أقلام فكرية

مبرر موجز وخاتمة

بعد هذه السلسلة التي تتناول المعرفة الأخلاقية من منظور سياقي ادعي أن الصورة السياقية التي قدمتها دقيقة في وصفيتها إلى حد ما، على الأقل إذا ركزنا على الأسئلة التي تدور حول المسؤولية المعرفية في الاعتقاد الأخلاقي. ولكن حتى لو كنت محقًا في ادعائي الوصفي حول كيفية عمل ممارساتنا، فهل لدينا سبب وجيه لتأييد ممارساتنا؟ هل يمكننا تقديم سبب منطقي لوجود معايير وممارسات تشبه تلك التي لدينا؟ ننتقل،هنا، من الأسئلة الوصفية إلى الأسئلة المعيارية.

لا يسمح االمجال هنا بمتابعة القضايا المنهجية بأي تفاصيل، لكنني سأفترض أن الحكم على الملاءمة الكلية للنظرية المعرفية هو مسألة تماسك تلك النظرية بشكل شامل مع الافتراضات والآراء من الحس السليم في الأمور العملية ومجالات البحث الأخرى. هناك على وجه التحديد بعدين لهذا النوع من الكلية أو الشمولية يستحق الفرز. أولاً، قد يرغب المرء في أن تتوافق نظرية المعرفة الأخلاقية مع افتراضات الحس السليم حول الأمور المعرفية مثل الافتراض بأن العديد من الناس (على الأقل في بعض الأحيان) يعتقدون بشكل مبرر ببعض الافتراضات الأخلاقية. ثانيًا، يريد المرء أن تتوافق الالتزامات والآثار المترتبة على نظرية المعرفة مع أي افتراضات ونظريات ونتائج من المجالات التجريبية مثل علم النفس وعلم الأحياء والأنثروبولوجيا.[1] بالطبع، أن تقييم النظريات المعرفية هي مسألة مقارنة. يأمل المرء أن يُظهر أن النظرية المعرفية المفضلة لديه تقوم بعمل أفضل، مقابل أي منافس، في تلبية الرغبات.

على الرغم من أنني لن أجادل في هذه القضية هنا، لكن دعوني فقط أخمن أن وجهة نظري السياقية تتوافق بشكل أفضل من الآراء المتنافسة مع افتراضات الفطرة السليمة مثل أن الأشخاص العاديين غالبًا ما يكونون مسؤولين معرفيًا في العديد من المعتقدات الأخلاقية التي يعتقدون بها. أظن أن هذه الآراء المعرفية المتنافسة، بغض النظر عن الفضائل التي تمتلكها، تميل إلى فرض أعباء معرفية على المعتقديين العاديين والتي قد توحي بأنه ليسوا مسؤولين بشكل عام في العديد من المعتقدات الأخلاقية التي يعتقدون بها.[2] لذلك أعتقد أن السياقية أكثر منطقية من منافسيها فيما يتعلق بالهدف الأول لأي نظرية المعرفة الأخلاقية.

أعتقد أيضًا أن نظرية المعرفة السياقية التي اعرضها تتوافق بشكل جيد مع معطيات تجريبية معينة حول البشر. إن ما يدور في ذهني، على وجه التحديد، هو نوع من المنطق العملي الذي اشرت إليه في سياق هذا البحث للدفاع عن الشرط "البينية أو الفترات الفاصلة" التي تحكم مسؤوليتنا في التعامل مع الاحتمالات المضادة. لقد أشرت فيما يتعلق بالمتطلب المعني إلى أنه نظرًا "لمأزقنا" أو لوضعنا الصعب، بما في ذلك حقيقة أننا كائنات ذات موارد معرفية محدودة، ووقت محدود، وأهداف أخرى غير معرفية، فإننا نتوقع أن أنواع المعايير المعرفية في الحياة العملية اليومية من شأنه أن تفرض نوعًا من مستوى الرعاية "في الفترات الفاصلة" لفحص القدرات المحتملة التي اكتشفناها سابقًا. علاوة على ذلك، فإن النظر إلى المعايير المعرفية من هذا المنظور البراغماتي يجعل من المنطقي أن معاييرنا المعرفية بشكل عام لها تحيز "بريء حتى تثبت إدانته" تجاهها، وهو نزعة محافظة تذهب إلى صميم السياقية التي اتناولها.[3] إذا كان هذا صحيحًا، فبما أنه لا يبدو أن هناك أي سبب خاص لافتراض أن المتطلبات المعرفية المرتبطة بالمعتقد الأخلاقي تختلف في هذا الصدد عن تلك المرتبطة بالمعتقدات غير الأخلاقية، فإن نوع المنطق البرغماتي- العملي الموصوف سابقًا ينطبق على الحالات الأخلاقية ايضًا.

الخاتمة

لقد حاولت تقديم حجة لمعقولية نظرية المعرفة السياقية في مجال الأعتقاد الأخلاقي. لقد شرعت، بعد فرز وتوضيح العديد من أطروحات السياق المعرفي، في وصف فرد معرفي نموذجي مناسب للتقييم المعرفي اليومي للأشخاص العاديين. و شرعت، على أساس هذا النموذج، في تحديد صيغة من السياقية حول بنية الأعتقاد الأخلاقي المسؤول. اسمحوا لي أن أختم بإعداد قائمة جزئية لبعض المهام التي تنتظرنا إذا أراد المرء أن يدافع عن هذا الرأي بشكل كامل.

أولاً، هناك مفاهيم تلعب دورًا مهمًا من وجهة نظري والتي تركتها دون أن اوضحها. فكان المطلوب أن اقول المزيد عن مفهوم السياق وكيف يتم تحديد السياق الاجتماعي للتقييمات المعرفية المحددة.

ثانيًا، لقد أشرت إلى حيث تتطلب بعض المطالب السياقية الرئيسة دفاعًا أكثر مما قدمته. أظن، كان المفروض أن اقدم المزيد من الشرح لدعم دعم أطروحة المحافظة المعرفية. وينطبق الشيء نفسه على أطروحة الكفاية المعرفية، والتي بموجبها يمكن أن تكون المعتقدات غير القانونية والمسؤولة، بمثابة أساس مناسب للوصول إلى معتقدات أخلاقية أخرى بشكل مبرر.

ثالثًا، هناك العديد من الأسئلة التي تتبادر إلى الذهن حول هذا النوع من وجهات النظر، وهي أسئلة تصبح أساسًا للاعتراضات: "ألا ترقى وجهة النظر هذه إلى مجرد صيغة من النسبية المعرفية (السياقية المعيارية) وبالتالي تشير ضمناً إلى أنه حتى الأشخاص الذين لديهم معتقدات أخلاقية مجنونة، والذين خضعوا لعملية تعليم" أخلاقي"، سيكونون مسؤولين معرفيًا عن تبني معتقدات أخلاقية شائنة؟" "إذا لم تكن وجهة النظر، بالمعنى الدقيق للكلمة، صيغة من النسبية، ألن تظل لها الآثار المعيارية نفسها مثل صيغة من النسبية المعرفية؟" "علاوة على ذلك، حتى لو تجنبت وجهة النظر المشاكل المذكورة للتو، ألا يعني ذلك أن الرأي يقع بنوع غير مقبول من الدوغماتية المعرفية لأن منظور المرء- الفاعل المعرفي النموذجي يستند إلى حساسيتنا المعرفية (المشتركة إلى حد كبير)، والتي قد ألا تشاركها مجموعات أخرى ولكننا نستخدمها لتقييم معتقدات المجتمعات الأخرى؟ "

أخيرًا، كما ذكرنا في نهاية القسم الأخير، يتطلب الدفاع الكامل عن نظرية المعرفة الأخلاقية السياقية أن أبين أن وجهات النظر المعرفية البديلة أقل منطقية من وجهات نظري. لقد ألمحت فقط إلى أسباب تقديم مثل هذا التأكيد.

أنا متفائل بشأن الرد على الشكوك وملء الحجج والتفاصيل المهمة. لكن المحاولة الأكثر شمولاً تنتظر مناسبة أخرى.

***

الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ

..................

[1] إن الادعاء بأن العمل الوصفي في العلوم يجب أن يؤثر على التنظير المعرفي المنطقي يمثل ما يسمى بالنهج المتجنس لنظرية المعرفة، وهو النهج الذي يصر على أن التنظير المعرفي السليم يجب أن يعتمد على العمل ذي الصلة في العلوم. انظر، على سبيل المثال،

Hilary Kornblith, "Introduction: What Is Naturalistic Epistemology?" in Naturalizing Epistemology, 2d ed., ed. Hilary Kornblith (Cambridge, Mass.: Harvard University Press, 1994), 1-14.

[2] Gilbert Harman, Change in View (Cambridge, Mass.: The MIT Press, 1986), chapter 2.

[3] لمناقشة نوع الأساس المنطقي لمفهوم المسؤولية المعرفية.، أنظر:

Foley, Working Without a Net, chapter 3

في المثقف اليوم