أقلام فكرية

فلسفة ونقد

دي كوسا 1401- 1464

كان دي سوكا كاردينالا كاثوليكيا من اشهر فلاسفة القرون الوسطى. يؤمن بالوحي بعد ان درس القانون والرياضيات والفلسفة. انتقل الى جامعة بادوفا في ايطاليا وكانت معقل الرشديين – نسبة الى ابن رشد -. هادن دي كوسا البروتستانتية والكالفينية بنوع من التقوى والعلم وحسن السلوك. وصفه معاصروه انه موسوعة (حيّة) لغزارة علمه وتضّلعه باللاهوت والعلم. وكان لا يخفي محاولاته حث الناس على التفكير العلمي والاخذ بمنجزات العلم. خاصة في مجالي الفلك والرياضيات.

وقف دي سوكا بوجه النزعة الرشدية المعاصرة له علما انه من مؤيدي منهج العقل. كما اعتبر الاحساسات متفرقة ما يجعلنا ندرك الاجسام ادراكا غامضا. امتاز دي سوكا بعبارات فلسفية منها على سبيل الاستشهاد "ان الله خلق العالم عن قصد وليس عن ضرورة . ما ينفي كل اشتراك في الوجود بين الخالق والمخلوق" ص15 من المصدر. بهذه العبارة اراد دي كوسا تحقيق الغايات التالية :

انه فيلسوف ينتمي الى الافلاطونية الجديدة فهو يرفض مذهب وحدة الوجود الذي زامن جميع الديانات التوحيدية وحتى الوثنية مثل البوذية والزن والهندوسية واخرى غيرها. كما رفض دي سوكا الصوفية غير الالمانية دليل تعبيره " خلق الله العالم عن قصد وليس عن ضرورة ما ينفي كل اشتراك بين الخالق والمخلوق.".

لا اعرف ان الصوفية الالمانية التي يؤمن بها دي سوكا تؤمن بما يقوله ام لديها فلسفة صوفية خاصة تخرج بها عن المنهج الصوفي الديني الطاغي الذي يؤمن بوجود علاقة ترابطية اشراقية تجمع الخالق بالمخلوق.

طبيعي ان يكون فيلسوفنا اسقفا كاثوليكيا مثل دي كوسا لا يفسر كل شيء بمنظار ورؤية لاهوتية ميتافيزيقية ويدافع عن العلم بنفس الوقت. وبغير ذلك يمكننا رفض القصدية والضرورة ان تكونا سببيا في خلق الله العالم والوجود.

علاقة الانسان بالخالق غير موجودة في اي نوع من الافتراضات التي منها القصدية او الضرورة. الصوفية وبالتحديد الالمانية التي يؤمن بها دي سوكا تجعل السعي نحو التواصل بالخالق اكثر اهمية مقبولية من القصدية او الضرورة الطبيعية في ايجاد علاقة سببية تجمع الخالق بمخلوقه صوفيا دينيا.

عبارة دي سوكا بتغليب القصدية الالهية على الضرورة السببية التر رفضها لا يبقى بعدها رابط بين الخالق والمخلوق وبذلك يمكن تمريرادانة تنسف لاهوت وافكار الاديان التي لا تعتبر الانسان مخلوقا بارادة الهية للايمان بوجوده وإفشاء السعادة الارضية والسماوية في حياة هانئة. وما جاء به الانبياء والرسل من كتب مقدسة منزلة عن طريق الوحي تذهب لمثل هذا التسويغ السببي لماذا خلق الله العالم؟..

اما طرد ادم وحواء من الجنة في الاسطورة الدينية فهي بمنزلة عقاب لمعصية الخالق لا قصدية فيها تكون ملزمة ولا فيها ضرورة موجبة في معاقبة الانسان على خطأ ارتكبه بارادة شيطانية وسوس بها الشيطان لآدم. ما ترتب عليه طرد الانسان مع حواء من الجنة.. في هذا النص الديني المجمع عليه من الاديان التوحيدية الثلاث لا نجد لا هدفا قصديا اراده الخالق كما لا نجد ضرورة استبعدها الخالق في خلقه العالم في مركزية الانسان محور كل شيء بالحياة.

انفرد دي كوسا عن جميع الافلاطونيين الجدد الذين لم يكونوا يؤمنون بالوحي فهم غالبيتهم اصحاب دين طبيعي قائم على توليفة تضم الله والنفس والخلود والحرية حيث ارادوا الافصاح عن الفلسفة انها مسيحية الانتساب. بخلاف دي كوسا الذي كان يؤمن بالوحي المسيحي متاثرا بنزعة التصوف الالماني في عصره. لكنه عارض الصوفية بمعناها في الاديان الاخرى. كما لم يؤمن دي كوسا بمذهب وحدة الوجود ولا معنى الحلول والذوبان الروحاني في نور الذات الالهية.

عبّر دي كوسا انه لايوجد ماهو مشترك بين الخالق والمخلوق وبذلك اصاب الصوفية ومذهب وحدة الوجود في المسيحية بمقتل.. لكنه اخرج كلا من الفلسفة واللاهوت المسيحي من طوق الميتافيزيقا الى مناخ ادراك العقل السببية.

كان دي كوسا يمّهد اذهان العوام من الناس القبول بمنجزات العلم خاصة الفلك والرياضيات. لكنه اتهم الرشدية بالالحاد ما يشي الى تناقض جلي واضح في جمعه بين العلم واللاهوت. فقد كان ابن رشد فيلسوفا عقليا بامتياز رغم تمكن اللاهوت المسيحي من ادانة افكاره الفلسفية التي تعلي شأن العقل..امتاز دي سوكا بعبارات غامضة تفصح عن خزين فلسفي لاهوتي ومعرفي غزير يمتلكه. من اقواله (الله اوجد العالم عن قصدية لا عن ضرورة. وهذا ينفي كل اشتراك بين الخالق والمخلوق). ص 16 من المصدرفي الهامش.

العبارة غامضة فلسفيا ومن الصعب حصر تاويلها بفهم احادي يقاطع جوانب الاجتهاد المتعدد في زوايا الرصد والتوضيح والمناقشة الهادفة..القصدية بمعناها الفلسفي هي وعي الوصول القصدي سلوكا معرفيا نحو هدف مرسوم سلفا بالفكر العقلي. عليه ما هو هذا الهدف الذي ليس ضروريا الذي أدان دي سوكا الاخذ به؟. القصدية خارج وداخل الايحاء الديني الصوفي لا تعفي العقل من ضرورة او وجوب انتساب المخلوق للخالق.

يتوجب التنبيه اني في هذه المقالة اناقش خلق الوجود الهيا وليس في نظرية كوزمولوجية علمية فيزيائية فلكية في الذهاب العالم مخلوق ناتجع عن الانفجار العظيم.

اجد في اولوية معنى القصدية هو الغاء الضرورة ان يكون خلق العالم تم تلبية ضرورة جعلت من الوجود المركزي للانسان على الارض وفي العالم محورا قصديا وليس ضروريا لرغبة المخلوق الانسان الذي وضع كل ثقله الوجودي في كامل قضاياه الكارثية في بؤس الحياة على عاتق وجوب وضرورة الخالق حلها من اجل الانسان وتخليصه من مازق وجوده الارضي المسؤول عنه الخالق وليس المخلوق.. كل انواع الطقوس في العبادات الدينية هي مناشدات ايمانية غيبية شعائرية تتوسل الخالق رفع الكوارث والمآسي والفقر والظلم عن الانسان بقوى الله الخالق الخارقة. المستطيع عمل كل شيء بلحظات معدودة.

لو نحن راجعنا تاريخ انثروبولوجيا الانسان وتطوره التاريخي نجد عصرا لم يكن فيه الانسان مركزي الوجود في أي عصر من العصور. وعاشت الفلسفة تاريخا ضخما جعلت مركزية الانسان بعلاقته بالوجود الفلسفة الاولى. ما بعد الحداثة اليوم هي التي اعتبرت لامركزية الانسان بمثابة تحرير الفلسفة من الدوران حول قضايا ومشكلات لم يعد لها تلك الاهمية في عصر تجاوز الحداثة في جميع القضايا التي كانت مرجعيتها الانسان مثل العقل، العلم، علم النفس، هيمنة السرديات الكبرى بايديولوجياتها التي ادخلت الانسان في نفق التيه الوجودي في بحثه عن الخلاص بلا جدوى. وكل ذلك جرى في وجوب تنصيب المعرفة (الابستمولوجيا) هي الفلسفة الاولى التي كانت من اولويات فلسفة ديكارت..

ربما يحضرني هنا ما بعد الحداثة في طروحاتها الهجومية اللاذعة على الحداثة انما كانت تتكيء بظهرها على الطروحات الفلسفية الوجودية القريبة جدا منها والاقرب منها الفلسفة البنيوية.. حتى المعرفة اعتبرتها ما بعد الحداثة استغفال الانسان تاريخيا بما لا يمكن تحقيقه. النهضة الاوربية التي استطاعت تخليص بلدانها من التعاليم الارسطية وتداخل بعضها تعاليم فلسفة ديكارت معها بما يعزز قيم الحرية وحقوق الانسان الاساسية وتمجيد العقل وفصل الدين عن الدولة وغير ذلك التي سادت اوربا لالفي عام استمرت الى مرحلة ما بعد عصر الانوار الذي استولد من جوفه مختلف الفلسفات مثل بزوغ الماركسية ، والوجودية ، والبنيوية وصولا الى التاويلية والتفكيكية التي كانت جميع تلك الفلسفات تتغذى طروحات ما بعد الحداثة ليس في مركزية الانسان بل في مركزية التحول اللغوي وفلسفة اللغة ونظرية المعنى منذ منتصف القرن العشرين..

الغاء مركزية الانسان في العالم تبنته باستماتة الفلسفة البنيوية اول نشوئها ثم تخلت عن الاستمرار فيه. واحيت البنيوية طروحات دي سوكا المخلوق لا يشارك خالقه ولا حتى بصفة من الصفات التي اخترعها الانسان في وصفه الخالق بها وخلعها عليه في امنيته العاجزة الوصول لتحقيقها في ذاته كانسان وكذا في الصوفية ومذهب وحدة الوجود، وبهذا الافتراض العقيم الذي لا يمثل قاسما مشتركا بين الخالق والمخلوق يجعل من ضروروة تعالق الانسان بالخالق غير موجودة مطلقا حسب دي سوكا الذي كانت طروحاته الفلسفية قبل ستة قرون من الان.. الفلسفة البنيوية استبعدت مركزية الانسان المادية بتنوع تمظهراتها واستبدلت بهذه المركزية الشائخة مواضيع تتعالق بفلسفة اللغة والعقل ونظرية المعنى...

البنيوية كانت وسيلة هدم كل ما انجزته الحداثة بالهام وتبعية كل ما قالت به ما بعد الحداثة وحتى الذي لم تقله توزعت هذه المهام على كل من شتراوس، فوكو ، لاكان، التوسير، بارت، بياجيه،ديلوز، وريكور والعديد غيرهم من فلاسفة البنيوية الذين تناسلت عنهم اجيال من فلاسفة اميركان جعلوا من فلاسفة اوربا جميعا تلاميذ لهم يتعلمون منهم. فكانت عودة فلاسفة اوربا من فرنسيين والمان وبلدان اوربية حديثة الى ديارهم بعدما وجدوا الاميركان مبدعين فلسفيا افضل منهم فيما وجدوه من إفاق علوم اللسنيات وفلسفة اللغة والتحول اللغوي.

كما ان القصدية التي جعلت العالم يخلق لاهوتيا تلبية لها هي الاخرى اصبح شك تبريرها التسويغي امرا واضحا حينما نجد اهم خاصية للاديان التي جعلت من ثنائية الخالق والمخلوق غاية الوجود الانساني الارضي اصبحت رغبة من مخلفات الماضي في تاريخ الانسان. وآراء دي سوكا في خلقه توليفة دينية عقلية علمية يشبكها التكامل المعرفي لم تكن تلائم حتى تفكير اناس عصور القرون الوسطى. وما ذاقوه من ويلات كارثية مصدرها رجال الدين والفيلسوف دي سوكا احدهم اسقفا في كنيستهم.

كمال التفكير في وقف التفكير

عبارة دي كوسا هذه من اعمق واجمل المقولات الفلسفية التي يجذبك فيها ليس عبقرية الصياغة اللغوية وحسب. بل تجد فيها مديات كبيره من مدخّرات في معرفة مناحي التوضيح الالتباسي الذي يبقى ناقصا على الدوام بما تحمله اللغة من فائض معنى مدّخر يجعل تعبير اللغة ناقصا على الدوام.. ولذا شاعت القراءة الجديدة واعتماد خلفية الجيولوجيا ليس بالتسليم بها بل في نقدها.

اولا لا يوجد تفكير كامل تحده نهاية تفكير يقاطع التفكير السابق عليه ويوقفه عند حد ذاتي او موضوعي ليبدا من الصفرالشروع بالتجديد. جاستون باشلار يعتبر التصفير المعرفي ليس معناه دفن كل ماض سابق ليبدأ العلم من بداية شروع جديدة. بل اعتبر التصفير المعرفي هو بداية علمية لا يمكن تجاوزها بالنفي وكان يقصد تراث كل امة تحاول مطاولة الزمان في ايجادها هوية متجددة ومتغيرة على الدوام في المستقبل.

وليس شرطا ان يقف التفكير بقواه الذاتية التي لم تعد تستطيع الاضافة التفكيرية في الاستمرار او يقف التفكير حين يلاقيه فكرا يجانسه بالماهية والصفات وهذه المجانسة النوعية هي خصائص انفرادية بكل شيء مستقل وجودا.. كما ان التفكير وجود مفتوح النهايات لطموح تفكيري غير موجود ممثلا بالسعي نحو الحقيقية التي هي تجميع تراكمي خبراتي. لافائدة من تكرار ما قيل بل الاهم اختراع ما هو جديد.

اجد في وقف التفكيرعند نهايات مقفلة غير مفتوحة لا تقبّل الاضافات المتجددة يعني جعل كمال التفكير السابق على وقف التفكير ناقصا لامعنى له. كما ان كمال التفكير هو انك لا تراه بالتوقف مرحليا في وضع حد للتفكير. كما التفكير حين يتوقف يعني انه وصل منتهى ما يستطيع التعبير عنه باستمرارية معرفية متجددة تواكب الحياة بلا توقف ولم يتبق له ما هو جديد يستوجب الاستمرارية في عدم التوقف..

ثم توجد زاوية نظر اخرى ان ايقاف التفكير بقواه الذاتية الارادية يعني الايمان بأن التفكير مطلق لا نهائي لا يحده شيء. وبهذا لا يفقد التفكير القديم قيمته الزمانية وربما ابعد من ذلك قيمته التاريخية. فلو ادعى اصحاب التفكير بالوقوف الذاتي وأنه لا جديد لما يضاف له باستمرارية متجددة. عندها فقط نستطيع التسليم أن نهاية التفكير تعني مطلقه النهائي بمنطق لاهوت جميع الاديان وليس بمنطق الفلسفة.

وجود الانسان هو وجود التفكير الذي يلي وجوده الانطولوجي باستمرار في ملازمة ليس لها حدود. المعرفة مفهوم علمي وفلسفي وفي غالبية مناحي الحياة لا يلازمها لا وقف التفكير بالاضافة ولا وقف التفكير بالوصول الى كمال افتراضي مزعوم.

الحركة والسكون

يعدم دي كوسا التضاد الحركي في الاشياء معتبرا الحركة سكونا مضمرا داخليا يعرب عن نفسه في متواليات من الحركة غير المنظورة ادراكيا التي تكون مدخّرة فائض معنى واضافة معرفية في نهاية كل سكون قوله (الحركة اذا كانت سكونات متتالية اتفقت مع السكون وهكذا في جميع الاضداد).

هنا تخطئة العبارة يكمن بأي شيء ندرك الحركة فيه تكون سكونا متقطعا على مسار دوام استمرارية وقفات سكونية للحركة وبذلك تكون الحركة هي اتفاق يلاقي سكون يشمل جميع الاضداد على حد تعبير دي سوكا..

ما يجمع الاضداد هو الحركة بلا سكون يفصل بينهما، والحركة المتتالية في جمع ضدين لا يدخلان نفق تكامل الحركة مع السكون وتنتهي يذلك الحركة التضادية بين الاضداد. ثم كيف لسكون يمثل احد قطبي التضاد يمتلك سكونا يوقف حركة التضاد في الطرف الاخر من ثنائية التضاد ويحتويه سكونيا؟. حركة التضاد في شيء يستوجب بالضرورة حركة تضاد اخرى تناوئها الحضور. لا اعتقد دي كوسا الفيلسوف اللاهوتي كان قد عرف معنى التضاد الجدلي الديالكتيكي المادي او المثالي الهيجلي الذي ظهر بالقرن الثامن عشر.في حين دي سوكا عاش في القرن الخامس الميلادي.

آخر المواعظ اللاهوتية التي القاها دي كوسا قوله ( اوصي وجوب الابتعادعن شخصنة الله انه متعين فوجود العالم (لاوجود) بالقياس الى وجود الله الذي يحتوي كل شيء). قبل الدخول في مناقشة العبارة اقول اثبت علم الفيزياء ان وجود العالم هو نقطة في سديم لانهائي من الكواكب والمجرات فاين تكون المجموعة الشمسية وليس الارض وحدها في خضم هذا السديم الفضائي الذي لا يمكن تصوره؟.

الشخصنة الالهية لا يسلم منها دين من الاديان الوثنية او الاديان التوحيدية فصفات الله هو ما يردده المخلوق في قراءته لكتاب ديني مقدس. وهذه الصفات الالهية هي صفات مدركة من قبل المخلوق لانه هو خالقها وخالعها على الخالق والا بطلت شروحات ادبيات الاديان للمجموع الذي يتشيث في تقليده صفات الخير الموجودة بالخالق التي تعد بالمئات ويتوجب على المخلوق الاقتداء بها. (على سبيل المثال يوجد 99 اسما وصفة للخالق الله تسمى الاسماء الحسنى في الدين الاسلامي).

اما ان الله يحتوي كل شيء ولا يحتويه شيء فهي بديهية ان الله يحيط بوجود الطبيعة والانسان والكون ولا يحتويه ايّا من هذه الاشياء ولو بصفة الهية مدركة عيانيا يكسبها قدسية الهية مباشرة يعيشها الانسان بالحياة. حين نقول الله يحتوي كل شيء ولا يحتويه شيء فهذا يبيح لنا ان الزمن يحتوي كل شيء ولا يحتويه شيء ندركه. وكذا نفس الحال مع قوانين الطبيعة الثابته التي تحتويها الارض ولا ندركها قبل اكتشافها مثل قانون الجاذبية والذبذبات الكرومغناطيسية، والهواء والضوء والصوت. وكذا مع العديد من القوانين الطبيعية التي يكتشفها الانسان وينسبها للخالق الذي اوجدها في عملية انتظام كل شيئ في الطبيعة والوجود والكون.

1.(الوعي هو نوع من التحرر من الواقع) دي سوكا

الوعي ذاتي النشأة والوجود بمعنى الوعي لا يزامن الواقع كما في ملازمة الزمن. الذي هو اي الزمن يسبق الوعي الحقيقي كما هو يسبق الواقع ايضا. علاقة الوعي بموجودات العالم من حولنا تعطيه السمات التالية:

- الوعي تجريد حيادي في علاقته التعبير عن الاشياء.

- الوعي لا يرتبط بعلاقة سببية مع الواقع ولا بعلاقة جدلية كي يتحرر منه.

- الوعي لغة تعبيرتجريدي عن الواقع لا يمتلك فعل تغييره .

- الزمن هو بعد سببي قبلي في وعي الزمكان معا بخلاف الوعي الذي هو بعدي على ادراكه الواقع. علاقة الوعي بالواقع هي علاقة معرفية تكاملية مع الواقع بينما الزمن هو علاقة حياد ادراكي للواقع.

- الوعي بخلاف ادراك الحواس هو مرتبة ثانوية بعد الادراك الحسي. الوعي هو تلك المعرفة الواقعية للاشياء التي يبت بها الدماغ.

2. يقول ريتشارد فايمان (الزمن هو ما يحدث عندما لا شيء آخر يحدث)

هنا الفيلسوف يعتبر مطلق الزمن ساري بعلاقته التداخلية مع وعي الاشياء على الارض في حين الزمن هو تجريد معرفي مطلق الماهية والصفات غير المدركة. يحتوي مدركات الاشياء في الطبيعة بما فيها الانسان ولا يدركه عقل الانسان لا بالماهية ولا بالصفات. الزمان يحتوي كل شيء في عالمنا وفي الطبيعة بالملازمة الدائمية لها، ولا يحتويه شيء من تلك الموجودات.

هنا يقصد الفيلسوف بالزمن هو ما يحدث عندما لا شيء آخر يحدث، التوقيت بالساعة على مقدار حركة جسم يحتويه زمن في قطعه مسافة معينة. الزمان في ادراكه الزمكان المتعيّن هو وعي معرفي وليس تضادا جدليا مع الواقع بل هو حيادية مطلقة تحتوي كل شيء يدركه العقل وتزامنه ولا يستطيع العقل ادراكه الزمن بغير دلالة ملازمته المكان.

الزمن مطلق تتكرر علاقته الادراكية بأمكنة متعددة بالملايين من الحوادث التي تحصل في وقت واحد في وقت نحن لا ندرك الزمن في غير واحدة منها فقط. الزمن ليس قطوعة زمنية خاصة بمكان معين بل الملازمة الزمنية الادراكية تحصل الاف المرات مع اشياء اخرى يلازمها الزمن بخاصيته المطلقة.

لا يوجد قطوعات زمنية ندركها بدلالة موجود مكاني واحد. ونحن نعيش عالمنا الادراكي بالمليارات من الادراكات الزمانية – المكانية تحصل خارج موضوعنا الذي نفكر فيه.

من السذاجة اعتبارنا الزمن هو القطوعة الزمنية في ادراكنا لشيئ معيّن ونلغي خاصية الزمان انه مطلق ازلي لا يمكن الاحاطة به. لا ينقسم على نفسه يستجيب لقطوعات هي مكانية ادراكيا وليست زمانية. الزمن يدرك بدلالة حركة جسم ما او لمكان ما يتحرك ومن المحال ادراكنا الزمن تجريدا منفصلا عن ملازمته لجسم او شيء متحرك..لذا يصبح واردا الشك بالزمن انه وجود افتراضي غير موجود.لاننا في عملية ادراكنا المكان لا يحضر في تفكيرنا وعي ملازمة الزمن لذلك المكان الذي نفكر به. الزمن لا يعيق ادراكاتنا للاشياء.

3. يقول لي سمولن (اذا كان هناك شيء اساسي انما يكون هو الزمن)

كل شيء بالحياة يكتسب اهميته الاساسية من ادراك العقل المعرفي له وفي امكانية التصرف به باستثناء الزمن. الزمن حضور افتراضي معرفي اساسي وضرورته الحضورية لا تجعل منه حقيقة اساسية مطلقة الوجود ازلية الخلود والجوهر. ربما من المحتمل مستقبلا نكتشف حقيقة الزمن الاساسية انه افتراض دلالة معرفية ممثلة في حقيقته الوهمية.

هل الزمن وجود حقيقي ام افتراض دلالة؟

نشر الباحث الفلسفي المغترب حاتم حميد محسن مقالة مثيرة على موقع المثقف بعنوان (اشكالية الزمن.. هل الزمن موجود؟). الحقيقة انا كنت نشرت عدة مقالات تناولت فيها اشكالية الزمن هل هو موجود حقيقي نسبي ومطلق من حيث وحدة الصفات والماهية غير المدركتين عقليا، ام هو افتراضية دلالة معرفية لمدركاتنا معرفة العالم والطبيعة والكون. وجدت نفسي اكتب تعليقا على مقالته التي مصدرها كتاب صدرحديثا اعتمده عن ثلاثة باحثين بالفلسفة امريكان هم :كريستي ميلر، جونثان تالوت، وسام براون. تناولوا فيه اشكالية وجود الزمن حقيقة مدركة ام هو وهم افتراضي في تعالق الزمكان؟..

اعجبني المقال المثيرحول اشكالية الزمن ...هل الزمن موجود؟ استعرضت بمقالة لي التعقيب في الاجابة عن هذا التساؤل الذي راودني كثيرا في الذهاب ان الزمن الذي يحتوي كل شيء ولا يحتويه شيء. والزمن غير المدرك الا بالدلالة التعالقية بجسم او حركة شيء يكون بالحتمية السببية غير موجود . جميع الاشياء الموجودة بالكون التي هي مدركات مستقلة والتي ندركها بمشروطية ملازمتها الزمن لا تنطبق وجودا على الزمن كمتعيّن مستقل لا دور له يمنعنا من ادراك المكان بلا زمنية تداخله..

الزمن ادراك معرفي محايد في حالتي كونه دلالة معرفية تلازم تفكير العقل في تعبير الفكر واللغة .ونحن لا نستطيع ادراك المكان الا بملازمة الزمن لها حسبما تذهب له الفلسفة لكننا لا نستطيع ادراك المكان باستقلالية عن الزمن الافتراضي حضورا وجوديا .

انا رأيي مع الفلاسفة الثلاثة الاميركان في عدم وجود زمن حقيقي لا يمكن ادراكه بل يوجد زمن افتراضي وهمي فقط يلازم الاشياء ومدركات العقل بالدلالة الحيادية لادراكاتنا ولا ندركه ايضا.. اثار هذه الاشكالية الفلسفية افلاطون بقوله ان عشوائية المكان هي التي تنظم عشوائية الزمن. بخلاف ما نتداوله ومتعارف عليه ان الزمان الذي هو قبلي على المكان يقوم بتنظيم عشوائية المكان..وليس كما يذهب له افلاطون ان تنظيم عشوائية الزمن يكون من نظامية المكان.

حين نقول الزمن ادراك معرفي وليس علاقة جدلية بين ادراك الشيء وبين واقعه الانطولوجي، فمعنى ذلك برهان حيادية الزمن في اكتمال ادراكاتنا للاشياء . وهذه الحيادية الادراكية انما هي استبطان غير معلن ان الزمن دلالة افتراضية لمعرفة مدركاتنا يمكننا القول انها غير موجودة فليس هناك برهان يدعم تعالق الزمن بالادراك. كما ولا تتاثر مدركاتنا بشيء حينما يكون اسقاطنا ملازمة الزمن من منظومة العقل لما ندركه..

وبالعودة الى ترتيب منظومة العقل الادراكية فهي تبدأ بالحواس المنقول عنها الانطباعات الخارجية التي يستلمها الذهن، بعدها تاتي منظومة شبكة الاعصاب الناقلة للانطباعات الى الدماغ وتحديدا الى المخ حيث وجود منطقة تتوزعها ملايين من خلايا عصبية دماغية هي المسؤولة عن ايضاح الانطباعات الواصلة لها ليقوم الدماغ/ المخ الاجابة عن تلك المدركات التي يعيدها الوعي بارتداد معرفي عنها الى المدركات تجريدا لغويا والاهم انها بلا زمن يلازم الوعي وهو قصدي بامتياز.

من جهة اخرى ارسطو في تعريفه المحرج على تساؤل ما هو الزمن اجاب انه مقياس مقدار حركة جسم معين لقطع مسافة معينة. واضاف الزمن ليس بحركة مستقلة يمكننا ادراكها بمعزل عن ادراكنا الاشياء. وهو دليل قاطع ان حضور الزمن في ملازمته ادراك المكان والاشياء هو دلالة افتراضية جرت عليها العادة كما في عادة تعالق السبب بالنتيجة في تكرار معاد يصبح بعدها عادة لا تحتاج برهان تحققها الادراكي وهو ما قال به ديفيد هيوم حول نكرانه مبدأ السبب والنتيجة انهما تكرار مستمر ليصل الى نتيجة عادة... شيء اخير حتما اننا نخطيء حين نخلط بين الوقت المدرك في مقدار ما تقيسه الساعة من وقت واختلافه مع الزمن الذي هي مطلق افتراضي يحتوي كل شيء ولا يحتويه شيئا.الزمن لا يمكن اختزاله بساعة توقيت في معرفة الوقت. اجد الموضوع يحتاج لاكثر من مقال اسال الله ان يوفقني في كتابته لاحقا.

***

علي محمد اليوسف /الموصل

......................

* المصدر في بعض العبارات المقتسبة/ تاريخ الفلسفة الحديثة /يوسف كرم

في المثقف اليوم