أقلام فكرية

الديموقراطية ومبادئ الدستور الديموقراطي

الديموقراطية شجرة غربية المنبت والثمر بيئتها اليونان القديمة وقد ولد هذا النموذج الإغريقي في القرن الخامس قبل الميلاد في مدينة أثينا. في هذا الزمن كان قومي في الصحراء بدو ينتظمون في قبائل لاتخضع لسلطة ولا تنتظم في دولة ولا يعرفون غير القوة مبدأ للحياة وهم غير ملومين فالصحراء قاسية وهي دائما على حافة الجوع وشعار الحياة فيها "إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب".

ولا زال العرب إلى الآن يمجدون الذئب الذي يغدرهم ويحتقرون الكلب الذي يحرسهم فإذا أرادوا مدح شخص قالوا: ذئب أجرد وإذا ذموا شخصا قالوا: كلبا أجرب‏.

حتى قال شاعرهم:

إن لم تكن ذئباً على الناس أجردا.. كثير الأذى بالت عليك الثعالب

وعندما أراد الإسلام تغيير هذه المنظومة الفكرية بمبدأ "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" فشل وظل مبدأ إن أكرمكم عند الناس أقواكم هو الحاكم في النفوس والعقول. ومع هكذا مبدأ تكون الديموقراطية قد فرغت من محتواها القائم على أساس التداول السلمي للسلطة فقومي يؤمنون بأن السلطان من قتل السلطان.

والشيء بالشيء يذكر

لي صديق إسلاموي سألني مرة قائلا: كنت معارضا لصدام وتحملت الأذى والغربة فلما سقط صدام صرت معارضا للسلطة الجديدة فماذا تريد؟

قلت نظاما ديموقراطيا حقيقيا غير منقوص شكلا ومضمونا.

قال: ولكنكم قلة والقاعدة الشعبية الواسعة لاتفهمكم!

قلت: أقول كما قال شيخي القاضي عبد الجبار المعتزلي(طاب ثراه): "ليست الكثرة من أمارات الحق ولا القلة من علامات الباطل".

وهذا معناه إننا ندرك قلتنا وصعوبة مهمتنا ونعمل بوحي من ذلك نعم مهمتنا هي التنوير وقد لا ننعم بثمار الديموقراطية ونعيمها اليوم لكننا نؤسس للذين لازالوا في رحم المستقبل.

الدين والديموقراطية أو اللاهوت والناسوت

العلاقة بين الديموقراطية والدين-أي دين- علاقة تخارج أي ليس بينهما أي عامل مشترك يمكن على ضوئه اشتقاق دلالة المفهومين من بعضهما البعض فالمفهومين ينتميان إلى حقلين مختلفين من التجريد فبينما ينتمي الدين إلى اللاهوت المفارق للواقع وجوهره المقدس المتعالي تنتمي الديموقراطية إلى  الناسوت (الواقع المعاش) وجوهرها المشاركة السياسية أي تنظيم السلطة في المجتمع بصيغة سياسية سلمية. والخلاصة ليس هناك أي ترابط عقائدي أو مفهومي بين الدين والديموقراطية.

وللديموقراطية خاصيتان تتفارق بهما عن الدين مفارقة تامة وكاملة هما:

الخاصية الأولى: الديموقراطية منهج وليست عقيدة شاملة ثابتة كالدين. نعم هي منهج لاتخاذ القرارات العامة الذي يقتضيه التعايش السلمي بين أفراد المجتمع وجماعاته منهج يقوم على مبادئ تمكن الجماعة السياسية من إدراة أوجه الاختلاف في الآراء وتباين المصالح بشكل سلمي وتمكن المجتمع من السيطرة على مصادر العنف.

الخاصية الثانية: الديموقراطية ممارسة دستورية مقيدة بالزمان والمكان وليست كالدين لايحده مكان ولا يقيده زمان. تؤكد هذه الخاصية أن الممارسة الديموقراطية مقيدة بدستور وليست مطلقة هذا الدستور تتراضى القوى الفاعلة على أحكامه وتقبل الاحتكام إلى شرعيته وأحكام الدستور الديموقراطي لابد أن تراعي المبادئ الديموقراطية وتكفل عمل المؤسسات الدستورية المنبثقة عن تلك المبادئ.

مبادئ الديموقراطية:

كما لها خصائص الديموقراطية لها مبادئ أيضا وهي:

1-السيادة الشعبية: أي الشعب هو مصدر السلطات لا الله كما يدعي الإسلامويون زورا ولا الوراثة كما يدعي أصحاب الملكية ولا القوة كما يدعي أصحاب الإيديولوجيات الشمولية.

2-الحرية الفردية: حق طبيعي للإنسان لايوهب ولا يسلب فالإنسان ولد بخصائص طبيعية من ضمنها الحرية وبدونه ينهار كيان الإنسان إلى رتبة الحيوان.

3-المساواة بين المواطنين أمام القانون: كل فرد من أفراد المجتمع يجب أن ينتمي لهوية واحدة موحدة هي الدولة بشكل يتعالى على كل الهويات الفرعية ما قبل الدولة من دينية وطائفية وقبلية وعشائرية. وضرورة المساواة بين المواطنين تنبثق من اعتبارات إدارة الاختلاف في الآراء وتباين المصالح كما ترتكز على حق تقرير المصير وحرية كل إنسان في تقرير مصيره. فكل إنسان من حيث المبدأ أدرى بمصلحته و وصاية إنسان على إنسان آخر بالغ الرشد والعقل انتقاص من آدميته واعتداء على كرامته ولكل إنسان كرامة يعتز بها.

وهذه المبادئ الثلاثة المكونة لمفهوم الديمقراطية تفترض مسبقا شرطين بمعنى أن الديمقراطية بمكوناتها تستند على أمرين بدونهما لن تتحقق هما:

أ-الوطنية باعتبارها شرطا للمبدأ الثالث.

ب-العلمانية باعتبارها شرطا للمبدأين الأول والثاني.

مبادئ الدستور الديموقراطي:

يجب أن نعلم أولا أن صياغة دستور ديموقراطي والعمل بموجب أحكامه يتوقفان على توازن القوى. فالديموقراطية جوهرها المشاركة السياسية وهذه مثلها مثل الحرية الفردية تؤخذ ولا توهب لذا فإن الممارسة الديموقراطية تكون قلقة غير مستقرة ولا تأتي ثمارها في مجتمع تختل موازين القوى فيه وخاصة إذا كان حديث عهد بالديموقراطية ولم تتحول فيه بعد إلى طريقة حياة وثقافة تطبع سلوك الأفراد والجماعات.

ومهم أن نقول أن الدستور الديموقراطي ليس دستورا نهائيا مثاليا ولا هو نموذج موحد في جميع الدول الديموقراطية بل يخضع لاعتبارات عدة من أعراف وتقاليد وعادات لكنه على كل حال يقوم على خمسة مبادئ أتفق فقهاء الدستور عليها هي:

1-لا سيادة لفرد ولا لقلة على الشعب:

هذا المبدأ يعرف بمبدأ سيادة الأمة.

في الممارسة الدستورية ليس هناك حق مطلق غير منازع وغير مقيد وإنما يمارس الشعب سلطاته بموجب أحكام الدستور.

وكل دستور ديموقراطي مقيد بحقوق وحريات عامة لا يجوز مسها وشرائع وعقائد يجب مراعاتها.

2- مبدا سيادة القانون:

أي مبدأ سيطرة القانون على أرض الواقع وأبرز  مظاهره مبدأ (علو الدستور) ويترتب عليه عدة نتائج:

أولاها: تدعيم مبدأ المشروعية القانونية من خلال إيجاد مرجعية دستورية تنبثق عنها القوانين وتقيم سلطة المشرع في اصدار القوانين.

ثانيها: التأكيد على أن الدستور إنما يبين اختصاصات السلطات.

3-عدم الجمع بين السلطات:

تقتضي الديموقراطية الفصل بين السلطات حتى لا تقع في قبضة يد فرد أو هيئة واحدة. وعلى الدستور الديموقراطي أن يكفل عدم الجمع بين كل من: السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية.

ويعرف هذا المبدأ عادة بمبدأ(الفصل بين السلطات) ويرى الدكتور عبد الحميد متولي أنه من الأفضل أن يطلق عليه مبدأ "عدم الجمع بين السلطات تجنبا لأي فهم خاطئ قد يقود إلى التطرف في الفصل بين السلطات الثلاث لأن الفصل التام بين السلطات غير ممكن فهناك ضرورات التعاون بينها وتكامل أدوارها.

4- مبدأ ضمان الحقوق والحريات العامة:

يمثل هذا المبدأ ضمانات ممارسة الحقوق والحريات العامة ويشمل نطاق حقوق الإنسان جميع الموجودين في الدولة المعنية من مارين بها و وافدين ومقيمين إلى جانب كل مواطنيها.

وما أجمل الشعور بالأمن والإحساس بالكرامة الإنسانية الذي يوفره هذا القانون.

5- مبدأ تداول السلطة سلميا:

هذا المبدأ مبدأ مركزي من مبادئ الدستور الديموقراطي وتبادل السلطة سلميا يجب أن يكون وفق نتائج الاقتراع العام وما يسفر عنه من نتائج اختيارات الناخبين.

وينبثق مبدأ تداول السلطة سلميا من طبيعة الدولة الديموقراطية فهي دولة مؤسسات والدولة هي مؤسسة المؤسسات لها شخصية اعتبارية منفصلة عن أشخاص الحكام ومستقلة عن وجودهم فهي كيان ثابت وهم كيان زائل.

ونختم حديثنا بجوهرة من جواهر (روسو) يقول: "يستحيل أن يحصل سلام وحوار بين شخصين كل واحد منهما يعتقد إن الله ساخط على الآخر"

***

سليم جواد الفهد.

..................

* اعتمدت على كتاب عبد الحميد متولي (القانون الدستوري والأنظمة السياسية) في صياغة المعلومات القانونية بتصرف وزيادة شرح.

 

في المثقف اليوم