أقلام فكرية

لماذا النجاح التقليدي لايجلب السعادة؟

حاتم حميد محسنميّز الرواقي سينيكا بين الطموح والإنجاز، وحذّر من الطموح. الطموح ليس فقط سيئا للفرد، بل هو سيء للجميع. من المفارقة ان طموحاتنا ربما تقيّد عملنا. لكي تكون طموحا يعني ان تسعى لتحقيق انجاز ليس لأجل الانجاز ذاته، وانما لأجل تمييز أنفسنا عن الآخرين. واذا كان احدنا الفرد الأخير على الارض، سيكون هناك القليل من المعنى لنكون طموحين. في كلمات الرواقي الروماني سينيكا "الطموح، الفخامة، الرغبة السخيفة في التملك، انت سوف تشفى من كل تلك لو امتنعت عن النظر اليها".

الأخطار الثلاثة للطموح

اولا، نحن يجب ان نكون حذرين مما نرغب. في احدى رسائله، يقول سينيكا لسيليوس: "في كلامنا العادي،نحن عادة نقول اننا سعداء جدا ان نرى شخصا ما اختير كقنصل، او ان آخر تزوّج او ان زوجته وضعت مولودا جديدا، وهي أحداث بعيدة عن كونها أسبابا للبهجة، هي دائما بمثابة بداية أحزان المستقبل". وعموما، كلما حصلنا على القليل، كلما كنا أغنى.

ثانيا، الطموح هو تركيز على المستقبل، لكي تعيش مع الطموح يعني ان تعيش في خوف وقلق بينما تختزل اللحظة التي أمامك – لأن الطموحات تشدنا للأشياء الخارجية (أشياء وراء سيطرتنا)، وبالنهاية، الى الناس الآخرين، انها تتركنا عرضة وفي حساسية شديدة لهم. وكما يقول سينيكا "الحرية لاتأتي مجانا. اذا كنت تقيّمها عاليا، انت يجب  ان  تخفّض قيمة أي شيء آخر".

ثالثا، الطموح عادة ما يكون مدمرا. القادة الكبار أمثال القيصر وبومبي وماريوس الذين قادهم الطموح لم تكن لديهم سيطرة على انفسهم، وبالنتيجة، انتهوا بعمل أشياء مروعة: ماريوس قاد جيوشا، لكن الطموح هو الذي قاده. وبينما كان هؤلاء الرجال يتحركون في كل العالم، لكنهم انفسهم كانوا يدورون في حلقة، تماما مثل الأعصار الذي يلف كل شيء لأنهم هم ذاتهم يدورون. لا أحد يصبح محظوظا على حساب آخر مغبونا.

ان الهدف من العمل هو ليس زيادة منافعنا حتى لو كان منزلا وسط البيوت ، وانما لمساعدة الآخرين ليحركوا الانسانية  الى الأمام- والذي هو أفضل طريقة لتطوير أنفسنا. أعلى حكمة هي انه ليس من الضروري لكي تكون طموحا ان تكون عالي الطموح، او ان تشعر متحمسا نشطا. في الحقيقة، احيانا طموحاتنا الثانوية هي التي تضبط حركتنا.

اذا كنا نبحث عن الشهرة، سيتعيّن علينا ان نتبنّى القيم المضللة للأغلبية: بمهارة العمل الخاطئ ينمّي المرء الاشادة الشعبية. انت يجب ان تجعل نفسك مثلهم، لأنهم سوف لن يوافقوا عليك ما لم يتعرفوا عليك. رغم اننا سنكون حمقى في البحث عن الشهرة، الا اننا قد  نقع فيها من خلال أعمالنا الجيدة،وفي هذه الحالة يجب ان نستعملها من أجل الصالح العام ، مثل المؤلف الموسيقي آلتون جون و المذيع البريطاني والوثائقي ديفد اتنبورو.

اذا كان ما نبحث عنه هو الشهرة، يجب ان نتذكر جيدا ان الثروة ليست هي الجواب لمشاكلنا، طالما هناك العديد من الناس الاثرياء الذين هم مع ذلك يشعرون بالسوء، واحيانا اكثر سوءا لكونهم أثرياء.

نحن نفترض ان الثروة تزيد متعتنا، لكن المتع العظيمة هي بسيطة ويسهل الحصول عليها عندما فقط يكون ذهننا مفتوحا لها مثل: الأكل، النوم، السباحة، رؤية صديق، المشي في حديقة جميلة. الثروة تبعدنا عن متعتنا عبر تعويدنا على  الرفاهية وتحويل تركيزنا نحوها .

حتى لو قبلنا بان الثروة فعلا تزيد متعتنا، لكن المتعة ليست الجزء الأهم والهدف النهائي ، وانما هي مثل الثروة، تصرفنا عن هدفنا الأسمى، والذي هو عمل الذهن: الشاعر ماسيناس كان يقدم لنا مثالا جيدا للبلاغة الرومانية لو انه لم يتضائل بسبب ثروته العظيمة.

مثلما الحصان الذي يجب الحكم عليه على اساس سرعته وليس على اساس التحكم به، كذلك الانسان يجب الحكم عليه على اساس ذهنه بدلا من ملكيته، لأن العقل وليس الثروة هو المقياس للانسان. العديد من الناس لديهم ثروة بنفس الطريقة التي يقال بها انهم لديهم حمى. اذا كان عقلنا مريضا، لايهم سواء صُنع سرير المرض من الخشب ام من الذهب؟

الرواقيون بحكم فضيلتهم، يميلون للثروة  بدون البحث عنها- وهذا ربما ينتهي بهم ليكونوا أثرياء كبار. لا ألم في كونك ثري وأحيانا تتمتع بالثروة، طالما نقودك تبدو جيدة  وأنت غير مشدود اليها.

القيمة الحقيقية للنقود هي في شراء الوقت للذهن، اما القيمة الحقيقية للشهرة هي في نشر ثمارها. الشهرة والحظ يجب ان لا يكونا سادة لنا وانما فقط عبيد.

***

حاتم حميد محسن

....................

المصادر

رسائل سينيكا الى لوسيلوس: رسالة 94، 59،104

 

في المثقف اليوم