أقلام فكرية

السـؤال الأخلاقي الأول (1)

علي رسول الربيعيلماذا يجب أن تكون هناك أخلاق؟

إن السؤال الأخلاقي الابتدائي الذي يُطرح دائما حيث يواجهه كل انسان في بعض الأحيان هو:  "لماذا يجب أن أكون أخلاقيًا؟". يتضمن هذا السؤال الأكبر سؤالين منفصلين: "لماذا يجب أن تكون هناك أخلاق؟ وما هو معنى الأخلاق؟" أو "ما سبب وجود نظام أخلاقي ؟" يفترض السؤال الرئيس الثاني إجابة مرضية عن الأول. فهل "هناك  مبرر عقلاني للأخلاق، ولماذا يجب أن أكون أخلاقيًا؟"

يتطلب التمييز بين هذين السؤالين، تسهل الإجابة عن الأول بينما لا توجد إجابة مؤكدة عن الثاني. يعتقد بعض الأفراد، على سبيل المثال، أن الإجابة المرضية عن السؤال الأول تتضمن إجابة مرضية عن الثاني. بمجرد تقديم تبرير عقلاني عام للأخلاق لا توجد مشكلة في تبرير الطاعة الأخلاقية من جانب الفرد الأخلاقي، من وجهة نظرهم. تتضمن الإجابة السلبية عن السؤال الثاني إجابة سلبية عن الأول بالنسبة لآخرين. إذا كان لا يمكن أن يظهر للفرد سبب وجوب أن يكون أخلاقيًا، فستكون الأخلاق هي نفسها بدون مبرر. والنتيجة هي العدمية أو النسبية المطلقة.

سنتناول في هذا القسم من الدراسة أول سؤال من هذين السؤالين. ما نسعى إليه هو تبرير عقلاني مقبول لنظام الأخلاق وممارستها. فلا نسعى إلى تفسير الأخلاق، أي تفسير سبب ظهورها أو سبب كونها ظاهرة إنسانية شائعة. لكن نريد أن نعرف- لرضا أي شخص عقلاني- ما إذا كان يجب أن توجد، ولماذا، يجب أن توجد الأخلاق. توضيح المصطلحات له الأولوية في الترتيب من أجل الإجابة عن السؤال. نحتاج، بادئ ذي بدء، إلى فهم المصطلحين "العقل" و"العقلاني" في استعمالاتهما المتنوعة، حيث يشكل هذان المصطلحان مقياس النظام أو الممارسات التي سننظر فيها. يمكن تحديد معنيين أو استخدامات مختلفة لهذه المصطلحات. الأول هو الاستخدام المنطقي كمقياس للأحكام والأفعال والأشخاص. وهذا بدوره يتضمن المعيارين الفرعيين وهما متطلبات السبب الكافي وعدم التناقض.[1] لكي يكون الحكم عقلانيًا بهذا المعنى المنطقي من الضروري أن ينطلق من أسباب كافية أو من اسس التبرير التي يحتمل أن تكون  مقبولة  لجميع الأفراد أوعلى الأقل ذو الذكاء أو القدرة العقلية العادية. ويتم تطبيق هذين المعيارين، مع مراعاة ما يقتضيه اختلاف الحال، على الأفعال الفردية أو على سلوك الأفراد.

قد تبدو الإشارة هنا إلى اجتماع جميع الأفراد ذوي القدرات الفكرية أو الذكاء الطبيعي غريبة، لكننا لا نفكر عندما نستعمل مصطلح "العقل" و"العقلانية" في مجتمع محدد أو هيئة إجتماعية معينة عمومًا. إذا اعتبرنا أن الأحكام المتعلقة بالعقلانية تستند بالضرورة إلى موافقة مجتمع من العقول، أعتقد أننا لن نتفاجأ من هذا المرجع في استعمالنا للمصطلحات. ثم لايشير المرجع هنا إلى مجتمع معين أو نزوة حكم الأغلبية، ولكن إلى الموافقة بالإجماع من قبل أولئك الذين لديهم الذكاء أو القدرة الفكرية العادية على الأقل. أعتقد أن المعنى البدهي  الحدسي لهذا المعيار المرجعي واضح بما فيه الكفاية، أو على الأقل واضح كما في استعمالنا الفعلي له في الحكم.[2]

هناك استعمال ثاني لمصطلحي "العقل" و"العقلانية" أصبحا شائعين في العلوم الاجتماعية بالإضافة إلى الأهمية المنطقية. يكون الحكم أو الفعل منطقيًا  أو عقلانيا ( بالمعنى نفسه) إذا كان ينطوي على اختيار وسائل فعالة لغايات معينة أو إذا كان يؤدي إلى تعظيم سلسلة مرغوبة من الاشباع أو الرضا.[3] يكون العقل  شكلي بحت في نشاطه وفقًا لهذا الفهم. فلا يحدد الرغبات التي تتطلب إشباعها أو الأرضاء الذي يسعى إليه، ولكن يختار على أساس نمط معين من الرغبات أو الإشباع أفضل الوسائل لمتابعتها أو السعي لتحقيقها. ليس حياد العقل فيما يتعلق بالرغبات مطلقًا. فعندما تتعارض سلسلة معينة من الرضا مع أخرى، يمكن استخدام العقل كعملية اختيار أمثل أو كتعظيم نمط من الغايات التي من المرجح أن  ترضي الفرد المختار. ولكن يرجح العقل حتى في مثل هذه الحالات الرغبات على أساس الأهمية الفعلية أو المفترضة لها بالنسبة للفرد المختار.[4] يسمح العقل، في النهاية، بالسعي وراء أي إشباع طالما أنه ينطوي على إمكانية تعظيم إجمالي الرضا الذي يتمتع به الفرد. يضع هيوم تصورًا للعقل بوصفه "عبدًا للعواطف"[5] وذلك لأن يأتي عمل قواعد العقل لتحسين الرضا أو الأشباع، وبهذا  يقترب هيوم من التعبير عن الجانب الأساس لهذا المعنى للعقل الذي اشرنا اليه. ونلاحظ، أن هذا المفهوم للعقل يتضمن  إحالة أومرجعًا موضوعيًا أيضًا، أي اللجوء الى حكم إجماع المجتمع بأكمله فثيما يتعلق بأختيارات الأفراد. فلكي يكون الحكم أو الفعل عقلانيًا، يتطلب أن يكون على النحو الذي يمكن أن يُنظر إليه على أنه تحقيق أقصى قدر من الرضا ليس من قبل أي فرد، ولكن من قبل جميع الأفراد من ذوي الذكاء العادي اوالقدرة الفكرية العادية على الأقل. فيبدو أن اجماع الحكم هذا مركزيًا للعقل بكل معانيه.

إن السؤال الصعب هو ما إذا كان أحد هذين المعنيين المهمين للعقل أساسي أكثر من الآخر. يمكن أن يرتبط هذان المعنيان ببعضهما البعض بطرق مختلفة. وبالتالي، فإن إرضاء رغبة الفرد هو بحد ذاته سبب كافٍ للتصرف والسعي وراء اشباع أو رضا يفترض مسبقًا مبدأ عدم التناقض. ويمكن أيضًا تقديم حجة قوية مفادها أن هذين المبدأين المنطقيين يتبعان وظيفة العقل العملي وتعظيم ذات المنحى العملي. (يبدو واضحا أذن أن الفاعل الذي أصدر أحكامًا متناقضة أو الذي تصرف دون سبب كافٍ لا يمكنه السعي لتحقيق الرضا بشكل متماسك). أيً من المعنيين لهما أكثر جوهرية، سأعامل هذين الأمرين من الآن فصاعدًا على أنهما تعابير متساوية وقابلة للتبادل لما نعنيه بالعقل والعقلانية. عندما أقول إن الحكم أو الاختيارعقلاني  فأنا أعني أنه يتوافق مع مبادئ عدم التناقض والسبب الكافي ويؤدي إلى تعظيم رغبات الأفراد. وعلى كل حال، ساضع في أعتباري اجماع الافراد ذو الذكاء العادي كحكام لتطبيق هذه المعايير. وبالتالي، لا ينبغي للقارئ أن يشعر بالحيرة عندما أستعمل عبارات مثل "يتطلب العقل" أو "يستدعي العقل". أشير فقط إلى الأحكام أو الاختيارات التي يتخذها مجتمع من الافراد ذوي الذكاء العادي باستعمال هذه المعايير وعلى أساس أي أحكام أو اختيارات كان من المفترض أن يتخذوها بالفعل.

يتخذ السؤال ما إذا كان من العقلاني أن تكون هناك أخلاق شكلاً جديدًا، على هذه الخلفية. فيمكن أن يعني، هل هناك سبب كاف لوجود الأخلاق؟ أو هل يميل نظام الأخلاق إلى الحد الأقصى لإشباع رغبات هؤلاء الأفراد القادرين على الاستفادة منه؟ على كل حال، اذا أتخذ أيً من هذين الشكلين فإن الإجابة عن السؤال "هل الأخلاق عقلانية؟" يعتمد على ما نعنيه بالأخلاق. ربما توجد طرق عديدة يمكن فهم هذا المصطلح من خلالها. لكن لإبقاء الأمور بسيطة قدر الإمكان هنا، أقترح أن نفكر في الأخلاق على أنها تنطوي على قواعد السلوك العادية المعترف بها عمومًا بوصفها أخلاقية. أعني بذلك القواعد التي تحظر قتل البشر أو إلحاق الأذى الجسدي بهم، والقاعدة التي تتطلب الالتزام بكلمة المرء بمجرد إعطائها، وعدم الخداع والأمانة، والحكم العادل في علاقات المرء مع الآخرين. سأعتبر،الى جانب هذا، كجزء من الأخلاق، الاعتراف بأنه مسموح أو حتى مطلوب معاقبة أولئك الذين ينتهكون هذه القواعد. يمكن أن تتراوح هذه العقوبات من مجرد تعبير عن الازدراء إلى عقوبات قانونية صارمة. مهما كانت العقوبة المناسبة في حالات معينة، فأني أعتبرها جزءًا من إحساسنا بالصواب والخطأ، ويستحق انتهاكات هذه القواعد الأخلاقية نوعًا من الرد الرافض.

يبدو واضحًا الآن، لن يكون الوجود البشري بدون هذه القواعد سائغا. وحتى لو كان وصف هوبز له على أنه "حرب الكل مع الكل" صحيحًا، فإن الحياة في ظل هذه الظروف سوف لاتكون آمنة بالقدر الذي نتوقعه عادةً. وهكذا، النظر الى الأخلاق بهذا المعنى، وفهم العقلانية كأقصى اشباع للرغبة، نصل إلى إجابة لسؤالنا: هل من العقلاني أن تكون هناك أخلاق. سوف يسمح المجتمع الذي لديه نظام أومدونة أخلاقية لأعضائه بإشباع رغباتهم بشكل أفضل وأكثر من مجتمع بدونها. إذا كان بإمكان المرء أن يختار العيش في أحد هذين النوعين من المجتمع، فإن النوع ذي الأخلاق سيمثل خيارًا عقلانيًا عمومًا.

استندت حجتي، حتى هذه النقطة، على الفهم الذي قدمناه للأخلاق. لكن أريد أن أتعمق أكثر وأشير الى  أن فكرتنا عن الأخلاق تعتبرها ظاهرة عقلانية. فتتصور هذه الفكرة الأخلاق كعقل مطبق أومستعمل لاختيار القواعد الاجتماعية. يتضمن سؤالنا الأساس، "هل الأخلاق عقلانية؟" أو "هل يجب أن تكون هناك أخلاق؟" يحمل إجابة ذاتية تمثلها العبارة "من المنطقي أن تكون هناك أخلاق" وترقى إلى أنه "من المنطقي أن تكون هناك طريقة عقلانية لاختيار القواعد الاجتماعية". سيكون الأمر كذلك إذا تم تعريف أي اختيار عقلاني معين للقواعد الاجتماعية على أنه أخلاق. وهكذا إذا كان من الممكن إثبات أن قواعد الأخلاق المعتادة يجب أن تنتج من طريقة عقلانية صارمة لاختيار المبادئ الاجتماعية، فإن سلسلة منطقية متماسكة تكون قد تشكلت من مفهومنا للعقل إلى فهمنا للأخلاق نفسها.

تتمثل إحدى طرق إدراك هذه العلاقة المنطقية بين العقل والقواعد الأخلاقية العادية في تخيل مجتمع بدون أخلاق من أي نوع، أي مجتمع بدون مبادئ عامة معترف بها تحكم السلوك ولا توجد لديه فكرة عن الصواب والخطأ. من المحتمل أن يتسم مثل هذا المجتمع بالصراع المستمر، وأي نظام يسود فيه لن يكون ناتجا الا عن تحالفات السلطة والأكراه. لن يكون مثل هذا المجتمع عقلانيًا بأي معنى لهذا المصطلح. أي أنه لن يكون من المرجح على مدار أي فترة زمنية طويلة أن يحقق المجتمع رضا أعضائه إلى الحد الأقصى الممكن، حيث سيعيق استمرار الصراع سعي كل شخص لتحقيق غاياته تقريبًا. ونظرًا لأن السلطة والأكراه هما اللذان يحددان التنظيم الاجتماعي بدلاً من أي اختيار عقلاني متماسك للأهداف، فسيحرم المجتمع من الفوائد التي تثمرها الأداة أو الوسيلة الإنتاجية للعقل. أخيرًا لن يكون هذا، في أبسط معاني العقلانية، مجتمعًا عقلانيًا لأن لن تحكم أنشطته أسباب عقلانية، ومبادئ مقبولة عموما، ولكن من خلال تلاعب الأكره المطلق.

إذا وضع أفراد هذا المجتمع علاقاتهم على أساس عقلاني فسيكون المسار مفتوحًا لهم من أجل تحقيق أقصى قدر من الرضا. اذ يمكنهم الاتفاق على سلسلة من المبادئ الثابتة لتنظيم سلوكهم ولتوفير أساس متين يؤسسون عليه توقعاتهم بشكل مشترك. قد يسمون هذه المبادئ القواعد "الأخلاقية" ويشرعون في محاولة صوغها. لكن ما هي طبيعة هذه القواعد؟ هل ستكون هناك أي سمة مشتركة بينها من شأنها أن تميزًها عن القواعد الأخرى المحتملة التي قد يتوصل إليها المجتمع؟ الإجابة الأكثر عمومية، كما أعتقد، هي أن هذه القواعد الخاصة ستكون من النوع الذي يمكن أن يوافق عليه أفراد المجتمع بحرية. تنبع  فكرة الاتفاق بالإجماع والموافقة الحرة من فكرة الوسائل المبدئية والعقلانية للتسوية الاجتماعية. لأنه إذا كان الاتفاق أقل من إجماع، بالنسبة لبعض أفراد المجتمع، فسيكون ما يسمى بالقواعد الأخلاقية مجرد تصديق على علاقات القوة والسلطة الموجودة في المجتمع، والأمر نفسه صحيحًا إذا تم اتفاق بعض الأعضاء بالإكراه. فلن يتم تحديد القواعد والاعتراف بمبادئ السلوك في كلتا الحالتين بمجرد التعبير عن إرادة الأقوى. بعبارة أخرى، يتضمن مفهوم الحكم بالمبادئ في حد ذاته فكرة الموافقة الحرة والإجماعية من قبل المحكومين كافة. لذلك، بالنسبة للمجتمع الممكن أن يكون، فإن استبدال العقل والمبادئ العقلانية بالقوة/ السلطة يتطلب أن تحظى تلك المبادئ بالموافقة غير القسرية من الجميع عموما.

لكن هل توجد مثل هذه المبادئ؟ نظرًا للاختلافات في المصالح والدرجات المتفاوتة للسلطة التي تميز معظم المجتمعات، فإن الإجابة على الأرجح هي لا. وبالتالي، إذا تم اقتراح قاعدة تقيًد سلوك أعضاء معينين في المجتمع فعلاً، فمن المرجح أن يقاوم هؤلاء الأعضاء قبولها، مهما كان من مصلحة المجتمع حظر هذا السلوك. القاعدة التي تحظر قتل البشر الآخرين، على سبيل المثال، على الرغم من كونها مرغوبة أو مطلوبة في نظر الغالبية العظمى من أفراد المجتمع، قد لا يقبلها تجار السلاح. وعليه فإن تلك القواعد التي من المحتمل أن يقبلها الجميع ستكون شئ تافه أو عديم الأهمية لتنظيم السلوك.

لاحظ الموقف الغريب الذي وصلنا إليه. فليس الحالة القائمة لهذا المجتمع مُرضيًة بأي معنى، لأنها ليست عقلانية بأي حال من الأحوال. علاوة على ذلك، يمكن لهذا المجتمع من خلال الأخلاق (القواعد التي تسهل تسوية حقيقية للنزاع وللتعاون الحر) التوصل إلى ظروف مستقبلية أكثر إرضاءً للجميع. ومع ذلك، ليس من العقلاني بالضرورة أن يساعد أو يساهم كل فرد في هذا المجتمع على تحقيق هذا النظام الاجتماعي العقلاني. أي، إذا تذكرنا فهمنا للعقلانية بوصفها تنطوي على أقصى قدر من الإشباع للرغبة، إلاً أنها لا تزيد بالضرورة من إشباع رغبات كل عضو في الخروج من الوضع المشوش أوالفوضوي القائم. وهذا هو السبب في الوصول إلى الموافقة بالإجماع على القواعد المهمة غير سهل المنال أو التحقق. نتطرق هنا إلى المشكلة المركزية والتي اشرنا اليها في هذا البحث، وهي المشكلة التي ابتلى بها الفكر الأخلاقي من البداية إلى النهاية، والتي قد نسميها ابتداءً الصراع بين العقلانية الخاصة والعامة. لأنه بينما من العقلاني عمومًا وجود طريقة مبدئية للتسوية الاجتماعية، فليس من العقلاني بالضرورة أن يضحي كل عضو بعينه من أجل تحقيق هذه الطريقة.

هل هناك طريقة للخروج من هذه المعضلة؟ هل يمكن لمثل هذا المجتمع أن يتوصل إلى قواعد محددة تحظى بموافقة الجميع؟  يتطلب هذا الوضع حلًا، لأن لا يمكن أن يتوصل المجتمع هذا الى موافقة عقلانية (لا يمكن الحصول على موافقة المجتمع باكمله عليها). يتناقض هذا المجتمع مع فكرة العقل، ويتطلب العقل بطبيعة الحال طريقة ما للخروج من المشكلة. يقدم جون راولز أحد الحلول الممكنة في كتابه: نظرية العدالة. علينا من أجل فهم ما يقترحه راولز أن نعود إلى حالة المجتمع الفوضويا لمشوش الذي  يمكن أن نتخيل جميع أعضاءه وقد اجتمعوا معًا في مكان يسميه رولز "الموقع الأصلي".[6]  يتم إبلاغ كل عضو منهم بالظروف التي ستحكم اختيار المبادئ بمجرد دخول هذا المكان. سيكون لكل عضو صوت واحد، والاتفاق على أي مبدأ بالإجماع. نحن نعرف-طبعًا- أسباب هذه الظروف، والمشاكل التي تخلقها. وعلى كل حال، يُستخدم هذا كإجراء خاص قبل بدء التصويت مباشرة. يُجبر كل مشارك في هذا الموقع على تجاوز ما يسميه راولز "حجاب الجهل".[7] لهذا الوضع التخيلي تأثير في حرمان كل مشارك من معرفة السمات الخاصة لحالته التي تميزه عن المشاركين الآخرين. يُمنع كل منهم، على سبيل المثال، من معرفة جنسه أو عرقه أو قوته البدنية أو قدرته العقلية. كما يُمنع كلًا منهم من معرفة الظروف الخاصة لميلاده، سواء وُلد في ظروف اجتماعية مواتية  أم لا. وأخيرًا، يُمنع كل فرد من معرفة الغايات أو القيم الخاصة التي يرغب في متابعتها أو السعي لأجلها، وهو ما يسميه راولز، "خطته الخاصة للخير".

يكون، نتيجة لهذا الإجراء، كل مشارك متماثلًا بشكل فعال مع الآخر. على الرغم من أنه قد يُسمح للمشاركين بمعرفة وجود اختلافات معينة في مجتمعهم بين الافراد، إلا أنه لا يُسمح لهم بمعرفة احتمالية كونهم نوعًا من الافراد دون نوع آخر. ونتيجة لذلك، يكون كل مشارك غير متحيز بشكل جذري قبل مجموعة الشروط والأهداف التي كانت تنأى بين شخص وآخر. قد يبدو الآن أنه في ظل هذه الظروف الخاصة أصبح من المستحيل على أي مشارك اختيار مبادئ اجتماعية مرضية. ثم إذا مُنعَ الشخص من معرفة أي غايات أو احتياجات خاصة به، فكيف يتخذ خيارًا عقلانيًا لزيادة  اشباعه أو رضاه على الإطلاق؟

بقدر ما تبدو هذه المشكلة كبيرة،الأ أنها ليس عقبة لايمكن تجاوزها فيما يتصل بالاختيار الاجتماعي في هذه الحالة؛ لأن لا يحتفظ كل مشارك بكل المعرفة عن تلك الغايات غير الخاصة. وهكذا، يعرف كل فرد أنه إنسان له كل الغايات والاحتياجات المرتبطة بهذا الشرط، أيً، الحاجة إلى التخلص من الأذى الجسدي، والحصول  ولوعلى الحد الأدنى من السلع المادية للحفاظ على الحياة، والحاجة لتأمين تعاون أعضاء مجتمعه  في بعض الأحيان. وعلى الرغم من أن المرء لا يعرف ما هي غاياته أيضًا، إلا أنه يعلم أن لديه أهداف من نوع ما وأنه يرغب في أقصى قدر من الحرية للقيام ما يريد. وبالتالي، يصبح من الممكن للمشاركين في ذلك الموقع اختيار المبادئ التي في صالحهم إلى أقصى حد في الحالة التي يجدون أنفسهم فيها على الرغم من القيود المفروضة عليهم، ايً، فيما يخص حدود معرفتهم. تأخذ هذه المبادئ شكل القواعد العامة التي تحكم السلوك. وهي تشمل حظر قتل أو إلحاق الأذى الجسدي بأشخاص آخرين؛ قاعدة تحظر مختلف أشكال الخداع وعدم الأمانة؛ قاعدة الإخلاص التي تتطلب دعم الاتفاقات التي دخل فيها المرء بحرية، وقاعدة الإنصاف التي تتطلب من الفرد الحفاظ على الترتيبات التعاونية المفيدة للطرفين. بعبارة أخرى، تحدث عملية الاختيار بالاتفاق على قواعد الأخلاق التي ذكرتها سابقًا. ليس من الضروري هنا توضيح الرابط الصارم بين هذه القواعد المحددة والاختيار في ظل الظروف التي وصفتها. فقد قام باحثون أخرون بتفاصيل أكبر بكثير مما يمكن ان اقوم به هنا.[8] ومع ذلك، لابد أن يكون واضحًا بشكل معقول سبب ظهور قواعد من هذا النوع، وهذا النوع فقط، من حالة الاختيار الخاصة بالموقع الأصلي.

قد يُعترض في هذه المرحلة على أنه لم يثبت إمكانية تحقيق اتفاق حر بالإجماع على المبادئ الاجتماعية. لأنه في حين أنه من المؤكد أن مثل هذا الاتفاق سيكون ممكنًا وراء حجاب الجهل، فلا يوجد سبب للاعتقاد أن أعضاء المجتمع المتنازعين سيوافقون على هذا القيد الخاص على قدرتهم على الاختيار. ثم، إذا رفضوا التنازل عن غاياتهم ومزاياهم الخاصة، فلماذا يذهبون وراء حجاب الجهل الذي له الأثر نفسه على مصالحهم؟ الجواب على ذلك أنهم ربما لن يفعلوا ذلك. لأن حجاب الجهل هو مجرد أداة للقضاء على المصالح الخاصة التي لم يتمكنوا من التغلب عليها في الأصل، وعليه لا ينبغي لنا أن نتفاجأ من أن المقاومة تتبلور في النهاية ضد هذه الوسيلة نفسها.[9]

ومع ذلك، فإن فكرة حجاب الجهل والحياد الصارم في اختيار المبادئ الاجتماعية التي تنطوي عليها هي فكرة مهمة للغاية. يمكننا أن نرى الآن أن مثل هذه الفكرة مرتبطة منطقيًا وضروريًا بمهمة تأمين القواعد الاجتماعية المقبولة بشكل عام، والشئ نفسه ينطبق على  قواعد الأخلاق. فبدون هذا الحياد، لا يمكن ضمان الاتفاق بالإجماع على القواعد الاجتماعية التي يتطلبها العقل، وبدون هذه القواعد، لن يكون هناك ترتيب عقلاني صارم لحل النزاعات الاجتماعية. وهكذا، توجد علاقة منطقية بين تعاقب الأفكار التي نظرنا إليها: العقل يتطلب القبول الحر للمبادئ من قبل جميع المشاركين في النظام الاجتماعي؛ وتتطلب الموافقة الحرة بالإجماع فرض تجرد أو نزاهة صارمة (من النوع الذي أتاحه حجاب الجهل) على الأفراد المختارين؛ و يؤدي الاختيار في ظل هذه الظروف عقلانيا- منطقيًا إلى اختيار المبادئ التي تتوافق مع القواعد الأساسية للأخلاق المقبولة. وتكون هذه السلسلة كالتالي: مفهوم العقل- ترتيب اجتماعي مبدئي- الموافقة الحرة بالإجماع- اختيار محايد -(الاختيار من خلف حجاب الجهل)- القواعد الأخلاقية المشتركة- القواعد الأخلاقية العامة (لا تجرح، لا تقتل، لا تكذب، لا تغش، لا تخلف بوعدك، تلا كون غير عادل، إلخ.) يمكننا أن نرى الآن لماذا السؤال "هل من العقلاني أو المنطقي أن تكون هناك أخلاق؟" يحمل بذاته جوابه. لكن يمكننا أن نرى أيضًا مدى تعقيد مفهوم الأخلاق حقًا وما هي الخطوات المطلوبة للوصول إلى القواعد الأخلاقية التي نأخذها كأمر مسلم به.

لا شيء من هذا، بالطبع، يساعدنا في حل مشكلتنا المتعلقة بما إذا كان أعضاء المجتمع سيوافقون على المبادئ الأخلاقية أو القيود التي يتطلبها اختيار هذه المبادئ. تنشأ هذه المشكلة من حقيقة أن ما هو عقلاني بشكل عام ليس بالضرورة عقلانيًا لكل فرد في كافة الظروف. على الرغم من أنه يمكننا وصف الوضع العام للمجتمع الفوضوي بأنه غير عقلاني ألأً أنه لا يمكننا أن نقول بشكل قاطع أن كل عضو في ذلك المجتمع غير عقلاني (يقلل من رضاه او اشباعه) في رفض الاتفاق على المبادئ أو القيود اللازمة لتوليدها. هذا التباين بين ما هو عقلاني بشكل عام وما هوعقلاني لأفراد معينين هو السبب الأساس الذي يجعل القليل من المجتمعات، تحقق حالاتها العليًا من الانسجام والتعاون بمجرد الاتفاق الحر من جانب أعضائها. بشكل عام، قد يُفرض  مثل هذا الأنسجام من أعلى بواسطة وصية أو ارادة يكون الانسجام مفيدًا لها، أو من الخارج عن طريق التهديد بالهيمنة. تحدث مثل هذه الانسجامات من حين لآخر عندما تنتج الأحداث حالات عابرة من المساواة في السلطة والقدرة بين أعضاء المجتمع، وعندها نجد نموذج الموافقة الحرة أقرب ما يكون.

تضيء مقاومة الأفراد للتنظيم العقلاني العام أيضًا حقيقة وزيف فكرة العقد الاجتماعي التاريخي كأساس لأي نظام اجتماعي حقيقي. هذه الفكرة خاطئة لأنه، نظرًا للاختلافات الدائمة في القوة والسلطة بين الأفراد، فمن غير المرجح أن يكون هناك أي مجتمع قد تشكلَ بهذه الطريقة. لكنها تتضمن عنصرًا من الحقيقة وهو أن أي مجتمع يعتبر نفسه أخلاقيًا أو عادلًا يتطلب أن يتشكل بهذه الطريقة، أيً،على أساس الموافقة الحرة لجميع أعضائه. يشير راولز إلى هذه النقطة عندما يصر على أن الموقع الأصلي في نظريته العقدية ينبغي ألا يُنظر إليه على أنه حدث تاريخي فعلي، ولكن كاختبار أو معيار يمكن على أساسه قياس جميع الدساتير السياسية الفعلية.[10]  لقد فقدت نظرية العقد اليوم شيئًا من مكانتها التي طالما كانت ذا أهمية سياسية وأخلاقية؛ ولفهم هذا، على المرء أن يتذكر أن نظرية العقد كانت تقليديًا نظريًا ليس فقط حول كيفية ظهور المبادئ الاجتماعية ولكن للالتزام الأخلاقي أيضًا. الفكرة الضمنية هي أنني يجب أن أطيع قواعد مجتمعي لأنني وافقت على القيام بذلك، ألزمت نفسي بالدخول بحرية في اتفاق ما في الماضي. طبعًا، هذه الفكرة مليئة بالمشاكل؛ فكيف، على سبيل المثال، يمكن أن أتحمل مسؤولية التزامات أسلافي؟ وقد طرح هيوم المشكلة برمتها عندما سأل، ما هو مصدر الالتزام المفترض بدعم العقود التي تقوم عليها نظرية الالتزام؟ لقد لاحظ بحق أن هذا الالتزام لا يمكن أن يكون في حد ذاته نتيجة لعقد، حيث سيكون المرء حينئذٍ متورطًا في تراجع لانهائي. وبدلاً من ذلك، يرى هيوم كان على فكرة الالتزام أن تستند إلى فكرة ما عن العقل نفسه، الا وهي مبدأ المنفعة.[11] أخذ راولز هذا النقد بنظر الأعتبارعندما أكد أن التزامنا بالمبادئ الأخلاقية الصحيحة تُستمد من العقل، ولكن ليس من نوع الاعتبارات العقلانية التي تقوم على النفعية. وأن كان هذا  الرأيً صحيحًا، إلا أنه يلقي الضوء على المشكلة ذاتها التي سعت نظرية العقد القديمة إلى طمسها وهيً: أنه ليس من العقلاني دائمًا أن يقوم الفرد بما يتطلبه العقل عمومًا. وهكذا، كان لنظرية العقد المعاصرة، وكذلك كل النظريات الأخلاقية العقلانية المعاصرة،التأثير في كشف كل من المنطق والصعوبات الجسيمة التي تكمن وراء العقل الأخلاقي نفسه.

إذا وضعنا هذه المشكلة جانبًا الآن، فقد رأينا أن العقل والأخلاق مرتبطان منطقيًا ببعضهما البعض. يمكن اعتبار الأخلاق كواحدة من طريقتين أساسيتين لترتيب النزاعات الاجتماعية. طريقة تعتمد على  الأنخراط في الأكراه بينما تعتمد الأخرى على المبادئ التي يمكن أن يتفق عليها الجميع. إنها تولد هذه المبادئ من خلال طريقة واحدة للاختيار العقلاني المحايد، وأن هذه المبادئ نفسها هي المبادئ الأساسية للأخلاق العادية التي نعرفها. ليست هذه الأفكار بجديدة ولكن عملت النظرية الأخلاقية الحديثة على إبرازها بشكل أفضل. اعتمد التقليد النفعي على مفاهيم مماثلة، على الرغم من أن النفعيين كانوا مرتبكين حول كيفية وصول العقل إلى المبادئ. لقد ربط كانط بين العقل والأخلاق منذ ما يقرب من قرنين من الزمان.

نظرًا لأن حجتي تعتمد في الاقسام اللاحقة من هذه الدراسة على فلسفة كانط بشكل كبير، فسأقيم مقارنة بين فهم كانط للأخلاق مع ما أشرت إليه للتو.

ليس شرح أخلاقيات كانط بالمهمة السهلة، وتصبح المهمة أكثر صعوبة بسبب أسلوب كانط الفلسفي الكثيف. أدى ميله إلى تبديل مقاطع واضحة مع أخرى تكاد تكون صعبة الفهم إلى ظهور العديد من سوء الفهم لموقفه. ومع ذلك، أعتقد أن الخطوط الرئيسية لوجهة نظر كانط سليمة لدرجة أنه إذا تم تناول أفكاره من خلال تجاوز العقبات الأولية الأكثر صعوبة، يصبح موقفه واضحًا بالكامل. سيقود المرء عن طريق تصحيح أي من سوء الفهم لموقفه إلى إدراك التماسك الأساسي في تفكيره. وبالتالي، تبرز هنا مسألة انتقاد كانط المفترض للسعادة ومسألة إرساء الأخلاق على اعتبارات السعادة. لا يمكن أن تكون السعادة الهدف الأساس للحياة الأخلاقية كما يصر كانط مرارًا وتكرارًا في الصفحات الافتتاحية لكتاباته الرئيسية عن الأخلاق. إن السعادة لنفسي، أو للآخرين، أو حتى للجميع، ليست هدفًا أخلاقياً مقبولًا للسعي كما يقول، ولا تمثل هذه المسألة أيًا من القيم المشتركة الأخرى التي يسعى إليها البشر. هذا الرفض لمجموعة من القيم باعتبارها غايات مقبولة أخلاقياً تتوج بتعبيره المعروف أن الشيء الخير/الجيد الوحيد غير المشروط هو حسن النية من الناحية الأخلاقية.[12]

لقد أدى رفض كانط للقيم إلى إضفاء صبغة متشددة أو متزمته على أخلاقه دائمًا، وقد تعزز هذا بالتفسير الشائع القائل بأن تفكيره الأخلاقي يعكس في المقام الاول خلفية بروسية أو خلفية مذهبية بروتستانتية ضيقة. ويتعزز هذا الانطباع  أيضًا، من خلال معارضته للسماح للسعادة أو أي قيم أخرى يتم اتباعها بشكل شائع لتكون بمثابة "الأساس المحدد" أو الاعتبار الأساس الدافع للحياة الأخلاقية. يقول كانط إذا سألت لماذا يجب أن أفعل شيئًا ما، فليس من المرضي الرد "لأنه سيجعل بعض الأشخاص- أو حتى العديد منهم- سعداء." الاعتبار الوحيد المسموح به أخلاقيا هو ما إذا كان يتطلب مني الواجب القيام بذلك. إن صوت الواجب صارم، بالنسبة لكانط، له الأسبقية على السعي وراء أيً قيم أخرى.

إنه من المهم أن نسأل في ضوء هذا الهجوم المتواصل على القيم التي يتبعها الناس عادة ويعتبرونها جديرة بالاهتمام: هل كانط هو ذلك الزاهد شديد الصمت كما صوره العديد من الدارسين حقًا ؟ هل يؤمن أن السعادة لا مكان لها في حياة الإنسان أو في عالم الأخلاق حقًا؟ أعتقد أن الإجابة على هذه الأسئلة هي لا. لم يكن كانط غير مدرك لأهمية السعادة. فهو يعرّف الإنسان "كائن ذو احتياجات" يرتبط وجوده بإدخال أهداف رغباته إلى الواقع.[13] ويعرّف السعادة على أنها الحالة التي تُشبع فيها جميع الرغبات، أو كما يصفها، حالة الكائن التي يسير فيها كل شيء وفقًا "لرغبته وإرادته".[14] وهكذا، حسب فهم كانط، فإن طبيعة الإنسان ذاتها تميل عليه السعي من أجل السعادة. ويمكن تقديم حجة قوية، حتى أبعد من هذا التعريف، مفادها أن الغرض الأساس من العقل عند كانط هو تسهيل سعادة الأفراد العقلانيين. يميز كانط بين معنيين أو وظيفتين مختلفين لأستعمالات العقل. الأولى، النظرية، وتهدف إلى معرفة العالم، وتنظيم التجربة في أنظمة قانونية يمكن التنبؤ بها. والأخرى، العملية حيث يسعى إلى الاستفادة من هذه المعرفة من أجل إشباع رغبات الفرد العقلاني. ويساوي كانط بين قوة الإرادة التي تعمل على الرغبات والعقل العملي أحيانًا.[15] وبالتالي، هناك أسباب جوهرية للاعتقاد بأن كانط يرى أن الهدف من العملية المعرفية والعقلانية بأكملها هو تحقيق الأهداف أو الحالات التي يرغب فيها الأفراد العقلانيون، وهي السعادة.[16]

لماذا إذن تكون السعادة، إذا رغب الجميع فيها ليست خيرة/جيدة بشكل غير مشروط، أو غير مؤهلة لأستحقاق التقدير الأخلاقي؟ يبدو أن الجواب هو: بينما يتفق الجميع على أن السعادة أمر جيد وخير، الأ أنهم لايتفقون على مضمونها.[17].لاينبغي أن تحجب عمومية أن الجميع يريدون السعادة  حقيقة أن كل شخص يريد أشياء مختلفة تمامًا.[18] بعبارة أخرى، لاتكون السعادة خيرة بدون شروط حتى  يكون الفرد مؤهلا لها. كل حالة من حالات السعادة ليست خيرة في حد ذاتها، ولكن يجب أن يتبعها شرح لشروط لمن تكون خيرة وجيدة.

يفسر لماذا يؤدي عدم التجانس الأساس للرغبات، في البحث عن أساس للأخلاق، أو لما يسميه كانط "الأرضية الحاسمة" العليا لإرادة كل شخص، الى عدم تحقق أو حصول السعادة. لأنه إذا كان كل فرد يسعى وراء السعادة، فإن مساعي الناس ستكون على خلاف مع بعضها البعض دائمًا. إن جهود جميع الافراد لتأمين القيم التي تهمهم أو لمجموعتهم تنتهي الى حالة من التناقض المستمر. علاوة على ذلك، لن يكون سعي أي فرد لتحقيق غاياته آمنًا وسيتم استبعاد تلبية الرغبات المنسجمة من البداية مع وجود غايات أو أهداف خاصة كأساس محدد لإرادة كل شخص. نرى هنا، بعبارة أخرى، أن عدم ارتياح كانط للسعادة أو أي قيمة معينة أخرى باعتبارها الغاية العليا للأخلاق مرتبط بالفكرة التي قدمتها سابقًا عن الأخلاق كطريقة غير قسرية لتسوية النزاعات الاجتماعية باستخدام مبادئ قادرة على الحصول على الموافقة الحرة للجميع. إن فكرة الموافقة العامة متضمنة في ادعائه بأن أيً غاية جديرة أخلاقيًا أو أي دافع أخلاقي ينبغي أن يكون جيدًا أو خيًرا بدون شروط، وليس خيرًا لهذا أو ذاك الفرد العقلاني ولكنه خيًرا لجميع الأفراد العقلانيين. ويرى ذلك أيضًا من خلال إصراره على أن الأوامر الأخلاقية ليست مشروطة ولكنها مطلقة. أي أنها لا تنبع من الرغبات المفترضة لأي فرد معين ولكن يمكن التنبؤ بها من قبل أيً فرد أخلاقي.[19] إن القبول العام فقط يمكن أن يضمن تسوية مبدئية للصراع، وهذا هو الهدف الذي يفكر فيه كانط بوضوح.

لكن إذا كان كانط لا يقبل السعادة أو أي قيمة معينة أخرى كأساس محدد لإرادة الفرد الأخلاقي، فما الذي سيقبله؟ الجواب، كما رأينا، هو الواجب، حيث يعطيه كانط تعبيرًا أكثر دقة مثل الرغبة في إخضاع إرادة الفرد وأفعاله لقاعدة الأمر المطلق. هناك صيغ مختلفة لهذه القاعدة في كتابات كانط، ولكن الأكثر تمثيلاً والأكثر أهمية لفهمنا موقفه هي تلك الموجودة في نقد العقل العملي: "تصرف بحيث يكون مبدأ إرادتك كمبدأ لإرساء القانون العام دائمًا".[20] إذن، يتطلب فهم موقف كانط معرفة لماذا يجب أن تاخذ هذه القاعدة الخاصة مكان جميع القواعد الموجهة أو المرشدة الآخرى للسلوك، أو لماذا يجب أن تكون لها الأسبقية على السعي وراء  القيم الأخرى على نطاق واسع.

الإجابة على هذا السؤال بسيطة بقدر ما هي مفاجئة: الأمر المطلق هو الغاية الوحيدة التي يمكن لجميع الأشخاص قبولها بحرية، وبالتالي فهي الأساس الأخلاقي الوحيد الملائم للسلوك، لأنها لا تزيد عن شرط أن  يكون  السلوك وجميع الأهداف قادرة على الحصول على القبول أو الموافقة  العامة. بعبارة أخرى، إنها مبدأ شكلي بحت ينص على الشرط الذي يجب أن تفي به أي سياسات أو أفعال إذا كان سيتم تحديدها على أنها أخلاقية. لا يحدد المبدأ، في حد ذاته، أي غاية على أنها أخلاقية. إنه فقط يوضع كشرط أسمى للامتثال للأخلاق نفسها.

تتحدث صياغة كانط للأمر المطلق عن مبادئ (السياسات الفردية للإرادة والسلوك)، الأ انه لا يقول شيئًا على الإطلاق عن هذه المبادئ المطلوبة للحصول على الموافقة الحرة لجميع الافراد. ما يتطلبه الأمر المطلق هو أن أي شيء اقوم به سييصبح قانونًا عاما.[21] لكن أليس هذا مجرد تعبير عن القاعدة المنطقية بأن أكون متسقًا ولن أفعل لنفسي ما أرفضه للآخرين في الوقت نفسه؟ كيف تدخل الموافقة في هذا؟ لا يبدو أنني أطلب موافقة أي فرد آخر إذا كنت مستعدًا لرفع إرادتي إلى مستوى الممارسة العامة. وبالتالي، إذا كنت أرغب في الكذب أو الغش أو السرقة، فإن كل ما يتطلبه الأمر المطلق هو قبولي بقيام الآخرين في الشيء نفسه بالنسبة لي.

هذا بالتأكيد تفسير شائع لكانط حول هذه النقطة، وكان سببًا لرفض موقفه بالنسبة للكثير ممن قرأوه بهذه الطريقة. لا يعني ذلك أن هؤلاء اختلفوا مع أهمية الاتساق في الأخلاق أو أي نشاط آخر. لكنهم أنكروا أن الاتساق هو شرط كافٍ لإنتاج قواعد مقبولة أخلاقياً. فقد أشاروا إلى أنه يمكن أن يكون أي مبدأ أو سياسة عامة منطقية وإرادية. هناك كذابون أو غشاشون أو قتلة قد يكونون أكثر من راغبين في رفع إرادتهم إلى مستوى القانون العام.[22] حاول بعض  الباحثين الدفاع عن هذا النوع من الموقف العام من خلال الادعاء بأن الاتساق يفرض قيودًا حقيقية على السلوك، ويفترض أن يكون السبب هو أن الأشخاص الذين لديهم إرادة خبيثة لن يكونوا مستعدين للتصرف بناءً عليها إذا كان بإمكان الآخرين فعل الشيء نفسه.[23] ولكن لطالما فشلت هذه الحجج في أن تكون مقنعة تمامًا، لأنه من السهل ايراد الكثير من الحالات الاستثنائية.

أعتقد تميل هذه التفسيرات لكانط سواء كانت مواتية أو غير مواتية، إلى إغفال وجهة نظره الأساسية من خلال اختزالها إلى مجرد طلب الاتساق في الإرادة. لأن أفضل ما يمكن أن ينتج عن هذا الطلب في المصطلحات الكانطية هو توحيد السلوك، وليس القانون. بينما تتطلب الأوامر المطلقة القانون لتكون قادرة على أن تصبح كما هي. والقانون بالنسبة لكانط هو قاعدة سلوك تقوم على العقل دائمًا، وبالتالي فهو صالح ومقبول من قبل كل كائن عقلاني.[24] إن هذا صحيح بالنسبة للقوانين الطبيعية التي وفقًا لنظرية المعرفة عند كانط يقوم العقل بمهمة تنظيم المعطيات الخام التي توفرها التجربة، ولكنه صحيح بشكل مضاعف فيما يتعلق بسلوك الكائنات العقلانية. نظرًا لأن سلوكهم حر (حيث يمكن الامتناع عنه)، فإنه يخضع لرقابة العقل حتى قبل أن يصبح  تعبير عن الإرادة فعلًا. بعبارة أخرى، لا يتعين على العقل قبول أي سلوك نمطي للأفراد العقلانيين كما هو معطى أو مفترض، ولكن يمكنه أن يسأل قبل أن يحدث الفعل ما إذا كان يجب أن يكون كذلك. يرقى هذا السؤال، بدوره، إلى التساؤل عما إذا كان مجتمع الأفراد العقلانيين بأكمله قادرًا على تحمل وقبول نمط معين من السلوك في وسطهم. وهكذا، فإن الانتظامات التي أنشأها البشرهي دائمًا قواعد تفترض الموافقة العامة. فلكي تصبح الإرادة قانونًا، لا يكفي أن يكون فرد واحد مستعدًا لتعميم مسار عمله. ولكن أن يكون هذا المسار من النوع الذي يمكن قبوله والموافقة عليه بحرية من قبل أي فاعل عقلاني آخر؛ بحيث يمكن أن يتسامحوا معه كحدث منتظم بينهم، وقانون طبيعي، كما أنشأوه.[25]

إذا كانت هناك حاجة إلى مزيد من الدعم لتفسر كانط هذا، فيمكن العثور عليه بسهولة في الدوافع الثابتة لنظرية العقد الاجتماعي الموجودة في فكره، والتي تعكس دينه العميق لروسو. لا يوجد مكان أكثر وضوحًا من صيغة الأمر المطلق في أسس ميتافزيقا للأخلاق حيث يحدده كقانون لـ "عالم الغايات".[26] يفهم كانط هذا المجال بوصفه مجتمع يتم فيه احترام غايات كل عضو بشكل متبادل فلا يخضع أيً فرد بشكل تعسفي لإرادة فرد آخر. يعتبر كل فرد في مملكة الغايات هذه غاية في ذاته، ليس بمعنى أن جميع رغباته يتم احترامها دائمًا (وهذا مستحيل) ولكن بمعنى أن لكل فرد رأي في العملية التشريعية الأخلاقية. ونظرًا لأن كانط يقدم هذا الصوًغ على أنه معادل للصيغ الأخرى للأمر المطلق، فهناك سبب جوهري لقبول أن الموافقة العامة غير القسرية على السياسات هي السمة الرئيسة لوجهة نظره الأخلاقية الكلية.

قد أشير هنا أيضًا إلى أن هذا التفسير مدعوم بصياغة الأمرالمطلق الذي يعرف الطبيعة العقلانية بأنها "غاية في حد ذاتها".[27] لقد رأينا أن اختيار المبادئ المقبولة بشكل عام يتطلب أن يكون اختيار الأفراد محايد تماما من خلال تجريدهم من معرفتهم الذاتية الخاصة وحصرهم في طبيعتهم العامة أو المشتركة. أرى أن تصور كانط للطبيعة العقلانية على أنها "غاية في حد ذاتها" يعبرعن هذه الفكرة من خلال تحديد طبيعة عامة واحدة يتشاركها جميع الأعضاء المحتملين الآخرين في المجتمع الأخلاقي. فنصل بالضرورة، في سياق تعزيز الغايات ذات الطبيعة العامة، إلى نقطة اتفاق جميع الأفراد الأخلاقيين الآخرين المماثلين. أدرك أنه غالبًا ما يتم تفسير الأمر المطلق بشكل مختلف عن هذا. لكنني أعتقد أن تفسير كانط مع بعض الدعم يساعد في تحقيق بعض التنظيم لتنوع الصياغات التي يقدمها للمبادئ الأخلاقية الأكثر أهمية.

يظل الأمر المطلق مبدأ شكليًا بحتًا وفقًا لهذا التفسير. فهو لا ينص في حد ذاته على ما إذا كان أي نوع معين من السلوك مقبولًا أخلاقيًا، ولا يحدد أي غاية أنها جديرة بالاهتمام من الناحية الأخلاقية (باستثناء الرغبة في الانصياع لإملاءاتها). من المفترض أن أي سلوك أو قيم مستمدة من مجال التجربة الإنسانية مرشحين مناسبين للحصول على الموافقة الأخلاقية إذا تمكنوا من اجتياز اختبار الأمر أو الالزام. لذلك نرى أنه من الخطأ تفسير كانط على أنه معارض للسعي نحو القيم والأهداف الملموسة أو الأشكال المختلفة للسعادة التي يعتز بها البشر. وهذه هي الأشياء الخاصة بالتجربة الأخلاقية.[28] وإذا كان يعارضها، فإن ذلك فقط عندما يتم تقديمها على أنها صحيحة أخلاقيًا أبتداءً بدلاً من أن يُنظر إليها على أنها مادة خام يجب أن تمر امام العقل المحايد أولًا.

وهكذا تعبر رؤية كانط عن كل الإدراك المهم الذي طورناه سابقًا: الحاجة إلى الموافقة العامة أو الشاملة إذا كان للنزاع أن يُزال؛ والى أهمية الاختيار العقلاني المحايد؛ والأولوية التي تمليها إملاءات العقل المحايد.  إنه من صحيح، يتجنب تفسير كانط تفاصيل مهمة في موقفه بعض الأحيان، وهناك لحظات يشعر فيها بالارتباك في محاولته توضيح  موقفه.[29] ومع ذلك، فإن البساطة الأساسية لموقف كانط ملفتة للنظر، وربما تكون أعظم نقاط قوته. لقد اصرً كانط على أن الأخلاق هي تعبير مباشر عن العقل. وكما يوضح الأمر المطلق في صيغته الأساسية، فإن الأخلاق هي قاعدة عدم التناقض المطبقة على ممارسة الإرادات. وعليه، فإن ادعاء كانط بأن الأمر المطلق معروف مسبقًا ذلك لأنه مستمد من العقل ليس ادعاءًا فارغًا.

إن الغرض من هذه الورقة البحثية هي  للتأكيد على عقلانية الأخلاق، فعززنا ذلك بمحاججة كانط. وقبل أن أختتم، لا بد من إعادة طرح نقطة واحدة قد أشرت إليها للتو وهي أن كانط لا يعارض السعادة. وأن الفضيلة العظيمة لموقفه هي تأكيده على أن العقل ينظم في النهاية السعي وراء الإرضاء حتى النقطة التي قد تتطلب، من وجهة نظر محايدة، رغبات معينة لا يتم التصرف بناءً عليها. يقودنا فهم كانط لهذا الأمر إلى حافة المشكلة التي سنتناولها في القسم الآخر وهي: يجب على العقل، من أجل تسهيل السعادة، أن يقمع السعادة أحيانًا. هذا صحيح ليس فقط لاختيار تلك القواعد التي تؤثر على العلاقات الاجتماعية (القواعد الأخلاقية بمعناها الأكثر دقة)، ولكن على قواعد الاختيار الفردي التدبيري الحصيف أيضًا. وبالتالي، فإن سعادتي كشخص عقلاني، غايته  التعقل والحكمة، تتطلب أحيانًا أن أقوم بقمع السعي وراء إشباع معين لأن العقل يفرض أن هذا السعي لا يمكن أن يتماشى مع أهداف أخرى أكثر أهمية قد تكون لدًي.

لذلك يتشابه العقل الأخلاقي والعقل الحصيف المدبر، في معظم النواحي، ويشتركان في قمع الاشباع أوالرضا. ولكن هناك فرق واحد مهم بين هذين النوعين المتختلفين أو المتمايزين من توظيف العقل. يكبت العقل واحدًة أو أكثر من رغباتي، في حالة الاختيار الحصيف، فقط باسم إشباع كامل أكبر لجميع رغباتي، ايً سعادتي. لكن في حالة الاختيار الأخلاقي، ما يتم قمعه أحيانًا هو سعادتي نفسها. حيث يمكن أن يقودني الحياد أمام رغباتي إلى إخضاع بعضها، فالحياد أمام مجموعة الرغبات الاجتماعية يمكن أن يتسبب في قمع كل أو معظم الرغبات. سننظر لاحقًا في جميع الآثار المترتبة على هذا الاختلاف بين العقل الحصيف أو المدبر والعقل الأخلاقي. لكن في الوقت الحالي، يكفي أن نلاحظ أن هذا الاختلاف مهم.

***

الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ

...........................

[1] يدعم جوناثان بينيت هذا التفسير التقليدي للعقل على الرغم من أن هدفه الأساسي هو الإشارة إلى القدرات المعرفية اللازمة لإصدار أحكام عقلانية في كتابه:

Jonathan Bennett , Rationality (London: Routledge & Kegan Paul, 1964)

[2] يبدو أن جميع المنظرين السياسيين الليبراليين، الراولزيين أو غيرهم، قادرين على تأكيد ما تم اقتراحه في هذه المرحلة. يمكن للمرء أن يدرك سواء كان المرء يؤمن بأساس عقلاني أقوى للمؤسسات الليبرالية أو يشك في فكرة أي قيم سياسية قائمة بذاتها  الأهمية الاجتماعية والسياسية لدعم المبادئ الليبرالية من العقائد الشاملة.

Rawls, Political Liberalism, p. 169.

[3] لا يجب الخلط بين المبرر الفلسفي والقبول الشعبي، أو الإجماع التقريبي، أو حتى القبول المحتمل من قبل جميع الأطراف المعقولة. لكن هذا لا يقلل من هدف التوافق الشعبي. بالمعنى الاجتماعي للكلمة، تعتمد شرعية النظام الليبرالي على القبول الواسع النطاق لتبريره

Gerald F. Gaus, Justificatory Liberalism: An Essay on Epistemology and Political Theory (Oxford: Oxford University Press, 1996), p. 10

[4] -Carl G. Hempel, "The Concept of Rationality and·the Logic of Ex­ planation by Reasoris," in his AJpects of Scientific Explanation (New York: The Free Press, 1965), pp. 463-83;

-Kenneth Arrow, Social Choice and lndivid11al Values, 2d ed. (New York: John  Wiley, 1963), Ch. 2;

- J. D. Mabbot, "Reason and Desire," Philosophy,XXVIII (r953), n3-23;

[5] Hume, Treatise of Human Nature, Bk. II, Pt. 3, Sec. iii.

[6] A Theory of Justice (Cambridge, Mass.: Harvard University Press, Belknap Press, 197r), Ch. 3.

[7] A Theory of Justice, pp. 136-42.

[8] Gert, The Moral Rules (New York:  Harper & Row, 1970), Chs. 4-6.

David Richards, A Theory of Reason for Actions (Oxford: Clarendon Press, 197r), Chs. 7-IO.

[9] Leonard Choptiany, "A Critique of John Rawls’ Principles of Justice," Ethics, LXXXIII (January 1972), 146-50,

[10] Rawls, A Theory of Justice, pp11. For a similar use of th classical idea of the "state of nature,"

وأنظر:

Robert Nozick, Anarchy, State, and Utopia (New York: Basic Books, 1974), pp. 7-9.

[11] Hermes Moral and Political Philosophy, ed.. Henry D. Aiken (New York: Hafner Publishing Co., 1948), pp. 356-72.

[12] Kant, Foundations of the Metaphysics of Morals, tr. Lewis White Beck (Indianapolis: Bobbs-Merrill, 1959).

[13] Kemp Smith Critique of Pure Reason, tr. Norman Kemp Smith (New York: St. Martin's Press, 1965), pp. 22, 124.

[14] Kant, Critique of Practical Reason, tr. Lewis White Beck (Indianapolis: Bobbs-Merrill, 1956)., pp. 9, 25.

[15] Oliver A. "The Kantian Interpretation," Ethics, LXXXV (1974), 65,

[16] Kant, Critique of Practical Reason, p. 25.

[17] Kant, Critique of Practical Reason, p. 28.

[18] Kant, Critique of Practical Reason, p. 28.

[19] Kant, Foundations, pp.  30-36.

[20] Kant, Critique of Practical Reason, p.30.

[21] Robert Paul Wolff, The Autonomy of Reason (New York: Harper & Row, 1973), pp. 51, 161-71.

[22] يبدو أن هذه الاعتبارات تكمن وراء نقد جون ستيوارت ميل لمقترحات كانفس بأن الأفعال غير الأخلاقية هي ببساطة غير منطقية.أنظر:

John Stuart Mill, Utilitari­anism, Everyman's Library, New York: E. P. Dutton, 1910}, Ch. 1, Pt. iv.

للحصول على تفسير حديث لكانط باعتباره يتطلب فقط تعميم المبادئ والنقد المقابل، انظر:

Robert Paul Wolff, The Autonomy of Reason (New York: Harper & Row, 1973), pp. 51, 161-71.

[23] John Kemp, Reason, Action and Morality (London: Routledge & Kegan  Paul,  1964),  p. 79.

[24] Kant, Foundations of the Metaphysics of Morals, p. 38.

[25] Kant, Foundations of the Metaphysics of Morals, p.39.

[26] Kant, Foundations of the Metaphysics of Morals, pp. 433-35.

[27] Kant, Foundations of the Metaphysics of Morals, pp. 428-31.

[28] Lewis White Beck , A Commentary on Kant's Critique of Practical Reason (Chi­cago: University of Chicago·Press, 1960], p. 96.

[29] Kant, Foundations of the Metaphysics of Morals, p.41.

 

في المثقف اليوم