أقلام فكرية

الله والفلاسفة.. قراءة جديدة في الحجة الانطولوجية

أحد اشكال الحجة الانطولوجية في اثبات وجود الله يتخذ اساسا الحجة التالية:

1- ان الله حسب التعريف هو وجود مثالي تام (perfect

2- لكي يكون الشيء التام اكثر كمالا هو ان يوجد بدلا من ان لا يوجد،

3- ولذلك فان الله موجود

هذه الحجة في وجود الله اُضفي عليها اسما "انطولوجيا" من جانب عمانوئيل كانط (1724-1804)، لكنها كانت من اختراع انسلم، رئيس اساقفة كانتنبري في عام 1078 في كتابه proslogion او الموعظة. كلمة انطولوجي مشتقة من (ontos) والتي تعني باليونانية "الوجود". صيغة انسلم في الحجة الانطولوجية تبدأ بالكلمات: "يجب ان يكون ذلك الشيء لا يمكن تصور ما هو أعظم منه " وهذا الكائن موجود طوال الوقت في الأذهان وحتى في ذهن الملحد.

استنتج انسلم انه اذا كان أعظم كائن يمكن ان يوجد في العقل، فيجب ان يكون موجودا في الواقع، لأنه اذا  اذا كان موجودا في العقل فقط فلابد ان هناك كائنا أعظم من هذا الذي في العقل موجود في كل من العقل و الواقع لذلك يجب ان يكون الله موجودا في الواقع . انسلم أكد على هذه النقطة في صلاته: "لذلك انت موجود حقا يا الهي. وانت لا يمكن تصورك غير موجود".

بعض أشهر المنطقيين في العصر الحديث قبلوا بشكل او بآخر الحجة الانطولوجية، بما في ذلك كورت غوديل kurt Godel (1906-1971)، مخترع فرضية اللااكتمال (الذي جوّع نفسه عمدا حتى الموت). حتى الملحد المحترف برتراند رسل (1872-1970) قبل بالحجة الانطولوجية لفترة معينة. عندما كتب في سيرته الذاتية.

"انا اتذكر بدقة، في يوم من عام 1894، عندما كنت ماشيا على طول شارع ترنتي لين في كامبردج، عندما رأيت ومضة بان الحجة الانطولوجية صحيحة. انا خرجت لشراء التبغ، واثناء عودتي فجأة رميته في الهواء وصرخت "يا للدهشة،الحجة الانطولوجية صحيحة"".

كانط ، رفض تفكير انسلم،واشتهر بجداله ان الوجود "ليس شيئا يُثبت او يُنفى في فرضية منطقية". هو قصد بهذا ان الوجود ليس خاصية ضرورية للشيء، مثلما يمكن ان تكون استدارته او زرقته. تأثير تفكير كانط هو اننا لا يمكننا ببساطة جلب الأشياء الى الوجود بمجرد كلمات، كما تفعل الحجة الانطولوجية. في كلمات كانط: "مائة تالر حقيقية (عملة الامبراطورية الرومانية) لا تحتوي على أقل عملة هي اكثر من مائة تالر ممكنة. موقفي المالي يتأثر بشكل كبير جدا بمائة تالر حقيقية قياسا بمجرد مفهوم عنها".

G.E.Moor (1873-1959) عرض نقطة مشابهة، قائلا ببراعة "اذا كان هناك معنى تام للادّعاء بان "بعض النمور الأليفة لا تنمو" فلا معنى هناك ابدا للقول "لا توجد بعض النمور الأليفة ". ما هو بالضبط الشيء الذي لا تفعله هذه النمور غير الموجودة؟ ولكن غوديل Godel علّق ،"هذه النسخة من حجة انسلم لا تخالف قوانين المنطق، ولاترتكب التباسا وهي محصنة كليا ضد نقد كانط". وهناك فلاسفة آخرون حديثون غير غوديل قبلوا الحجة الانطولوجية. الفين بلانتنك Alvin plantinga (1932) لديه رؤية ملفتة استعارها من المنطق الحديث: "اما وجود الله ضروري او انه مستحيل. اي، من الواضح ان وجود الله ليس مستحيلا، انه يجب ان يكون ضروريا. ولذلك فان الله موجود". ولكن ربما كل هذه الطرق في النظر الى الحجة الانطولوجية، ترقى فقط الى عدة طرق من تسلق الاشجار الخاطئة؟ (هذه الاستعارة جاءت من مطاردة الحيوانات لفريستها التي تتسلق شجرة لغرض الهروب لكن الحيوان المهاجم يبقى يحدق في الشجرة بينما الفريسة تكون قد فرت الى شجرة اخرى)، اما (R.G.collingwood،1943-1889) اعتقد جازما بهذه الرؤية . في توضيحه لمعنى الحجة وأهميتها هو يأخذنا مجددا الى انسلم ذاته. عندما صاغ هذه الحجة اول مرة، اقتبس انسلم من كتاب العهد القديم، القول،"الاحمق قال في قلبه ان لا اله هناك". أجابه راهب يسمى Gaunilo wittily في كتيّب صغير عنوانه (حول مصلحة الاحمق). كتب انه اذا كان تفكير انسلم سليما، عندئذ فان تفكيرا موازيا سوف يؤسس لوجود بعض الاشياء التي لا توجد حقا. مثاله كان عن جزيرة تامة مفقودة. هذه الجزيرة يمكن تصورها، لكن جزيرة تامة مفقودة موجودة حقا ستكون اكثر كمالا من واحدة موجودة فقط كمفهوم. ولذلك، يقول Gaunilo،اذا كان انسلم صائبا عندئذ يجب ان تكون هناك ايضا جزيرة تامة ضائعة. في مقاله (حول الميتافيزيقا،1940) يعلق Collingwood حول هذا الخلاف: "اذا كان Gunilo صائبا عندما جادل بان برهان انسلم عن وجود الله اثبت وجود الله فقط الى شخص يؤمن به سلفا، واذا كان انسلم اخبر الحقيقة عندما أجاب بانه لا يهتم، يتبع ذلك ان برهان انسلم، مهما قيل معه اوضده، كان صائبا في هذه النقطة". لكن كولنوود يوسع توضيحه بالقول: "البيانات الميتافيزيقية ليست افتراضات. انها افتراضات مسبقة. عندما اقول "الله موجود" ما أعنيه هو اني افترض مسبقا او اؤمن بوجود الله. هذا هو العنوان الميتافيزيقي. الافتراض المسبق بان الله موجود هو منطقيا مشابه للافتراض المسبق بان "لكل حدث سبب".

معظم الفلاسفة يعتقدون ان انسلم كان يحاول اثبات وجود الله. ذلك صحيح بمعنى ما، لكن ايمانه بالله بالنسبة له لا يعتمد على صلاحية البرهان. كتاب انسلم (proslogion ) كان دعاءً فيه يسأل الله ،الذي آمن به بقوة، ليمكّنه من صياغة حجة لإثباته.

اذاً ما الشيء الذي يتوجب التفكير فيه؟ في العديد من الأفكار الأنيقة التي صيغت  في كلا الجانبين، كما ذكر بائع في معرض، "انت تدفع نقودك وتأخذ ما تختار" بمعنى انت مسؤول عن قرارك ولا تستطيع لوم الآخرين عندما تفشل في اختيارك. "لكن بالنسبة لنقودي على الأقل،فان حجة انسلم وثمانية قرون من النقاش حولها، تمثل احد اكثر المواضيع الملفتة والطويلة في الفلسفة. انها بحد ذاتها نموذج للفلسفة. الحجة الانطولوجية، مهما كان الجانب الذي انت تقف فيه، هي مثال على ما هي عليه الفلسفة في أفضل حالاتها.

***

حاتم حميد محسن

.....................

God and the philosophers, The ontological Argument Revisited, philosophy Now, oct, Nov, 2022

 

في المثقف اليوم