أقلام فكرية

في التمييز بين القيمة الجوهرية والقيمة النفعية

يُعتبر التمييز بين القيمة الفطرية والقيمة النفعية هو الأهم والأساس في نظرية الأخلاق. لحسن الحظ، ليس من الصعب التمييز بين الاثنين. يمكن لنا ان نقيّم عدة أشياء، مثل الجمال، شروق الشمس، النقود، الحقيقة والعدالة. لكي تقيّم شيئا ما يعني ان يكون لديك موقفا ايجابيا نحوه وتفضّل وجوده او حدوثه على عدم وجوده وعدم حدوثه. يمكن تقييم الشيء اما كغاية او كوسيلة لغاية او الاثنين معا.

القيمة النفعية Instrumental value

وفيها يتم تقييم معظم الأشياء بطريقة نفعية، أي، كوسيلة لغاية معينة. فمثلا، انت ربما تقيّم غسّالة الملابس فقط لوظيفتها النفعية، او كقيمة أداتية. اذا كانت هناك خدمة تنظيف ملابس رخيصة الثمن بالقرب من المنزل بحيث يمكن التقاط الملابس الوسخة وإعادتها نظيفة، فانت ربما تستعمل هذه الخدمة وتبيع غسالة الملابس لأنها لم تعد لها أي قيمة أداتية. وهناك شيء آخر تقريبا يقيّمهُ كل فرد وهو النقود، لكنها عادة تُقيّم كوسيلة لغاية. انها لها قيمة أداتية، كونها توفر الأمان، ويمكن استعمالها لشراء الحاجات التي نريدها. ولو فصلنا النقود عن قوتها الشرائية ستصبح مجرد قطعة ورق او خردة معدنية لا قيمة لها.

القيمة الجوهرية Intrinsic value

هناك فكرتان للقيمة الجوهرية او الأصلية.

1- انها اما ان تكون لها قيمة بذاتها

2- او يقيّمها شخص ما لذاتها

اذا كان هناك شيء ما له قيمة جوهرية، هذا يعني ان العالم مكان أفضل لوجود او حدوث ذلك الشيء. فيلسوف النفعية جون ستيوارت مل يدّعي ان المتعة او السعادة هي ذات قيمة بذاتها دون اعتبار لأي شيء خارجي. العالم الذي يشعر فيه انسان بالمتعة هو أفضل من عالم لا يوجد فيه كائن حساس. انه مكان اكثر قيمة.عمانوئيل كانط يؤمن ان الأفعال الأخلاقية الحقيقية هي ثمينة بذاتها. هو يقول ان العالم الذي تؤدي فيه كائنات رشيدة افعالا جيدة انطلاقا من الإحساس بالواجب هو أساساً أفضل مكان من عالم لا تحدث فيه مثل تلك الأفعال. فيلسوف جامعة كامبردج G.E.Moor يقول ان العالم الذي يحتوي على جمال طبيعي هو اكثر قيمة من عالم بدون جمال، حتى لو لم يوجد شخص يحس به. مثل هؤلاء الفلاسفة، يرون تلك الأشياء دائما ثمينة بذاتها. هذه الفكرة الاولى للقيمة الجوهرية لقيت بعض الاعتراضات. عدد من الفلاسفة يقولون ان لا معنى لحديث عن أشياء ذات قيمة بذاتها ما لم تكن هي ذاتها تُقيّم من جانب أشخاص آخرين. حتى المتعة او السعادة هما ذات قيمة جوهرية فقط لأن هناك من يحس بهما.

القيمة لأجل ذاتها

عند التركيز على المعنى الثاني للقيمة الجوهرية، يبرز السؤال، ما هي الأشياء التي يقدّرها الناس لأجل ذاتها؟ الجواب الأكثر وضوحا هي المتعة والسعادة. الناس يقيّمون عدة اشياء مثل الثروة، الصحة، الجمال، الأصدقاء، التعليم، العمل، المنزل، السيارة، الغسالة لأنهم يعتقدون ان تلك الاشياء ستعطيهم المتعة او تجعلهم سعداء. ربما يبدو هناك معنى لنسأل لماذا يريد الناس تلك الاشياء. لكن كل من ارسطو و مل أشارا الى انه لا معنى للسؤال لماذا يريد الفرد ان يكون سعيدا.

معظم الناس يقدّرون ليس فقط سعادتهم الخاصة، هم ايضا يقدّرون سعادة الناس الآخرين. هم احيانا يرغبون بالتضحية بسعادتهم لأجل اشخاص آخرين. الناس ايضا يضحون بأنفسهم او بسعادتهم لأجل اشياء اخرى، مثل الدين، الوطن، العدالة، المعرفة، الحقيقة، الفن. تلك هي الأشياء التي تحمل السمة الثانية للقيمة الجوهرية. انها تُقيّم من جانب أشخاص لأجل ذاتها.

***

حاتم حميد محسن

في المثقف اليوم