أقلام فكرية

سياق المعتقدات الأخلاقية الأساسية

كما اشرت في البحث السابق  الى أن الادعاء 2 هو ما يميز السياقية حول البنية عن الأسسية. وكما رأينا، يحافظ السياقي على الادعاءين التاليين1.

(1) لا تحتاج المعتقدات الأساسية المعرفية إلى التبرير في السياقات العادية للتبرير العقائدي.

(2) قد تتطلب المعتقدات الأساسية في سياق معين تبريرًا في سياق مختلف.

ساقوم في ما يلي بتفصيل هذين الادعاءين. أبتداءً لابد أن نوضح مفهوم السياق عند تناول الادعاء الأول (كما أستخدمه هنا). وتوضيح دور المعتقدات الأساسية للسياق في السياقات العادية للفكر والمناقشة الأخلاقيين.

سأبدأ بالتركيز على السياقات العادية والمشتركة للتفكير الأخلاقي - السياقات التي  لها تأثيرًا على بعض  المسائل الأسئلة الأخلاقية- وسأتناول بعض التفاصيل المهمة من الناحية المعرفية لهذا السياق. إذن، فيما يخص الأعتقاد الأخلاقي، فإن جزءًا مهمًا من السياق عندما يتعلق الأمر بالأسئلة حول التبرير في التمسك بمعتقدات أخلاقية مختلفة ينطوي على دور النظرة الأخلاقية للفرد. فما هي النظرة الأخلاقية؟

تمثل النظرة الأخلاقية طريقة لعرض بيئة المرء والاستجابة لها من وجهة نظر أخلاقية؛ إنه منظور يتخذ من خلاله المرء موقفاً أخلاقياً. تأتي النظرة الأخلاقية للمرء من خلال التربية الأخلاقية التي تتضمن سمات اساسية وهي:

(1) تطوير حساسية تجاه السمات المختلفة لبيئة الفرد الأخلاقية وبالتالي تكون أساس التقييم الأخلاقي وفقًا لوجهة النظر الخاصة التي يتم تعليمها أو التربية عليها.

(2) تَعلم ربط الاستجابات العاطفية المختلفة بالتقييم الأخلاقي (على سبيل المثال، تعلم الشعور بالذنب والاستياء تجاه بعض أفعال الفرد وأفعال الآخرين).

(3) التعرف على بعض الأمثلة، أي الحالات النموذجية للأفعال الأخلاقية أو اللا أخلاقية والأشخاص والمؤسسات وما إلى ذلك2.

(4) تَعلم التعميمات الأخلاقية التي تلخص أهم السمات الأخلاقية التي يطور المرء من خلال التدريب عليها حساسيته الأخلاقية.

(5) تعلم الأنماط الأساسية للتفكير الأخلاقي (على سبيل المثال، القاعدة الذهبية / التفكير الانعكاسي وكذلك تعلم التفكير في الأنتقال من التعميمات الأخلاقية إلى حالات معينة). يكتسب المرء نتيجة لأنشطة التعلم هذه مجموعة من المهارات المترابطة والمعتقدات والاستجابات العاطفية وما إلى ذلك والتي تشكل النظرة الأخلاقية للفرد.

يوفر وجود وجهة نظر أخلاقية معينة جزءًا من "السياق" الذي يكون لدى المرء فيه معتقدات أخلاقية مبررة عادةً. لكن يكون سياق اجتماعي غني في الحالات العادية عندما يحدث التعليم الأخلاقي في بيئة اجتماعية معينة يتشارك أعضاؤها بشكل أو بآخر بعض القيم والمعتقدات الأخلاقية. حيث يجلب المرء في السياقات الأخلاقية المتفاعلة النظرة الأخلاقية للتأثير على حالة تتطلب استجابة أخلاقية، وغالبًا ما تلعب بعض المعتقدات الأخلاقية- ما أطلقنا عليه سابقا التعميمات الأخلاقية ذات المستوى المتوسط - دورًا تبريرًا خاصًا، وكذلك يمكننا من خلال رؤية كيفية عمل هذه المعتقدات الأخلاقية في النظرة الأخلاقية للفرد  أن نفهم بشكل أوضح الحالة المعرفية لتلك المعتقدات. دعونا إذن ننظر في دور المعتقدات الأخلاقية العامة ذات المستوى المتوسط في النظرة الأخلاقية.

تمثل السمات الخمس للنظرة الأخلاقية،على الأقل جزءًا من، ما يمكن أن نسميه السمات "الشكلية" للنظرة الأخلاقية؛ السمات التي تميز أينظرة أخلاقية أو معظمها. قد تختلف وجهات النظر الأخلاقية في المحتوى، لكن إحدى الطرق المفيدة لوصف وجهة نظر أخلاقية معينة، وتمييزها عن وجهات النظر الأخلاقية الأخرى، هي من حيث السمات الأخلاقية المذكورة في (1) و(4). دعنا نقول، إذن، أن تلك السمات من الناحية الأخلاقية للأفعال والأشخاص والمؤسسات وما إلى ذلك والتي تمثل (وفقًا لوجهة النظر) أهم السمات الأخلاقية الأساسية للأشياء التي تشكل أساس التقييم الأخلاقي، هي سمات مميزة لتلك النظرة الأخلاقية المعينة. إن التعميمات الأخلاقية ذات المستوى المتوسط، كما أفهمها، تربط تلك السمات الأخلاقية بالأشياء من خلال مصطلحات التقييم الأخلاقي. ومن ثم، يمكننا القول أن مجموعة من هذه التعميمات ذات المستوى المتوسط تشكل وجهة نظر أخلاقية معينة. وهكذا، تساعد هذه المعتقدات الأخلاقية العامة في بناء وتنظيم فكرنا وتجربتنا الأخلاقية، في العديد من سياقات التفكير الأخلاقي العادية والمشتركة حول مسائل وقضايا أخلاقية محددة. عندما ينصب تركيزنا على قضايا محددة، فهي تكون جزء من مجموعة كبيرة من الافتراضات التي نستخدمها في تفكيرنا. علاوة على ذلك، تعتبر مثل هذه المعتقدات الأخلاقية في مثل هذه السياقات أمرًا مفروغًا منه: فلا توجد شكوك أو تحديات جادة يتم أخذها في الاعتبار أو على محمل الجد من قبل المجتمع المعني. نظرًا لأن جزءًا كبيرًا من المسؤولية المعرفية يتعلق بالقدرة على اكتشاف التحديات والتعامل معها، وإن التحديات التي تواجه التعميمات الأخلاقية ذات المستوى المتوسط ليست ذات صلة بها وفي السياق العادي للتبرير الأخلاقي، إن اعتناق المرء لمثل هذه المعتقدات وإسناد معتقدات أخرى غير أساسية عليها لا يخضع للنقد المعرفي، وبالتالي يكون المرء مسؤولًا معرفيًا في حملها دون أن يكون لديه أسباب مبررة.

لذا، إذا كنت على حق، لا تتطلب معاييرنا وممارساتنا المعرفية الفعلية أن يكون لدى الأفراد أسباب مبررة لبعض معتقداتهم الأخلاقية التي غالبًا ما تلعب دورًا معرفيًا حاسمًا عندما يتعلق الأمر تبريرها استنتاجيًا في تبني  معتقدات أخلاقية محددة.

***

الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ

.......................

1- مهتم هنا فقط بما أشرنا اليه سابقا  بأطروحة المحافظة المعرفية وأطروحة حساسية السياق الاجتماعي.

2- Thomas Kuhn, "Second Thoughts on Paradigms," in The Essential Tension, ed. Kuhn (Chicago: University of Chicago Press, 1977), p. 298.

في المثقف اليوم