أقلام حرة

عبد الجبار العبيدي: العراقيون لاينامون على ضيم

وحدة العراق وشعب العراق.. وحدة سرمدية منذ عصر الحضارات الكبرى.. السومرية والآكدية والبابلية والآشورية.. سرمدية بشعبها المخترع للمظاهر الحضارية.. فهو أول من أخترع العجلة والكتابة والقانون.. ,وأول من رفض حكم الغريب.. شعب له القدرة على ربط الظواهر الحياتية منذ القدم.. قيل في توصيفه "شعب يقرأ الممحي"لم تقهره السنون الا بالقوة الغالبة.. كما قهرته قوة الأسكندر المقدوني عام (331 ق.م)الذي ندم ومات في اراضيهم نادما على تدميره لحضارة العراقيين.ولم تصمد جحافل المغول في اراضيه رغم الاحتلال (656 للهجرة).ولا حتى الساسانيين الحاقدين والعثمانيين والقاجاريين المتخلفين.. لأنه شعب يعبد بلاده رغم قوى الظلام التي هاجمته على مر الاعوام والسنين.. واهمُ من يعتقد انه يستطيع اخضاعه حتى ولو بقوة الحديد.. واهمُ من يعتقد الأنتصار عليه بتزييف الدين.

بعد أنتهاء عصرجمهورية الخوف والرعب عام2003.. والقادة الخائبين.. جاء عصر الوطنيين كما كنا نعتقد خطئاً،.. لكن مع الاسف كانوا في غالبيتهم بعيدين عن الثقة والتدقيق في حمل المهمة الوطنية.. وليس لهم في هذا من أصل.. فاصبحنا ننظر اليهم نظرة الكراهية والخيانة حتى نخرجهم من حكم الوطن أوحتى العودة مرة اخرى لو أقتضى الأمر للنضال من جديد لاجل اعادة الوطن للعراقيين فنحن لا ننام على ضيم. فكانت محاولات ومحاولات أخرها ثورة الأحرار في تشرين 19.. هذه الأنتفاضة الجبارة التي جعلتهم لا ينامون ليلتهم خوفا من الضنين.. يُخطأ من يعتقد انه بأستطاعته قهرهم عبر السنين.. فهل سنأمل من ممثليهم النواب المستقلين الأيفاء بحق دمائهم المهدورة ووطنهم المستباح الذي يستلزم الغضب على الناكرين عند وقوعه أم الذهب الاصفر الرديء سيجعلهم خانعين ؟.. والا هل من المعقول ان الثلث من الأصوات يبطل الثلثين.. بأي دستور كتبت هذه الآقاويل.

نعود ونقول.. ان الاوطان مثل انسان الغابة ان لم يحصن نفسه فأن حيواناتها المفترسة تأكله كلما سنحت لها فرصة الأفتراس دون عراقيل.. واليوم ولأن من يقود العراق يقع في هذه الظاهرة فأن الاخرين المحيطين بالوطن "تركيا وايران" ومن يتبعهم من الخانعين يغتنمون الفرص للعودة اليه والاستيلاء عليه لضمه اليهما.. فأيران تعتقد انه كان جزءً من امبراطوريتها الساسانية السابقة التي اسقطها الاسلام عام (17 للهجرة).. ولا زالت تحنُ اليه.. وحقدها عليه دفين.. تتحجج بالاسلام والمذهب وهي عنهما بعيدة.. خاصة وان غالبية من يحكموه اليوم هم عملاء رخاص لها لا مذهبيين.. لا عزة نفس لهم ولا بطولة ولا حتى قيم الوطنيين.. والاتراك يعتقدون انه جزءً من دولتهم العثمانية السابقة فلا بد من العودة اليه بعد ان خسروه في الحرب العالمية الأولى (1918).. كما هم يعملون اليوم في شمال الوطن لأضعافه.. بحجة مقاومة حزب العمال الكردستاني(البككة).. الأثنان هم في وَهَم الخسران المبين.. فالعراقي لا ينام على ضيم من المعتدين.

الدولتان ايران وتركيا تتحججان باسم الدين والمذهب.. لتحقيق أغراض السياسة.. وكأن الدين والمذهب تحولا من قيم اخلاقية عقيدية الى أهداف توسعية استعمارية.. فأيران تعمل جهدها على تدمير الشعب العراقي للسيطرة على ارضه ومقدراته بهذا التوجه الكاذب الرخيص وأصحابها الأرخص يؤيدون.. وهي وأهل البيت وآيديولوجياتهم المبنية علىى الوفاء للقيم على طرفي نقيض.. فهم لادين يعبدون ولا مذهب يعتقدون.. ؟ والعثمانيون يحلمون بعودة صاحب حريم السلطان لحكم الاشاوس العراقيين.لكن هذا بعدهم..

نعود لنقول:لمَاذا حصل التغيير في العراق.. هل لأجل بيع الوطن والاستحواذ على السلطة والمال.. أم التحرر من الدكتاتورية وظلم الحاكمين.. ؟وهل نسى من كان يأتي الى واشنطن يتمسح بأحذية الأمريكيين قبل 2003 ويقسم انه ما جاء الا من اجل حقوق العراقيين.. واليوم يحاربونهم بأسم التحرير.. شخصيات مزدوجة العقيدة والتفكير.كلهم من الف الى يائهم واتباعهم والمؤيدين كانوا جملة خونة كذابين.. بهذا لا نستطيع ان ننكر مراحل التغيير التي حصلت في تاريخ العراق السياسي الحديث لا بل حتى في القديم، حصلت ثورات وأنقلابات ممزوجة بالعنف والفسوة منذ عهد الحضارات الكبرى وعهد الاستقلال الوطني لكنها لم تصل الى حد الافراط اللامعقول في القتل والتعذيب الجسدي والنفسي وسرقة أموال المواطنين وخيانة الأعراض بلا حدود وقتل العلماء والمفكرين اليوم.. والتهاون في الثوابت الوطنية.. وأطلاق يد الأعداء المجاورين وداعش والقاعدة ومن أحتضنهما وخان الجيش والمقاتلين فذاك ما كان يخطر على بال الوطنيين.. وكذلك حل الجيش العراق والاستعاضة بالمليشيات.. كلها مسلسل من تمثيلية واحدة دون مراعاة لحرمة الوطن والانسان والتاريخ معاً.. العراقيون لن ينسون الخيانة ابداً.

اذن لماذا جاء التغيير.. ؟ فأذا كان التغيير من أجل انفاذ العراق من محنة الزمن القاسية، فلماذا حصلت الانتكاسة أذن؟ فضاع المال والحال والغالي والرخيص واحترق الاخضر واليابس؟ وأذا كان التغيير من اجل المصالح دون الوطن العراقي الكبير، فلماذا الدستور والانتخابات وظهور دولة القانون وعمامة التخريف ؟موضوع شائك وخطير، والقول الفصل فيه يحتاج الى التأني والصبر والتدقيق حتى لا يقع المتابع في خطأ التقدير الذي لا يرحم. وحتى نكون منصفين.. العراقيون لا ينامون على ضيم الخائنين.

النفور الصادق من القيم يستلزم الغضب عند وقوعه.. لذا من يغضب لابد له من التخلص منه.. ومن لم يغضب للتخلص منه، فهو محروم من الخلق المجيد.

والحليم اذا غضب على وطنه وشرفة ومقدساته له صلة محكمة بخلقين عظيمين، عزة النفس وبطولة المخلصين..

وها هم اليوم جاؤا الجدد كما قالوا كاذبين.. نهباً وتشريداً وبيعاً للارض والماء والنفط دون رقيب أوحسيب، حتى تجاسروا على خارطته الوطنية ليستبدلونها بخارطة التغيير.يقصفون بصواريخهم أراضيه ولا يعتبرونها أنتهاكاً للسيادة والحكام الجبناء ساكتين، وخرقوا كل الثوابت الوطنية فيه دون خوف او رادع من ضمير؟ كلنا نطلب الحقيقة ولا غير الحقيقة، لكنهم عَدونا مناوئين فحرمونا حقوقنا المسلوبة من السابقين. تاريخنا ووطننا وشعبنا هو الذي نريد، وليس من واجب المؤرخ دائمأ ان يعثر على الحقيقة، لان واجبه الاول هو عرض القضية بوضوح والقارىءيستنتج أو يحكم بعد ذلك بما يرغب ويريد ؟.ونقول:

فلا تقبلن ضيماً مخافة ميتةٍ.. فموت الحر أسهل من ضيمِ

وتمشياً مع المنهج واسترسالا مع الخبر والحقيقة التي يجب ان تعرف من قبل الشعب كل الشعب، لأن التغيير جاء بأسمه وله.. أقول:

ان رواة الحقيقة عن التغييرهم اصحاب النفوس الزكية.. لا يقبلون الضيم، لا بل ينأون عنه وأهدافه الحقيقية قلة، وعلى قلتهم فهم مقيدون، لا من رجال الدولة ولا من الغاصبين، ولكن من الاثنين معاً.وظروفهم الاجتماعية المربوطة بالدولة ومعايش الزمن الرديء لا تسمح لهم بقول الحقيقة، فالحقيقة مرة عند مغتصبيها لكنهم لن ينامون عليها ضيماً، فالظلم والظيم وخونة الامة والمزورين والمرتشين والراكعين على ايدي المتخلفين مآلهم الا جهنم وبئس المصير..

لذا نرى الكثير منهم وان تكلم يتكلم من منطق عدم الثقة بنفسه وخوفا على اهله والتابعين، فلا تقل جاءت الحرية وعصرجان جاك روسو وأنما عاد عصر العسرة وابو رغال خائن مكة وابن العلقمي خائن العباسيين وأجتياز الصعوبات والمخاض الكبير، لنبني وطناً جديداً للعراقيين، والتاريخ لا يعيد نفسه لكن الزمن يعود باحداث اخرى متشابهة وأن أختلف زمانها، لانك حين تكتب عليك ان تفهم أنك تكتب تحت أراء المختلفين؟ لذا عليك ان تكون صادقاً محايدا امام الله والناس أجمعين. أين اليوم غالبية رجال مجلس الحكم الخائنين الهاربين اصحاب رواتب الملايين الساكنين قصور الثموديين هناك في عمان ودبي ولندن وواشنطن والمنطقة الخضراء (السوداء ) في قصورهم المظلمة قابعين يتحسرون على الوطنيين.

ومهما نقرأ ونكتب لا نخرج الا بأنطباعات ثلاثة:

الاول: ان الكثير من المخلصين لم يعرفوا لماذا أيدوا ورقصوا في عُرس التغيير

.لأنهم ياسوا من الدكتاتوريين الظالمين.

والثاني: ان المخلصين من المغييرين على قلتهم يعرفون انهم بالمسئولية والوطن محددين، فمنهم من مات على الشهادة وهم كُثر لا يعدون. وبقيت اليوم قلة من المخلصين يكافحون وينافحون من اجل الشعب الكظيم. لكن القلة المخلصة كل واحد منهم يعادل الف من الجبناء الخانعين.. فالصوت الشجاع الواحد أكثرية.

والثالث:ان من دبر المؤامرة والانحراف لم يكن منا من لا يعرفهم ولا حتى المغييرين، فهم في غياهب الجب يسكنون او مع شاليط يتحدثون، الم يرقصوا مع أصحاب التمبل في قصر جمهوريتنا العتيد وصورهم لا زالت شاخصة في أذهان المخلصين العراقيين عند التغيير. او عند كارنر وبريمر وولفوت واصحابه الخونة باعة الضمير، فهل من مجيب.. ألم يُقبلونهم من أفواههم على طريقة المثليين ؟ ثروات الوطن تكدست في حساباتهم وهي سمُ زعاف في قلوبهم، والأعتداء على القانون والثوابت الوطنية التي باعوها هي التي تخيفهم اليوم لو سلموا السلطة للاخرين.. والا لماذا هذا الاصرار علنا عندهم على البقاء في السلطة رغم خسارتهم في الانتخابات.. لكن خسارة السلطة ستقدمهم لأقفاص القانون غداً.. فهل دروا...ان الله يمهل ولا يهمل.. فاين السابقين ؟.

فهل بالتحالفات الوفاقية فيما بينهم سيحكمون بدكتاتورية جديدة بأضفاء الشرعية القانونية عليهم لبيقوا يحكمون؟وهل بالمحاصصة الوظيفية البغيضة والطائفية اللعينة سيبقون؟ وهل بالرشاوى التي يقدمونها لاصحاب النفوس الرخيصة من اصحاب الدولار.. وعن الكهرباء والماء والتعليم والمرض والارض المباعة وحقول النفط المشتركة الموهوبة ظلماً للاخرين لا يعرفون؟ أين أختفى السارقون ؟ هاهم في عمان ودبي وكندا وشيكاغو ولندن وباريس وواشنطن يسكنون، مرفهون في أموال اليتامى لكنهم بالحقارة والتعاسة والخيانة يعيشون حتى ملابسهم تكرههم والمرافقون، يخجلون حتى من دخول مجالس الناس لانهم خائنون، انها ايام سوداء تلك التي تمر عليهم وهم يشعرون، اما كان الافضل لهم ان يكونوا نبراسا لوطنهم مثل الاخرين، وبكل مفاييس المقدرين.امر يدعو الى التفكير، يا شعب العراق تمسك بالمخلصين.. من أمثال ثوار تشرين.. 19.. لكن اللصوص لا يمكن ان يكونوا شرفاء..

 

أيها المخلصون أخترقوا الصعاب لتثبتوا الجدارة والاخلاص للشعب والوطن، فبالوفاء وحده يحقق الامل، وبالقانون وحده يسود الامن الرصين؟، والقرأن الكريم يقول: (وأوفوا بعهدكم اذا عاهدتم ولا تنقضوا الآيمان بعد توكيدها). أما اذا أبتعدتم عن الوفاء فلا أمل تحققون.. جهلاء من يعتقدون انهم بقوة الباطل ينتصرون.

من واجبنا نحن المؤرخين ان ننبه الناس الى ضرورة البحث عن حقائق الامور، رغم تجاهلهم لنا عمداً وحقوقنا الشرعية مهدورة عندهم الى اليوم. وعلينا ان نقرأ ونتأكد من الذي حدث قبل ان نكتب ما نريد. لقد زالت الدولة برجالها، وجاءت الدولة برجال أخرين، فهل سألنا أنفسنا، لماذا ذهب السالفون وجاء القادمون؟ امن أجلهم جاء التغيير ام من أجل الناس والوطن وكل المعذبين، فهل جاء الاسلام من أجل ان يحيا بالناس ام يحيا به الناس أجمعين؟ فهم حكام والسابقون حكام وكلهم من العراقيين، فالافضيلية للمخلصين.لا لأسماء الحاكمين. وأنا أقرأ التاريخ والنصوص فلم أجد فيها الا القليل من الادلة على التغييرالكلي بين السابقين واللاحقين.

وأذا أردنا الحق- ونحن نبحث هنا عن الحق والحقيقة - فهذا يا سيدي مقتدى الصدر ان ما تقوله.. كلام فارغ.. قل الحقيقة او تصمت.. كان بأمكانك منذ دخول الخضراء ان تغير.. لكن الرجولة ابت ان تنفذ خوفا من المصير.. فلا تبرر ونحن نرى بأم ِ اعيننا كيف تتصرفون بأموال الناس، وبوظائف الدولة تتحكمون، فلا احد يستطيع اختراقكم ابداً، فالوزارة لكم، والسفارة لكم، والبنوك لكم، ومؤسسات الدولة كلها لكم، فهل من اجل هذا جاء التغيير، لابل حتى حقوقك المشروعة لن نستطيع ان نأخذها منهم لأننا نحمل لقب المعادين كما يعتقدون.. وملاحقات الروتين؟ أذن لمَ جاء التغيير.فهل ان عهد السالفين عاد علينا بثوب جديد؟ لا زلنا نراه مزركشاً لكنه يخفي تحته كل أدران السالفين؟

العراقيون اليوم بحاجة الى قادة يفكرون بطريقة منطقية وعقلية.. ولا يستسلمون للعاطفة والخيال، ليستطيعوا ان ينقلوا مركز الثقل في العلم من الخيال الى الواقع ومن النظري الى العملي، ليحدثوا التغيير في الوطن.. ليكون للأنسان العراقي حرية الحركة والعمل والقول، وان يكونوا آمناء على أنفسهم واموالهم وثمرة عملهم وان يكون هذا الحق مكفولا بالقانون والعرف الاخلاقي للجماعة.. وهذا ما هدف اليه الدين.. أما ان يكون ضحية للحاكمين.. فهذا هو المستحيل..

وعلى الايرانيين والاتراك المجاورين الطامعين بالعراق ان يدرسوا التاريخ بتمعن ليدركوا ان الزمان قد تغيروان يحذروا من الاغترار بالدنيا والجاه والسلطان.. فالزمان لا جديد فيه الا العدل ولا غير.. فالانسان يبقى كلمة.. والوطن يبقى عقيدة.. والحقوق تبقى قانون.. أفهموها ايها الحاكمون.. ايها الطامعون بالوطن الكظيم.. افهموا الحق والحقيقة وان قلت ايها المعتدون.. ؟

***

د.عبد الجبار العبيدي

 

في المثقف اليوم