أقلام فكرية

العلاقة بين الطبيعة والثقافة

الطبيعة والثقافة عادة يُنظر اليهما كفكرتين متضادتين – ما يعود للطبيعة لا يمكن ان يكون نتيجة لتدخّلات الانسان، ولكن من جهة اخرى، يتم إنجاز التطور الثقافي ضد الطبيعة. غير ان هذا، ليس الشكل الوحيد للعلاقة بين الطبيعة والثقافة. الدراسات في التطور التدريجي للانسان تقترح ان الثقافة جزء من المكان البيئي الذي يترعرع به نوعنا البشري، وبهذا تصبح الثقافة فصلا من فصول التطور البايولوجي للنوع.

جهد ضد الطبيعة

العديد من المؤلفين حديثا – مثل روسو – رأوا ان عملية التعليم هي صراع ضد أغلب الميول المستأصلة في طبيعة الانسان. الناس يولدون مع تصرفات وحشية مثل استعمال العنف لتحقيق اهدافهم، ليأكلوا ويتصرفوا بطراز غير منظّم، او ليتصرفوا بشكل أناني. التعليم هو تلك العملية التي تستعمل الثقافة كعلاج ضد ميولنا الطبيعية المتوحشة، انه بفضل الثقافة يستطيع النوع الانساني التقدّم ورفع ذاته فوق ووراء الأنواع الاخرى.

جهد طبيعي

في المائة والخمسين سنة الماضية، أوضحت الدراسات في تاريخ تطور الانسان كيف ان تكوين ما نشير اليه بـ "الثقافة" بالمعنى الانثربولوجي هو جزء من التكيّف البايولوجي لأسلافنا مع الظروف البيئية التي عاشوا بها. لننظر، على سبيل المثال، الصيد. مثل هذه الفعالية تبدو تكيّفا، سمح لأشباه البشر الأوائل الانتقال من الغابات الى مناطق السافانا قبل ملايين السنين، ممهداً السبيل لتغيير الغذاء وعادات العيش. وفي نفس الوقت، كان إختراع السلاح مرتبط مباشرة بالتكيّف – ولكن من السلاح انحدرت ايضا سلسلة كاملة من المهارات التي صاغت سجلّنا الثقافي، من أدوات الذبح الى القواعد الأخلاقية المتصلة بالاستعمالات الملائمة للأسلحة (مثل، هل يجب ان تُستعمل ضد الناس الآخرين ام ضد الانواع غير المتعاونة). الصيد ايضا يبدو مسؤولا عن نطاق كامل من القدرات البدنية، مثل الوقوف على قدم واحدة وهو الشيء الذي اعتقد الناس انه مرتبط بالرقص، وهو تعبير هام عن ثقافة الانسان. اذاً من الواضح ان تطورنا البايولوجي مرتبط بإحكام بتطورنا الثقافي.

الثقافة كوظيفة ايكولوجية

الرؤية التي اعتُبرت الأكثر مقبولية في العقود الأخيرة تبدو ان الثقافة هي جزء من المكان الايكولوجي (البيئي) الذي يعيش فيه الناس. تماما مثلما القواقع تحمل أصدافها، كذلك نحن نحمل معنا ثقافتنا على طول الطريق. الآن، لا يبدو نقل الثقافة متّصل مباشرة بنقل المعلومات الجينية. بالتأكيد ان التداخل المهم بين التراكيب الجينية للناس هو أساسي لتطور الثقافة المشتركة التي يمكن تمريرها من جيل الى آخر. غير ان النقل الثقافي هو ايضا افقي بين الافراد ضمن نفس الجيل او بين الافراد الذين ينتمون الى مختلف السكان. انت تستطيع ان تتعلم كيف تصنع معكرونة حتى لو كنت وُلدت من أب كوري في مدينة كينشكي الامريكية مثلما تستطيع تحدّث اللغة التاغولوغية (الفليبينية) حتى لو لم يتحدث أي من أفراد عائلتك او أصدقائك تلك اللغة.

***

حاتم حميد محسن

في المثقف اليوم