أقلام فكرية

المعرفة الأخلاقية والسياقية البنيوية

هناك أدعاء يقول إن بعض المعتقدات، على الأقل في سياقات معينة، لا تحتاج إلى تبرير على الرغم من أنها قد تزود المرء بأسباب مبررة للأعتقاد بمعتقدات أخرى. دعونا نلقي نظرة فاحصة على الادعاء.

تتكون الأطروحة السياقية البنيوية الأساسية من ثلاثة مبادئ أساسية: (1) قد يكون المرء مسؤولاً معرفيًا عن اعتناق معتقدات معينة في وقت ما، على الرغم من عدم وجود دليل مبرر أو أسباب مبررة للاحتفاظ بهذه المعتقدات في ذاك الوقت. (2) قد تكون هذه المعتقدات بمثابة أساس معرفي لتبرير اعتناق معتقدات أخرى. (3) تعتمد المعتقدات التي تحتاج إلى تبريرعلى حقائق معينة حول الظروف الاجتماعية للفرد - السياق الاجتماعي للفرد. دعونا نأخذ هذه واحدة تلو الأخرى.

1. إن الفرضية القائلة بأنه من الممكن لشخص ما أن يكون مسئولًا معرفيًا عن اعتقاد ما دون تبرير هي إحدى الطرق للتعبير عما أصبح يسمى بالمحافظة المعرفية. يدعي المحافظ المعرفي أن مجرد الالتزام العقائدي قد يكون كافيًا لخلق درجة معينة من الاحترام المعرفي لمعتقدات معينة. هناك صيغتان اساسيتان من هذه العقيدة.[1]. وفقًا لمفهوم المحافظة من الدرجة الأولى، قد يكون الاحترام المعرفي إلى معتقد كنتيجة لمجرد الإيمان بهذا الاعتقاد أو، بشكل أكثر معقولية، كنتيجة للاحتفاظ بهذا الاعتقاد طالما أنه لا يتعارض مع المعتقدات الأخرى التي يمتلكها المرء. وفقًا للمحافظة من الدرجة الثانية، فإن المعتقدات من الدرجة الثانية- المعتقدات حول المعتقدات - ضرورية لخلق درجة معينة من الاحترام المعرفي لمعتقد من الدرجة الأولى. لذلك، على سبيل المثال، وفقًا لإحدى الصيغ الممكنة للمحافظة من الدرجة الثانية، من أجل أن يزداد مستوى معين من الاحترام المعرفي لبعض المعتقدات (التي ليس لدى الشخص أسباب أو أدلة مبررة لها)، يجب ألا يكون لدى المرء الأعتقاد فقط، ولكن يجب عليه أيضًا أن يصدق بانه الحقيقة.[2] باختصار، يجب على المرء أن يعتبر الأعتقاد سليمًا صحيحًا من الناحية المعرفية.

ليس هذا هو المكان المناسب للتحقيق في المحافظة المعرفية. فقد حاجج جوناثان كيفانفيج[3] بشكل مقنع بأن صيغة المحافظة من الدرجة الأولى لا يمكن الدفاع عنها ولكن أي نظرية معرفية معصومة من الخطأ تحتاج إلى التسليم بصيغة من المحافظة من الدرجة الثانية. كنت قد قدّمت في البحث السابق نقاشا عن النزعة المحافظة وأوضاعنا الصعبة: نظرًا للقيود على قدراتنا المعرفية وحدود عصرنا، فمن المنطقي لا تتطلب ممارساتنا المعرفية من المعتقدين دائمًابأن يكون لديهم أدلة أو أسباب مبررة لكل ما يعتقدون بشكل مسؤول. كما سنرى في القسم التالي من بحثنا، تُظهر ممارساتنا المعرفية فيما يتعلق بالأعتقاد الأخلاقي النوع نفسه من النزعة المحافظة. لذلك سأستمر على افتراض أن المحافظة من الدرجة الثانية صحيحة.

2. المبدأ الأساسي الثاني لسياق السياق البنيوي- ما يمكن أن نسميه أطروحة الكفاية المعرفية- يدعي أن المعتقدات القائلة بأن المرء مسؤول معرفيًا عن اعتقاده، وبدون امتلاكه أي مبرر، تكون أحيانًا كافية معرفيًا كأساس للاعتقاد المبرر في القضايا الأخرى. يمكن أن ينتهي رجوع المرء الى الوراء بالتبرير الى الأعتقاد بمعتقدات لا يملك أسبابًا تبرر التمسك بها. إذا كنت على حق في أن ممارساتنا المعرفية الفعلية تتوافق مع أطروحة الكفاية المعرفية، فإن هذه الحقيقة حول الأطروحة توفر، كما حاججت، سببًا افتراضيًا لصالحها. لكن تتطلب هذه الأطروحة، مثل أطروحة المحافظة المعرفية، طريقة للدفاع عنها أكثر مما يمكنني تقديمه هنا.

3. أخيرًا، يعتمد ما إذا كان هناك حاجة إلى تبرير اعتقاد ما أم لا لكي يكون بمثابة معتقد أساسي صحيح بشكل حاسم على السياق، وعلى وجه الخصوص، على السياق الاجتماعي. وهذه هي أطروحة حساسية السياق الاجتماعي. والآن، الفكرة العامة القائلة بأن التقييمات المعرفية الصحيحة حساسة للسياق، بمعنى أنها تعتمد على ظروف المرء،وكما رأينا في المناقشة التي قدمتها سابقا حول التبرير والمسؤولية المعرفية، مقبولة. بشكل عام، ما إذا كان الفرد له ما يبرره (أو إذا لم يكن له ما يبرره، فعلى الأقل مسؤول معرفيًا) في الاحتفاظ ببعض المعتقدات سيعتمد على سمات معينة لظروفه. إن ما يجعل السياقية مميزة هو الادعاء بأن التقييم المعرفي الصحيح، وعلى وجه الخصوص، ما إذا كان اعتقاد المرء يحتاج إلى تبرير أم لا، يعتمد بشكل حاسم على "السياق الاجتماعي" للفرد- على حقائق اجتماعية معينة. لقد لاحظنا بالفعل أن بعض الحقائق الاجتماعية تؤثر على التقييم المعرفي الصحيح، وأن الحالة المعرفية لمعتقدات الفرد حساسة لهذه الأنواع من الحقائق الاجتماعية ليست مميزة للسياقية البنيوية. ما يدعيه السياقيون هو أن الحقائق حول الالتزامات العقائدية للمجتمع المحلي مهمة للتقييم المعرفي بشكل عام، و كذلك لمسألة ما إذا كانت بعض معتقدات المرء بحاجة إلى تبرير (تحت وطأة اللامسؤولية المعرفية) على وجه الخصوص. تتمثل إحدى طرق وضع هذه الفكرة فيما يتعلق بالمعتقدات التي تحتاج إلى تبرير أو لا تحتاج إليه في القول ما إذا كان المرء بحاجة إلى تبرير أو لا يحتاج له حيث يعتمد في بعض المعتقدات على ما تسمح به مجموعة الفرد للإفلات من الاعتقاد دون وجود مبرر.

بالطبع، هناك أسئلة كبيرة وصعبة تلوح في الأفق للسياقي حول المسألة المتعلقة بحساسية السياق الاجتماعي. نظرًا لأن يعتقد السياقي أن التقييم المعرفي حساس للسياق الاجتماعي، فإنه يحتاج إلى معالجة أسئلة حول أنواع العوامل التي تحدد السياق الاجتماعي ذي الصلة لتقييم الحالة المعرفية لمعتقدات الفرد. نحن أعضاء في العديد من المجموعات (الاجتماعية) في وقت واحد، وهناك طرق لا حصر لها لتخصيص المجموعات وفقًا للأغراض المطروحة. بالطبع، أشك بشدة في وجود خوارزمية أو صيغة عامة وكافية تمامًا يمكن للمرء استخدامها لإصلاح السياق الاجتماعي ذي الصلة في أي حالة معينة بطريقة غير تعسفية. بدلاً من ذلك، فإن الأسئلة المتعلقة بالسياق الاجتماعي ذي الصلة هي نفسها (كما قد تتوقع) حساسة للسياق. وإذا كان هذا صحيحًا، فلن يكون لدينا خيار سوى المضي قدمًا على أساس كل حالة على حدة، على الرغم من أن القيام بذلك لا يستبعد صياغة تعميمات قابلة للتنفيذ حول أنواع العوامل التي تساعد في إصلاح مجموعة اجتماعية في سياق معين.[4]

قبل الانتقال إلى الأسئلة حول التبرير الأخلاقي التي سأناقشها في البحث اللاحق، اسمحوا لي أن أربط الموضوعات السياقية الرئيسة في هذا البحث بمفهوم المسؤولية المعرفية الموضحة في البحث السابق المنشور. إن أحد المسؤولية المعرفية تجاه بعض المعتقدات التي يحملها المرء تكون فقط عندما يتعامل بشكل مناسب مع تلك الاحتمالات التي تشير إلى أهميتها من خلال معتقدات تمثل الخلفية الخاصة بها وتلك التي تشير إليها المعلومات التي يشترك بها المجتمع المعني على نطاق واسع. تلك الحالات التي يحمل فيها المرء بعض الاعتقاد دون أن يكون لديه سبب مبرر للاعتقاد والتي لا توجد فيها إمكانات محتملة ذات صلة من النوع المذكور للتو هي حالات مرشحة يبدو من المناسب فيها القول إن المرء مسموح له معرفيًا ومن ثم فهو مسؤول في التمسك بهذا الاعتقاد. ولكن، في ضوء التمييز بين المحافظة من الدرجة الأولى والثانية، أعتقد أنه يجب علينا إضافة الشرط التالي لوصفنا للمعتقدات الأساس للسياق: ليس فقط في حالة عدم وجود احتمالات مضادة ذات صلة بالاعتقاد المعني، ولكن يجب أن يكون الاعتقاد المعني، حتى يكون اساسه صحيح، هو الذي يعتبره المُعتقد ومجتمعه سليم من الناحية المعرفية. إن المعنى الضمني حول المعتقدات الأساسية للسياق هو أن وضعها كأساس يعتمد بشكل حاسم على السياق الاجتماعي وأنواع المتطلبات المعرفية التي يتوقع المرء أن يفي بها وكذلك مستوى التزام المجموعة المعرفي بالمعتقد المعني.

***

الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ

..................

[1] يتبع نقاشي للتحفظ المعرفي، بما في ذلك التمييز بين الأنواع من الدرجة الأولى والأنواع من الدرجة الثانية وجهة النظر جوناثان كفانفيج.

Jonathan Kvanvig, "Conservatism and Its Virtues," Synthese 79 (1989), 153-63.

[2] يقترح روبرت عودة أن المدافع عن المحافظة لا يحتاج إلى مطالبة المؤمنين بامتلاك معتقدات من الدرجة الثانية، وبدلاً من ذلك يمكن أن يتغلبوا على شرط أن يكون المؤمنون على استعداد فوري للحصول على النوع المناسب من الاعتقاد من الدرجة الثانية. أعذر نفسي من التشويش على تفاصيل الصياغة الملائمة للمحافظة من الدرجة الثانية.

Robert Audi, Belief, Justification, and Knowledge (Belmont, Calif.: Wadsworth, 1988.

[3] Jonathan Kvanvig, "Conservatism and Its Virtues

[4] أحد العوامل الواضحة التي تظهر بشكل مهم في تقييماتنا المعرفية تتعلق بالمعرفة الخاصة للفرد والمهارات والمعرفة والمهارات التي قد تكون مرتبطة أو غير مرتبطة بمهنة المرء. وفقًا لمبدأ الشخص العاقل من القانون كما هو موضح في Keeton et al.، The Law of Torts، "الأشخاص المحترفون بشكل عام وأولئك الذين يقومون بأي عمل يتطلب مهارة خاصة، لا يُطلب منهم فقط ممارسة العناية المعقولة فيما يقومون به، ولكن أيضًا لامتلاك حد أدنى من المعرفة والقدرة الخاصة "(ص 185). يشير هذا إلى أننا نتوقع المزيد من الأشخاص الذين لديهم معرفة خاصة أو أعضاء في مهن تتمثل مهمتهم في معرفة المزيد عن موضوعات معينة.

 

في المثقف اليوم