أقلام حرة

الإبداع الطوباوي!!

صادق السامرائيأبدع: أتى البديع (مما بلغ الغاية في بابه)

أبدع الشاعر: جدَّد، أتى بالبديع من القول

طوباوي: مَن يحلق بعيدا عن الواقع

السعي لتحقيق أهداف خيالية لا رصيد لها في الواقع، تسببت بتداعيات حضارية مروّعة في المسيرة العربية على مدى ما يقرب من قرنين، ولا تزال الأمة تتحرك في ذات الدائرة المفرغة، الخالية من الإنجازية العملية والعطاء الفاعل في صناعة الحياة الحرة الكريمة.

والطوباوية سمة الإبداع بأنواعه، ولهذا فالمسافة بين الواقع والمبدعين تزداد إتساعا، فأصبح الإبداع مجرد كلام، أو هذيانات مبهمة لا يفقهها القارئ.

فتجدنا غارقين في الحماسيات والبكائيات والذاتيات والهروبيات، والتحليقات التائهة في غياهب المجهول، وبإستحضار أفكار خيالية مفعمة بتأمين الإنهزامية والإنكسارية، والتأهيل للنكبات، والتعبيرات المستضعفة الخالية من إرادة الحياة المتحدية المتوثبة، المؤمنة بالصيرورة الحضارية والإنجازية الأكيدة، التي تمنح الأجيال طاقات التواصل الأمين.

إبداعاتنا الأدبية منقطعة عن الواقع الذي من المفروض أن تتفاعل معه، وإن حاولت ذلك فترتدي أثواب الندب والبكاء على الأطلال والتحسر على ما كان، وفيها طاقة تشاؤمية عالية، وحزن مروع، خال من بارقة أمل، وأكثرها تدعو لليأس ولتثبيط الهمم، والإذعان للغير، والتوهم بأن الأمة مدفونة ومدثرة بالوجيع، وترقد في مغارات العدم والإنقراض.

مما يؤكد أن المبديعين متصومعين في صناديق الذات المتمترسة بالغرائب والعجائب، وكل منهم يحسب ما يراه البلسم الشافي، والمشروع المعافي، وهم يهذربون، وبأوهامهم يسبّحون، وعلى بساط خيالاتهم يسجدون!!

وتراهم يرتلون آيات ما لا يعرفون، ومن شدة هيامهم، وفيض وجدهم، على غيرهم يتحاملون، وما أفادوا الأمة، بل اوقعوها في وهاد الويلات والتداعيات، ولا يزالون في إبداعاتهم يسكرون.

فهل تحتاج الأمة لإبداع لا يطعم من جوع ولا يؤمّن من خوف؟

الإبداع الحقيقي ثورة شاملة كاملة، وتثوير للطاقات الجماهيرية، وصبها في مسارات ذات إنجازات أصيلة ملهمة للأجيال، ودافعة بمسيرة الحياة إلى آفاق المطلق الرحيب.

فهل إستطعنا أن نكون بما أبدعنا؟!!

***

د. صادق السامرائي

في المثقف اليوم