أقلام فكرية

علي محمد اليوسف: مختارات فلسفية

1. الخيال:

هل الخيال لاشعور خارج احكام العقل ام الخيال هو فعالية تجريدية ترتبط ببيولوجيا العقل؟ ام كليهما معا؟ اذا نحن قلنا اللاشعور الخيالي يتم خارج ادراك العقل له كموضوع فمعنى ذلك يصبح الخيال تهويم من التفكير اللغوي الذي لامعنى له ولا يفهمه العقل. واذا نحن ربطنا الخيال كجوهر فكري ببيولوجيا العقل فمعنى ذلك اننا جعلنا من الحدود الفاصلة بين الشعور واللاشعور غير موجودة. وهو خلط غير مقبول لا منطقيا ولا نفسيا تفكيريا.

الخيال الشعوري هو حلم اليقظة الذي يرتبط بتفكير العقل بيولوجيا. هذا لا يعني منطق العقل الواقعي ينفر ويستبعد عنه  خيال اللاشعور. كون خيال اللاشعور يفوق القدرات التخييلية للشعور. بالحقيقة خيال اللاشعور اكثر خصوبة فاعلية بالنفس والسلوك البشري من خيال الشعور الذي نحياه بحياتنا اليومية وعلاقاتنا مع الاخرين.

خيال اللاشعور آني مؤقت هو نوع من تداعيات ليست مستمدة من خزين الذاكرة. فالذاكرة اذا سلمنا على انها مركز تخزين لتداعيات الاستذكار الشعوري لوجدنا ان تداعيات تفكير اللاشعور لا يمكن تخزينها بالذاكرة لنعود لها عند الحاجة كاستذكارات واقعية حصلت في الماضي كتاريخ. الاستذكار الخيالي هو تاريخ لزمن ماض.

بينما يكون الخيال الشعوري حلم اليقضة هي تداعيات محكومة بالحاضر آنية وقتية وهي اختراع توليدي لعوالم واحداث وظواهر ليست جميعها واقعية قابلة للتطبيق بالحياة.

الخيال غير التفكير المنطقي للعقل. واعتبر ديفيد هيوم الخيال ليست افكارا بل هي تداعيات تهويمية متراخية مترهلة في عدم تماسكها المنطقي العقلي.

كما انكر ديفيد هيوم ايضا من جملة ما انكره  عدم وجود عقل ولا يحكم سيرة الحياة ولا التاريخ (سبب ونتيجة) وما لا يدركه العقل بالتجربة غير موجود وهكذا. كما قال ديفيد هيوم وكان بيركلي سبقه بنفس التعبير ان انطباعات الذهن المستمدة عن الاحساسات المنقولة عن العالم الخارجي هي تداعيات عشوائية مؤقتة زائلة ولا يختزنها الذهن في طريقها نحو الدماغ.

نجد من الخطا المساواة بين تفكير الذهن على انه ذاته تفكير الدماغ. بل الحقيقة البايولوجية المعرفية الفلسفية تذهب الى ان الذهن حلقة غير منفردة عن مجموعة المنظومة الادراكية في مرجعية الدماغ.

الوعي ليس ناتج تفكير الذهن. بل ناتج تفكير الدماغ. وانطباعات الذهن عن وعي العالم الخارجي هي تداعيات من الاحساسات المنقولة عن الحواس في طريقها الوصول عبر شبكة الاعصاب الى الدماغ للبت بها معرفيا نهائيا ويعيدها الدماغ على شكل وعي تجريدي في فهمنا موجودات العالم والوجود.

الوعي هو تعبير تجريد اللغة الاحاطة  بمعرفة وفهم وتفسير مدركات العقل للاشياء واعطائه – اي العقل- فكرة متكاملة عن تلك المدركات بالتناوب الزمني الواصل للدماغ حسب الاسبقية.

2. هيدجر و الوجود:

يتسم العرض الوجودي لتحقق الذات لدى هيدجر بالغموض في نحته مصطلحات جديدة غامضة في الفلسفة، وترتّب على هذا الاجتهاد الهيدجري ارباكا من سوء الفهم البعيد عن الوضوح المطلوب. من شطحات هيدجر قوله "الانسان لا يملك وجوده لأنه هو هو وجوده" واضح هنا هيدجر لايعتبر تحقيق الذات بمعيارية تعالقها الاختلافي مع ادراكها الموضوع الملازم لها ولا يحققها كبنية مستقلة قائمة متمّيزة.

بمعنى هيدجر يعتبر الانسان كائنا من غير وجود منفصل متمايز عن توزّع وجوده في مدركاته الذاتية كمواضيع تختلف معه بالمجانسة المغايرة وتتحد به في تحقيق ذاتيته الانسانية، هنا يمكننا القول بضوء الفهم الهيدجري أن الانسان هو وجود معطى متحقق غير محتاج إثبات كينونة ذاتية له لا بمعيارية ادراك العقل ولا بمعيارية الاختلاف مع ذوات الاخرين.

بنفس هذا المعنى وأشمل منه تأتي مقولة هيجل (الله هو الوجود) عبارة هيجل هذه لا تشي بتصور صوفي ميتافيزيقي، في تقطير وتكثيف عبارته الله هو الوجود. وأجد بهذا المعنى منتهى المادية وليس المثالية الابتذالية الميتافيزيقية، في موضعة الطبيعة والانسان في وجود الله، ولا توجد موجودات الوجود بذاتها مستقلة بل في ذات تدركها.

يمكننا التعبير بجملة إستنباطية بنفس المعنى حين نقول (العقل هو الوجود) وبذلك لا نكون متناقضين لا مع الله ولا مع الطبيعة المادية للانسان. فما لا يدركه العقل ليس غير موجود في استقلالية مادية، بل تصبح لاقيمة للعقل من غير وجود متعيّن يشتغل عليه العقل. في إحالة تحقق الوجود الى الله دلالة استدلالية في تعميق الموجودات المادية والطبيعة إستقلاليتها الاقتران المباشر وغير المباشر بالله. لا يمكن للذات الالهية أن تكون موزّعة الجوهر أو موزعة الصفات في موجودات وأشياء يدركها العقل في مرجعية وجود الله.. وإلا ترتّب على هذا إمكانية العقل البشري معرفة الخالق في وجوده الذاتي والكينونة.

اول ملاحظة على فهم هيدجر للوجود أن تذويت الموجودات وإنصهارها في الانسان كوجود وكينونة تعي ذاتها والموضوع لا يحتاج بعدها الى موضوع يغاير به توكيد وجوده. كون الانسان وجود يمتلك مقومات موجوديته الكاملة التي تدخله حسب تفسيرنا لمقولة هيدجر في انفصامية مرضية هي بحث الانسان عن توكيد وجوده خارج وجوده الحقيقي المعطى طبيعيا له، التطابق القائم بين الذات والكينونة، يعني علاقة الذات بالموضوع لا يلغي إنعدام الفروق غير المتجانسة بينهما رغم حاجة أحدهما الآخر، فالذات بلا موضوع يحقق وجودها لامعنى إفصاحي لها، وكذا المواضيع كموجودات إدراكية لا قيمة تكتسبها في وجودها المستقل سوى بإدراك الذات الانسانية لها.

عبارة هيدجر الانسان لا يملك وجوده لأنه هو هو وجوده. الوجود بمعنى الكينونة المتحققة ذاتيا تحتاج تحقيق وجودها الحقيقي بالمغايرة الموجودية (الموضوع). وحسب عبارة هيدجر تحقق الوجود الاصيل للانسان لا يكون إلا ضمن  وجود – في – عالم تؤكد هذه الحاجة ولا تنفي أهميتها.

الانسان لا يحتاج توكيد وجوده الذاتي في وعيه الادراكي بموجوديته الذاتية بمعزل عن معرفة أين يكون وجوده المتحّقق من وجود الآخرين. الاستنكار الذي واجهه كوجيتو ديكارت أنا أفكراذن انا موجود في تحقق الذات الانفرادية بسلبية منعزلة عن المجموع أو عن الكليّة الناسيّة إستنسخها هيدجر في تحقيق الوجود في إدراك الذات لذاتيتها.

وعي الوجود الضائع الذي يضعه الانسان في جيبه ولا يدركه عقليا، هو وعي الانسان بكينونة متكاملة وإلا يكون الوعي بلا معنى ولا قصدية لاقيمة حقيقية له ترفضه الوجودية ذاتها التي ينتسب لها فيلسوفنا هيدجر. الوجود الملازم للانسان كظله لا يجعله في غنى البحث عن تحقيق ذاتيته القيمية كانسان في بحثه عن مدركات تعطي وجوده معناه الحقيقي ضمن عالم يعيشه.

الانسان في كينونته الكليّة لا ينقسم الى وجود سايكولوجي منفرد، ولا الى وجود (قيمي) آخر انساني أو أخلاقي منفرد حتى لو جاء على صعيد تباين واختلاف السلوك بينهما. ورغم الإفصات السلوكية الانسانية المتباينة عن كلا المحتويين الوجوديين بالحياة. وفي حال تسليمنا أن الانسان ليس بحاجة توكيد وجوده لأنه هو هو وجوده، فبأي وسط يمكن للانسان إمتلاك وجوده الحقيقي غير التكويني الملازم له في محاولته إثبات وجوده المتمايز ضمن فعالية مجتمعية تحتويه هو وغيره.؟

توكيد الذات لنفسها في موجودية منفردة لا قيمة حقيقية لها بالحياة فألانسان موجود لا يحقق كل رغائبه الفردية بمعزل عن مجتمع يحتويه. فما فائدة عبارة هيدجر لايحتاج الانسان البحث عن وجوده لانه هو هو وجوده.؟ وجود الانسان المادي المستقل بالطبيعة هو معطى طبيعي وليس إكتسابا معرفيا يسعى الانسان تحقيقه لنفسه. ثم ان التحقق في اكتساب الذات لموجوديتها بمعزل عن عالم يحتويها لاقيمة حقيقية له.

الوجود الانساني الحقيقي الفاعل بالحياة لا يتم بغير إمتلاكه الفعاليات البيولوجية التالية: التعبير عن الحرية بمسؤولية عن حرية الاخرين، إرادة الفعل والحركة في السلوك، السعي نحو هدف قصدي يحتاجه الانسان تحقيقه له ولغيره. ويوجد أمور أخرى عديدة تمّثل خصائص الوجود الحقيقي للانسان. فالوجود الانساني لا يقاس إلا بمعيارية (الفعل) البراكسيس فقط. والوجود لا يعبّر عن أصالته الحقيقية إلا بالعمل وفق الوعي القصدي بالحياة. لا وفق الوعي النرجسي في توكيد انفراد الذات. رغم ان سعي الانسان تاكيد موجوديته النرجسية مشروعة كون حب الذات غريزة وليست طموحا يكتسبه الانسان في وعي وجوده.

الوجود الديناميكي للإنسان هو وعي قصدي مدرك أهمية الإمتلاك عندما يكون الانسان مشروع تنمية مستدامة من التطور الفاعل لوجوده. وبحسب سارتر تحقق الوجود المتمّيز الفاعل لا يكون إلا في حالة من التنمية المتصاعدة في تخليق الانسان نفسه بنفسه في إمتلاكه وعيه بالحرية الكاملة، فهي أساس كل إختيار حقيقي في الوجود، كما هي أيضا معيارية أصالة الوجود بالحياة. وممارسة الحرية بمسؤولية لا يكون حقيقيا صادقا بغير وعي الذات لأهميتها في تحقق الإرتباط المثمر بالوجود الانساني في صنع الحياة، لذا الحرية وعي وجودي مدرك بإمتلاء ذاتي ومسؤولية انسانية. وهذا لا يتوفر لكينونة لا تمتلك ذاتيتها الوجودية وتعي إرتباطها بعالم. بتعبير سارتر الانسان محكوم بالحرية.

تناقض الوجودية نفسها على لسان هيدجر قوله "الانسان ذاتية خالصة، وليس مظهرا أو تجسيدا لتيار حيوي أشمل منه هو التيار الكوني ". لا أعتقد ونحن نتحدث عن وجود أرضي أن تكون معياريته الحقيقية في ذاتيته الخالصة في تيار أشمل منه هو التيار الكوني. ولا أعتقد هيدجر صاحب مؤلف (الكينونة والزمان ) لا يعرف الزمن هو إدراك الانسان وجوده الديناميكي المتواتر، وهذا الإدراك الزمني كتحقيب أرضي هو معيار موجودية الانسان في تحقيق تنميته الانسانية كذات متمايزة غير منفصلة عن محيطها في حالتي المجانسة بالعيش نوعيا داخل مجتمع بشري، وبين عدم تجانسها الماهوي ولا الصفاتي مع موضوعات يدركها في الطبيعة يتقاطع معها.

الانسان كينونة مدركة في تعّين زماني- مكاني غير مفارق لها.، وإدراك كينونة الانسان أو بعض جوانبها الماهوية وخصائصها الصفاتية من خلال إفتراض تعطيل الزمن الإدراكي الذي يحكم قوانين الطبيعة شاملة، هو نفس الزمن الإدراكي الذي يحدسه الوجود الكوني من غير وجود انساني فيه.

3. الخيال والطبيعة في الفن:

تعتبر اراء الفيلسوف غارودي في الفن هي من الارهاصات  للمفاهيم التجريدية والنظرة الجمالية لمستقبل الفن . ففي كتابه واقعية بلا ضفاف الذي يعتبر الآن من كلاسيكيات فلسفة علم الجمال،  يشير غارودي فيه ان الابداع الفني الجمالي لايستمد مقوماته من الطبيعة فقط في البحث عن الجمال، والا كان اعظم الفنانين هو الذي يقدم لنا  فنا مماثلا للطبيعة .

صوابية وصحة هذه المنطلقات والتي كان يطالب بها على صعيد الفكر الماركسي كل من تروتسكي ومن بعده غرامشي، تذهب انه بخلاف المفهوم الفلسفي الافلاطوني التقليدي، بأن الفن هو (محاكاة ) المثال الاسمى في الطبيعة، اي بمعنى نقل واستنساخ الجمال من الطبيعة كمصدر وحيد للالهام الفني .

ثم جاءت الانعطافة الكبيرة في فلسفة الفن ومفاهيمه وتياراته المتعددة في رفض المنطلقات الافلاطونية في محاكاة المثال في الطبيعة . وتأكد هذا الفهم اكثر بعد اختراع كاميرا التصوير الفوتوغرافية . من حيث ان اروع نماذج محاكاة الطبيعة تنجزه وتوفره لنا كاميرا التصوير، اسود وابيض، وملون، وفيديو.

ما يقوم به  التصوير الفوتوغرافي – وان كان هذا ضربا من الفنون التشكيلية – انما يمثل المحاكاة  الجامدة في لقطة واحدة من سلسلة جريان الطبيعة والحياة . بمعنى ان التصوير الفوتوغرافي  الفني يستمد مقومات بنائه الفني من الطبيعة ولها ومن اجلها، فهو يستمد من الطبيعة خامات الحرفة الفنية بمعزل عن فاعلية خيال الانسان الابداعي وآلية تنفيذ تلك الاخيلة في الواقع الفني.

مدارس وتيارات   الفنون الكلاسيكية مثل الواقعية والانطباعية تعتبر محاكاة الواقع والطبيعة واعادة تخليقها مرات عديدة يجعل من الطبيعة والوجود الواقعي والمعيشي للانسان هو الفن.

في تطور لا حق في مدارس وتيارات فلسفة الفن والحداثة اتضح قصور تلك النظريات الفنية وتم تجاوزها فنيا منذ قرون طويلة في ضرورة اعتماد ( الخيال ) الانساني والمخيلة الفنية المخصّبة، استكمالا لما تعطيه وتمنحه الطبيعة من خامات تدخل في عملية المنجز الفني، وهذا ينطبق على الشعر وبعض الفنون التي لا تعتمد الالوان والمساحات والفراغات والكتل كما في لغة التواصل التشكيلي .

ان المواد الخام التي تمنحها الطبيعة للفنان ليست كافية لتخليق فن حقيقي دائم اصيل، فلا بد للفنان من اضافة نوعين من الاسلوبية في تخليق الفن وانتاج العملية الفنية، هما الخيال الفني الخصب في استقدام واكتشاف عوالم غير معروفة ولا مسبوقة ووضعها في مختبر الانتاجية الفنية، الشيء الآخر المكمّل لخامات الطبيعة وخيال الفنان هو الخبرة المهنية المكتسبة في كيفية توليف معطيات الطبيعة مع معطيات الخيال الفني في تنظيم حرفية انجاز اللوحة التشكيلية، و في توزيع الالوان والكتل والمساحات والفراغات في نسق هارموني منظّم .

الخيال اسمى خاصية يحتازها الانسان مع خاصية الذكاء في تطوير وجوده واغناء وتأثيث حاضره وانتقاله من مرحلة تطورية الى مرحلة اخرى اكثر تطورا .

من هنا نستطيع القول ان  معطيات الطبيعة كخامات اولية في الانتاجية الابداعية لا تخلق منفردة لوحدها فنا اصيلا خالدا يطاول البقاء، كذلك نجد ان جنوح الخيال الفني في مدارس التجريد وما بعد الحداثة ممثلا بالسريالية الغرائبية عند اندريه بريتون في الشعر، وسلفادور دالي في الفن التشكيلي، وكذلك التكعيبية عند بيكاسو والعودة للبدائية في الفن وفن المفهوم وغيرها من المدارس الحداثوية في الفنون التشكيلية انما تقوم جميع هذه التيارات والمدارس على استثمار الخيال الفني في نوع من الادهاش غير المتوقع بمعزل عن كل تأثيرات المحيط والطبيعة، وهذا هو الرسم بالافكار، وهناك دعوة اخذت حيز التنفيذ في الاوساط الادبية والفنية في امريكا واوربا والغرب تذهب الى ضرورة تخصيب الذاكرة التخييلية عند الفنان في تعاطيه المخدرات .

وفي قول هيجل : يبدو اننا محقون في افتراضنا ان جمال الفن هو اعلى من الطبيعة، فجمال الفن جمال مبدع،انه مولود جديد للعقل وبمقدار ما يبدو الروح ونتاجه اعلى من الطبيعة وظواهرها، كذلك يبدو جمال الفن اعلى من جمال الطبيعة. العملية الجمالية يقودها العقل المتخيل، اما العلمية فيقودها العقل المجرد.

وبحسب هيجل أيضا: ان الجمال الذي يخلقه الفن لهو دون مستوى الجمال الطبيعي بكثير، وان اعظم فضل للفن في هذه الحال هو الاقتراب في ابداعاته من الجمال الطبيعي . كما يعتبر هيجل ان الجمال الفني هو اسمى من الجمال الطبيعي لانه من نتاج الروح التي هي اسمى من الجمال الطبيعي وان سمو الروح ينتقل بالضرورة الى نتاجه الفني.

ان مايدعو الى عدم الاخذ بهذه الفرضية الهيجلية، هو ان روح الطبيعة الكلي المطلق ممتد غير محدود بالقياس الى الروح الفني للفنان الذي بدوره يستجلب من الطبيعة ويستمد من روحها الكلي سموه الفني، وهذا السمو الروحي لا يمتلك الاطلاق كما الطبيعة الذي يخلع هو قدرة اغناء الروح الطبيعي.كما نجد من الصحيح ان الفنان حالم يملؤه حلم الواقع الفعلي على حد تعبير سانتيانا، الا اننا نجد ان حلم الفنان وسيلة تنفيذه هو تكسير المألوف في بقاء مرجعيته تغيير الحياة.

اذن لولا المناداة بضرورة اعمال الخيال وتوظيفه في الفن للوصول الى عوالم غير مكتشفة ولا مسبوقة  .... لكان الفن التشكيلي توقف عند سيزان ورامبرانت وفان كوخ وغويا وماتيس في مدارس وتيارات الفن التي اصبحت كلاسيكية كالواقعية والانطباعية والرمزية في محاكاتهم رسم الطبيعة لها في ذاتها، ولكن متى وضعناها في نسق فكري له معنى، او انموذج اكتسبت معناها.

في التعبير الهيدجري المستمد من فلسفة علم الجمال انه يضعنا امام حقيقة موت الفن للأسباب التالية:

1. بوصف الفن يوتوبيا بعيدة عن التحقق والاستيعاب والاستهلاك الواسع.

2. ان الفن اصبح سلعة استهلاكية نخبوية يتداولها الارستقراطيين.

3. بوصف الفن صمتا امام حقيقة ان اساسيات الموروث الفني بالنسبة للفهم الجمالي الفلسفي للفن باتت في حكم الموت والزوال.

***

علي محمد اليوسف 

في المثقف اليوم