستمر مدى الحياة. أما في حال ذهابنا الاخذ بالنص الحرفي للعبارة فالانسان لا يمتلك جوهرا في حياة لا معنى لها في الفلسفة الوجودية والجوهر واللاجوهر كلاهما يستقيان من حياة لا حاجة ضرورية للانسان فيها إمتلاكه جوهرا غير صفاته الخارجية. فالانسان كينونة وجودية هي نزوة لا جدوى منها في كل الاحوال.

عود على بدء

والآن نعود طرح تساؤل يخّص موضوعة وحدة الوجود لدى اسبينوزا، ما علاقة مذهب وحدة الوجود بالطبيعة من غير الانسان.؟ وما هو الجوهر في مذهب وحدة الوجود؟ مذهب وحدة الوجود هو نزوع صوفي ديني ليس لإثبات الوجود الانساني وإنما لإثبات وجود الخالق كموجود لايدركه الانسان بذاته ولكن يمكن إدراك وجوده من خلال تقصّي وجوده كجوهر يحكم نظام الطبيعة وموجوداتها .جميع الكائنات من موجودات الطبيعة الحيوان، والنبات والجماد هي موجودات بلا جوهر يحتجب خلف صفاتها.وصفاتها الخارجية هي جواهرها.

لنأخذ مثلا هل الحيوان يمتلك جوهرا؟ أم لا يمتلك جوهرا وكيف؟ الحيوان لا يمتلك جوهرا متمايزا عن صفاته الخارجية لا في داخله ولا في سلوكه خارج صفاته. والقول في منطق وحدة الوجود حسب فلسفة اسبينوزا أن جميع الكائنات في الطبيعة من ضمنها الانسان تمتلك جواهرا مستمدة من جوهر مطلق خالق لها غير مخلوق هو فوق إدراك العقل، جوهر يستطيع الانسان إدراكه في مخلوقاته ولا يستطيع إدراكه في خالقه الجوهر الكلي المهيمن على كل موجود، هو نوع من المنهج الذي يصادر برهان تحققه.من قبل اسبينوزا .

بمعنى النظام الطبيعي الإعجازي في قوانين الطبيعة الثابتة، يمتلك من القدرة والإمكانية ما هو فوق عقلي، وهذا النظام الإعجازي بالطبيعة لا يعني إمتلاك مكوناته لجوهر دفين موزّعا عليها يشير لوجود خالق عظيم ولا يشير لإثبات وجود موجودات لوجودها في الطبيعة كمظهر وجوهر متكاملين.. هذا التكامل من قبيل الحدس الايماني لا أكثر،. إذ هل من المتاح لإدراك عقل الانسان إدراك جواهر الاشياء خارج صفاتها في موجوداتها؟ الجواب لا يمكن ذلك لأن تلك الموجودات والكائنات عدا الانسان بلا جواهر خارج صفاتها.

نعود لمثال الحيوان الذي هو أعلى مرتبة بيولوجية من النباتات والجمادات، فهو موجود بلا جوهر ولا ماهية. لماذا وكيف؟

- الحيوان لا يعي ذاته ولا يدرك الطبيعة ويفتقد اللغة وشعوره بالزمن من حوله إلا على نطاق ضيق جدا يتحدد في إشباعه لغرائزه الاكل والتكاثر ودفع الاخطار المحدقة عنه وعن نوعه. الطبيعة هي التي تعطي الحيوان صفاته الخارجية هي مجموع كينونته المنفردة كحيوان.

- الحيوان لا يمتلك ميزات إنفرادية نوعية كما هي عند الانسان مثل الذكاء العقلي، الوعي الذاتي، إمتلاك اللغة، الإحساس بالزمن وغيرها من صفات.

- الحيوان يكتسب صفاته الخارجية من خلال إذعانه المتكيّف بما تمليه عليه الطبيعة من غير إرادتها ولا وعي منها. عدم وعي العلاقة الحيوانية – الطبيعية من كليهما المشّكلين لها هو سبب إمتلاك الحيوان قدرات التكيّف الطبيعي البيئي كي يبقى حيا. وانثربولوجيا تاريخ الحيوان تؤشر لنا إنقراض العديد من السلالات البشرية والحيوانية على السواء لفقدانها قدرة التكيّف مع ظواهر طبيعية شديدة القسوة مثل الانهيارات الجليدية والفياضانات، والزلازل، والبراكين، وقلة الغذاء وهكذا.

- التكيّف الطبيعي يمتلكه الانسان والحيوان على السواء لكن بإختلافات جوهرية هامة. إذن علاقة التكّيف الحيواني بالطبيعة يجري بين قطبين هما الطبيعة والحيوان وكلاهما لا يتبادلان الوعي الادراكي بهذه العلاقة بينهما. فالطبيعة لا تدرك معنى تكّيف الحيوان في إستمرار بقائه، ولا الحيوان يدرك أن تكيّفه مع الطبيعة لا تعيه الطبيعة ولا تدركه.

- كذا نفس الحال يتكرر مع النباتات في علاقتها بالطبيعة فكلاهما لا يتبادلان الادراك المشترك بينهما. وليس مهما تفتيش الانسان عن جوهر يمتلكه النبات أكثر من إعتبار الانسان للنبات وسيلة الطبيعة في توفير إحتياجاته من الغذاء.وصفات النبات الخارجية هي جوهره ايضا.

- أما الجمّاد الطبيعي غير المصنوع وجوده في الطبيعة من قبل الانسان فلا جوهر له خارج صفاته. وتختلف عن الجمادات التي يصنعها الانسان فهي لسد رغبته بالحاجة لها في تأمين خدمته. فالقلم يحمل ماهية إستخدامه من قبل الانسان قبل تحقق وجوده المادي كقلم، وكذا مع جهاز التلفاز أو مع أي شيء آخر مادي يصنعه الانسان لسد حاجته له، فهو يمتلك ماهية وجوهر وجوده بذهن الانسان صانعه قبل إمتلاك وجوده المادي حينما يكون فكرة صناعية في تفكير الانسان حاجته لها أن يقوم بصنعها فهو يعرف ماهيتها الإستعمالية قبل وجودها المصنوع.

هل يمكننا إستخلاص أن مفهوم الجوهر في وحدة الوجود الذي يفهمه اسبينوزا وسيلة ميتافيزيقية لتدعيم إيمان ديني بوجود الخالق، ويفهمه هيجل مطلق متعيّن في هيمنة العقل على كل شيء يمكن إدراكه لا وجود له هو فوق متعال عقلي يدركه العقل ولا يدرك هو العقل؟ فكرة المطلق عند هيجل إدراك عقلي، وفكرة الجوهر لا إدراك عقلي يطاله.

كلا المفهومين فكرة المطلق الذي لا يفهم بدلالة الجوهر، ولا الجوهر يقبل الإستدلال العاجز التعريف به... يصبح معنا كلا المفهومين الفكرة المطلقة والجوهرالتام الشامل الذي لا يدرك هما تجريد فلسفي عاجز عن الوصول للمادة وإحتوائها كوجود.

***

علي محمد اليوسف /الموصل

 

في المثقف اليوم