أقلام حرة

الأبعاد الاجتماعية في الإسلام

يحملني التأمل والتدبر لأقف عند الآيات وروائعها بل سحر إعجازها، أقف عند حقائق لا يعارضها أحد، فربنا خلق الخلق ودبر الأمر، وطوع الأشياء مسخرة بأمره، كل ذلك لا خلاف عليه، فالكل يجمع أن لا رب للسماء والأرض سواه سبحانه،تلك حقيقة تقرها فطرة الإنسان، لكن الخلاف عند المنكرين أن الله سن وشرع لنا أحكاما تنظم حياتنا، تصلح أحوالنا، يزعمون أن الإسلام رسالة سماوية تصلح الروح ولا تتعداها لتتناول مظاهر الحياة جميعها .

يقول الله تعالى:

{إنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْـخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54].

والإسلام باعتباره خاتم الأديان السماوية، جاء بمنهج متكامل، يهتم بشتى الجوانب المادية والروحية سواء بسواء، فهو منهج متوازن، يعنى بتحصيل المال بالضرب في الأرض والسير في المناكب، فيطلب منا أن يصلي ونسعى في طلب الرزق، يحثنا على الزواج وتأسيس الأسرة، يوصينا أن نكرم الزوجة ونحسن إليها، يجعلنا مسؤولين على حسن تنشئة أبنائنا وصالحهم، يحثنا على بر الوالدين وخدمتهم، فيجعلها أفضل قربة بعد طاعة الله .

كما يعنى برعاية حقوق الآخرين، فيجعل للجار حقوقا، فحقه أن يعط إذا احتاج، ويطعم إذا جاع، نواسيه إذا ألم به مكروه، بل يحرم أن نؤذيه بمكروه ولو كان مخالفا لنا في العقيدة والدين، فالإنسانية تحثم على الإنسان أن يرحم أخوه الإنسان .

فلا يبيح الإسلام التفريط بحقوق فرد واحد من المجتمع، فلا يسلمه جائعا أو عطشا أو عار مشردا بين زوايا والطرقات أو البيوت المهجورة التي تنعدم فيها شروط الإنسانية، ولا يترك العجوز متسولا ولا الطفل الذي لا يستطيع حيلة لتعبث به أيادي الغدر في الشوارع تائها، فكل ذلك تقصير يلام عليه الجميع دولة ومجتمعا .

يقول الله تعالى :

{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ، فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ، وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} من سورة الماعون الآية 3 -1

كما أنه لا يضيق بالمباحات، فلا يحرم التزين ولا الاستمتاع بالملاذ المشروعة التي يقابلها الشكر والحمد والثناء، لكن لا يرفض  الإسراف والتبذير والمغالاة، يرفض الاحتكار وحبس السلع، يرفض الاستغلال واحتقار آدمية الناس، فالقوي يرحم الضعيف، والغني يرحم الفقير والمحتاج، منهج يجعل من مال الأغنياء نصيبا مشروعا للفقراء والمساكين وغيرهم، كي تقر عين الفقير والمحتاج على أخيه الغني .

فالإسلام منهج وازن بين الروح والإيمان، ولم يمنع حق الحياة، فلا قوام لحياة الروح إذا ضاع البدن، وضاع حق الإنسان، وضاع حقه في الحياة الكريمة، فالدنيا مطية الآخرة، فإذا كان حق الإنسان أن يرقي روحه بالطاعات، فجسده يحفظ ويحمى  بالخبز والطعام .

يقول الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إني حريص على ألا أدع حاجة إلا سددتها ما اتسع بعضنا لبعض، فإذا عجزنا تأسينا في عيشنا حتى نستوي في الكفاف) من كتاب سيرة عمر بن الخطاب، لابن الجوزي، لناشره المطبعة التجارية الكبرى بالقاهرة ص101

هذه بعض أبعاد الملامح الاجتماعية التي تميز منهج الإسلام وهي في الحقيقة لا غنى للإنسانية عنها، لا يفرق بين مسلم أو غير مسلم، لأن حق الانسان أن يحيا الحياة الكريمة .

***

الأستاذ حشاني زغيدي

في المثقف اليوم