أقلام حرة

حرية التعبير والصحافة من يحررها من عنق الزجاجة؟

علجية عيشوجب إعادة النظر في كثير من المصطلحات المستوردة وتحديد المفاهيم كمفهوم "الحكم الراشد" و"الديمقراطية التشاركية" حتى تساهم هذه المفاهيم في عقلنة القرار في جميع المجالات

كيف يتم تقييم السياسات المنتهجة من قبل الإدارة أو من قبل الأحزاب السياسية؟، هو السؤال الذي يعجز المسؤول الرد عليه أو أنه يرفض الإجابة عليه حتى ولو من باب توضيح الفكرة للرأي العام، الذي لم يعد كما كان بالأمس، بحيث أصبح أكثر انفتاحا في ظل التطور التكنولوجي والإنفتاح الإعلامي وتوسع الشبكة المعلوماتية، هذا الرأي العام المشكل من طبقات تتشكل من سياسيين ومثقفين، خاصة وأن هذه الفئة تحشر نفسها في كل شيئ، تسأل وتبحث، تنتقد ولا تجامل، من وجهة نظر الخبراء، هذه السياسات المنتهجة تدخل ضمن "الحكم الراشد"، الذي يرتكز على مؤشرات ثلاثة هي:

المؤشر الأول: المؤشرات السياسية كالديمقراطية، والحريات العامة والحقوق السياسية.

المؤشر الثاني: حرية التعبير والصحافة

المؤشر الثالث: الإمتثال الثقافي ويظهر ذلك ضمنيا، لا يمكن القيام بهذا التقويم دون دراسة وتحديد دور المجموعات دون الأخذ في الحسبان لدور "اللوبيات"، المزروعة داخل الإدارة الجزائرية وداخل الصحافة الوطنية وماهي المعايير؟ وماهي مصادر التقويم؟.

لقد أصبحت هذه العبارة تتردد على لسان كل مسؤول محلي، فالحكم الراشد كما عرفه الخبراء أنه السياسة التي تعتمد على السيادة الوطنية لتحقيق المصلحة الوطنية في غطار استراتيجية شاملة، وعرفه آخرون بأنه السيرورة السياسية التي تهدف إلى تعزيز شرعية الحاكم، شريطة أن يكون لهذا الحاكم برنامجا من أجل التنمية، لكن يحدث العكس، أين نجد معظم الحكام وبخاصة حكام دول العالم الثالث، يعتمدون على برنامج الأمم المتحدة من أجل التنمية  pnud ويحرصون على تنفيذه، كما يحرصون على تنفيذ برنامج المنظمة العالمية للصحة، وفي مجال التغذية وفي المنظومة التربوية والثقافية، أي أنه برنامج مقلد أو مستوردٌ .

كيف يمكن تحقيق الحكم الراشد في دولة لا تملك إمكانيات التكيف والتأثير؟، دولة تقدم سياسات يدخل فيها طرف ثالث، لفك النزاعات الداخلية، ولا شك أن الجزائريين عاشوا هذه التجربة يوم اضطرت جماعة إلى عقد اتفاق بين النظام الجزائري و"الفيس" فيما اصطلح عليه بـ: اتفاق " سانت إيجيديو"، في العاصمة الإيطالية روما عام 1994 و1995 من أجل حقن دماء الجزائريين وجمع شمل الفرقاء، ومن أجل بناء جزائر ديمقراطية آمنة، يعيش جميع أفرادها دون خوف، بعدما تعذر عليهم اللقاء في بلدهم، لأن الفضاء الجزائري أصيبت رئته بهواء ملوّث فأصبح "آزماتيك" .

كان لابد على الأحزاب المعارضة أن تستعمل جرعة أجنبية، لمعالجة الوضع، وهكذا تدخل الطرف الثالث الذي مهد الأرضية، ومكن الأطراف المجتمعة من التوقيع على اتفاقيية السلم، رفع فيها شعار: "عفا الله عما سلف"، المؤسف له هو أنه بعد مرور 25 سنة من لقاء روما، لا يزال الطرف الثالث يتدخل في شؤون الجزائر تحت غطاءات عديدة، ولم يتحقق شيئ من مشروع الحكم الراشد في أرض الجزائر، أجهضت فيه كل حقوق الإنسان، لأن السياسة ظلت على حالها ولم يتحقق التغيير، ظل الشعب يتخبط في مشاكل عديدة (السكن والبطالة وتفشي الأمراض) ما دفع بالجماهير إلى الخروج في مسيرات شعبية سلمية، فكانت ثورة 22 فبراير 2019 التي حركت الوضع وكشفت عن العصابة، التي ما تزال أذيالها تنشط هنا وهناك، تقصي وتهمش وتنهب في المال العام.

 عن أي حكم راشد يتكلمون؟ والإنفتاح السياسي الذي يحقق التجانس بين الحاكم والمحكوم لم يتحقق، بدليل أن الدولة أخلت الشروط التي وردت في اتفاقية سانت إيجيديو، فلا يزال معتقلون سياسيون محسوبين على الفيس مثلا في السجون..

 عن أي حكم راشد يتكلمون؟ والمواطن الجزائري يقف على الإنجازات المغشوشة في المشاريع، وتجميدها أو غلقها قبل إتمامها، المواطن الجزائري الذي لا يزال يستعمل قارورة غاز البوتان، المواطن الجزائري الذي يقتات من القمامة، المواطن الجزائري الذي لا يجد ثمن العلاج وغالبا ما يجبر على الذهاب إلى الخواص لإجراء عملية جراحية..

 عن أي حكم راشد يتكلمون ؟ ومسلسل الإعتقالات يلاحق الناشطين في الحراك ويلاحق الصحافيين.. حرية التعبير مقيدة، فالصحافة في الجزائر ( كعيّنة) تعاني من الإحباط لأنها تعتمد في مصدرها على الإشهار، أي على الصدقات التي تمنحها الدولة، وبدون هذا الإشهار هي مهددة بالزوال، دون الحديث عن المتابعات القضائية للصحافيين والزج بهم في السجون بتهمة المساس بالنظام العام، فضلا عن النزاعات الداخلية التي أدخلت البلاد في فوضى ومهدت للتدخل الأجنبي.

عن أي حكم راشد يتكلمون ؟ ونحن نقف على مسؤولين يعقدون لقاءات مغلقة بعيدا عن أعين الصحافة..، انتشار الرشوة والمحسوبية والتوزيع الغير عادل لأجور العمال والإطارات..، هكذا تدار الأمور في بلادي، وقد وجب إعادة النظر في كثير من المصطلحات المستوردة وتحديد المفاهيم كمفهوم "الحكم الراشد" و"الديمقراطية التشاركية" حتى تساهم هذه المفاهيم في عقلنة القرار في جميع المجالات .

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم