أقلام حرة

بين رصاص العشيرة وطاعون المخدرات.. لماذا الشطرة والناصرية تحديدا؟

علاء اللاميما يحدث في مدينة الشطرة هذه الأيام هو صورة مصغرة لما يحدث وسيحدث في العراق التابع والمحكوم بالتوافق الدولي والإقليمي بواسطة شبكة الفساد المحلية، وهو يحدث منذ عدة سنوات في عدة مدن وأرياف عراقية ولكنه لم يصل الى الدرجة التي وصلها في هذه المدينة المبتلاة بالقمع والتهميش طَوال عقود مضت، وتتصارع فيها، كما في عموم محافظات الجنوب، ومنها محافظة ذي قار العشائر المتداخلة والمتخادمة مع المليشيات الحزبية ومراكز قوى الفساد في منظومة الحكم. ولولا مقتل القائد العسكري فيها قبل أيام خلال اشتباك بين عشيرتين لما لفتت الدماء المسفوكة في الشطرة أنظار حكام المنطقة الخضراء في بغداد، وهؤلاء الحكام بالنيابة سيجعلون الشطرة دريئة لسهام قمعهم العشوائي وحلولهم العسكرية التي ستعقد الأمور بدل أن تحلها أو تحلحلها. إن الحكم في العراق فاشل وعاجز عن أن يحل أية مشكلة مهما صَغُرت ومنها مشكلة تغول المؤسسة العشائرية التي ساهم النظام نفسه وبكل قوة في تحويلها إلى ما هي عليه الآن حين خرج المارد من القمقم وتمرد على صانعه.

القتلى والجرحى وأجواء المطاردة وحظر التجول والدوريات العسكرية تجعل المدينة تعيش ما يشبه الحرب الأهلية. إن القمع العسكري الفوقي لوحده لن يوقف المواجهات العشائرية الدمية وعمليات الإعدام على الهوية العشائرية إلا لفترة محدودة، وستبقى النار تحت الرماد. كما أن توجيه اللوم إلى جميع شيوخ العشائر ومسلحيهم هو نوع من التضليل والقفز على المشكلة، والمشكلة هي: ضمور وجود الدولة وتحولها الى مسخ دولة تضم دويلات وعصابات ومراكز قوى ممنوع على أي طرف فيهم الانتصار والغلبة، ممنوع بقرار من القوى الأجنبية التي جاءت بهذا النظام وفق مخطط "المتاهة التي لا خروج منها إلا بكسرها" الذي وضعه الاحتلال الأميركي لحكم العراق منذ سنة 2005!

إن المشكلة هنا وليست في القشور والمظاهر السطحية الخارجية المتغيرة، فنظام الحكم هو الذي سنَّ قانون العشائر الذي لا ضرورة له بل الضرورة كل الضرورة الآن في إلغائه واستبداله بلائحة عقوبات تهدف لتحجيم نشاط وحضور العشيرة وحصره في الميدان الأنسابي والتراثي الفولوكلوري، ومنع العشيرة وغيرها من مؤسسات هوياتية فرعية كالهيئات الدينية والمدنية من منافسة الدولة وجهازها القضائي في الحياة اليومية واعتبار التشريعات والعقوبات التي تصدر عن العشيرة عملا من أعمال الخروج عن القانون والتمرد المسلح.

إن المناداة بتطبيق هذه الأمور ليست تطرفا وانعداما للواقعية بل هو من أبسط ممارسات وواجبات الدولة حتى قبل قرن من الآن وحتى في مجتمعات ما قبل الدولة الحديثة، ولكن المنظومة الحاكمة اليوم تجد أن استمرار هذه الظواهر المدمرة والدماء المسفوكة هو من أسباب قوتها واستمرارها في الحكم، فالمنظومة الحاكمة والميتة سريريا اليوم والمهددة بالوقوف وراء قضبان العدالة غدا لمحاكمتها على جرائمها طوال عقدين من السنوات هي حتى من حيث قيادات الصف الأول منها من هذه المؤسسة العشائرية وهؤلاء حريصون على ضمان أصوات العشيرة الانتخابية ودعمها المادي والمعنوي في أيام الشدة وانهيار الحكم.

إن ما يحدث في الشطرة الحبيبة الجميلة هو صورة مختلفة قليلا مما يحدث في مدينة الناصرية التي يجتاحها طاعون المخدرات حيث يعلن بشكل شبه يومي عن انتحار شاب أو أكثر تحت تأثيرها وفيما تنتشر مصانع ومراكز تصنيع هذه السموم القاتلة في ظل تساهل وعجز وتواطؤ السلطات الحاكمة، ومن حق الناس أن تتساءل لماذا الناصرية والشطرة تحديدا؟ هل هناك مخطط مسبق لتدمير البنية الاجتماعية الباسلة في تصديها للمنظومة الحاكمة وتصدرها للكفاح السلمي خلال التظاهرات الاحتجاجية التي لم تنقطع في الناصرية وبدعم ومساهمة مباشرة وكثيفة من أهل الشطرة وقراها؟ نحن هنا نتساءل فقط محاذرين الوقوع في ما يسميه البعض "فخ" عقلية المؤامرة، فعن أية عقلية مؤامرة يجري الحديث والحُكام أنفسهم هم المؤامرة المكشوفة بالأسماء والأرقام والانتماءات!.

***

علاء اللامي

في المثقف اليوم