أقلام فكرية

دور فلسفة الكيمياء في فهمنا للحياة والكون

حاتم حميد محسنتطرح الفلسفة أسئلة اساسية عن نفسها. ما هي؟ لماذا ندرسها؟ ماذا يمكن ان تنجز؟. وكنقطة انطلاق، تعني كلمة "فلسفة" حب الحكمة، وكل من يعمل بها انما يحاول فهم العالم الذي حوله. في هذه الطريقة، الفلاسفة نوعا ما يشبهون العلماء. لكن العلم هو موضوع كبير جدا في ذاته، لذا يتطلب فرعا فلسفيا خاصا به. واذا استطعنا تجزئة التحقيق العلمي الى مختلف الموضوعات، فلماذا لا نقوم بنفس الشيء مع فلسفة تلك الموضوعات؟ هذا ما حدث مع تطور فلسفة الكيمياء، حقل التحقيق الفلسفي الشاب نسبيا. انه يطرح اسئلة فريدة ومثيرة تتعلق بكل من نوع المعرفة المكتسبة في العلوم، وفهم الطبيعة ذاتها.

بعض النقاشات ضمن فلسفة الكيمياء تهتم بقضايا ترتبط بإحكام بفلسفة العلوم. ان افكار التوضيح، قوانين الطبيعة، الواقعية يتم التحقيق فيها باستعمال نظريات محددة ومفاهيم وطرق وأدوات تجريبية للكيمياء. انها تبدو معقدة واحيانا هي كذلك. لكن اختبار النظريات العلمية مثل ميكانيكا الكوانتم من وجهة نظر كيميائية تحديدا يمكن ان يساعد في توضيح فهمنا الواسع للأفكار العلمية. ما هي بالضبط الجزيئات؟ ماذا نعني عندما نقول "الرابطة الكيميائية chemical bond"؟ هل نستطيع توضيح سلوك المادة الكيميائية والتنبؤ به ضمن ميكانيكا الكوانتم؟ انها أسئلة كبرى تستفيد من اتجاه الفيلسوف، مجزءاً الافتراضات والأحكام الى عناصرها الأساسية. هذه الأسئلة الفلسفية هي مثيرة للاهتمام ليس فقط لفلاسفة العلوم وانما ايضا للعلماء أنفسهم. الأجوبة لها مضامين مباشرة على استقلالية العلوم، ووحدة الطبيعة. فمثلا، يمكن الجدال ان موضوع الكيمياء هو متميز ومستقل عن موضوع الفيزياء، وانه يستلزم مفاهيما لها تأثيرعلى الواقع. تماما مثل الافراد الذين يتألفون من ملايين الجزيئات تعرض خصائص متفردة وسمات كلية فان الجزيئات، الروابط الكيميائية هي كينونات واقعية تستحق تحقيقا منفصلا عن الالكترونات والنواة التي تتركب منها. هذه قضايا تخلق نقاشات ساخنة بين فلاسفة الكيمياء والتي لها تأثيرات هامة على رؤيتنا لأهمية العلوم، وعلى رؤيتنا للطبيعة.

الكيمياء هي ايضا فريدة في الطرق والنماذج التي تستخدمها. كموضوع تُعتبر الكيمياء كحقل علمي مختلف جدا عن الفيزياء، كونها ترتكز بقوة على استعمال الطرق التجريبية لكي تصل للتوضيحات والتنبؤات.

على عكس الفيزياء، التي تُناقش كثيرا من خلال لغة الرياضيات، نجد الكيمياء طورت لغة متميزة تُنظم وتُصنف وفقا للجدول الدوري للعناصر الكيميائية periodic table. الكيمياء تستعمل ايضا تمثيلات بصرية متميزة لهيكل من الجزيئات لكي تفهم وتوضح الاختلافات الهيكلية المعقدة والخصائص الكيميائية للمواد. هذا التفرد للممارسة الكيميائية والتنظير يعني انها تستحق تحقيقا فلسفيا متميزا خاصا بها.

ان فلاسفة الكيمياء يختبرون ايضا الخصائص المحددة التي يستعملها الكيميائيون لكي يميزوا ويصنفوا المادة الى مواد كيميائية وعناصر ومركبات ومزيج من بينها. المظهر المهم لهذا هو التحقيق في دور الجدول الدوري للعناصر الذي يصنّف ويجمّع العناصر طبقا لما تتشابه به من خصائص كيميائية معينة. الدور المهم في هذه النقاشات هو للتحقيق التاريخي في كيفية تغيير هذه التصنيفات بمرور الزمن وأي نوع من الاكتشافات ساهمت في تلك التغيرات.

في الحقيقة، سيكون من الخطأ تجاهل أهمية تاريخ الكيمياء في التحقيقات الفلسفية الحالية الجارية ضمن الحقل. معرفة المفاهيم الكيميائية مثل الذرة تغيرت بشكل هام منذ العصور القديمة مع التقدم في كل من التجارب الكيميائية وفي الفيزياء. ان فلسفة الكيمياء هي تلك المساحة من التحقيق الفلسفي الذي ازدهر في العشرين سنة الأخيرة الى حقل متميز ومنفصل. طالما توجد الكيمياء كحقل علمي منفصل يحقق في الأسئلة ويستعمل أدوات متفردة ، فان فلسفة الكيمياء سوف تستمر في التحقيق في المضامين الفلسفية لمثل هذه الفعالية. طرح أسئلة حول العلوم والكيمياء مرتبط جدا بطرح أسئلة عن الكون وفهم مكاننا فيه وهو بالتأكيد الوصفة لكل التحقيقات الفلسفية.

***

حاتم حميد محسن

 

في المثقف اليوم