أقلام فكرية

ما نتعلمه من التحليل النفسي

يعلمنا التحليل النفسي ما إنغرس في أعماقنا ويحرك سلوكنا، يقودنا إلى ما ننطق به إلى أهوال في بعض الأحيان عبر اللسان، وهو منطوق عبر الكلام، وهو مخزون في التفكير، كان تكوين فرضي، فتحول إلى واقع وصار نحن " أنا المتكلم" وقول المحلل النفسي الفرنسي كريستيان هوفمان في محاضرة له بتاريخ 2 / 12 / 2022 في رابطة الفضاء الفرويدي الدولي في باريس "محاضرة غير منشورة" قوله: تحليل السلوك هو تحليل الأنا، وتحليل الكلام هو تحليل الذات، ربما يقول البعض أن هوفمان ذهب بنا بعيدًا إلى فكر الفيلسوف الفرنسي والمحلل النفسي " جاك لاكان" وهي حقيقة واقعة، فما ننطق به هو مخزون في فكرنا، وما نقوله نعبر عنه بشكل جميل، مُحسن، مقبول يرضي السامع، ولكنه ليس هو ما نحمله في دواخلنا، وأفضل دليل على ذلك ما دونه لنا سيجموند فرويد في الهفوات وزلات اللسان والقلم. وقوله "سيجموند فرويد" بأن الفلتة نفسها يكون لها في بعض الأحيان معنى، والفلتة تنطوي على مغزى وقصد. ويضيف فرويد قوله: أن الهفوة قد تكون في بعض الأحيان سلوكًا يتسم بما يتسم به كل سلوك سوي، إلا أنه زج بنفسه مكان السلوك الذي يتوقعه الفرد أو يقصد عليه. وهي أيضًا أقصد الهفوة ليست وليدة المصادفة، بل أفعال نفسية جدية لها مغزاها، وتنجم عن تضافر قصدين مختلفين، أو على الأصح عن تعارضهما، وما نتعلمه من التحليل النفسي اليوم إمتدادًا لأفكاره في التكوين والتحديث الكثير فما يراه فرويد قوله: وعما إذا كان من الممكن أن تستوعب هذه النظرة شتى أنواع الهفوات الأخرى، كزلات القلم وعثرات القراءة والخطأ في تنفيذ بعض الأفعال، والنسيان، واستحالة العثور على أشياء حفظها الإنسان من قبل، وغير ذلك وما الدور الذي يقوم به التعب وشرود الذهن والاهتياج وتشتت الانتباه حيال الطبيعة النفسية للهفوات .

يؤكد لنا "سيجموند فرويد" بأن النشاط النفسي يخضع لحتمية سيكولوجية، فليس في العالم النفسي مجال للمصادفة الطارئة، ومن ثم فكل ما يصدر عن الفرد من سلوك إنما هو محتم " محتوم- حتمي" مقدر بما سبق أن خَبره في أطوار حياته. فهو يصدر ليس إعتباطًا، أو عشوائيًا، ويضيف "فرويد" الحق أنكم تتوهمون وجود حرية نفسية. إذن الأمر كل ما يصدر عنا له دلالة ومعنى، وإن غاب عن التفسير في الوقت الحاضر.

ما نتعلمه من التحليل النفسي أن نسيان الموعد مع شخص له دلالة ومعنى، وكذلك نسيان  تنفيذ الأوامر الموكلة لك في العمل، أيضًا لها دلالة ومعنى، ونسيان تنفيذ متطلبات الزوجة، أو الابناء، له دلالة ومعنى، وكذلك ضياع الأشياء واستحالة العثور عليها له أيضًا دلالة ومعنى، ويقول " فرويد" نحن نفقد الأشياء متى أختلفنا وتخاصمنا مع من قدموها إلينا، فلا نريد أن نذكرهم أو أن نفكر فيهم بعد، كما نفقدها إن مللناها فالتمسنا عذرًا لكي نتبدل بها خيرًا منها. ويرى فرويد أن كسر الأشياء وإسقاطها وإتلافها يؤدي أغراضًا شبيهة بالأغراض السابقة بطبيعة الحال. ونقول وراء كل سلوك دافع وإن كان خفيا.

ما نتعلمه من التحليل النفسي على حسب قول سيجموند فرويد أن بعض أنواع التفاؤل والتشاؤم لا تخرج عن أن تكون من قبيل الهفوات، من تلك تعثر الفرد أو سقوطه على الأرض، وإن كان لبعضها الآخر طابع الحوادث الموضوعية لا طابع الذاتية، ويضيف فرويد قوله: قد لا تصدقون كيف يصعب علينا أحيانًا أن نقطع بما إذا كان حدث ذو طابع الحوادث الموضوعية، أو إلى طابع الأفعال الذاتية، فالفعل يعرف في كثير من الأحيان كيف يتنكر ويلبس لبوس الحدث السلبي.

ما نتعلمه من التحليل النفسي هو أن للهفوات دلالة ومعنى، وأن لكل هفوة معنى، ويضيف فرويد: أن الهفوات أفعال نفسية تنشأ عن تداخل قصدين، ويمكننا القول إن الهفوات أفعال نفسية، ويفسر فرويد ذلك قوله: حين نصف ظاهرة بأنها عملية نفسية لذا يجدر بنا أن نضع عبارتنا في الصيغة الآتية، للظاهرة معنى، ونقصد بهذا أن لها دلالة، وأنها تصدر عن قصد، عن نزعة، وأنها تحتل مكانًا معينًا في سلسلة من العلاقات النفسية.

يدلنا فرويد في طروحاته العميقة عن فلتات اللسان حينما يؤكد بأن فلتة اللسان قد تكون مظهرًا لنزعة أُعيقت عن التعبير عن نفسها منذ زمن طويل، بل منذ زمن بعيد جدًا، بحيث لا يعود المتكلم يفطن إلى وجودها أصلًا، فيكون مخلصًا كل الإخلاص إن أنكر وجودها، وينهي قوله: أن قمع القصد – القصد إلى قول شيء – هو الشرط الضروري لحدوث فلتة اللسان.

يضيف لنا "فرويد" وللتحليل النفسي كيف أن الهفوات وزلات اللسان والقلم وضياع الأشياء واستحالة العثور عليها هي نتيجة لفعل قوي في النفس، وعلى أنها تعبيرات عن نزعات تعمل متضافرة للوصول إلى غاية. ويضيف  أن الإنسان لايميل إلى أن يعترف عن طيب خاطر بأنه تورط في فلتة لسان، بل يحدث في كثير من الأحيان أن يفوته سماع فلتة زل بها لسانه في حين لايفوته ألبته سماع فلتة وقع فيها غيره.

أما عثرات القراءة فيبين لنا سيجموند فرويد مؤسس التحليل النفسي قوله: أختلف الموقف النفسي اختلافا بينًا عنه في فلتات اللسان وزلات القلم ، ذلك أن إحدى النزعتين المتصارعتين يحل محلها في هذه الحال تنبيه حسي قد يكون أقل منها مقاومة وإلحاحًا. ةيضيف قوله: إن ما يقرؤه الإنسان لا يكون غالبًا من نتائج عقله، كما هي الحال فيما يكتب. لذا فالغالبية العظمى من عثرات القراءة تنجم عن عملية " إبدال" تام، فالكلمة المقرؤة تُستبدل بها أخرى دون أن تكون هناك بالضرورة صلة بين مضمون المقروء ومضمون نتيجة الخطأ، بل يحدث الإبدال عادة عن طريق تشابه بين الألفاظ. يبين لنا فرويد ثمة صنف آخر من عثرات القراءة يستثير فيه النص المقروء نفسه نزعة دخيلة تحرفه، وكثيرًا ما تقلبه إلى ضده كما لو طلب إلى أحد أن يقرأ شيئًا لا يستسيغه، لا يحبه، لا يرغب بقراءته فيتضح من التحليل أن المسؤول عن التحريف في هذه الحالة رغبة قوية في نبذ ما يقرأ، ونحن نقول إنها رغبة لاشعورية في الرفض.

يرى فرويد أن النسيان وسيلة دفاعية تقي من الذكريات الأليمة، ويرى أن الحياة النفسية ميدان حرب وساحة صراع يقوم فيها الكفاح بين نزعات متعارضة، ديناميكية، تتألف من متناقضات وأزواج من الأضداد فقيام شاهد على وجود نزعة معينة لا يتنافى بأية حال مع وجود نزعة مضادة لها، فثمة مجال لكل واحدة منهما، ويضيف فرويد .. بيت القصيد هنا هو أن نعرف موقف إحدى النزعتين من الأخرى، والاثار التي تترتب على كل واحدة منهما والحديث عن تلك الظواهر النفسية التي تصدر من الإنسان لا ينتهي لأنها ترتبط بموضوعات آخرى منها الأحلام والإضطرابات النفسية والعقلية.

***

د. اسعد الامارة

 

في المثقف اليوم