أقلام حرة

الانهزام الداخلي

ليس هناك شيء يضعف النفس، يقتل شحنة الحياة الموجبة، يشل حركة الدماء في العروق، يحبس الانطلاق أنفاس السعادة؛ مثل الانهزام الداخلي، حين نرفع الراية معلنين إفلاسنا، نشهر كساد مشاريعنا، نرضى بالهزيمة المدمرة لذواتنا .

وما ذاك الانهزام الداخلي سوى صدى الخواطر السلبية، احتلت مركز قرارنا، فطوعت سلوكنا ليقبل الانهزام والانكسار، يرضى أن يكون مع الخوالف، يكون مع الموتى، وحق لذواتنا أن تتحرر من أسر تلك العادات والنداءات المحبطة للعزائم، القاهرة للنفس .

ومن العادات التي ألفناها وتعودنا سمعاها زيادة الإشفاق والخوف على النفس، فينحى الكثير للراحة والبطالة، يغلق باب المجاهدة والأخذ بالعزائم، وننسى أن النفس تروض وتهذب وترتقي بالطاعات والأعمال الصالحة، أحسن شاهد لنا نتعلم منه المجاهدة قدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم، فكان الأكثر عبادة في صلاته وصيامه وذكره وفي دعائه، كان الأكثر حرصا على خدمة أهله ورعاية شؤون المسلمين عامة، يوزع أدوارها توزيعا عادلا في إطار شامل، فكان  لا يهمل واجبا إلا أقامه على أحسن وجهه ، يواظب على استمرار يته ومحافظة عليه.

يقول عليه الصلاة والسلام:

(سَدِّدوا وقارِبوا واعلموا أنه لن يُدخِلَ أحدَكم عملُه الجنَّةَ وأنَّ أحبَّ الأعمالِ إلى الله أدومُها وإن قَلَّ)

الراوي: عائشة أم المؤمنين | المحدث: الألباني | المصدر: صحيح الترغيب

الصفحة أو الرقم: 3174 | خلاصة حكم المحدث: صحيح 

التخريج: أخرجه البخاري (6464) باختلاف يسير، ومسلم (2818) مطولاً

و يضاف لهذه المعوقات التحرر من المثبطات والفرامل، دعاوى لحن يصدره المفشلون يزعمون أن المواعيد سبقتنا وأن أعمارنا سكنها الوهن، بدعوى نحن في مرحلة التقاعد القصري، والدعوة باطلة ومروجوها يلبسهم المكر والخديعة، فالخير لا يحبسه عمر ؛ بل يحبسه عطالة الحركة وخور العزيمة، وحرمان فرص الإبداع متاحة.

و من المعوقات الداخلية الجزع والشكوى التي تحول الحياة كابوس قاتل، تصير معه الدنيا مظلمة وتصير أبواب الانفراج فيها ضيقة، فلا يرضى المرء بالقليل، يرى المتاح مفقودا، فيرى الدنيا بلا قيمة ولا جدوى لاستمتاع بها، فيعيش الحرمان.

و تضاف لهذه المعوقات مرض آخر خطير، لا يقل خطورة من غيره، إنه عائق الجمود والتحجر، مثله كماء عفن لازم الوحل والطمي فتعفن لأنه بلا حراك ولا تجديد، فلا فرق في القياس بين الأمرين، حين تصيب النفس الإهمال والترك، فمتعة الحياة في تنوعها الطبيعي، فرفض الإبداع والابتكار يولد القلق والاضطراب وعدم التوازن المطلوب وهو حال المجتمعات المتخلفة .

و من الأشياء التي تهز النفس وتضعفها قلة الصبر والاحتساب، فالصبر مدرسة فيها يتعلم المسلم قوة المقاومة والقدرة التغلب على المشكلات العارضة، يحبس النفس عن الجزع والحيرة والفزع، والصبر يواجه الأحوال الضاغطة بقوة تحمل، لتحول النفس الضعيفة المستسلمة لنفس قوية، لها القدرة على مواجهة الضربات، ولأنه يعلم أن الأمور كلها بأمر الله تعالى . يقول الله تعالى: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (الأنعام:17). والعجيب أننا حين نقف عند آيات القرآن الكريم تسلي أرواحنا بتلك الومضات النورانية،و ترسم لنا ملامح المؤمن المستحق للجائزة الربانية يقول عز من قائل: (وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً) (أولئك يجزون الغرفة بما صبروا، ويلقون فيها تحية وسلاماً) (سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار).

***

الأستاذ حشاني زغيدي 

في المثقف اليوم