أقلام حرة

كيف تكون الأفضل؟

يبحث الكثير عن التميز والنجاح، يحلم الكثير تحقيق أحلامهم وأمنياتهم، يحلم الكثير بلوغ مراتب الاستحقاق وهذا أمر إيجابي، يتوافق مع فطرة الإنسان، فلا أحد يرضى بالرتب الدنيا، أو يرضى احتلال المراتب المتأخرة، ففطرته تريده أن يكون الأول في كل شيء، وهذا أمر نسبي التحقيق، لا يحظى به الكل، مع أن طلب الأفضلية أمر مشروع والسعي أمر مستحسن، للوصول لمراتب الأفضلية هذا ما سيكون صلب حديثنا، نطرحه من زوايا حقيقة مبتغى هذه الأفضلية التي يسعى الكثير لتحقيقها والظفر بها، نستعرض بعض النماذج .

في مسرح الأحداث ومحافل الحياة ودروبها لأن الكل يسعى لليلاه، فواحد ليلاه تحصيل الغنى والترف المادي، وذلك ليس مذموما في ذاته، لكن لكي نكون الأفضل، يكون وسيلة لا غاية، فيحصل عليه بالوسائل المشروعة، بالكد والاجتهاد، ثم لينفق في وجوه الخير، يستمع به في مباحاة الدنيا وسعادة الآخرة، أن يكون للفقير نصيبه من الزكاة والصدقة،يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله تعالى، يتجمل بالآداب المثلى التي جاء بيانها في آيات القرآن الكريم

 قال تعالى:

{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264) وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (سورة البقرة)

وآخرون يركبون زمام النفوذ والسلطة ووجاهة المكانة بعلو المنصب ورفعة المقام وهو مبتغى النفس وهي وظائف تعطي لأصحابها من المزايا والامتيازات، لكن الأجدر والأحق بالفوز بالأفضلية، أن يوضع مقامه وسمو رتبته في خدمة المجتمع،و تخفيف معاناته، تحقيقا لصفة الفرد الصالح في المجتمع (نافع لغيره)

و أي فضل وعلو شأن حين يستخدمنا ربنا لرعاية حقوق الناس وخدمتهم، فهي فضيلة عظيمة لا يساويها فضل، شريط أن تؤدى على وجهها الصحيح، فننال خير الدنيا والآخرة، ويا بشرى لمن كانت الجنة نصيبه ومأواه.

 يقول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص: 83]

 

نحاول أن نسوق بعض النماذج الأفضلية بالموازين الحقيقية نستعرض نصوصا شرعية، تبين ما يجب أن يكون عليه المتنافسون على مراتب الأفضلية وقد اكتفيت بموذج توضيحي لكثرة الأمثلة في القرآن الكريم والسنة الشريفة وجدت النموذج المفضل جاء في سياق وصايا لقمان الحكيم لابنه

قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ. وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ. وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَان بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ. يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ. يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ. وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} سُورَة لُقْمَان: الْآيَات 12 – 19

وفي آخر المقال علينا أن ندرك حاجتنا للتربية الصحيحة، فهي المحصن والحامي، أتخيله واجب الأسرة والمدرسة والمربين والمجتمع والدولة على حد سوى، يكون محصل تلك التربية تحقيق الآمن النفسي والاجتماعي، ليكون ختام نتاجه سعادة الدنيا والآخرة .

***

الأستاذ حشاني زغيدي        

في المثقف اليوم