أقلام فكرية

لغز المساواة بين الجنسين والدين.. أنواع مختلفة من النسوية

تشتمل النسوية العديد من النزاعات حول الدين: الزواج القسري، استئصال البظر، قوانين الطلاق والميراث، حقوق الأطفال والتعليم، الرموز الدينية (الحجاب، البرقع، النقاب)، الإجهاض، الحقوق الجنسية والإنجابية، تعدد الزوجات، المساواة في الوصول إلى المنظمات الدينية، وما إلى ذلك. نجد أن الدين من منظور المساواة بين الجنسين مثير للانقسام بشدة  رغم أنه، من الناحية الإحصائية، عدد الذين يمارسون طقوس الإيمان بين النساء أكثر من الرجال.1[1] ونظرًا للاختلاف بين الجنسين من حيث التدين، فمن المفارقات إلى حد ما أن الممارسات والمعتقدات الدينية غالبًا ما تتشابك المعتقدات مع النظام الأبوي، ومع أنظمة الخطاب والسلطة المعقدة القائمة على التمييز والسيطرة على الفتيات والنساء في المجالين الخاص والعام.

لقد تطور إجماع عام متزايد حول حظر بعض هذه الممارسات، مثل استئصال البظر، والزواج القسري وزواج الأطفال، والتمييز على أساس الجنس، بشكل عام في الديمقراطيات الغربية وغير الغربية2.[2] ومع ذلك، لا تزال قضايا عديدة مثيرة للجدل بشدة. تقر المملكة المتحدة وكندا وتركيا بأن المعلمين أو التلاميذ أو الطلاب يمكنهم ارتداء الحجاب في المدارس والجامعات العامة، بينما تبنت فرنسا موقفًا تحريميًا تتغاضى عنه المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. وبالمثل، أعادت المملكة المتحدة إنشاء محاكم شرعية ذات اختصاص محدود في قضايا مثل الزواج والطلاق والميراث؛ على الجانب الآخر، غالبًا ما اتخذت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان موقفًا استبعاديًا حصريًا فيما يتعلق بالإسلام، وتقدمت بأحكام شاملة. فخلصت، عن سبيل المثال، إلى أن الشريعة تتعارض مع الديمقراطية. تطرح هذه المجموعة من القضايا المتنوعة أسئلة ذات صلة: هل يضع الدين النساء في مرتبة أدنى بشكل لا مفر منه أم أنه يمكن أن يساهم بشكل كبير في هويتهن وخبراتهن في الحرية فيظل  ديمقراطية  قائمىة على مساواة ؟ ما هو دور السلطة السياسية في تحقيق المزيد من المساواة بين الرجل والمرأة داخل المؤسسات والجماعات المختلفة (الأسرة، "المجتمع، إلخ)؟

أثار التوتر بين الدين والمساواة بين الجنسين، من الناحية التاريخية، أهتمام المفكرين والناشطين من حركات مختلفة من النسوية، من أوليمب دي جوج (مؤلف 1791 "إعلان حقوق المرأة والمواطنات") وجون ستيوارت ميل (إخضاع النساء) لسيمون دي بوفوار (الجنس الثاني). أما البانوراما الحالية للنظريات النسوية  متنوعة بشكل ملحوظ: فبعض النسويات يعتبرن الحجاب مظهرًا شرعيًا ورمزًا للتحرر، بينما يرى آخرون أنه علامة على الأضطهاد. يدافع بعض النسويات عن الحقوق الجماعية والتعددية القضائية3،[3] و يرى البعض الآخر أن هذه الترتيبات القانونية تديم الهيمنة على المرأة4.[4] يمكن تحليل هذه البانوراما المعقدة كنقاش ثلاثي الزوايا. تشير النسوية العلمانية أو الحصرية إلى مجموعة من المفاهيم التي تدرك وجود توتر جوهري أو شبه اساسي بين الدين والمساواة بين الجنسين5[5] وتركز على الدين باعتباره هيمنة على تعدد أبعاد الظواهر الدينية (انظر المقدمة)6.[6] تسود العلمانية بين العديد من النسويات، وخاصة في الأوساط الأكاديمية الغربية حيث  يشاع بما يعرف بالعلمانية الانسانوية. تشترك النسويات العلمانيات من مختلف المشارب (الماركسية الراديكالية، الاشتراكية، الليبرالية، الجمهورية، حركات البيئة، إلخ) عمومًا في فهم شامل للحرية باعتبارها تقرير المصير والاستقلال.  تنظر النسوية العلمانية إلى الدين باعتباره عقبة رئيسية في بناء مجتمع قائم على المساواة  حتى في صيغتها أو شكلها "الأضعف  التي لا تتعرض فيهاممارسات دينية معينة مع أجندة تحررية.

على الطرف المقابل، ترفض النسوية الجماعاتية أحيانًا كل ما هو غربي - أي مناشدة القيم الغربية والحقوق الفردية الحديثة- باعتبارها قيمًا وتقاليدًا محلية بدائية ومفسدة. تأتي النسوية الجماعاتية في أشكال مختلفة، من المتغيرات العقائدية الدينية إلى المتغيرات النسبية (لا يُنظر إلى القيم الغربية على أنها سلبية، بل مختلفة جذريًا في الصيغة الأخيرة). إن جزء من الصعوبة المستعصية للمواقف الجماعية النسوية هو اعتمادها على أسطورة نقاء التقاليد والسياق المتجانس. فتتجاهل هذه المواقف في الغالب عمليات الاتصال والتبادلات التفاعلية والتثاقف بين التقاليد ؛ علاوة على ذلك، إنها تركز من جانب واحد على الدين بينما تقلل من النضالات من أجل السلطة والشرعية والهيمنة داخل التقاليد نفسها وصراعها على المعنى ايضًا.

ثالثًا، هناك فضاء متوسط لمقاربات المساواة التي تأخذ على محمل الجد المساواة بين الجنسين والاعتراف الديني.[7] تقر النسوية الشاملة بأهمية البحث الروحي والديني في التنمية البشرية ودور الدين في عمليات التحرر. ليس النظام الأبوي، من هذا المنظور، الذي يعترف بتعددية الظواهر الدينية سمة لا مفر منها للدين، لكنه راسخ بما يكفي لإحداث توترات عميقة بين الاعتراف الديني والمساواة بين الجنسين.

***

الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ

......................

[1] Trzebiatowska, M. and Bruce, S. (2012) Why are Women More Religious Than Men? Oxford: Oxford University Press.

[1] ومع ذلك، يجادل بعض الكتاب الليبراليين لصالح التسامح مع الزواج القسري كجزء من أسلوب الحياة الليبرالي.

Kukathas, C. (1992) "Are There any Cultural Rights?", Political Theory 20: 105-139.

[1] Phillips, A. (2007) Multiculturalism without Culture. Cambridge, UK: Polity Press.

Malik, M. (2012) Minority Legal Orders in the UK: Minorities, Pluralism and the Law. London: The British Academy.

Shachar, A. (2001) Multicultural Jurisdictions: C11ltural Differences and Women's Rights. Cambridge, UK: Cambridge University Press.

[1] Okin, S.M. (1999) "Is Multiculturalism Bad for Women?", in  Okine,  S.M., Cohen, J., Howard, M., and Nussbaum, M.C. (eds) Is Multiculturalism Bad for Women? Princeton, NJ: Princeton

University Press: 9-24.

[1] Becker, M. (1992) "The Politics of Women's Wrongs and the Bill of ‘Rights': A Bicentennial Perspective", The University of Chicago Law Review 59: 453-517.

[1] هناك اختلافات في الخطاب النسوي المعاصر . أحدها هو الانقسام "الكونتنتالي" / التحليلي.تهتم ما يسمى بالنسويات القارية في عناصر التجربة الدينية ويسترجعانها من خلال الاعتماد على المدارس الفكرية مثل الظواهر، والتفكيك، والتحليل النفسي ( عن سبيل المثال، لوس إيريجاراي، وماريا كريستيفا، وجوديث بتلر). هذه المساهمات ذات قيمة غير متساوية. من وجهة نظرنا،من المثير للاهتمام أنتفكير بتلر ببناء قيم على اليهودية والنظرية السياسية. على النقيض من ذلك، يفترض منظور إيريجاراي اختلافًا جذريًا بين الرجال والنساء ويتكون مناراء لافته خاصة ومتفائلة لا نرى مساهمات مثلها في الفلسفة (السياسية).

[1]  أنظر:

[1] Trzebiatowska, M. and Bruce, S. (2012) Why are Women More Religious Than Men? Oxford: Oxford University Press.

[2] ومع ذلك، يجادل بعض الكتاب الليبراليين لصالح التسامح مع الزواج القسري كجزء من أسلوب الحياة الليبرالي.

Kukathas, C. (1992) "Are There any Cultural Rights?", Political Theory 20: 105-139.

[3] Phillips, A. (2007) Multiculturalism without Culture. Cambridge, UK: Polity Press.

Malik, M. (2012) Minority Legal Orders in the UK: Minorities, Pluralism and the Law. London: The British Academy.

Shachar, A. (2001) Multicultural Jurisdictions: C11ltural Differences and Women's Rights. Cambridge, UK: Cambridge University Press.

[4] Okin, S.M. (1999) "Is Multiculturalism Bad for Women?", in  Okine,  S.M., Cohen, J., Howard, M., and Nussbaum, M.C. (eds) Is Multiculturalism Bad for Women? Princeton, NJ: Princeton

University Press: 9-24.

[5] Becker, M. (1992) "The Politics of Women's Wrongs and the Bill of ‘Rights': A Bicentennial Perspective", The University of Chicago Law Review 59: 453-517.

[6] هناك اختلافات في الخطاب النسوي المعاصر . أحدها هو الانقسام "الكونتنتالي" / التحليلي.تهتم ما يسمى بالنسويات القارية في عناصر التجربة الدينية ويسترجعانها من خلال الاعتماد على المدارس الفكرية مثل الظواهر، والتفكيك، والتحليل النفسي ( عن سبيل المثال، لوس إيريجاراي، وماريا كريستيفا، وجوديث بتلر). هذه المساهمات ذات قيمة غير متساوية. من وجهة نظرنا،من المثير للاهتمام أنتفكير بتلر ببناء قيم على اليهودية والنظرية السياسية. على النقيض من ذلك، يفترض منظور إيريجاراي اختلافًا جذريًا بين الرجال والنساء ويتكون مناراء لافته خاصة ومتفائلة لا نرى مساهمات مثلها في الفلسفة (السياسية).

[7]  أنظر:

Nussbaum, M. (2000). Women and Human Development: The Capabilities A pproach. Cambridge, UK, New York: Cambridge University Press.

Phillips, A. (2007) Multiculturalism without Culture. Cambridge.

Malik, M. (2012) Minority Legal Orders in the UK: Minorities, Pluralism and the Law.

 

في المثقف اليوم