أقلام فكرية

حول الماركسية ونقد كتاب راس المال

تمهيد: طيلة فترة بروز عمالقة الفلسفة المادية التاريخية يتقدمهم ماركس وانجلز وفيورباخ وهيجل في القرن التاسع عشر والى اليوم لم نجد فلسفة غربية مثالية راسمالية لم تشن حربا لاهوادة فيها على الماركسية وماركس كفيلسوف انصفه غالبيتهم وعلى كتابه راس المال. نجد ذلك في الفلسفة الوجودية لدى سارتر يتقدم صفوف فلاسفة ومفكرين عديدين في استهدافهم كتاب راس المال وفعل مثله كلا من هوسرل وهيدجر.. ثم زامنت الوجودية الفلسفة البنيوية بدءا من شتراوس وفوكو وبول ريكور وجاك دريدا ولم يختم الدائرة التوسير في استهدافهم كتاب راس المال في عموده الفقري المادية التاريخية.

اهم ميزة جاء بها فلاسفة البنيوية ليس تعدد اهتماماتهم الفلسفية بعد اجتيازهم مرحلة التحول اللغوي وفلسفة اللغة التي بدأها دي سوسير وحسب وانما إتباعهم اسلوب (نقدي) لكل الفلسفات قبلهم التي جاءت بها الحداثة فنجد شتراوس اهتم بنقد كتاب راس المال مع الاهتمام بحفريات اركيولوجيا اقوام ما قبل التاريخ اي ماقبل التدوين، واهتم جاك لاكان في نقده علم النفس الفرويدي، واهتم دي سوسير بفلسفة اللغة، واهتم فوكو بالسجون والسلطة والجنس، واهتم رولان بارت بالنقد الادبي الجديد، وقام البرتو ايكو بالهورمنطيقا، واهتم جاك دريدا في التفكيكية، واهتم التوسير بنقد الماركسية وكتاب راس المال وهكذا.

اود التنبيه الى اني كتبت مقالة منذ سنوات عن استهداف التوسير لكتاب راس المال منشورة على مواقع الكترونية وموجودة في احد مؤلفاتي.. باعتقادي لم تلق كتابات التوسير النقدية للماركسية ذلك الاهتمام الفلسفي ليس بسبب صعوبة وهي كذلك فعلا نقد جوانب فلسفية معقدة في كتاب راس المال برؤية فلسفية مثالية توازي الواقع ولا تحتدم معه بعد مضي مئتي عام تقريبا على صدور الجزء الاول منه واكتمال اجزائه الثلاث، بالمناسبة ترجم كتاب راس المال للعربية  اكثر من باحث ماركسي عربي لعل ابرزهم هو ما قام به المفكر اللبناني محمد عيتاني عام 1982.

 خطأ التوسير في اقحام نفسه نقد كتاب راس المال هو الخطأ بالمنهج النقدي القاصر في نقده مؤلف يقوم على فلسفة مادية صلبة متماسكة يتعذر تناولها باسلوب تنظيري يدين منهج الايديولوجيا الماركسية والتنظيرالجدلي في تعالقهم التخارجي مع الواقع لتخلو له الساحة في ممارسته نقدا متهالكا في ادانة حتى المعادين للماركسية عموما لما حاوله التوسير واخفق به. اذ يعتبر التوسير ان كتاب راس المال بحاجة فهمه على وفق تفسير ان الممارسة النظرية هي بذاتها معيار ذاتها1، ويضيف (الواقع غير موجود بل يتحول الى موجود في الممارسة النظرية)2 كما يضيف مع كل هذه السذاجة السطحية علينا تجاوز ارث هيجل- الكلب الفاطس – حسب تعبيرلوكاتش التحذير منه.

لان التناقض الهيجلي بفلسفة التوسير يجب فهمه نظريا لا واقعا طبقيا ماديا تاريخيا وهو ما لا يقف عند هذا الحد، وهو ما يردده التوسير في  تكراره ما سبق أن قال به هيجل على صعيد النقد التحليلي النظري. مثالية هيجل اكثر رصانة في اعتباره الجدل يتم تنظيريا بالفكر قبل حصوله في الواقع لأن تركيبة العقل المعرفية والعلمية هي طبيعة جدلية تمنع العقل التفكير خارج خاصيته الجدلية. (لدي مقال منشور حول نقدي لمنظور هيجل في فلسفته المثالية الخاطئة هذه).

طبعا كان رد ماركس على مثالية هيجل هذه هو الذي جعل المادية التاريخية جوهر كتاب راس المال تبدأ من الواقع وتمر بالفكر لتنتهي بالواقع ثانية. وليس الواقع المادي والتاريخي يتطور بالفكر التجريدي بل بالايديولوجيا السياسية التي تقوم بتفعيل العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية مجتمعة في خلق التطور الحركي والطفرات النوعية في المادية التاريخية. كما وأقام ماركس ايضا ادانته المادية الصوفية التاملية التي قال بها فيورباخ في انشقاقه عن هيجل وحاول تفسير ظهور الاديان على وفق منهج مادي واعتباره تطور الاديان جرى في مداخلة له مع تقادم التاريخ الانثروبولوجي.

التوسير ونقده التنظيري

اقام التوسير نقده لكتاب راس المال على ركائز من المثالية المتنطعة في اختراعه لعبة تعقيدات تعبيرات اللغة في تضييعه العمد الاقتراب الفاشل سلفا من امكانية دحض مقولات كتاب راس المال ليس لانه معصوم من الاخطاء ولكن لقصور ادوات التوسير تقويض بعض تلك البنى الفلسفية التي اقامها كتاب راس المال وبعض تلك الاسس النقدية لالتوسير هي:

1. ليس هناك علاقة بين كتاب راس المال القائم على التناقض والصراع الطبقي بالواقع الاجتماعي وبين السيرورة التاريخية التي نعيشها في وجوب اعتماد نظرية التوسير في تجريد كتاب راس المال من ماديته التاريخية... في اعتماد تنظيرات البنى الفكرية. اعتقد ولست جازما ان التوسير كمثل سلفه هيجل كان يشك ان يحكم الواقع التاريخي جدل من نوع صراع مصالح الطبقات.

2. ليس هناك من ايديولوجيا ساهمت بدور فاعل في تطبيق ما جاء به كتاب راس المال لم تكن هي فيه عبئا على قراءة الواقع المجتمعي.ما يتوجب المطلوب انقاذ الكتاب من طابعه ومنهجه المادي. بصريح العبارة اراد التوسير قراءة راس المال بنظارات ملونة عمادها القراءة التي توازي كتاب راس المال ومصادرة ارثه العظيم بتخليصه من طابعه المادي الى مستواه النظري الحقيقي وهو ما صرح به علانية.

3. اكبر وافدح الاخطاء في نقد التوسير كتاب راس المال القاصر هو انه تصور الكتاب ايديولوجيا تنظيرية سياسية. ولم يتعامل مع راس المال انه وثيقة موسوعية شاملة علمية اقتصادية انثروبولوجية تاريخية ثقافية جامعة في تفسيرها التاريخ وفهم الحياة والتنبؤ المستقبلي سواء طال بعضه الخطأ التطبيقي ام لا. الاشتراكية كمناهج متعددة التطبيق الاجتهادي احتاجتها البشرية انسانيا عصورا طويلة في الماضي وستحتاجها وتعود لها  مستقبلا.

4. التوسير يعمد " تخريج الانتاج النظري الذي يهدف الى جعل المادية التاريخية ممارسة نظرية في تاريخ انتاج الممارسات النظرية. وذلك عن طريق تحويل مواضيعها من مجرد مواضيع عاكسة للواقع الى تصورات تنفصل عن الواقع لانها تحولت الى منظومة مفهومية"3 نقلا عن المصدر الاجنبي باللغة الفرنسية.

بهذا الفهم المنحرف انتقد عدد كبير من الفلاسفة والمفكرين تتقدمهم باحثة فلسفية مكسيكية فيرناندا نافورا كانت مهتمة بكتابات التوسير في حوار اجرته معه وترجمه المفكر هشام صالح قائلة بوجه التوسير : انك يا التوسير اردت خلق ماركسية بلا ماركس، ومادية تاريخية بمنهج مثالي لا يعترف بحقائق الحياة التي تعيشها الناس. ولم يزد في اجابته لها غير قوله ربما تكونين صائبة وانا مخطيء.

التوسير كل رصيده التنظيري الذي يباهي به هو خلق تناقضات غير جدلية ولا مادية على صعيد تكوين بنى تجريدية من التنظيرالفلسفي تخرج الهيجلية والماركسية في ابتداعهما سيرة جدلية ديالكتيكية عملت على وضع التاريخ ضمن منظومة تطورية.

ما يبرر عدم مقبولية هذه الطروحات التعسفية هو ليس حركة الواقع والافكار والتاريخ انها في حقيقتها بنى من السيرورة المتغيرة باستمرار. التوسير اعتمد مثالية فلسفية مرتكزها كل شيء يحدث بالحياة هو نوع من التفكير المجرد الذي بدوره يخلق التناقض الجدلي في السيرورة التطورية في التاريخ على الارض. وقد سبقه هيجل بهذا الطرح الافتعالي.

جدل التاريخ يتم في الفكر قبل الواقع لم يكن هيجل والتوسير قالا به فقط بل اقطاب فلاسفة الراسمالية المثالية في القرن الثامن عشر من امثال بيركلي ، ديفيد هيوم ، وجون لوك، وغالبية فلاسفة فرنسا والمانيا وانكلترا. فهم جميعا رددوا بتفسيرات تنظيرية ميكانيكية ان ليس هناك علاقة تربط بين وقائع الحياة وبين المسار المادي التطوري للتاريخ.

الايديولوجيا هي نضح الواقع على صعيد الفكر، وفي انكار التوسير لهذا المنهج المادي يعتبر الوعي الجمعي هو البديل في الصمت الانضج من هيمنة ايديولوجيا الماركسية تفسيرها تطور المسار التاريخي. كما يرى التوسير ان التاريخ في مساره هو سيرورة لامادية منشأها الفكر. ويجد انه يتوجب على الفلاسفة والمفكرين انقاذ التاريخ وكتاب راس المال من هيمنة المادية التاريخية.

لا نعتقد انه من غيرالمشكوك فيه ان الايديولوجيا السياسية بمفهومها العام كانت مخطئة جملة وتفصيلا خاصة في المرحلة الستالينية التي بقي التوسيرتلميذا لها يمجدها بجنون مطبق طيلة حياته. بل كانت قاصرة حينما تضع نفسها فوق حركة التاريخ ومساره التطوري. بهذا المعنى لا يوجد خطوط حمراء ولا فيتو يمنع الاجتهاد بتفسير التاريخ خارج مادية الايديولوجيا وخارج مثاليتها الفجة ايضا. لقد تناولت نقد مفهوم هيجل الفلسفي الذي استعاره التوسير نصا مرتبكا حول علاقة جدل الواقع في استجابته لطبيعة تفكير العقل الجدلية وهذا نصها:

التناقض الجدلي وهم التفسير الهيجلي

يرى هيجل أن الواقع في حقيقته الوجودية (جدليا) لأن العقل نفسه الذي يدركه ذو طبيعة جدلية – هنا يقصد هيجل بالعقل هو الفكر -  بخلافه ارجع ماركس جدلية الفكر الى جدلية الواقع الذي نعيش فيه.4. هذا الخطأ الذي وقع به هيجل إعتباره جدل الواقع حقيقة موضوعية قائمة لا تتخلق عن حركة الواقع. سببها اعتبار هيجل العقل ذاته ذو طبيعة جدلية فهو أخذ افكار ديفيد هيوم وغيره من المثاليين على صعيد جدل الفكر في تجريديته  الانفصال عن جدل الواقع بمرجعية الفكرما لا يدرك عقليا لا يعرف..

بتعبير آخر جدل العقل الخالص الذي يسبق جدل الواقع حسب فرضية هيجل سببا لان نقوم بتفسير التاريخ جدليا. وهو مارفضه ماركس بشدة حيث اعتبر جدل الواقع سببا لتفكير جدل العقل بالتفكير الواقعي.

الشيء الاكثر اهمية في خطأ هيجل ان جدل الواقع لا يداخل جدل الفكر. وهذا ما شكل ركيزة غاية بالاهمية اعتمدها ماركس ان الجدل يتم بموضوعية واقعية مستقلة لاعلاقة لها برغائب الانسان ولا قدرة لجدل الفكر تسيير جدل الواقع ولا جدل التاريخ لا المادي ولا حتى المثالي.

الجدل التاريخي المادي حسب ماركس هو جدل طبقي بين فئات تكافح من اجل مصالحها. لتوضيح هذا الاختلاف الذي تم وصفه بالاختلاف المنهجي المثالي بالضد من المنهج المادي حول الجدل أو الديالكتيك يرى هيجل فيه أن الوجود الواقعي – الاجتماعي إنما يستمد (وجوده) من الذات المدركة له الذات العارفة. معتمدا الفكر المجرد التنظيري المسؤول عن انتاجه وقائع الحياة. وخلفية هذا التصور الهيجلي قال به ديكارت قبله.

خطأ هيجل في هذا التعبير الذي مررنا به  هو في خلطه بين ادراك الشيء في موجوديته الطبيعية المستقلة عن ادراك موجوديته الجدلية مع الذات التي تدركه وبغير ذلك اي بغير وجود الذات المدركة لا يكون هناك للاشياء وجودا مستقلا سواء ادركته الذات ام لم تدركه حسب مثالية هيجل ومن جاء بعده. لكن حقيقة الوجود الشيئي بالواقع لا يحدده الادراك له بل يحدده وجوده المستقل السابق على الادراك.

الذات لا تدخل جدلا ديالكتيكيا مع الواقع بسبب انتفاء المجانسة النوعية بينهما، وحتى لو قلنا أن الفكر يدخل بجدل ديالكتيكي مع المادة فهذا لا يغّير من حقيقة الامر شيئا في إنعدام المجانسة النوعية مع المادة في وحدة الماهية والصفات بينهما.

من هذا الخطأ الفلسفي الذي إعتبره ماركس مثاليا مبتذلا لا حقيقة له في الواقع الذي يراه ماركس وجودا موضوعيا مستقلا ولا يستمد موجوديته من ادراكية الذات له. واذا ما ترجمت هذه المقولة اسقاطيا على حركة التطور التاريخي، نجد ماركس محقا قوله " وعي الانسان لا يخلق الواقع، بل الواقع يصنع الوعي" 5 .ويعتبر بعض الفلاسفة والمفكرين ان مقولة ماركس تلك كانت ثورة لا تقل اهمية وتاثيرا عن ثورات كل من سقراط، بيكون ، هيجل. ومن السخرية أن نجد المثاليين ينكرون هذه الحقيقة قولهم لا وجود مادي خارجي مستقل لا يدركه العقل. حسب فهمهم ما يدركه العقل موجود وما لا يدركه غير موجود.

الملاحظة التي برأيي تم غفلها تاكيد أن ماركس لم يقل وعي الانسان يخلق جدل الواقع كما سقط هيجل وقال بها. فالجدل في حال التحقق من حدوثه على صعيدي المادة والتاريخ فهو جدل وقانون طبيعي يعمل بمعزل عن وعي الانسان له وبمعزل عن تلبية رغائبه.الجدل المثالي او المادي على السواء الذي بحسب المنادين به والادعياء له والذي بضوئه نعرف تطورات المادة وتطورات التاريخ لا يقوم على اساس من تناقض نوعي تجانسي في الماهية والصفات يجمع متناقضين داخل الظاهرة الواحدة.

فانت لكي تجد جدلا ديالكتيكيا يجمع بين الفكر والمادة في تعالقهما التخارجي لا بد من اشتراكهما في مجانسة نوعية واحدة تشمل وحدة الماهية مع وحدة الصفات لكليهما في تعالق جدلي يجمعهما نقيضين متضادين ينتج عنهما إستحداث الظاهرة الجديدة أو ما يسمى المركب الثالث.

فالواقع بكل موجوداته وتنوعاته الذي يشكل مصدرا للوعي يمتلك مجانسة نوعية في كل ظاهرة فيه منعزلة تختلف عن غيرها بعيدا عن مدركات الفكر لهذا التناقض الداخلي في وحدة المجانسة النوعية. الفكر لا يتجانس الماهية والصفات مع المادة.

بمعنى كل ظاهرة حركية تطورية لكي يحصل جدلا داخلها منفردة لوحدها لا بد أن يمتلك النقيضين المتضادين فيها مجانسة نوعية واحدة التي هي الماهية والصفات التي تجمعهما في وحدة كليّة، وعندما لا يمتلك الواقع بظواهره المجانسة النوعية في داخل ظواهره لا يحصل جدلا داخلها بمعزل عن الفكر أو بتداخل تخارجي للفكر معه.

الشيء الذي اراه مهما أن لا نقع في خطأ إعتبار الجدل في المادة مرادفا لا فرق بينه وبين إعتبار علاقة الفكر بالمادة علاقة ( معرفية ) تكاملية وليست علاقة جدلية ديالكتيكية تناقضية تقود بالحتم إستحداث ظاهرة جديدة أو مركب ثالث.

ليس مهما صحة أو عدم صحة مقولة هيجل أن الوجود ذاتي يستمد موجوديته من الذات المدركة أو العارفة. التي رغم وصمها بالمثالية الفكرية الا انها تشير الى منهج (مادي) في حقيقتها. وبغير هذه العلاقة التي اشار لها هيجل لا يبقى معنى للواقع أن يكون مؤثرا بالوعي، ولا معنى للوعي أن يكون نتاجا للواقع حسب ماركس.

هنا نجد هيجل يؤكد على أن الوجود هو ادراك ذاتي لذات عارفة وهو منطق فلسفي سليم لا علاقة ترابطية له مع الجدل الواقعي الموضوعي الذي يجري خارج ادراك الذات حصوله..علاقة الذات مع مدركاتها المادية علاقة تخارجية تكاملية معرفية بينهما وليست علاقة جدلية.

عندما يرى ماركس العكس من ذلك أن الوعي هو ناتج ادراك الواقع المادي الذي نعيشه في اسبقيته على تفكيرنا، فهذا ليس معناه ضرورة ربط المادة بالفكر على مستوى تناقض جدلي يجمعهما يقود لناتج حصول متغيرات جديدة وإنما هنا الاختلاف بين هيجل وماركس على مستوى (وعي) و(معرفي) للواقع وليس على مستوى الجدل بينهما في تقصي سبب التطورالمادي التاريخي. وعي الجدل الماركسي هو ناتج وعي الجدل الحاصل بين المصالح الطبقية.

الواقع والفكر ليسا قطبي تناقض تجمعهما مجانسة ماهوية واحدة تدخلهما في تناقض جدلي بمعزل عن ارادة الانسان. فالجدل في حال اثباته قانونا طبيعيا ثابتا كمثل قوانين الطبيعة الاخرى فهو يعمل باستقلالية تامة عن ارادة الانسان وإدراك الذات عقليا له. وحضور العوامل الموضوعية كعامل مساعد في عملية جدل ديالكتيكي هي الاخرى تكون فاعليتها ليست مستمدة من رغبة انسانية سابقة عليها بل من حاجة جدلية تتطلبها موضوعية تسريع الجدل.

قوانين الجدل في حال جرت البرهنة عليها على صعيدي المادة والتاريخ. عندها تصبح وقائعا يتم الجدل فيها خارج ارادة الانسان، ولا معنى لتخارج الوعي المعرفي مع الواقع في خلق الجدل. حينما يعبر هيجل "الجدل وعي ذاتي" فهو كان يرغب خلق جدل فكري غير متأكد من إمكانية حصوله ماديا أو تاريخيا. لتوضيح سبب رجحان مثالية تفكير هيجل أن الجدل يحصل بالفكر فهو ربما كان يدرك أو لا يدرك هيجل أن الفكر لا يجانس المادة بالماهية والصفات كي يرتبطان بعلاقة جدلية وليس بعلاقة تخارج تكاملية معرفية.كما من الخطأ الفادح قول هيجل العقل طبيعته جدلية بالتفكير.

الجدل يتسم بحقيقتين اثنتين هما أنه يحصل خارج الادراك الذاتي له، وأنه لا يحتاج الذات الانسانية في إستكماله عملية الجدل في داخله لإنتاج مركب ثالث أو ظاهرة جديدة. لذا إدانة هيجل أن الفكر أو الوعي ليس بمقدوره تغيير الحقائق المادية على الارض هي في حقيقتها صحيحة تمثل قمة المادية وليس المثالية. وهي لا تعطي الجدل جواز مرور حينما لا تعتبره أي الجدل قائما حينما يكون هناك للذات إمكانية ادراك الاشياء والموجودات في العالم الخارجي.

كما المحت سابقا مقولة هيجل التي مررنا عليها " الجدل وعي ذاتي" يمنحنا برهانا حقيقيا أن الجدل هو وهم افتراضي يحكمه التنظير الفلسفي، وهو ليس قانونا طبيعيا مثل بقية قوانين الطبيعة التي اكتشفها الانسان وبنى عليها ثوابت علمية بعد تاكده من حصولها في الطبيعة وفي الكوني، وهذا مالا ينطبق على الجدل الذي بني عليه ماركس وانجلز تطورات التاريخ البشري لأنه كانت التنظيرات الفلسفية سابقة على قانون الجدل الموجود على صعيد الفكر فقط كما قال هيجل وليس على صعيد تطور التاريخ الانثروبولوجي المادي كما اراد ماركس.

***

علي محمد اليوسف /الموصل

...........................

الهوامش:

 1،2،3الحداثة ما بعد الحداثة، د. طلعت عبد الحميد، د. عصام الدين هلال، د. محسن خضر هوامش 1- 3 ص 35

4. د محمد علي الكبسي قراءة في الفكر الفلسفي المعاصر، ص16

5. نفسه اعلاه ص 22

   

في المثقف اليوم