أقلام فكرية

التبرير الأخلاقي في السياق وروس والتبرير

أرغب في التعبير عن السياقية وبنية المعتقد الأخلاقي.[1] وساقدم في هذه الحالة بُعدًا وصفيًا ومعياريًا. أولاً، أنا مهتم بتوصيف ممارساتنا الفعلية عندما يتعلق الأمر بالأعتقاد الأخلاقي، وتلك الممارسات المعرفية التي تؤثر على التحرر من اللوم المعرفي أو استحقاقه على وجه الخصوص. فرضيتي الوصفية هيِ أن معاييرنا المعرفية، كما تنطبق على المعتقد الأخلاقي، لا تتطلب أن يكون لدى الفاعلين المسؤولين معرفيًا أسبابًا تبرر تحمل مسؤولية جميع معتقداتهمالأخلاقية عادةً. تعمل بعض المعتقدات الأخلاقية، لاسيما تلك التي تشكل جزئيًا وجهة نظر المرء الأخلاقية، كمجموعة من الافتراضات الأخلاقية الأساسية التي لا تحتاج إلى تبريرفي السياقات العادية للفكر والمناقشة الأخلاقيين. إذا كانت هذه الأطروحة الوصفية صحيحة، فمن الصحيح ، أيضًا، وصف بنية التبرير الأخلاقي التي تنطوي عليها معاييرنا المعرفية على أنها سياقية. وأطروحتي المعيارية هي أن هناك سببًا وجيهًا لتأييد مثل هذه المعايير بشكل انعكاسي.

إن خطتي من أجل تقديم حجة لادعائي الوصفي، هي تقديم صورة مقبولة حول ممارساتنا في تبرير المعتقدات الأخلاقية. إن الصورة التي في ذهني موجودة في كتابات السيردبليو دي روس. أريد أن أشير بإيجاز إلى بعض الأسباب التي تجعلنا نقوم بالتفكير في الأمور الأخلاقية كما تقترح الصورة التي يرسمها روس، وبعد ذلك سأقوم بتوضيح بعض الميزات المعرفية االذي يمثله "السياق العادي للفكر والمناقشة الأخلاقيين." إن ما ينبثق من الصورة هو وصف سياقي لبنية التبرير.

روس والتبرير في الأخلاق

أميل إلى الاعتقاد بأن بعض آراء روس حول طبيعة التبرير في الأخلاق صحيحة، فأستخدمها لرسم صورة سياقية للتبرير في الأخلاق. تقدم الصورة التي في ذهني القواعد الأخلاقية باعتبارها توفر أساسًا لتبرير معتقدات أخلاقية معينة. وعلى الرغم من أنني أعتقد أن القواعد لها دور تلعبه في تبرير الاعتقاد الأخلاقي، فإن وجهة نظري للسياقية ليست ملتزمة بالادعاء بأن تكون القواعد الأخلاقية في تفسير المعتقد الأخلاقي للفرد مبررة ضرورة في جميع السياقات.[2] وبالتالي، تهدف الصورة إلى توضيح الصيغة التي اقدمها من السياقية الأخلاقية فقط.

كان روس بالطبع اسسيا أخلاقيًا دعا إلى صيغة من التعددية الأخلاقية. تضمنت صيغته من الأسسية الأخلاقية الادعاءين التاليين: (1)هناك في الأخلاق، كما هو الحال في الرياضيات، توجد بعض "الأفتراضات أو القضايا" التي لا يمكن إثباتها، وهي لا تحتاج إلى إثبات،[3] و(2) مثل هذه الافتراضات هي حقائق ضرورية بديهية تصف الحقائق والخصائص الأخلاقية غير الطبيعية التي يمكن معرفتها بطريقة قبلية أو بشكل مسبق. وتضمنت التعددية الأخلاقية ادعاءين رئيسيين أيضًا: (3) هناك مجموعة من التعميمات ذات المستوى المتوسط غير القابلة للاختزال وتعبر عن التزامات أخلاقية للوهلة الأولى. (لا تحتاج هذه الافتراضات إلى دليل). (4) قد تتعارض هذه الالتزامات الأخلاقية البديهية الواضحة في حالات محددة للوهلة الأولى، وعندما يحدث هذا، لا يوجد إجراء أو قاعدة أو خوارزمية يمكن للمرء الفصل في هذه النزاعات من خلالها.

أقبل، مبدئيًا مع بعض التعديلات، ادعاءات روس (1) و(3) و(4)؛ لكن ما لا أقبله هو الأسسية الإبستيمولوجية ( نظرية المعرفة ) وما يرتبط بها من ميتافيزيقيا (2). فكرتي هي: يمكننا إعادة صياغة بعض آراء روس من خلال تجريدها من نظرية المعرفة الأسسية والميتافيزيقية غير الطبيعية، وإعادة تفسير الادعاءات الأخرى في ضوء الإبستيمولوجيا السياقية. تمثل الادعاءات (1) و(3) و(4) ما أعتبره صورة لجزء مهم من بنية الأعتقاد الأخلاقي المبرر. فيتضمن المنظور البنيوي في نظرية المعرفة الأخلاقية السياقية، الادعاءات المركزية الأربعة التالية:

1. هناك عدد من التعميمات الأخلاقية غير القابلة للاختزال التي نكتسبها نتيجة للتربية الأخلاقية. وغالبًا ما تكون هذه قاعدة معرفيًة أساسية في السياق العادي للتبرير في الأخلاق.

2. ومع ذلك، فهي قاعدة أساسية من حيث السياق: انها لا تمثل حقائق أخلاقية واضحة بذاتها أويمكن معرفتها بشكل قبلي ولا تنتج عن تحرر ملكة الحدس الأخلاقي. وإن وضعها كقاعدة أساسية مرتبط بالسياق بطريقة سأفصلها أدناه.

3. توفر المعتقدات الأساسية للسياق (جنبًا إلى جنب مع المعتقدات الواقعية غير الأخلاقية التي تتصل بالسياق) الأساس التبريري للاعتقاد المبرر في افتراضات أخلاقية أخرى غير أساسية. وهكذا، (مع ثبات العوامل الأخرى) يمكن تبرير المعتقدات الأخلاقية الأخرى غير الأساسية إذا كانت تستند إلى بعض المبادئ الأساسية للسياق.

4. ومع ذلك، فإن الانتقال من المعتقدات الأخلاقية الأساسية- التعميمات الأخلاقية ذات المستوى المتوسط- إلى معتقدات أخلاقية أكثر تحديدًا حول حالات معينة ليس دائمًا مجرد مسألة أخذ التعميم الأخلاقي جنبًا إلى جنب مع المعلومات التجريبية التي لها صلة بها والوصول الى نتيجة أخلاقية. ففي كثير من الحالات، سيكون هناك اعتباران أو أكثر من الاعتبارات الأخلاقية التي تعبر عنها التعميمات الأخلاقية الأساسية في حالة واحدة، وفي هذه الحالات لا نحتاج إلى خوارزمية أو نظام ترتيب يمكننا اللجوء إليه للفصل في النزاع. يستحوذ الحكم الأخلاقي في هذه الحالات على شيء يمكن للمرء أن يفعله بشكل أفضل أو أسوأ ولا يحتاج إلى وجود قاعدة تغطية من أجله تملي ما يكون من المنطقي تصديقه. ومع ذلك، ، يمكن تبرير تبني الأفراد معتقدات أخلاقية معينة في الحالات التي تتطلب حكمًا أخلاقيًا في السياقات العادية للفكر والنقاش الأخلاقي.

اسمحوا لي أن أوضح وجهة النظر هذه.

تشكل عقيدة 1 و3 معًا فكرة مألوفة جدًا حول بنية التبرير الأخلاقي- وهي وجهة نظر مشتركة بين كل من الأسسسية والسياقية. يأتي دعم وتاييد لهذه العقائد من الملاحظة المنطقية ومن العمل التجريبي في علم النفس الأخلاقي.[4]

إذن ما الذي تقترحه الأدلة المتاحة؟ إذا قمنا بفحص الأجزاء الفعلية من التفكير الأخلاقي، فمن المعقول أن نفترض أن تبرير الأعتقاد في الأخلاق يرتكز على معتقدات معرفية أساسية من نوع ما. ومن الطبيعي أن نفترض أنه من خلال التعبير بصدق عن أسباب اعتقادنا الأخلاقي، إننا نعبر عن البنية المعرفية لمعتقداتنا الأخلاقية. فعندما يُطلب من الناس التعبير عن أسباب اعتقادهم الأخلاقي حول قضية معينة، مثلا فأنهم يعبرون وفقًا للنمط المألوف لديهم لتقديم اعتبارات عامة تتعلق بالحالة المحددة التي يعتبرونها ذات أهمية أخلاقية. وعادة ما تصاغ مثل هذه الاعتبارات بوصفها تعميمات أخلاقية متوسطة المستوى مثل: "الكذب خطأ" و"إيذاء الآخرين أمر خاطئ". علاوة على ذلك، هناك سمتان جديرتان بالملاحظة لهذه التعميمات الأخلاقية ذات المستوى المتوسط. أولاً، لقد أفاد الناس عند سؤالهم عنها أن مثل هذه الادعاءات تبدو بديهية. ويرتبط هذا الجزء من الظواهر بحقيقة أن الناس يعاملون هذه التعميمات على أنها غير تعسفية. وهذا يعني أنه لا يميل معظم الناس في السياقات العادية إلى مواجهة تحديات هذه المعتقدات بجدية - فهي تمثل المحصلة الأخلاقية للشخص بالنسبة لهم. وتشير هذه الحقائق إلى أن الكثير من الناس ليس لديهم أسباب مبررة لهذه المعتقدات التي تمثل الحد الأدنى الأخلاقي لهم. لكن لا يعني هذا أنه لا يمكن للفرد أن ينفصل عن معتقداته الأخلاقية، وأن يبقيها بعيدًا عن ألسئلة التي تتعلق بالنظرة الأخلاقية للفرد (على الطريقة النيتشوية مثلا). فأغلب الناس عندما يسألون عن تبرير معتقداتهم الأخلاقية يكونون مندهشين من السؤال حيث يعتبرون معتقداتهم الأخلاقية واضحة وبدهية. [5] ويوجد نوع آخر من الردود، كما أشار دريفوس ودريفوس أنهم يحاولون للتصرف بطريقة تجعل العالم مكانًا أفضل للعيش فيه إون أسمى مبادئهم الأخلاقية هو "افعل شيئًا جيدًا".[6]

قراءتي لكل هذا هي: توجد في العديد من السياقات معتقدات أخلاقية توفر الأساس لتبرير معتقدات أخلاقية أخرى، وليس للمعتقدات التي لدى معظم الناس العاديين سبب مبرر. لا أعتقد في هذا أنه من المعقول انتقاد هؤلاء الأشخاص لكونهم لايتمتعون بالمسؤولية المعرفية. ولديهم معتقدات أخلاقية معينة تستند إلى تبريرهم لمعتقدات أخلاقية معينة أخرى تمثل جوهر حساسيتهم الأخلاقية. علاوة على ذلك، لإنهم يعتبرون هذه المعتقدات واضحة وغير اعتباطية، وبالتالي يعرضون نوع من الالتزام العقائدي من الدرجة الثانية المميزة للمعتقدات الأساسية للسياق. هناك، بالطبع، الكثير لنقوله عن كل هذا، لكن اقتراحي هنا هو أن التفكير في هذه الحالات العادية يساعد في الكشف عن شيء مهم حول معاييرنا المعرفية عندما يتعلق الأمر بالأعتقاد الأخلاقي، أي، لا يحتاج المرء في "السياقات العادية للفكر الأخلاقي والمناقشة" إلى أسباب مبررة لمعتقدات أخلاقية معينة تلعب دورًا معرفيًا حاسمًا في كون المرء مبررًا له تبني معتقدات أخلاقية أخرى.

***

الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ

.....................

[1] Carl Wellman, Challenge and Response (Carbondale, Ill.: Southern Illinois University Press, 1971);

Charles Larmore, Patterns of Moral Complexity (Cambridge: Cambridge University Press, 1987);

and Jeffrey Stout, "On Having a Morality in Common," in Prospects for a Common Morality, eds. G. Outka and J. P. Reeder (Princeton, N.J.: Princeton University Press, 1993).

يتبنى هؤلاء المفكرين صيغة أو أو اخرى ن السياقية البنيوية حول المعتقد الأخلاقي.

[2] لذلك ، على سبيل المثال ، في سياقات محددة ، قد ينطوي تبرير الاعتقاد الأخلاقي على مناشدة نهائية للنماذج الأخلاقية ، أو ربما بدلاً من ذلك مجرد مناشدة لخصوصيات حالة معينة قيد التدقيق ، وقد لا تلعب القواعد الأخلاقية أي دور على الإطلاق. أنا هنا أفكر في الآراء المعرفية لما يسمى بالخصوصية الأخلاقية. انظر ، على سبيل المثال:

Jonathan Dancy, Moral Reasons (Oxford and Cambridge, Mass.: Blackwell, 1993), chapters 4- 7).

[3] W. D. Ross, The Right and the Good (Oxford: Oxford University Press, 1930), 30.

[4] حول علم النفس الأخلاقي أنظر مثلا : الربيعي، د. علي رسول:

https://www.google.com/url?sa=t&rct=j&q=&esrc=s&source=web&cd=&cad=rja&uact=8&ved=2ahUKEwj8g96s2cT8AhWPWcAKHdpOBtgQFnoECAsQAQ&url=https%3A%2F%2Fhdf-iq.org%2F%25D8%25B9%25D9%2584%25D9%258A-%25D8%25B1%25D8%25B3%25D9%2588%25D9%2584-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25B1%25D8%25A8%25D9%258A%25D8%25B9%25D9%258A-%25D8%25B9%25D9%2584%25D9%2585-%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2586%25D9%2581%25D8%25B3-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25A3%25D8%25AE%25D9%2584%25D8%25A7%25D9%2582%25D9%258A%2F&usg=AOvVaw1_apMJXtnCM8Ya0qvpQhaJ

[5] Carol Gilligan, In a Different Voice (Cambridge, Mass.: Harvard University Press, 1982);

"Moral Orientation and Moral Development," in Women and Moral Theory, eds. E. F. Kittay and D. T. Meyers (Savage, Md.: Rowman and Littlefield, 1988);

Carol Gilligan, J. V. Ward, J. M. Taylor, and B. Bardige, Mapping the Moral Domain (Cambridge, Mass.: Harvard University Press, 1988).

[6] Hubert Dreyfus and Stuart E. Dreyfus, "What is Morality? A Phenomenological Account of Ethical Expertise," in Universalism vs. Communitarianism, ed. D. Rasmussen (Cambridge, Mass.: The MIT Press, 1990), 252.

 

في المثقف اليوم